أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين العراقي - العقارب














المزيد.....

العقارب


علي حسين العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


كانت الأرقام واضحة على حائط الدار وأنا أراها لآخر مرة.
أقلها كان 15 وأكبرها 24، كانت متسلسلة ومرتبة مكتوبة بقلم رصاص على حائط جانبي. لم تكن الأرقام إلا عدد العقارب التي نجونا منها وتمكنا من اصطيادها وقتلها.
كانت لعبة جميلة لنا ونحن نسجل عدد العقارب التي نقتلها كل موسم صيفي ليبدأ موعد راحتنا ونومنا الهانئ في الشتاء.
في منزلنا القديم في منطقتنا القديمة والأثرية كنا نحارب الموت كل يوم وكل ساعة، فقد وضعت لنا مجموعة من القواعد التي ستبقينا أحياء:
• لا تضع قدمك على الأرض وأنت جالس، ارفعها دائماً.
• لا تلبس حذاءك للمدرسة إلا بعد دقه عدة مرات على الأرض.
• عليك أن تقوم بنفض الملابس عدة مرات بشكل قوي وعنيف.
• لا تبحث عن ألعابك التي هربت إلى تحت السرير.
• تأكد من مكان نومك جيداً، اقلبه وحركه وتحسسه قبل أن تنام.
• وبالطبع لا تنم بشكل عميق، عليك أن تنام بعين واحدة ليكن نومك خفيفاً.
هذه بعض النصائح لمحاربة العقارب والعيش وسط مملكتها الأثرية، وعليك الالتزام بها للعيش. وبالفعل نجونا منهم بأقل الخسائر الجسدية وأكبرها نفسية.
لم تتركنا النصائح بلا جروح مستقبلية، فالنصائح كانت توجه لنا من قبل الأب والأم باستمرار منذ الطفولة، ولم أتخلص منها إلى اليوم.
لا أستطيع المشي على الأرض بقدم عارية حتى وإن كنت في غرفتي. لا أستطيع الجلوس على القنفة بدون أن أرفع قدمي.
نظرة سريعة إلى باطن الحذاء قبل اللبس لن تضر.
ربما تخلصت من باقي النصائح لكني لم أتخلص من هاتين.
العقرب كائن أسطوري بالنسبة لنا نحن الأطفال الإخوة الثلاثة.
حشرة مرعبة سوداء أو صفراء، خطأ واحد معها وأنت ستموت.
كنا إذا قتلنا واحداً منها في أي مكان في المنزل نخاف أن نمشي بقربه لأيام. عندما يقوم أبي بقتل العقرب يجلبه لنا لنلقي نظرة عليه ونرتعب منه. نخاف من اسمه، من شكله، من قرصته، ومما نسمعه عنه.
عندما نقوم بنسيان وجودنا في هذه البيئة الصعبة ونستنشق من فرحة النسيان، يأتي العقرب ليذكرنا بأنه وجماعته موجودون، وهذه مملكته وسيقتلنا لو حظي بنا يوماً ما.
كان أبي يتولى مهمة قتلهم وأمي تتولى مهمة إلقاء الأدعية وقراءة القرآن ليحمينا في الليل. وقامت بتعليمنا ونحن أطفال سورة الكرسي لكي نقرأها قبل النوم كل يوم، وتطلب منا وقتاً لإتقانها.
كنا نحن الأطفال نعمل كراصدين لهذه الحشرات. علينا أن ننتبه للأرض وأن نحذر من اختلاط الحشرات علينا لكي لا نطلق إنذاراً كاذباً.
هذه خنفساء ليست مخيفة.
هذه أم 77 مرعبة ولكنها لا تؤذي.
هذا فأر مو مهم.
هذه صرصورة تتمشى هنا، ليست مخيفة لأنها لا تستطيع الطيران، لو كانت تستطيع لهربنا وأبلغنا الأب.
تبدأ عملية صيد العقرب عندما يراه أحدنا ونقوم بنقل الإحداثيات إلى الأب ونعطيه لونه وآخر نقطة شوهد فيها.
لتبدأ عملية المطاردة، يقوم أبي وبشجاعة كبيرة وهو الضابط السابق بتعقب العقرب وبيده نعال كبير. يدخل يده إلى الأماكن المظلمة أسفل القنفة وخلف الثلاجة وحول المكتبة.
مغامرة لها نتيجتان:
إما موت العقرب
أو موت أحدنا.
اللعبة خطرة لكنك مجبر على اتباعها.
