علي حسين العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 08:42
المحور:
الادب والفن
الكثير يكتب عن القوقعة، قاموا بتفصيلها ووصفها بكل ما يمكن وصفه من الألقاب والأوصاف. الكثير يخاف منها، من أجوائها وأحداثها. قاموا بتفصيلها وتفكيكها من البداية إلى النهاية.
ولكني سأبحث وأقدم لكم رؤيتي لها.
أني أجدها ممتعة، رائعة، فاضحة وكاشفة. القوقعة هي أقرب ما تكون إلى فضيحة بشرية. أبطالها عاديون، ممن يخرجون من بيوتهم ومعهم طعامهم البسيط الذي تعدّه الزوجات، يذهبون إلى العمل مع وداع لطيف لأطفالهم ووصايا لزوجاتهم، ومن ثم التوجه باتجاه العمل.
العمل سهل وبسيط: عليك أن تكون وحشاً بلا حدود. ربما تظنون أن هذه الفكرة غير قابلة للفهم أو صعبة التطبيق، لكن عملية تحويل الإنسان إلى وحش سهلة جداً. والغريب أن الوحوش مرتبطة بالزمان والمكان، والوحوش ضحايا وحوش آخرين.
الدولة لكي تنجو وتبقى، عليها أن تخلق وحوشاً في كل مكان وزمان ولكل الحالات. لكن ما يهم هو أن تبقي الجميع تحت وطأة وحش ما.
فالسجناء تحت رحمة البلديات، والبلديات تحت رحمة الشرطة، والشرطة تحت رحمة الرقباء، والرقباء تحت رحمة الضباط، والضباط يتدرجون بالرتب. وما بين هذه الترتيبات توجد ترتيبات صغيرة لكنها مؤثرة.
عملية صناعة الوحش ممتعة ورائعة، وهي أجدر بالبحث والتقصي والتوثيق. هنا تعرض لكم الدولة رحلة مميزة وحصرية لكيفية تحويل الإنسان إلى وحش. رحلة لا يحدها الزمان ولا المكان، وإنما تحدها أنواع أخرى من الوحوش.
فالذي تراه سجاناً، معذباً، قاتلاً، سادياً، سيكون مسجوناً، معذباً، مقتولاً، خاضعاً خارج حدود زمانه ومكانه. لأنه ببساطة سيدخل حدود الآخرين من الوحوش. وهذا ما تريده الدولة: صناعة شخصيتين داخل عملائها، الوحش والخاضع. ولكل منهما حدود وأبعاد وأشكال وأنواع وتقاليد وشخصية.
الأهم المهم هو أننا يجب أن نلاحظ، وبشدة، عمليات التحول هذه، لأنها رائعة ممتعة. فهي نظرة رخيصة على الجحيم، ثمنها حياتك فقط.
#علي_حسين_العراقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