أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - اهمية ترسيخ الهوية الوطنية والتعايش السلمي في بناء ونهضة العراق















المزيد.....

اهمية ترسيخ الهوية الوطنية والتعايش السلمي في بناء ونهضة العراق


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 19:19
المحور: المجتمع المدني
    


بداية المقال جاء بمناسبة انطلاق الحملة الانتخابية لعضوية البرلمان العراقي المقرر إجرائه في 11/11/2025.

تعرف الهوية الوطنية بانها شعور جماعي بالانتماء الى كيان سياسي واجتماعي واحد، يقوم على مجموعة من القيم المشتركة والمصالح المتبادلة. وهي لا تولد فجاة، بل تتكون عبر مراحل تاريخية طويلة، من خلال وعي جمعي يرسخ فكرة الانتماء الى وطن موحد.

يمثل التعايش السلمي الاطار العملي لترسيخ الهوية الوطنية، فالتجانس القيمي والاجتماعي بين المكونات العراقية يتطلب احساسا بالانتماء المشترك قائما على احترام التعددية القومية والدينية والسياسية.

ولا يمكن تحقيق هذا التجانس دون تأسيس عقد اجتماعي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، واحترام التنوع الثقافي، واعلاء مبدأ المواطنة على ما سواه من انتماءات فرعية. ومن ثم، فان ترسيخ الهوية الوطنية العراقية يتطلب تفعيل منظومة القيم الديمقراطية التي تضمن المشاركة السياسية والتوزيع العادل للثروة والفرص.

ومع تطور المجتمع والدولة، تكتسب الهوية الوطنية بعدا سياسيا يعكس وحدة الارادة الجماعية والولاء للمؤسسات الشرعية. غير ان غياب الثقافة السياسية الوطنية يؤدي الى هشاشة هذه الهوية، كما حدث في العراق، حيث ادى ضعف الثقافة الديمقراطية الى انقسام الولاءات وتغليب المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية.

شهد العراق بعد عام 2003 انهيارا لمؤسسات الدولة وتفككا في بنية السلطة والهوية نتيجة عوامل داخلية وخارجية. فقد ادت سياسات الطائفية والاثنية ودخول قوى الارهاب الى تعميق ذلك وكتابته بلغة الدم، مما ادى الى ازدياد الانقسامات العمودية والافقية في المجتمع، كما امتدت هذه الانقسامات الى داخل المكونات ذاتها، مما اضعف الانتماء الوطني واوجد بيئة خصبة للصراع والتمييز.
تعد الهوية الوطنية والتعايش السلمي ركيزتين اساسيتين لاستقرار المجتمعات وتماسكها. الا ان الحالة العراقية بعد عام 2003 كشفت عن هشاشة البنية الوطنية وعمق الانقسامات الطائفية والعرقية التي اضعفت اية محاولة لمشروع وطني جامع، ذلك انه بدلا من تعزيز مفهوم المواطنة، برزت الهويات الفرعية بوصفها اطارا بديلا للانتماء، مما ادى الى تراجع قيم التعايش وتفكك النسيج الاجتماعي للدولة مع زيادة الولاءات الطائفية و توصيف و استغلال قوى الإرهاب لذلك.

لقد اصبح بناء الهوية الوطنية في تلك المرحلة تحديا جوهريا، اذ تراجعت مؤشرات التعايش السلمي وضعفت الثقة بين المكونات المجتمعية وتنامت الولاءات الدينية والطائفية على حساب الولاء للوطن. ومع انتهاء الاعمال الإرهابية توفرت الفرصة لإعادة التعايش السلمي بين المجتمعات العراقية التي لم تشهد يوما خلافا اجتماعيا ، ذلك ان ازمة التعايش في العراق بالدرجة الاولى هي ازمة تعايش سياسي اكثر منها ازمة اجتماعية او ثقافية. فقد شهد العراق منذ تأسيسه وجود تاريخ طويل من التعايش الثقافي والاجتماعي بين مكونات الشعب العراقي الاثنية والدينية، بل يمكن القول إن التعايش بين العشائر العراقية في نفس المنطقة ومن نفس المكون هي الصفة الابرز فيها.بعد عام 2003 تبين ان الانقسام السياسي قد فاقم الصراعات واضعف مؤسسات الدولة مقترنا مع زيادة الانفلات الحاد للهويات الفرعية ليقود ذلك الى غياب التوافق السياسي، مما جعل من الصعب ادارة التنوع ضمن اطار وطني جامع. ومن هنا، فان معالجة ازمة الهوية لا يمكن ان تتم دون تبني نظام سياسي مدني يقوم على الكفاءة والمواطنة بعيدا عن اية مقاييس اخرى وبعيدا عن المحاصصة.

