أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - منتدى السرديات ينثر قطرات الضوء علي تجربة الكاتب محمود أحمد علي القصصية.















المزيد.....



منتدى السرديات ينثر قطرات الضوء علي تجربة الكاتب محمود أحمد علي القصصية.


مجدي جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 23:27
المحور: الادب والفن
    


حول تجربة الكاتب محمود احمد علي القصصية تحلق أدباء ونقاد وشعراء منتدى السرديات باتحاد الكُتّاب فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء، وأدار الندوة الأديب مجدي جعفر، وتحدث بإيجاز عن سيرة ومسيرة الكاتب الحياتية والإبداعية، وقال:
الاسم بالكامل / محمود أحمد على إبراهيم
اسم الشهرة / محمود أحمد على
-تدُرس قصصه القصيرة في كلية آداب جامعة المنصورة
-(المقموع في روايات الربيع العربي) رسالة ماجستير للأستاذ/ علاء كاظم ربع ..نوقشت في جامعة بغداد- كلية الآداب عدد (20) رواية لكُتّاب من جميع الدول العربية.ومن بينها رواية ( ثورة العرايا) للكاتب محمود أحمد علي الحاصل على جائزة (إحسان عبد القدوس)
-( البنية السردية فى القصة القصيرة عند محمود احمد على .. رسالة ماجستير للباحثة فوزيه مدحت العراقى..جامعة المنصورة.. كلية الآداب.
-ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، والكرواتية..
-لقبه النقاد بـ( بصائد الجوائز ) لحصوله على العديد من الجوائز الأدبية في القصة القصيرة من مصر وخارجها
-لقبه النقاد بـ ( عاشق مخلص للقصة القصيرة ) بسبب عشقه وإخلاصه لفن القصة القصيرة
-يقيم صالون أدبي في منزله، يطلق عليه الأصدقاء : (الصالون الأدبي للأديب محمود أحمد على)
العضويات الأدبية :
★ عضو عامل باتحاد كتاب مصر
★عضو اتحاد المبدعين العرب
★ عضو نادي القصة
★عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
★عضو المنظمة العالمية للكتاب الأفريقيين والأسيويين
★عضو "دار نعمان للثقافة الدولية " الفخريَّة
★ عضو حركة السلام الأهلية لإحياء القيم العربية
★ عضو دار الأدباء
★ عضو جماعة الأدب العربي
★ عضو جماعة علي أحمد باكثير
★ جمعية دار القلم الحر للإبداع
★ عضو عامل بنادي أدب قصر ثقافة فاقوس بمحافظة الشرقية
صدر له حتى الآن:
1- الحقيقة المرة– قصص قصيرة. طبعة أولى عام (1997م) عن دار الإسلام للطبع والنشر
2 -من يحمل الراية– قصص قصيرة طبعة أولى عام (2000م) عن دار إشراقة للطبع والنشر
3- الحقيقة المرة– قصص قصيرة طبعة ثانية عام (2002 م )عن دار الرسالة للطبع والنشر.
4- رائحة القدس – قصص قصيرة طبعة أولى عام (2004م)عن دار إشراقة للطبع والنشر
5- صور باهتة قصص قصيرة-طبعة أولى عام ( 2006م )عن الهيئة العامة للكتاب
6- تواصل العطش–قصص قصيرة–طبعة أولى عام( 2009م)عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
7- رؤوس تحترق–قصص قصيرة–طبعة أولى عام( 2010م) عن نادي القصة بالقاهرة
8- سمع هس - قصص قصيرة – طبعة أولى عام (2011م)عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
9- أحلام مبتورة-قصص قصيرة - طبعة أولى عام( 2011)عن الهيئة العامة للكتاب
10- ذلك الصوت-قصص قصيرة– طبعة أولى عام( 2012م)عن جمعية أصدقاء على أحمد باكثير بالقاهرة
11- زهرة فى الميدان – قصص قصيرة- طبعة أولى عام (2013م)عن دار هيباتيا للنشر والتوزيع
12- ثورة العرايا – رواية قصيرة – طبعة أولى عام (2013م)عن مجموعة النيل العربية للطبع والنشر
13- يوسف إدريس أمير القصة العربية – عام (2013م) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
14- أجازت له لجنة الدراما بإذاعة القاهرة الكبرى قصة(عازف العود)لتصبح تمثيلية إذاعية من إخراج/أمجد أبو طالب عام (1997م)
15- غزة تكتب شعرًا -أعداد وتقديم/ محمود أحمد على – عام (2014) عن دار الإسلام للطبع والنشر
16- سداسية الوصول- قصص قصيرة- طبعة أولى عام (2014) م عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
