أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة














المزيد.....

جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 00:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تُعَدُّ مدينة أربيل من أغنى مدن العراق بالموروث الديني والمعماري، فهي مدينة القلاع والجوامع والتكايا، حيث تتجاور المآذن مع الأسواق، وتبقى المساجد شاهداً على عمق الجذور الروحية والاجتماعية لأهلها. ومن بين هذه المعالم يبرز جامع باشا، الذي بُني في أواخر القرن التاسع عشر ليكون علامةً بارزة في محلة العرب، إحدى أحياء المدينة القديمة.

أُنشئ جامع باشا سنة 1308هـ/ 1891م على يد السيد محمود أغا آل سيد أحمد، أحد وجهاء أربيل وأعيانها، الذين عُرفوا بمبادراتهم العمرانية والخيرية. وقد عكس تأسيس الجامع آنذاك مظهراً من مظاهر النهضة الدينية والاجتماعية التي عرفتها أربيل في تلك الحقبة، حيث كانت المساجد ليست مكاناً للصلاة فحسب، بل مركزاً للتعليم وحل النزاعات، وملتقىً للأهالي.

يقع المسجد في قلب محلة العرب، إحدى أقدم محلات أربيل وأكثرها حيوية. وقد ساهم موقعه في جعله محوراً للحياة اليومية، إذ كان المصلون يأتون إليه من أحياء متعددة، ليتحول مع الزمن إلى معلم روحي بارز في ذاكرة المدينة.

على الرغم من عمليات الترميم والتجديد التي طمست الكثير من ملامحه التراثية، فإن جامع باشا لا يزال يحتفظ بجزء مهم من روحه المعمارية القديمة.

المساحة: تبلغ مساحة الجامع نحو 1000 م²، مما يجعله من الجوامع المتوسطة الحجم التي تخدم أعداداً كبيرة من المصلين.

القباب والأقواس: سقف الجامع مكوّن من ست قباب متجاورة، تستند على أربعة أقواس ضخمة، يرتكز كل منها على أساسات بعرض متر واحد. هذا النمط المعماري يعكس أسلوب العمارة الإسلامية المحلية، حيث تمزج القباب بين جمالية الخطوط وقوة التحمل.

المواد والطرز: بني الجامع في الأساس بالحجر والطين، وزُيّن بالآجر والجص، بما يتناسب مع تقاليد البناء في أربيل خلال القرن التاسع عشر. وقد شكلت القباب العنصر البارز، ليس فقط وظيفياً في التهوية والإنارة، بل جمالياً باعتبارها رمزاً للسمو الروحي.

مرّ المسجد بعدة مراحل من الصيانة، إلا أن آخر وأبرزها كان في سنة 2008م. هذه الترميمات، وإن ساهمت في الحفاظ على بقاء الجامع كمكان نشط للعبادة، إلا أنها أزالت بعض ملامحه التراثية الأصلية، ليبقى سقفه المقبب شاهداً على طراز العمارة القديم. وهذه المفارقة تطرح تساؤلاً عن التوازن بين الحفاظ على أصالة المبنى واستجابته لمتطلبات العصر.

لم يكن جامع باشا مجرد بناء حجري، بل كان عبر أكثر من قرن مركزاً للروح الجماعية. فقد شهد حلقات الذكر والدروس الدينية، وجلسات الصلح بين الأهالي، واحتضان المناسبات الدينية الكبرى كرمضان والأعياد. واليوم، لا يزال الجامع يؤدي وظيفته الدينية، بإشراف السيد كاروان شامل أغا، سليل الأسرة المؤسسة، مما يضفي عليه صبغة من الاستمرارية العائلية والرمزية التاريخية.

إن دراسة جامع باشا لا تعني فقط توثيق مسجد قديم في أربيل، بل تعني قراءة في ذاكرة مدينة. فهو نموذج للمساجد التي جمعت بين العمارة الإسلامية التقليدية والبصمة المحلية، حيث الأقواس المتينة والقباب الدافئة تحكي قصص البنائين والحرفيين، فيما يروي جداراه تاريخاً ممتداً من العبادة والعمران.

