خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 02:56
المحور:
المجتمع المدني
كم من شهادة مؤلمة وثقت هول الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق الأطفال الإيزيديين. واحدى هذه الشهادات الموثقة منشورة على صفحة الباحث داؤد ختاري في منصة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) ، تتناول ما جرى للطفل أيمن أمين بركات السنجاري، بعد اختطافه يوم 2014/8/3 من حضن والدته وهو في الثالثة من عمره، و طريقه بيعه في سوق العبيد الذي أنشأه التنظيم الإرهابي في مدينة الموصل بمبلغ 500 دولار، ضمن مئات الأطفال الإيزيديين الذين تعرّضوا لمصير مشابه.
يقول ختاري عن لسان أيمن بعد تحريره :
كانوا قرابة 100 طفل، تتراوح أعمارهم بين الثالثة والتاسعة، فُصلنا عن أمهاتنا قسرا، واحتُجزوهم في بيت كبير، ثم بدأوا ببيعهم واحدا تلو الآخر لعائلات مختلفة.
اشترته امرأة تُدعى بشرى، كانت تعمل معلمة، مدّعية أنها ترغب في تبني طفل بعد أن عجزت عن الإنجاب. لكنها، في الحقيقة، أرادت تربيته على مفاهيم داعش المتطرفة، بزعم أنه (ابن لأبوين كافرين). أطلقت عليه اسم أحمد ، وألحقته بالمدرسة، بينما نسي أيمن اسمه الحقيقي ولغته الأم نتيجة العزلة والعنف والتلقين القسري.
ورغم رفض زوجها للفكرة في البداية، ذهبت بشرى بمفردها واشترته. وبعد تحرير منطقة الرشيدية ، القريبة من مدينة الموصل ، من قبل القوات العراقية، تم التعرّف على الطفل من خلال بلاغ لأحد المواطنين. وعند إجبار العائلة على تسليمه، انفجرت دموع أيمن عندما تذكر والدته الحقيقية نسرين، التي ما زالت مفقودة حتى اليوم.
والملحق المرفق بالمقال يتضمن تفاصيل القصة كاملة.
هذه القصة المأساوية الموثقة ليست إلا نموذجا من آلاف القصص التي عاش معاناتها الكثير من اطفال ايزيدي سنجار الذين اختطفوا من قبل الدواعش ، حيث جرى انتزاعهم من أحضان أمهاتهم وبيعهم في أسواق النخاسة، ليُمحى كل أثر لهويتهم الدينية والاثنية ، ويُفرض عليهم واقع العزلة والتعذيب والاغتراب القسري.
اما بقية الأطفال المختطفين فقد اقحموا على (طفولتهم) في معسكرات لغسل أدمغتهم من كل ما يربطهم بأهلهم دينا ولغة ، ثم يلقنونهم بعدها أفكارهم المتطرفة مع التدريب على استخدام السلاح والانتحار تفجيرا أو شهادة بعرف الدواعش، بعد ان تقتل عندهم محبة الحياة ، بعد توجيههم و تكليفهم لاحقا بعمليات انتحارية تفخخ فيها أجسادهم بعبوات ناسفة لينهون الدواعش بذلك حياتهم وحياة الكثيرين من الأبرياء ، بتفجيرهم بطريقة مسيطر عليها من قبلهم.
في منشور الأستاذ داؤد ختاري، رأيتُ مصداقا لما قاله الأديب الكبير ميخائيل نعيمة منذ أكثر من سبعة عقود:
ما أكثر الناس، وما أندر الإنسان.
بل يمكن القول في هذا الزمن: ما أكثر أشباه الناس ، وما أندر الإنسان الإنسان.
يا لسوء افعالكم ايها الدواعش ، يا من ادعيتم التدين و ارتكبتم أشنع الجرائم بحق كل من اختلف عنكم فكرا وانتماء للانسانية.
فليس هناك احد يُبارك أفعالكم الشنيعة باختطاف الاطفال و امهاتهم ، ليباعوا كسلع بشرية في أسواق نخاستكم التي ابتدعتوها انتم في القرن الحادي والعشرين ، فعرّيتم أنفسكم أمام العالم بسوء افعالكم. وسيبقى ما اقترفتموه بحق كل الناس ليس إلا وصمة عار على جبينكم.
من يقتل الطفولة لا يستحق لقب الرجولة ،
ومن يسبي النساء ويبيعهن لا يُحسب على بني البشر، و تلفظه الأرض كما السماء.
لقد شوّهتم وجه العراق بكل أطيافه الدينية والقومية ، ومزّقتم نسيجه التاريخي والمجتمعي والروحي.
