أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين العراقي - قصة قصيرة (عصفور)














المزيد.....

قصة قصيرة (عصفور)


علي حسين العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


رأيته لأول مرة، كان يشبه الأوصاف التي نسجوها عنه.
لم يكونوا مخطئين، إنه عصفور.
لا أعرف من أين أتى وأين ذهب
كان موجودًا في منطقتنا الشعبية الفقيرة،
يعمل في صالون نسائي في سوق المنطقة، يجلس داخله، فمه لا تفارقه العلكة ولا كلمة "باجي" التي يطلقها على صاحبة الصالون.
رأيته وأنا صغير عندما كنت أشتري حفاضات لأخي الأصغر مني.
"تيشرت" ضيق يظهر كرشًا صغيرًا وبروزًا في الأثداء، حزام وردي و مرصع بنجوم فضية صغيرة وعاكسة للأشعة، وجينز ضيق يبرز أفخاذه الكبيرة ومؤخرته البارزة،
وحذاء نوع "فلات" لونه غاب عن ذاكرتي.
كان عبارة عن ظاهرة فريدة في نظري، أما في نظر من تعودوا عليه فإنه عصفور، جرو المنطقة.
كانوا ينادون عليه: (عصفور.. عصفور). يلتفت لبعضهم ويبتسم للآخر ويتجاهل أكثرهم.
كان في طريقه اليومي إلى صالون الأميرات في ركن بعيد نسبيًا عن السوق الشعبي.
صالون الأميرات تملكه الباجي:
امراءة قصيرة نسبيًا، مع عباءة خمسينية ومع المكياج تبدو في نهاية الثلاثينات.
حجاب يعمل كغطاء لا يخفي شعرًا ولا فرضًا.
أكاد أقسم إن التاتو الخاص بها له رسمة فريدة، فأنت تراه من بعيد.
تبدأ الملامح بالحواجب، وعندما تقترب تلقائيًا ستلاحظها بوضوح: حواجب "تاتو" كأنها إله مصرية أو إغريقية.
وأقسم لو أنها أخفت وجهها وأبقت عينها وحاجبها، فأنت ستجثو عند قدميها.
عصفور لم يكن يختلف عنها.
أبيض، حليق اللحية دائمًا، لو تقربت منه لرأيت خضار لحيته.
حواجب مرسومة، خدود حمراء قليلًا، وأظافر تغار منها النسوة.
عصفور هو عصفور، كان يعيش في عصر كان الشاذ فيه يسمى "جرو"،
ثم تطورت التسمية إلى "فرخ"، وبعدها إلى "إيمو"، الأخطر بينهم.
لم يتعرض له أحد من أبناء المنطقة، والكل يعرف حدوده معه.
الكلام معه لا يتعدى الهمز واللمز.
كان عصفور ملكًا في الصالون النسائي، وجثة لتفريغ الشهوات في الليل.
كنا نراه عندما نلعب كرة القدم بالقرب من الشارع العام، يخرج من الصالون،
يحمل كيسًا بلاستيكيًا، شعره طويل نسبيًا وسُرِّح له بخصلات صفراء، لكنها سريعًا ما تنسلخ لترجع إلى أصلها الأسود.
يتوقف اللعب عندما يمر عصفور،
فعصفور هو نافذتنا إلى عوالم لم نرها بعد.
تتوقف السيارات بأنواعها ويصعد بإحداها.
كل مرة نراه فيها في سيارة مختلفة.
لاحقًا لم يعد يغرينا عصفور بقدر ما تغرينا رؤية السيارات الجديدة والغريبة:
سيارة عالية "هاي" يصيحولها "جمسي".
سيارة منخفضة سوداء وملامحها واضحة: "بي إم دبليو".
سيارة فخمة ولها رهبة: "مرسيدس".
ولما لم تعد تغرينا السيارات، انتقلنا إلى لعبة جديدة:
نراقب سائقي السيارات.
هذا شيخ وله عقال.
