أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشروع مسرور البارزاني المائي في أربيل














المزيد.....

الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشروع مسرور البارزاني المائي في أربيل


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 00:18
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ فجر التاريخ، كان الماء عصب الحياة ومصدر بقاء المدن وازدهارها. وأربيل، المدينة العريقة التي تعانق قلعتها السماء، كانت وما تزال بحاجة دائمة إلى مشاريع استراتيجية لتأمين المياه. في القرن السابع قبل الميلاد، شيّد الملك الآشوري سنحاريب مشروعاً هندسياً عظيماً لنقل المياه من بستورة إلى أربيل، عُرف لاحقاً باسم مشروع سنحاريب المائي. واليوم، بعد مرور أكثر من سبعة وعشرين قرناً، يفتتح رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني مشروعاً جديداً لتزويد المدينة بالمياه، يمكن أن يُطلق عليه بحق مشروع مسرور البارزاني المائي، ليكون بمثابة “سنحاريب العصر الحديث” في خدمة أربيل وأهلها.

مشروع سنحاريب المائي: عبقرية الآشوريين

في العصر الآشوري الحديث، أدرك سنحاريب أن السيطرة على الماء تعني السيطرة على المدينة والحياة نفسها. لذلك أمر بإنشاء شبكة من القنوات المائية والأنفاق والجسور الحجرية (الأكوادكت) لنقل مياه بستورة إلى أربيل.
اعتمد المشروع على الانحدار الطبيعي، حيث جرى ضبط الميلان بعناية مذهلة مكّنت المياه من التدفق المستمر نحو القلعة. لم يكن الهدف مقتصراً على الشرب، بل شمل توفير الري للزراعة وضمان اكتفاء المدينة الغذائي، إضافة إلى تعزيز مكانة أربيل كحاضرة آمنة ومزدهرة داخل الدولة الآشورية. لقد جسّد هذا المشروع روح العصر: الجمع بين الهيبة الملكية والقدرة الهندسية.

مشروع مسرور البارزاني المائي: رؤية حديثة

في القرن الحادي والعشرين، تتكرر الحاجة نفسها لكن في سياق مختلف. مدينة أربيل اليوم لم تعد قلعة محصنة يسكنها الآلاف، بل حاضرة كبرى يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، تحتضن أحياء سكنية ومشاريع صناعية وتجارية واسعة. من هنا جاءت مبادرة حكومة الإقليم لتنفيذ مشروع مسرور البارزاني المائي، الذي يُعد من أضخم مشاريع البنية التحتية الحديثة في قطاع المياه.
يقوم المشروع على شبكات أنابيب ضخمة من الفولاذ والبلاستيك، مدعومة بـ محطات ضخ كهربائية متطورة، إضافة إلى محطات تنقية ومعالجة تضمن وصول مياه نظيفة وصحية وفق المعايير العالمية. هذا المشروع لا يلبي الحاجة اليومية للسكان فحسب، بل يشكّل دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والصحية ويمنح المدينة أفقاً جديداً للنمو المستدام.
وبذلك يمكن القول إن مسرور بارزاني قدّم لأربيل ما قدمه سنحاريب قبل آلاف السنين، ليصبح بحق “سنحاريب العصر الحديث”.

عند النظر إلى المشروعين معاً، نجد أن كليهما انطلق من الحاجة ذاتها: الماء أساس البقاء. لكن أدوات العصر هي التي اختلفت.

في مشروع سنحاريب، كان الحجر والطين وأثر الجاذبية الطبيعية هي الوسائل الرئيسة.

بينما في مشروع مسرور البارزاني، نجد التقنيات الحديثة من أنابيب ومضخات ومحطات معالجة.

كذلك يختلف الهدف الاجتماعي والسياسي:

- سنحاريب أراد أن يؤمّن بقاء القلعة ويعزز سلطة الدولة الآشورية.

- أما مسرور بارزاني فهدفه دعم مدينة عصرية تضاهي مثيلاتها في العالم وتستجيب لمتطلبات الصحة والتنمية.

