عبدالباقي عبدالجبار الحيدري
الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يوافق هذا اليوم ذكرى الاستفتاء (الريفراندوم) التاريخي الذي جرى في إقليم كردستان العراق في 25 أيلول/سبتمبر 2017، حين خرج الملايين من أبناء الشعب الكردي ليصوّتوا على حق تقرير المصير، مؤكدين للعالم أن مطلب الدولة الكردية لم يكن نزوة سياسية ولا وهماً عابراً، بل استحقاقاً تاريخياً نابعاً من مسيرة طويلة من النضال والمعاناة.
لماذا جرى الاستفتاء؟
لم يكن الريفراندوم حدثاً معزولاً، بل جاء نتيجة تراكمات سياسية وتاريخية:
الظلم التاريخي: منذ معاهدة سايكس-بيكو عام 1916 وتقسيم كردستان بين أربع دول، حُرم الشعب الكردي من كيانه القومي، وتعرض للقمع والتهجير والإبادة، ولا سيما في العراق (الأنفال، حلبجة).
فشل الشراكة العراقية: بعد عام 2003، كان الأمل معقوداً على عراق فيدرالي ديمقراطي يضمن حقوق جميع المكونات، لكن سرعان ما تبيّن للكرد أن الشراكة السياسية مع بغداد قائمة على التهميش، وخرق الدستور، وعدم الالتزام بالمادة 140 أو بحصة الإقليم من الموازنة.
الواقع بعد داعش: لعبت قوات البيشمركة دوراً حاسماً في مواجهة "داعش"، وحمت ليس فقط كردستان، بل بغداد والموصل وكركوك وسنجار. ومع ذلك، لم يُقابل هذا الدور باعتراف سياسي ودستوري حقيقي.
إرادة الشعب: رأت القيادة الكردية، برئاسة مسعود بارزاني، أن الوقت قد حان لعرض خيار الدولة على الشعب، ليقرر بنفسه، وليُسمع صوته للعالم عبر صناديق الاقتراع.
نتائج الاستفتاء
أكثر من 92% من المصوّتين قالوا "نعم" لاستقلال كردستان.
ورغم أن العملية جرت بسلمية وشفافية، إلا أنها قوبلت برفض شديد من بغداد ودول الجوار، بل وحتى من بعض القوى الدولية التي تخوّفت من إعادة رسم الحدود.
وقد فرضت الحكومة العراقية حينها إجراءات عقابية على الإقليم، شملت غلق المطارات والسيطرة العسكرية على كركوك والمناطق المتنازع عليها بمساعدة الحشد الشعبي.
مصير الاستفتاء
صحيح أن نتائجه لم تُطبق عملياً، لكنه لم يكن فاشلاً؛ بل شكّل محطة تاريخية مفصلية:
أعاد القضية الكردية إلى واجهة الاهتمام العالمي.
أثبت أن خيار الاستقلال يحظى بإجماع شعبي، وليس مجرد مشروع حزبي.
وضع القوى الدولية أمام حقيقة أن الشعب الكردي لن يقبل أن يبقى مجرد "أقلية" في خرائط رُسمت على مقاس الآخرين.
الدولة الكردية: استحقاق لا حلم
الكرد لا يطالبون بالمستحيل، بل بحق طبيعي أقرّه مبدأ تقرير المصير الذي نصّت عليه المواثيق الدولية.
الدولة الكردية ليست "حلم شاعر" ولا "مشروعاً طوباوياً"، بل استحقاق وضرورة لتصحيح مظالم قرن كامل.
قد يتأخر تحقيق هذا الاستحقاق بفعل التوازنات الدولية والإقليمية، لكنه سيبقى الهدف المشروع الذي يتوارثه جيل بعد جيل.
كما أن تجارب شعوب أخرى (ككوسوفو، وتيمور الشرقية، وجنوب السودان) تثبت أن الطريق قد يكون طويلاً، لكنه ليس مستحيلاً.
إن الاستفتاء الكردي كان رسالة واضحة: الكرد أمة لها حقها في السيادة مثل باقي الأمم. ورغم أن مصيره عُلّق بفعل الظروف الإقليمية والدولية، سيظل الاستفتاء وثيقة تاريخية تؤكد أن الدولة الكردية ليست حلماً عابراً، بل استحقاقاً مؤجَّلاً سيأتي عاجلاً أم آجلاً.
#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