هذه امرأة محجبة وبجانبها سافرة.
هذا له عضلات وشكله مخيف.
هذا يلبس ملابس عسكرية لمحناها عندما فتح باب سيارته المظللة ليركب عصفور.
عصفور كان مختلفًا، شاذًا لكنه مختلف.
يعرف عن نساء الحي أكثر مما يعرف أزواجهن عنهن.
يعرف ألعابهن، يعرف من ستمارس مع زوجها ومن ستمارس مع حبيبها.
كان الصالون هو مقهى النساء.
أكثر ما يثيرنا هو رؤية الصالون عندما يدخل أو يخرج أحد.
كرسي، وأنوار ساطعة، الأراكيل مع الدخان والأغاني ونساء يلبسن دشداشات البيوت، وعصفور يعمل على شعر إحداهن.
لم تستمر هذه اللعبة طويلًا، فقد انتبهت الباجي ووضعت ستارة تفصل ما بين الباب وما بين عالم الصالون.. عالم عصفور.
عصفور لم نعرف أصله ولا فصله.
كان يسكن مع الباجي في شقتها في زاوية من عمارة متهالكة.
كان للباجي أخت تستند على وسادة وتراقب الجميع من شرفة العمارة ذات الطابقين.
نراه يذهب ويأتي، كان لغزًا.
بعضهم يكرهه، وبعضهم يحبه.
بعضهم مارس معه الجنس، والآخر يتمنى أن يكسر عينه فقط لأنه عصفور.
اختفى عصفور.
آخر ما رأيته منه، وهو يذهب بلباس مشابه لأول مرة رأيته، إلى الشارع العام.
لم يهتم لأمره أحد، كان خروجه طبيعيًا.
إنه عصفور، وهذا الوقت المعتاد لخروجه.
ذهب ولم يعد.
انقطعت أخباره ولم يعد يراه أحد.
الباجي فقدت بريقها، أغلقت صالونها، وجلست في بيتها.
أختها أصبحت أكثر حدة وعصبية، ستحصل على شتيمة منها لو رمقتها بنظرة طويلة.
لم يصدق أحد عندما وجدوا الفيديو على الإنترنت.
بعضهم قالوا إنه هو، والآخرون قالوا إنه يشبهه.
شاب يشبه عصفور أو هو أو لا.. يتدلى من جسر، الحبل معلق حول رقبته، ساكن.
ويحاول بعض رجال الشرطة إنزاله.
الفيديو دقته منخفضة ولا يمكن الجزم بأنه هو.
بعضهم أحسست بحزنه ونحن نرى الفيديو، والآخرون لم يخفوا دمعتهم، وآخرون كأنهم تنفسوا لأول مرة بموت حامل أسرارهم وشهواتهم.
اختفى عصفور كما ظهر.
هل حلق عاليًا فسقط؟
أو قتلته العصافير؟
أو قتله غراب؟
أو لاحته مصيدة ما؟
اختفى ولا أعرف اسمه الحقيقي ولا عمره ولا أصله ولا فصله.
اختفى، وقصته معه: الأسرار، الأفكار، الشهوات، النزوات، النصائح التي يعطيها للنساء، صوته العالي ذو النوتات النسوية.
عصفور.. كان وما كان.
ظاهرة غريبة نسيه أغلب من ذاقه،
ولكني لم أنسه.. وكيف أنساه وهو عصفور؟



#علي_حسين_العراقي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة (الضفدع)
- عالم الكتب (وشم النورس)
- في عالم الكتب (أختفاء)
- في عالم الكتب (حرائق المعرفة)


المزيد.....




- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس: الأزمة والمخرج!
- فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- يحقق نجاحًا باهرًا.. ما سرّه؟
- موسيقى -تشيمورينغا-.. أنغام الثورة في زيمبابوي


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين العراقي - قصة قصيرة (عصفور)