يمكن تحديد مجموعة من الاليات التي تسهم في اعادة بناء الهوية الوطنية وتعزيز التعايش السلمي في العراق، ابرزها:
1. تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني بوصفها جسورا بين الدولة والمجتمع، تسهم في نشر ثقافة التسامح والمواطنة.
2. ضمان العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الاقليات الدينية والعرقية وتعويض المتضررين من النزاعات.
3. تحييد الخطاب الديني والسياسي وابعاده عن الاستقطاب الطائفي، وتعزيز الخطاب الوطني الذي يوحد ولا يفرق.
4. اصلاح النظام التعليمي والاعلامي لغرس قيم التعددية والمواطنة والانتماء الوطني.
5. مواجهة التدخلات الخارجية التي تستثمر في الانقسامات الطائفية والمذهبية، من خلال سياسة وطنية مستقلة تعيد التوازن الى القرار العراقي.

رغم التحديات البنيوية والسياسية التي واجهها العراق بعد عام 2003، فان الامل باعادة بناء الهوية الوطنية لا يزال قائما. فالمجتمع العراقي يمتلك رصيدا حضاريا وتاريخيا من التعايش والتنوع يمكن ان يشكل قاعدة صلبة لاعادة ترميم النسيج الوطني ، بين المكونات المختلفة وبين افراد نفس المكونات ايضا.

ان تحقيق ذلك يتطلب ارادة سياسية جادة ومشروعا وطنيا جامعا يعيد الثقة بين المكونات ويؤسس لهوية وطنية قائمة على المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بما يضمن استقرار الدولة ووحدتها في المستقبل.

العراق بحاجة الى مشروع وطني شامل يعيد بناء الوعي الجمعي العراقيين على اسس جديدة ترفض الطائفية والعنصرية والتطرف. والحل لا يكون سياسيا فقط، بل ثقافيا وتربويا ومجتمعيا، عبر نشر ثقافة التسامح والسلام في التعليم والاعلام ودور العبادة وغيرها من المؤسسات الحكومية والمجتمعية ، وعبر اعادة الاعتبار والكرامة للمواطن العراقي وخاصة الاقليات الدينية بعد ما وقع لهم من مجازر ومآسي من قبل قوى الارهاب كالدواعش.

وبالمناسبة، لا يكفي التضامن اللفظي مع الاقليات الدينية والقومية، بل يجب تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين ممن ارتكبوا اعمالا اجرامية بحقهم وصلت لمستوى الابادة الجماعية مع الايزيديين من قبل داعش ، اضافة الى تعويض الضحايا لضمان تعايش سلمي حقيقي ومستدام.

ان مبادرات التعايش السلمي وفق هوية وطنية واحدة لا زالت حاضرة لدى العديد من السياسيين والمفكرين وغالبية افراد المجتمعات العراقية بكل اطيافها الاثنية والدينية ، واستنادا لتلك الرؤى فان الامل ببناء الهوية الوطنية الحقة يبشر بالامل لعراق معافى من جراحه ومشاكله التي ارادها له قوى خارجية كثيرة وفق مصالحها ومخططاتها ، ولكن يبقى ذلك مرهونا باتباع سياسة اقتصادية وطنية ومحاسبة الفاسدين والاقتداء بتجارب مماثلة في عدة دول نامية ارتقت بسرعة وتجاوزت انقساماتها الطائفية والاثنية ، ولنا في رواندا وقبلها ماليزيا كدولة متعددة الاثنيات والاعراق مثلا.