حاولتم أن تطمسوا ملامح حضارة بدأت منذ زمن السومريين والبابليين، حين خطّ سكانه الاوائل أوّل الأبجديات وسنّوا أوّل القوانين ودوّنوا أولى الملاحم.
أما أنتم،
فلم يرى منكم الناس إلا أساليب التفنن في حرائم القتل و وحشية التعامل معهم.
سلبتم أرواح الأطفال قبل أن تنحروها قرابين لأوهامكم المريضة.
وكنتم وبالا على كل أرض غزوتوها و دنّستم ترابها.
لكن الأرض لفظتكم، والبشر نبذكم
وسيذكر التاريخ أن حفنة من المتوحشين قدموا من المجهول ، تجردوا من كل قيم و احسّاس إنساني ، عاثوا في الأرض فسادا.
سيبقى شهداء الطفولة نجوما في عليّين،
بينما تبقون أنتم في ظلمات التاريخ عنوانا لما اقترفوه من ظلم بحق السماء والأرض.
قبل أيام، كتبت البروفسورة الدكتورة كريمة الشامي، وهي من أحفاد الأمير عبد القادر الجزائري، منشورا على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) قالت فيه:
ما زلتُ أؤمن أن الحلم الأجمل ، أن ننتمي يوما للبشر قبل أن ننتمي للأسماء، أن نرفع راية الإنسانية فوق كل راية، وأن نُبعد الدين عن سوق السياسة وموائد المصالح، وأن نصل بيقين ثابت إلى أن مفاتيح السماء ليست في يد أحد من البشر.
للاطلاع على المنشور:
https://www.facebook.com/100044409554598/posts/pfbid02XpH6qbA9fKYFp5ScGeERUFV3NHPwYmfkU8vmvF5LLTxAmcrbChkB6MWcDrbqsvK7l/?app=fbl
وفي 26 تموز 2025، صرّح رئيس مجلس النواب العراقي، الدكتور محمود المشهداني، في مؤتمر اليوم الإسلامي لمناهضة العنف ضد المرأة قائلا:
أقف باكيا أمام بناتنا الإيزيديات. فليس لدينا عذرٌ أمامهن، لأننا لم نحمِهن بسبب عِظَم المؤامرة.
وأضاف:
لن نسامح أنفسنا حتى يُستَسمحننا هن.
وان جاء اعترافه متأخرا ، ولكن يقينا قال هذا ، وهو يدرك أنهن اختطفوا ومعهن اطفالهن ، و لم تحميهم الدولة في ظرف كان فيه متسع من الوقت لحمايتهن وعدم اعطاء الفرصة الدواعش كي ينالوا منهن ومن اطفالهم.
رغم هذا الكمّ الهائل من المعاناة، يبقى الأمل حيا، أن تلتئم جراح الطفولة، وأن تتحقق العدالة ، ولو بعد حين.
…………….
الملحق:
22 يوليو 2017
الشهادة الموثقة للطفل المختطف أيمن أمين بركات السنجاري بعد تحريره
في مقال كتبه الباحث داود مراد ختاري .
في صفحته على الفيسبوك تحت عنوان:
هكذا باعوا أطفالنا في أسواق النخاسة والعبيد:
الطفل (أيمن أمين بركات رشو حرداني – كان عمره اقل من 3 سنوات) تم بيعه في أسواق العبيد في الموصل، ويقول كنا حوالي (100) طفل وتم بيعنا بمبلغ (500) دولار لكل طفل، وتقول الناجية تركو كريت : عندما كنت في احدى المقرات في سوريا تم بيع (300) طفل ايزيدي هناك.
وأجريت الحوار التالي مع الطفل ..
- كم كان عمرك حينما تم بيعك ؟
- كان عمري (3) سنوات .
- من باعك الى هذه العائلة ؟
- أخذوني الدواعش من أمي وباعوني الى هذه العائلة .
- في النظام الاسلامي يجب بيع السبايا والغلمان الى المقاتلين حصراً، هل تم بيعك الى عائلة من الدواعش .؟
- لا.. هذه العائلة لم تنتمي الى الدواعش لكن ليست لها أطفال وأصبحت ابناً بالتبني .
- كنتم كم طفلاً ممن فرقوهم عن الأمهات ؟
- كنا حوالي مائة طفل في بيت كبير .
- الجميع أطفال صغار ؟
- من عمر (3) سنوات الى (9) سنوات .
- كيف كانت المعاملة ؟
- هناك مجموعة أكبر منا عمراً هم كانوا يضربوننا .
- كنت مشاكساً ؟
- لا... كنت مسكيناً ومع ذلك كانوا يضربوني .
