أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - تأملات في معنى الوجود الإنساني: الحياة ليست طريقا إلى الموت بل طريقًا إلى الإنسان















المزيد.....

تأملات في معنى الوجود الإنساني: الحياة ليست طريقا إلى الموت بل طريقًا إلى الإنسان


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 07:28
المحور: قضايا ثقافية
    


كتب موخرا أحد الأصدقاء في صفحته على منصة الفيسبوك ، دون تعليق او بيان رأي منه ، عبارة نسبها إلى أحد الفلاسفة اليونانيين :
نأتي من ظلامٍ ونعود إليه، وما بينهما هو ما نسمّيه حياة. وما إن نولد حتى تبدأ رحلة العودة.

بالرغم من أن العبارة تتناغم مع بعض التصورات الفلسفية القديمة، خاصة الفلسفة الأفلاطونية التي تتحدث عن عودة الروح إلى عالمها الأصلي، وعن أن الحياة مجرّد عبور بين عالم الظلال وعالم الحقيقة، إلا أنّ التعامل معها على أنها قول يوناني يحتاج إلى تدقيق أكبر. وتبقى العبارة أقرب ما تكون إلى استعارة فلسفية عامة لا إلى نص موثّق. ومع كل هذا ، لا توجد أية مراجع موثقة وموثوقة بشكل موحد تشير إلى أن هذه العبارة منسوبة إلى أفلاطون أو إلى أي فيلسوف يوناني معروف.
ويبدو أنها من الأقوال الحديثة التي صيغت بروحٍ فلسفية تشبه لغة اليونانيين القدماء، ثم جرى تداولها ، دون تحديد مصدر واضح، كما يحدث كثيرًا مع جمل تتقمّص روح الحكمة القديمة ، وهذا ما يحدث مع الكثير من مجالات العلوم والمعرفة وحتى الأمور الدينية عموما.
وعليه يمكن القول إن العبارة جميلة في معناها، وتشبه الفكر الأفلاطوني في رمزيتها ، لكنها ليست جزءًا من التراث اليوناني الموثّق، ولا تُعرف لها نسبة دقيقة لأي فيلسوف.

هذه العبارة رغم ما فيها من شاعرية منمقة ، ولكنها تجعل الحياة تبدو مجرّد طريق ينتهي بالموت، وكأن الوجود كله يتلخص في النهاية. لكن التجربة الإنسانية على الأرض تثبت العكس ، الغاية ليست الموت، بل ما نفعله قبل أن نصل إليه. وتبقى الحقيقة أوسع من ظنّ كاتب العبارة هذه.

لو تأملنا مسيرة الكائنات على الأرض لوجدنا أن الحياة هي الغاية، وأن الموت ، على قسوته ، مجرد جسرٍ تعبر به الحياة نحو بدايات جديدة. ماتت أجيال لتبقى أنواع، وتساقطت أوراق لتخضرّ أغصان، وتحلل جسدٌ هنا لكي ينبت عشبٌ هناك. هكذا ، فالحياة ، على مستوى النوع ،لا تبقى إلا لأنها تتجدد. النبات يموت ليغذي تربةً تنبت غيره، والحيوان يرحل ليبقى جنسه، والإنسان يعيش أثره لا عمره. ولهذا بقيت البشرية رغم موت المليارات من البشر ، لأن كل جيل يضيف شيئًا ، صغيرًا كان أو كبيرًا ، يمكّن به للجيل الذي يليه من التقدم خطوة إلى الأمام في بناء حضارة تليق بنوته البشري
حياة يبقى فيها الإنسان لا بعدد سنوات عمره ، بل بما يشعله في حياة الآخرين من أثر. ، فالفكر أطول عمرًا من الجسد، والضمير الذي يتحرك في قلب الإنسان أشد رسوخًا من الجسد.