إنّ العراق لا يمكن أن ينهض إلا حين يشعر كل فرد، من أي مكوّن كان صغيرا أو كبيرا، بأنه جزءٌ أصيل من وطن يحميه ويحتويه.
ويبقى ترسيخ الهوية الوطنية وتكريس مبدأ التعايش السلمي في برامج المرشحين أمرا ضروريا، لا بوصفه شعارا انتخابيا عابرا، بل هدفا واقعيا مطلوبا يؤمنون به ويعملون على تجسيده قولا وفعلا، من أجل النهوض بالعراق والسير به نحو مصاف الدول المتقدمة.
يأمل العراقيون جميعا أن تُفرز الانتخابات القادمة مجلسا نيابيا قادرا على النهوض بالعراق في مختلف المجالات، من خلال تشريع قوانين تخدم مصلحة الوطن والمواطن، وتعمل على مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين بكل شفافية وعدالة.
كما يتطلّع الشعب إلى إقرار قوانين تجعل من كبار قادة الدولة في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية قدوة في النزاهة والتواضع، عبر تنظيم رواتبهم واستحقاقاتهم بما ينسجم مع سلم الدرجات الوظيفية لبقية موظفي الدولة وفق معايير الشهادة العلمية ومدة الخدمة والكفاءة. فعندما يسود العدل والمساواة، تتعزز الثقة بين الشعب وممثليه، سواء من اختارهم في صناديق الاقتراع أم لم يخترهم، لتتوحد الجهود في خدمة العراق ومستقبله.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطار الذي لا ينتظر أحدا: تأملات في سفر الحياة
- الخيانة الكبرى للنفس تكون حين يتم جعلها ضحية من أجل إرضاء ال ...
- عندما تسقط الاقنعة: دروس في الوفاء والخذلان
- ثمة مواقف من الجحود وعدم الوفاء لا تُغتَفَر
- برنامج المسامح كريم : دروس مباشرة في الاعتذار والتسامح بين ا ...
- ثقافة الاعتذار إطار حضاري لبناء الثقة واحترام الذات والآخرين ...
- التواضع قوة لا ضعف يكمن فيه سرّ النجاح ومحبة الناس وخلود الأ ...
- الطيبة اختيار و شجاعة في الزمن الصعب لا يراها الكثير
- في الذكرى الحادية عشرة لمذبحة قرية كوجو: الإبادة قيدت ضد مجه ...
- خراب البيوت لا يأتي من بعيد
- إصدار الأحكام على الآخرين بين وهم الفطنة وحقيقة التطفل
- في ذكراها الحادية عشر: الإبادة الجماعية للإيزيديين تظل جرحا ...
- حين أصبح اطفال الإيزيديين بضاعة رخيصة في أسواق النخاسة الداع ...
- حين تختطف البراءة بأيدي قوى الشر والظلام الدواعش ، أطفال سنج ...
- ليكن الجميع القدوة الحسنة كي لا تُختطف الأوطان والإنسان مرة ...
- التغير المناخي في العراق وأثره في تفاقم الأزمة المائية
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات/ الجزء الرا ...
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه الذي أقلق عقول الحكومات / الجزء ...
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات / الجزء الث ...
- نيكولا تيسلا عبقري سبق زمانه وأقلق عقول الحكومات / الجزء الا ...


المزيد.....




- نحو تأسيس المحكمة الدولية الخاصة لجرائم الحرب في غزة
- هكذا تلاعبت إسرائيل بقائمة الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج ...
- إطلاق المحتجزين الإسرائيليين الاثنين واتصالات لتحسين قوائم ا ...
- إسرائيل: الإفراج عن رهائننا أولا ثم إطلاق سراح المعتقلين
- مكتب إعلام الأسرى الفلسطينيين: عقبات معقدة تحول دون إعلان قو ...
- الصليب الأحمر: نستعد لتبادل الأسرى.. ونحرص على ضمان أمن وكرا ...
- وصول 40 طن مساعدات غذائية كويتية لمطار العريش لإغاثة غزة
- الجزيرة: حماس تجري اتصالات مكثفة مع الوسطاء لتحسين قوائم الأ ...
- غرفة العمليات الحكومية تؤكد استمرارها في قيادة جهود الإغاثة ...
- حصيلة جديدة للشهداء في غزة.. واستعدادت طبية في خانيونس لاستق ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - اهمية ترسيخ الهوية الوطنية والتعايش السلمي في بناء ونهضة العراق