- كيف نسيت لغة الأم ؟
- "تدمع عينيه " وقال :والله هذا السؤال صعب !!
- ما أسم الشخص الذي اشتراك ؟
- امرأة اسمها (بشرى خليل ابراهيم).
- امرأة أرملة وأرادت تربيتك ؟
- إنها ليست أرملة أسم زوجها شريف محمد يونس، لكنها امرأة عقيمة .
- ماذا يعملان ؟
- بشرى مدرسة في اعدادية البنات وشريف كهربائي .
- ما أسمك في المدرسة ؟
- احمد شريف محمد .
- كم من المدة بقيت عند العائلة ؟
- بقيت مدة طويلة .
- ما ثمن شراؤك ؟
- كان الدواعش يبيعون جميع الأطفال الصغار بـ (500) دولار ، بينما الاطفال الكبار الذين يستطيعون العمل كعبيد في الدور بمبلغ (800) دولار فأكثر.
- ما أسم والدتك الحقيقية ؟
- نسرين سيتو .
- لو رأيت صورتها هل ستعرفها ؟
- نعم لقد رأيت صورة لها وأنا على متنها .
- هل اشتقت اليها ؟
- نعم ... نعم (وبكى بحرقة) .
- لا تبكي انها على قيد الحياة ولكن عند الدواعش وستعود اليكم انشاء الله .
- من أية قرية أنت ؟
- انا من حردان .
- لو ذهبت معك الى قرية حردان في شمال شنكال هل بإمكانك معرفة داركم ؟
- اعرف باب بيتنا .
- من هم الأصدقاء الذين كانوا يلعبون معك ؟
- اصدقائي كانوا كل من (صلاح، نوري ورعد) .. ويوم أمس تحدث معي صديقي رعد من المانيا.
- هل لك علم بتواجد اخوتك وبقية أفراد العائلة ؟
- لا أعلم اين الوالدين وبقية اخوتي .
- كيف تم تسليمك الى عائلتك الاصلية ؟
- جاء الجيش الى منطقتنا (الرشيدية جنوب تلكيف) وأخبرهم الناس بوجود طفل ايزيدي لدى هذه العائلة .
- حينها تم تسليمك الى الجيش ؟
- لا... قالت العائلة لا نستطيع تسليم الولد الا الى الابوين الحقيقيين .
- ماذا كان رد أفراد الجيش ؟
- قالوا في حالة عدم تسليمك الطفل الينا سوف نقتلكم في الشارع العام، لذا اجبروا على تسليمي .
- هل كنت تعرف بان اسمك الثلاثي الحقيقي هو أيمن أمين بركات ؟
- نعم لم أنسى اسمي وصوت والدتي نسرين التي كانت تناديني به وأصدقائي الذين كنا نلعب سوية .
- اذاً كيف نسيت لغة الأم ؟
- نعم نسيتها اطلاقاً لاني منذ سنتين ونصف لم اتحدث بها وكنت اتحدث باللغة العربية.
.............................
اما الأم بالتبني (بشرى خليل ابراهيم). قالت :
- لقد تزوجت منذ فترة طويلة ولم أنجب أطفالاً وحينما سمعت بان الدولة الاسلامية تبيع أطفال الايزيدية، ذهبت لشراء طفل من سوق النخاسة والعبيد وأن اتبنيه كي يصبح أبناً لنا ومن جهة أخرى أردت أن اربيه تربية اسلامية لانه من ابوين ايزيدية (وانها تقصد انهما كفار) وعلمته آيات القرآن الكريم، والآن يحفظ الكثير من الآيات، وقد تألمت بخروجه من الدار بعد تربيته لمدة (18) شهراً .
أما زوجها شريف محمد يونس قال:
- طلبت مني زوجتي بشرى أن نشتري طفلاً من سوق الدولة الاسلامية لكوننا لا ننجب أطفال ، لكن لم أوافق على طلبها وكنت معارضاً للفكرة، لكنها ذهبت ذات يوم (دون علمي) الى السوق الخاص لبيع الأطفال واشترت هذا الطفل (أيمن) بمبلغ (500) دولار ، وبدلنا أسمه الى أحمد وسجل في المدرسة باسم (أحمد شريف محمد يونس)، وعندما حررت منطقة الرشيدية من قبل الجيش العراقي، طلبت من زوجتي أن نبلغهم، لكنها رفضت وقالت: في حالة المسائلة سأقول لهم بانه من ابناء أقربائي وأتبنيه، وبعد يومين قدم المواطنين شكوى ضدنا، ولولا الاهالي لبقى هذا الطفل ابناً لنا .
https://www.facebook.com/share/p/16iDxTCCXm/
ب. د. خالد محمود خدر
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