أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني














المزيد.....

عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 02:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تشغل عشتار أربيل مكانة بارزة في البانثيون الآشوري، إذ شكّلت إحدى أهم الإلهات اللواتي ارتبط حضورهن بالسلطة الملكية والشرعية الدينية في بلاد آشور. وتُظهر النقوش الملكية منذ عهد سنحاريب أنّ عشتار أربيل لم تكن مجرد إلهة محلية، بل كانت قوة إلهية داعمة للملوك في حملاتهم العسكرية، جنبًا إلى جنب مع آلهة كبرى مثل آشور، سين، مردوخ، نابو، شمش، ونِرغال. كما يرد ذكرها بوضوح في المعاهدات والاتفاقيات السياسية بوصفها إحدى الإلهات المكلفة بإنزال العقاب على من يخلّ ببنودها، وهو دور لا يُمنح إلا للآلهة ذات المكانة الرفيعة في النظام الديني الآشوري. وتكشف النصوص عن حضورها بين الآلهة الشاهدة على العهود، وتتضمن صيغ الدعاء واللعنات إشارات مباشرة إليها، مثل طلب انعدام رحمتهـا وقسوتها على المخالفين أو استدعاؤها كإلهة حرب تكسر الأقواس وتجعل الأعداء يخرّون صرعى. هذا الحضور الديني والسياسي المكثف يعكس الدور المحوري الذي احتلته المدينة نفسها داخل البنية العقائدية والسياسية للدولة الآشورية، ويُبرز المكانة الخاصة لعشتار في الذاكرة الدينية للمنطقة.

اولا: عشتار أربيل في سياق تاريخ المدينة وديانتها القديمة

يُعدّ حضور عشتار أربيل جزءًا جوهريًا من تاريخ المدينة الديني والسياسي، إذ شكّلت أربيل واحدة من أقدم المراكز الحضارية في شمال بلاد الرافدين، وبرزت منذ الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد بوصفها مدينة ذات وظيفة دينية محورية. وتقدّم النصوص الآشورية دليلاً واضحًا على أنّ عشتار أربيل كانت الإلهة الرئيسة للمدينة، وأنّ معبدها الواقع على مرتفع القلعة لعب دورًا مركزيًا في الحياة الشعائرية. وقد ارتبط هذا الحضور الديني بالمكانة الاستراتيجية لأربيل داخل الإمبراطورية الآشورية، إذ كانت المدينة تُعد نقطة التقاء بين الطرق التجارية والعسكرية، الأمر الذي منح معبد عشتار دورًا مضاعفًا في ترسيخ الولاء السياسي والديني.

وتكشف النقوش الملكية والمعاهدات أنّ عشتار أربيل لم تكن مجرد إلهة محلية، بل قوة إلهية معترفًا بها على مستوى الإمبراطورية، تُستدعى في الحملات العسكرية وتثبيت العهود إلى جانب أعظم آلهة آشور وبابل. ويعكس هذا الحضور المتقدم مدى تجذر عبادة عشتار في المدينة، وارتباطها بالهوية الروحية لأربيل باعتبارها مركزًا لعبادات الخصب والحرب معًا. ومن خلال هذه المعطيات يمكن القول إن ديانة أربيل القديمة امتازت بطابع مزدوج يجمع بين الوظيفة الطقسية داخل المدينة، والدور الإمبراطوري الواسع الذي أدّته عشتار بوصفها إحدى أهم الإلهات في الشرق الأدنى القديم.

ثانيا: ديانة أربيل القديمة ودور عشتار

تحتلّ أربيل موقعًا فريدًا في تاريخ ديانات شمال بلاد الرافدين، إذ تشير الأدلة الأثرية والنصوص المسمارية إلى أنّ المدينة كانت منذ بدايات العصر البرونزي مركزًا دينيًا مهمًا لعبادة عشتار، الإلهة المرتبطة بالخصب والحرب والسلطة الملكية. وقد سمح الموقع الجغرافي لأربيل—الواقع عند تقاطع مسارات التجارة بين سهول آشور والجبال الشرقية—بتحويل معبد عشتار فيها إلى محطة روحية لا تقتصر أهميته على السكان المحليين، بل امتدت إلى الملوك الآشوريين الذين أولوا المدينة تقديرًا خاصًا. ويظهر هذا التقدير جليًا في النقوش الملكية منذ عهد سنحاريب، حيث تُذكر عشتار أربيل باعتبارها إحدى القوى الإلهية التي تمنح الشرعية للملوك وتدعمهم في الحملات العسكرية، إذ تُستدعى إلى جانب آشور ونابو ومردوخ ونِرغال وشمش، ما يدل على مكانتها الرفيعة في البانثيون الآشوري.