- ورغم هذا التباين، يظل المشروعان رمزاً لـ القدرة على تحويل الطبيعة لخدمة الإنسان، ولتأكيد أن أربيل مدينة لا يمكن أن تعيش أو تزدهر من دون الماء.

من مشروع سنحاريب المائي في أعماق التاريخ إلى مشروع مسرور البارزاني المائي في حاضرنا، تبدو أربيل وكأنها تعيد كتابة حكايتها مع الماء. المشروع الأول كان أسطورة هندسية صنعتها الإمبراطورية الآشورية، والثاني هو إنجاز حديث يعبّر عن طموحات إقليم كوردستان في بناء مستقبل مستدام. وبينهما خيط واحد لا ينقطع: أن الماء ظل على مر العصور سرّ الحياة، وبه تقاس قوة المدينة وازدهارها. وإذا كان سنحاريب قد رسّخ حضارة الماضي، فإن مسرور بارزاني يُثبت اليوم أنه “سنحاريب العصر الحديث” الذي يمد أربيل بشريان الحياة من جديد



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب الأميركي المقنّع بالديمقراطية: تحليل وثائقي وسياسي خ ...
- جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...
- فن تخطيط المدن في فكر روبير أوزيل: من الفلسفة إلى التطبيق
- الكيان الصهيوني بين حماية الدروز وإبادة الفلسطينيين: ازدواجي ...
- خارطة طريق لإنقاذ كردستان: إصلاح من الداخل لا مغامرة نحو الم ...
- الشرق الأوسط الجديد: سيناريو تفكك المحور الإيراني وهيمنة أمر ...
- ترامب بين جنون العظمة واضطراب الشخصية: قراءة في السلوك النفس ...
- حين تنشب الحرب بأدوات أمريكا وأموال العرب: إيران تقاتل وحدها ...
- مدينة أربيل بعيون الرحالة: مرآة الزمان وتحوّلات المكان
- الاستفتاء الكردي في العراق: قراءة في ضوء علم الاجتماع السياس ...
- أسرار تحت قلعة أربيل: ماذا تخبئ «أم المدن» تحت أقدامها عبر ا ...
- غزة تُذبح على الهواء مباشرةً... نحن نُكبّر للعيد… وهم يُكبّر ...
- الاتفاقات الغازية بين كردستان والشركات الأميركية: بين الطموح ...
- اتفاقية الغاز بين أربيل والشركات الأمريكية: خطوة استراتيجية ...
- طيف سامي محمد في الميزان: ميزانية انتقائية وأضرار ممنهجة بحق ...
- قمة عربية ب600 مليون دولار... يا حسرة على وطن يُبدد أحلامه ب ...
- ما الذي يُطبخ على الطاولة المستديرة لزعماء العرب في بغداد؟ ا ...


المزيد.....




- مطالبات بوقف حرب غزة ورفض لـ-هيمنة شريعة الغاب-، ومشاورات مس ...
- غروسي يتحدث عن وضع نووي إيران وماكرون يلتقي بزشكيان اليوم
- سماع أصوات -انفجارات- قرب سفن تابعة لـ-قافلة الصمود- أثناء م ...
- روسيا تتقدم شرق أوكرانيا ومجلس الأمن يناقش الحرب بينهما
- السودان: الفاشر تحت حصار مميت تفرضه قوات الدعم السريع
- محللون: ترامب يحاول توريط العرب عسكريا في غزة مقابل وقف الحر ...
- -مسار الأحداث- يبحث ما الذي سيناقشه ترامب مع القادة العرب وا ...
- شهيد ومصابون برصاص المستوطنين وجيش الاحتلال بالضفة
- عاجل | الإسعاف والطوارئ: 7 شهداء وعشرات الإصابات في قصف إسرا ...
- الشرع: نجاح أي اتفاق مع إسرائيل يمهد لتعميم السلام بالمنطقة ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - الماء بين الأمس واليوم: مقارنة بين مشروع سنحاريب المائي ومشروع مسرور البارزاني المائي في أربيل