هرب العقرب هذه المرة وبهروبه ضرب لنا موعدين وبنتيجتين: إما سحقه على يد أبي أو قرصنا والانتصار لأسلافه.
وهكذا اللعبة مستمرة يومياً وأصعبها أوقات الليل لأننا يجب أن ننام في وسطهم.
يأتي الشتاء ليعلن أننا قد دخلنا بعطلة رسمية. فنحن لا نمتلك عطلة صيفية لأننا مشغولون بالدفاع عن أنفسنا منهم.
يأتي الشتاء ومعه يأتي النوم الهانئ بغض النظر عن باقي الحشرات، فهي ليست بخطورة العقرب أو كما كنا نظن.
كانت المعارك كراً وفراً بيننا وبينهم. قتلنا منهم الكثير، لكنهم تمكنوا مني في الشتاء، في أول أيام عيد الأضحى، وكان يختبئ الوغد الصغير في ملابس العيد الجديدة كأنها رسالة تهديد واضحة وصريحة منهم بأن الشتاء ليس الأمان الكامل، وأننا أقرب لك مما تظن.
ارتديت سروالي الجديد لأنه العيد ولم أقم بنفضه لأن الوقت كان شتاءً، فأحسست بعد ثوانٍ من لبسه بوجود وخزات صغيرة في فخذي الأيسر. ظننت أنها مجرد بقايا من البلاستك المحروق أو قطعة خشبية صغيرة (سلاية). فقمت بخلعه لأول مرة فلم أرَ شيئاً. أعدت لبسه فعاد الوخز من جديد، لكن ما أرعبني هو أن الوخز لا يتركز في مكان واحد وإنما في عدة أماكن قريبة من بعضها البعض.
فخلعته من جديد وأنا أحاول الرؤية وتحديد ماذا يحدث، فرأيته كأني رأيت الموت بعينه.
كان أصغر عقرب رأته عيناي، لونه أصفر، وكنت أظن أنه شفاف لفرط صغره وصفاره المبيض.
فصرخت لأبي (بابا قرصني عقرب) ليلبي الدعوة بعد أجزاء من الثانية. ما أن رآه حتى رأيته يتنفس بشكل طبيعي من جديد، فقال إنه صغير وغير مؤذٍ وسوف يعطيك مناعة. التقط كيس ملابسي البلاستيكي وقام برفعه من على فخذي.
قال لي إنه ميت ولا تقلق، وأصر على أن ألبس نفس السروال بعد نفضه وأن أخرج به للتمتع بالعيد.
نسيت أمره بعد ساعات لانشغالي بالعيد ولأني لم أجد من أقل له:
"قرصني عقرب وما بيّة شي، صار عندي مناعة."
ولكن الرسالة كانت واضحة لأبي وفهمها جيداً.
أصغرنا لأكبر أبنائك، وكانوا جادين هذه المرة.
نظرت أنا وأبي آخر مرة إلى حائط الانتصارات ونحن ننتقل من منزلنا. نظرنا إلى معاركنا التي أصبحت أرقاماً على حائط، وليالينا الخالية من النوم، أدعيتنا وخوفنا والنصائح والتوجيهات، الإنذارات الخاطئة، والحشرات بأنواعها.
وقفنا ننظر إلى الأرقام أقلها 15 وأكبرها 24. هل انتصرت العقارب أم نحن؟
هل انتصروا بإخراجنا من مملكتهم؟ أم نحن من انتصرنا بالنجاة منهم بعدما قتلنا منهم ما يقارب المئة كباراً وصغاراً، الأصفر والأسود؟
هل دمرنا أوكارهم ومساكنهم أم هم من دمر مسكننا؟
ربما انتصر الطرفان أو خسر كلاهما.
لكن ما حدث هناك في تلك المملكة الأثرية كانت معاركنا التي لم يعلم عنها أحد شيء



#علي_حسين_العراقي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة (استاذ محمود)
- في عالم الكتب (فتيات العالم السفلي)
- قصة قصيرة (بيت المصري)
- في عالم الكتب (القوقعة)
- في عالم الكتب (ذكريات وخواطر)
- في عالم الكتب (القلعة الخامسة)
- راديو الثالثة فجراً
- قصة قصيرة (قطة وفلوس أبو تحسين)
- قصة قصيرة (عصفور)
- قصة قصيرة (الضفدع)
- عالم الكتب (وشم النورس)
- في عالم الكتب (أختفاء)
- في عالم الكتب (حرائق المعرفة)


المزيد.....




- دمى -لابوبو- تثير ضجة.. وسوني بيكتشرز تستعد لتحويلها إلى فيل ...
- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين العراقي - العقارب