على مستوى الفرد البشري ، تُروي قصة قصيرة قرأتها من زمن بعيد عن رجل عاش أكثر من مئةٍ وعشر سنوات.
سألوه عن سرّ طول عمره، فقال في رضاٍ بارد:
لم أغادر قريتي يومًا، ولم أتورّط في خلاف، ولم أتعب نفسي في عمل، وطعامي وشرابي يُجلبان إليّ حيث أجلس.
فنظر إليه أحدهم وقال: وأي حياةٍ هذه التي عشتها؟.
ونعم السؤال والتعليق الذي فاه به هذا السائل . حياةٌ بلا مغامرة، بلا تعب، بلا احتكاك، بلا محاولة ، هي حياة لا تختلف عن حياة شجرة هرِمة على سفح جبل قريب منه عاشت أضعاف عمر ذلك الرجل ، بل إن الشجرة نفسها قدمت للحياة ثمارًا، وأظلّت مارًّا، وآوت طيرًا، وأعطت دون أن تسأل من الذي اخذ.
العمر بلا عطاء مجرد وقت.
والوقت بلا معنى فراغ يمضي.
ظاهريًا تبدو حياة ذلك الرجل المعمر راحة . عاش سنوات كثيرة، نعم، لكنه لم يختبر شيئًا، لم يعمل، لم يخدم أحدًا، لم يتعلم، لم يترك أثرًا ، وحتى تلك الشجرة الهرمة ، قدّمت أكثر مما قدّم ذلك الرجل المعمر طالما بقيت حيويا من دورة حياة متكاملة.
ولعل هذه القصة القصيرة تعطينا حكمة مفادها أن العمر الطويل ليس ميزة إذا لم يكن له معنى.

في المقابل، نرى في حياتنا اليومية أمثلة مضيئة تحمل معنى إنسانيا وهدفت نبيلا:
معلّم في مدرسة نائية ابتعد عن أهله لسنوات وعلم لعقود أجيالا تعلموا وتخرجوا في تلك المدرسة ، التي كان يصل إليها بداية السنة الدراسية عبر طريق جبلي ، على ظهر دابة. غيّر بتربيته مستقبل آلاف الطلبة ، رغم أنه عاش عمرًا عاديًا وراتبًا متواضعًا.
طبيب أخذ طريقة في سنته الثانية من تعيينه إلى قرية بعيدة وأنقذ حياة كثيرين، عن هذا كنموذج كتب الدكتور سامي سلمان من اهالي بغداد وخريج كلية الطب من جامعة بغداد في كتابه الذي وضعه تحت عنوان: فيض الذكريات ، طبيب تحت التدريب ، بعدها نشر في موقعه على الفيسبوك ، مقالا عن أحد فصول كتابه عن فترة إقامته الدورية وما مر بها من ظروف وحالات مرضيه صعبه ، تحدى بها بعد سنين من دخوله مع أطباء فرنسيين وغير فرنسيين ، في دورة طبيه أقيمت في فرنسا ، ان كان أحد منهم مر بما مر به من حالات وتجارب طبيه صعبة كأالتي مر بها في فترات إقامته الدورية والريفية والخدمة العسكرية ، فترات علمته معاني الإنسانية كما العلوم الطبية ، وللمزيد عن هذا يمكن القارى من متابعة ذلك وغيره على الرابط:

https://www.facebook.com/share/p/19qtUceuBY/


أم وربة بيت ، ربّت أبناءها على الأخلاق والرحمة، فصاروا نافعين لمن حوله ، وهذا وحده إنجاز لا تقيسه الأرقام. شيء

عامل نظافة يستيقظ قبل الفجر، لا يعرفه أحد باسمه، لكنه يجعل المدينة قابلة للعيش كل يوم.
هؤلاء عاشوا أعمارًا بقدر ما أعطوا، لا بقدر ما عاشوا.
البشرية تمضي منذ آلاف السنين في مسارات متداخلة:
هناك من دمّر، وهناك من بنى.
هناك من ظلم، وهناك من ساعد.
هذه هي مسيرة البشر ، ،منذ أن وطأت أقدامهم التراب ، لم تكن يومًا خطًا مستقيمًا.

مسيرة سلكت فيها البشرية دروبًا تتشعّب، تتقاطع، تتصادم أحيانًا، وتتآلف أحيانًا أخرى. ، ولكن على هذه الدروب سار من أثقل خطوات الإنسانية بالظلم والخراب، وسار آخرون غيرهم ممن رفعوا رأس البشرية بالعلم والخير والعطاء والبصيرة.

ما أريد أن اخلص له أن الإنسان في هذه المسيرة وفق كل ما اشرت يُقاس ليس بالضرورة بما يخلّفه من أبناء بررة وفق مقوله من خلف ما مات ، بل بما يخلّفه من عطاء وإنسانيّة. قد يرحل شخص لم يُرزق ولدًا، لكنه يترك وراءه كتابًا، موقفًا، فكرةً ، عملا إنسانيا كبيرا ، أوحتى أثرًا صغيرًا يغيّر حياة ولو إنسان واحد ، فيكون بذلك قد عاش ألف حياة. وفي المقابل، قد يرحل آخر يخلّف عشرة، ولا يخلّف معنى واحدًا من كل ما اشرت اليه.
ولكن كل ما اشرت اليه من نماذج إيجابية اوغيرها الكثير هي التي صنعت التقدم الإنساني وما وصلت إليه الحضارة الإنسانية.
ولذلك فإن قيمة كل فرد لا تُقاس بطول عمره أو قصره، بل بما يضيفه في مشوار حياته للإنسانية.