كما تكشف المعاهدات السياسية أنّ عشتار أربيل كانت تُستحضر بوصفها حامية للعهود وموكلة بإنزال العقاب على من يخلّ بالتزاماته، ما يعكس الطبيعة المزدوجة للإلهة: فهي من جهة إلهة خصب ورعاية، ومن جهة أخرى إلهة حرب وقوة، تُكسّر الأقواس وتجعل الأعداء يخرّون في ساحة القتال. ويمتد تأثير عشتار إلى الصيغ التحيات الرسمية في الرسائل الملكية، ما يشير إلى أنّ حضورها كان جزءًا من الحياة اليومية للإدارة الآشورية، وليس مجرد طقس ديني مرتبط بالمعبد.

ثالثا: ارتباط عشتار بالمكان

ارتبط هذا الحضور الديني الوثيق بالقالب العمراني للمدينة، إذ كان معبد عشتار يقع فوق المرتفع الذي تشكّل عليه قلعة أربيل الحالية، وهو موقع ظلّ مأهولًا ومتواصلًا عبر آلاف السنين، مما حافظ على مركزية التل في الوعي الديني للمدينة. وتشير الدراسات إلى أنّ الطقوس التي تُمارس في أربيل كانت تتجاوز المستوى المحلي، وامتد تأثيرها إلى نينوى وآشور، بل وإلى المناطق الجبلية شرق دجلة. ومن خلال هذا الامتزاج بين المكان المقدس والسلطة الملكية، تحوّلت أربيل إلى مدينة دينية ذات طابع خاص، تُعرّف من خلال إلهتها الرئيسة عشتار، وتؤدي دورًا مهمًا في التواصل بين العالمين الجبلي والسهلي، وفي الحفاظ على توازن ديني وثقافي داخل الإمبراطورية الآشورية.

إنّ دراسة عبادة عشتار أربيل تكشف أنّ تاريخ المدينة الديني لا ينفصل عن دورها السياسي والاجتماعي، فإلهتها لم تكن مجرد رمز ديني، بل عنصرًا مؤثرًا في تشكيل هوية المدينة ودورها في الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة. وتظهر هذه الأدلة أنّ أربيل، بفضل عشتار، كانت مدينة ذات إشعاع روحي تجاوز حدودها الجغرافية، وأسهمت في صياغة المشهد الديني والحضاري في الشرق الأدنى القديم. ومن هنا فإن إدراج تاريخ عشتار ضمن سياق البحث لا يكتفي بتوثيق جانب من الماضي، بل يمنح القارئ مفتاحًا لفهم العمق الروحي الذي شكّل شخصية أربيل عبر العصور.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعدّد الأحزاب التركمانية في أربيل: تعددية سياسية أم تشتت يقو ...
- الجبهة التركمانية في أربيل: من ذروة القوة إلى نكسة نوفمبر قر ...
- انتخابات بلا وعي… ووطن يكرر جراحه
- المرشح والناخب بين الوهم والحقيقة: مسرحية انتخابية متكررة
- قلعة أربيل بين الأيادي الأصيلة والأيادي الحزبية
- إشكالية تشكيل الحكومة في إقليم كردستان: قراءة تحليلية في أسب ...
- العراق على أعتاب انتخابات نوفمبر 2025: 22 سنة من الخراب والف ...
- مشروع أكاديمي مقترح بيت المؤتمرات العلمية في قلعة أربيل
- الاستفتاء الكردي: استحقاق مؤجَّل لا حلم عابر
- الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشر ...
- الإرهاب الأميركي المقنّع بالديمقراطية: تحليل وثائقي وسياسي خ ...
- جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...
- فن تخطيط المدن في فكر روبير أوزيل: من الفلسفة إلى التطبيق
- الكيان الصهيوني بين حماية الدروز وإبادة الفلسطينيين: ازدواجي ...
- خارطة طريق لإنقاذ كردستان: إصلاح من الداخل لا مغامرة نحو الم ...
- الشرق الأوسط الجديد: سيناريو تفكك المحور الإيراني وهيمنة أمر ...
- ترامب بين جنون العظمة واضطراب الشخصية: قراءة في السلوك النفس ...


المزيد.....




- ترامب وميلانيا يرحبان بمحمد بن سلمان في البيت الأبيض لحضور م ...
- غارة إسرائيلية جنوبي لبنان توقع 13 قتيلا والجيش الاسرائيلي ي ...
- مستوطنون متطرفون يحاولون إدخال قرابين حيوانية للمسجد الأقصى ...
- -الغريب-.. هل علي عزت بيغوفيتش هو الحل؟
- أمريكا.. الكونغرس يُقرّ مشروع قانون يلزم وزارة العدل بنشر مل ...
- إسرائيل تنشر فيديو لاستهداف موقع في مخيم عين الحلوة بلبنان
- -النواب الأميركي- يصوّت لصالح نشر وثائق قضية إبستين
- -حماس- تعلّق على إعلان إسرائيل استهداف معسكر لها في لبنان
- البيت الأبيض: ترامب يوافق على صفقة دفاعية ضخمة للسعودية
- ترامب ومحمد بن سلمان يوقعان اتفاقية الدفاع الاستراتيجي


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - عشتار أربيل: القلب الروحي لتاريخ المدينة الديني