ويُعدّ المسجد اليوم جزءاً من الهوية الحضرية للمدينة القديمة، ورمزاً لحقبة من التوسع العمراني الذي شهدته أربيل أواخر القرن التاسع عشر.

يبقى جامع باشا معلماً دينياً ومعمارياً، يحمل في طياته قيمة مزدوجة: قيمة دينية بوصفه بيتاً من بيوت الله، وقيمة تراثية باعتباره أثراً تاريخياً يعكس روح مدينة أربيل. وما أحوجنا اليوم إلى إعادة الاهتمام بمثل هذه الصروح، ليس فقط لترميمها وصيانتها، بل لإبرازها كجزء من الذاكرة الجماعية والهوية الثقافية التي تصنع من أربيل مدينة لا تنسى.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرار المئذنة المظفرية: قراءة معمارية وسياسية وعسكرية
- عقارات هوب زون… 22 عاماً من الثقة والتميّز في سوق أربيل العق ...
- تحولات مدينة أربيل الحضرية بين دوكسيادس وبول سيرفيس: من النم ...
- فن تخطيط المدن في فكر روبير أوزيل: من الفلسفة إلى التطبيق
- الكيان الصهيوني بين حماية الدروز وإبادة الفلسطينيين: ازدواجي ...
- خارطة طريق لإنقاذ كردستان: إصلاح من الداخل لا مغامرة نحو الم ...
- الشرق الأوسط الجديد: سيناريو تفكك المحور الإيراني وهيمنة أمر ...
- ترامب بين جنون العظمة واضطراب الشخصية: قراءة في السلوك النفس ...
- حين تنشب الحرب بأدوات أمريكا وأموال العرب: إيران تقاتل وحدها ...
- مدينة أربيل بعيون الرحالة: مرآة الزمان وتحوّلات المكان
- الاستفتاء الكردي في العراق: قراءة في ضوء علم الاجتماع السياس ...
- أسرار تحت قلعة أربيل: ماذا تخبئ «أم المدن» تحت أقدامها عبر ا ...
- غزة تُذبح على الهواء مباشرةً... نحن نُكبّر للعيد… وهم يُكبّر ...
- الاتفاقات الغازية بين كردستان والشركات الأميركية: بين الطموح ...
- اتفاقية الغاز بين أربيل والشركات الأمريكية: خطوة استراتيجية ...
- طيف سامي محمد في الميزان: ميزانية انتقائية وأضرار ممنهجة بحق ...
- قمة عربية ب600 مليون دولار... يا حسرة على وطن يُبدد أحلامه ب ...
- ما الذي يُطبخ على الطاولة المستديرة لزعماء العرب في بغداد؟ ا ...
- زمن التفاهة: قمة الخليج مع ترامب بين المليارات والمهانة
- خريف الثورات الكردية: من اتفاق الجزائر 1975 إلى تخلي حزب الع ...


المزيد.....




- بسمة بوسيل ورهف الحربي تتألقان بوشاح للرأس في مهرجان البندقي ...
- فستان شفاف...كيم كارداشيان تفاجئ متابعيها في مهرجان البندقية ...
- رابطة علمية دولية: إسرائيل ترتكب -إبادة جماعية- في غزة
- حماية المستهلك تتهم شوكولاتة ميلكا بـ-الخداع والتضليل-
- التحضيرات على قدم وساق لتقديم أكبر عرض عسكري في تاريخ الصين ...
- لماذا يدير مودي ظهره لترامب الآن ويتجه إلى عدوه التاريخي؟
- غارديان: إسرائيل تقتل الصحفيين بغزة حتى لا يرى العالم ما تفع ...
- صحف عالمية: إستراتيجية نتنياهو ومساعيه للسيطرة الإعلامية فشل ...
- الجيش الأردني يحبط تهريب مخدرات عبر بالونات
- 4 قتلى جراء سقوط مروحية عسكرية شمال باكستان


المزيد.....

- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - جامع باشا في أربيل: ذاكرة دينية ومعمارية نابضة