في النهاية، الحياة ليست سباقًا نحو الموت، ولا هي مجرّد وقت نعدّه.
الحياة هي ما نتركه وراءنا من عمل نافع، موقف صادق او إيجابي مؤثر ، فعل صغير يساعد شخصًا، فكرة تغيّر طريقة تفكير أحدهم ، كلمة طيبة تُصلح القلوب.

هذه الأشياء البسيطة ، وليس طول الأعمار ، هي التي تجعل الإنسان يعيش حتى بعد رحيله.
هكذا ستبقى مسيرة الإنسان درسًا طويلًا يتعلم فيه كيف يسمو إلى الغاية التي وُجد لأجلها. وحين تدرك البشرية تلك الغاية، ستنظر إلى ماضيها بدهشة ، ولسان حالها يردد:
ترى كم عبث بعض أبنائها بما حولهم، وكم نهض آخرون بما استطاعوا.
وسيفهم حينها أفراد البشرية ، أن السؤال ليس كم بقي الإنسان حيًا ، بل كم ترك حيًا بعد رحيله؟

فالوجود ليس عدد أيام ، بل ضوءٌ يتركه الانسان خلفه ، والأثر وحده يبقى العمر الحقيقي الذي لا يغيب.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق على حافة الفقر المائي/ الجزء الثالث : ملامح الاتفاقية ...
- العراق على حافة الفقر المائي الجزء الثاني ملف التفاوض في الع ...
- العراق على حافة الفقر المائي: العوامل الإقليمية والخيارات ال ...
- تأملات في حياة الإنسان : حين يصبح الفقدان او الخسارة طريقا ا ...
- قراءة في مشروع زكي نجيب محمود لاعادة بناء العقل العربي
- بمناسبة الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس النواب العراقي 2025 ...
- اهمية ترسيخ الهوية الوطنية والتعايش السلمي في بناء ونهضة الع ...
- القطار الذي لا ينتظر أحدا: تأملات في سفر الحياة
- الخيانة الكبرى للنفس تكون حين يتم جعلها ضحية من أجل إرضاء ال ...
- عندما تسقط الاقنعة: دروس في الوفاء والخذلان
- ثمة مواقف من الجحود وعدم الوفاء لا تُغتَفَر
- برنامج المسامح كريم : دروس مباشرة في الاعتذار والتسامح بين ا ...
- ثقافة الاعتذار إطار حضاري لبناء الثقة واحترام الذات والآخرين ...
- التواضع قوة لا ضعف يكمن فيه سرّ النجاح ومحبة الناس وخلود الأ ...
- الطيبة اختيار و شجاعة في الزمن الصعب لا يراها الكثير
- في الذكرى الحادية عشرة لمذبحة قرية كوجو: الإبادة قيدت ضد مجه ...
- خراب البيوت لا يأتي من بعيد
- إصدار الأحكام على الآخرين بين وهم الفطنة وحقيقة التطفل
- في ذكراها الحادية عشر: الإبادة الجماعية للإيزيديين تظل جرحا ...
- حين أصبح اطفال الإيزيديين بضاعة رخيصة في أسواق النخاسة الداع ...


المزيد.....




- مصر.. -خناقة- علاء مبارك وهجوم ساويرس على مصطفى بكري بذكرى م ...
- السعودية.. ثمن -شنطة- الأميرة ريما بلقاء محمد بن سلمان وترام ...
- فيديو وتحليل نظرة إعلامية سعودية أمام محمد بن سلمان لحظة توب ...
- البيت الأبيض يعلق على منشور ترامب عن -إعدام- نواب ديمقراطيين ...
- بعد ثلاثة قرون.. علماء يقتربون من اكتشاف كنز سفينة غارقة
- زيلينسكي يبدي انفتاحا على خطة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا ...
- إسرائيل تغيّر وتيرة هجماتها في لبنان..وسلام: مستعدون للتفاوض ...
- إسرائيل تعلن تصفية مسؤولين عسكريين بارزين في -حماس-
- الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة على إيران
- بالتفصيل..أبرز بنود مسودة الخطة الأميركية للسلام في أوكرانيا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - تأملات في معنى الوجود الإنساني: الحياة ليست طريقا إلى الموت بل طريقًا إلى الإنسان