17- أبحثوا معى عنى - قصص قصيرة – طبعة أولى (2014) عن الهيئة العامة للكتاب
18- مصر فى عيون شعراء الشرقية– عام (2015) م عن دار الكنج للطبع والنشر
19- عفوًا – قصص قصيرة – طبعة أولى – طبعة أولى (2016) م عن الهيئة العامة للكتاب
20 – عضة كلب – قصص قصيرة – طبعة أولى – عام (2016) م عن اتحاد كتاب مصر
21- إليكم القاتل والمقتول- قصص قصيرة – عام2016عن إقليم شرق الدلتا الثقافى
22- الأحرف الممصوصة – قصص قصيرة-طبعة أولى 2017 عن دار ماهى للنشر والتوزيع
23- التورتة – قصص قصيرة- طبعة أولى عام 2017 عن الهيئة العامة للكتاب
24- شموع تحترق من أجلنا-خاصة بالأطفال- 2018 عن الهيئة العامة للكتاب
25- دقيقة حداد – قصص قصيرة –طبعة أولى عام 2018 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع
26- الجرح النازف-قصص قصيرة-طبعة أولى 2019 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع
27 الموت عشق حليمة-قصص قصيرة-طبعة اولى 2019 عن دار أطلس للنشر والتوزيع
28- أوجاع قصيرة جدًا-قصص قصيرة-طبعة أولى 2019 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع
29- واحة الغرباء – قصص قصيرة – طبعة أولى عام 2019 عن الهيئة العامة للكتاب
30- ( تناغم موسيقى)-قصص قصيرة طبعة أولى عام 2020 عن مؤسسة دار النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع
31- ( أنت وهم والكلب )-قصص قصيرة طبعة أولى عام 2020 عن دار واو للطبع والنشر والتوزيع
32- بالأمر ممنوع من النشر-قصص قصيرة-طبعة أولى عام 2021 عن دار أطلس للنشر والتوزيع
33- كورونا ماركت-قصص قصيرة-طبعة اولى عام 2021 عن دار ميتا بوك للطباعة والنشر
34- صورة من أبيه – رواية لليافعين - عن المجلس القومي لثقافة الطفل – طبعة أولى عام 2022م
35- إذاعة صوت العرب- قصص قصيرة- طبعة اولى عام 2022 عن دار ميتا بوك للطباعة والنشر
36- ( تحت الأرض .. فوق الأرض قصص قصيرة- طبعة اولى عام 2023 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
37- - هُنا غزة - قصص قصيرة – طبعة أولى (2023) عن دار ميتا بوك للطبع والنشر والتوزيع.
ونال العديد من الجوائز على مستوى القطر المصري والوطن العربي، وتم تكريمه مصريا وعربيا أيضا.
...................................................................
وفي البداية تحدث عن تجربته، وقال :
( دومًا تختلف تجربة كل أديب عن الآخر، ومعظم الأدباء يتحدثون عن تجاربهم الأدبية من باب الغرور والتفاخر، والقليل من الأدباء من يتحدثون عن تجاربهم بكل صدق وإخلاص، يتحدثون دون تزوير الحقائق، وربما أكون أحد هؤلاء، فمن يعرف محمود أحمد على يعرف أنه صادق مع الناس وصادق أثناء الكتابة.
لقد عشقتنى القصة القصيرة بجنون، فكان لزامًا عليا أن أبادلها نفس هذا العشق، الذى لم أجده مع كثيرً من الأدباء، عشقتها بجنون فأعطتنى أفكارًا مُختلفة ومغايرة عن غيرى من الأدباء، عشقتها بصدق وأمانة فأعطتنى الكثير والكثير من الجوائز داخل مصر وخارجها.
البعض من الأدباء _ وخاصة من ليس لديهم ما لدي- يقولون أن القصة القصيرة سهلة الكتابة، وأرد عليهم بقول خالد الذكر الأديب القدير " يحيى حقي" عندما سأله احد الصحفيين ما الفرق بين القصة القصيرة والرواية، فكان رده غاية فى الإبداع وغاية فى الصدق، فيقول:
( القصة القصيرة أن تنظر من ثقب الباب لترى ما بداخل الغرفة، أما الرواية أن تفتح الباب على مصراعيه)
وأنا ضد من يقول أن هذا زمن الرواية، فلو أن أستاذنا " نجيب محفوظ" أخذ جائزة نوبل فى القصة القصيرة لقال النقاد أن هذا زمن القصة القصيرة.
أقول بكل غرور وكبرياء إن شمس القصة القصيرة لن تغرب.. لن تغرب ما دام هناك من يعشقها بجنون ويكتبها بإخلاص.
ولمن لا يعرف عنى أنني كتبت الرواية، وغير مقتنع بما كتبته رغم أنها حصدت جوائز، ولمن لا يعرف أننى أكتب المسرح، كتبت كل هذا ولكن عشقى الأول والأخير دومًا للقصة القصيرة.
ذات يوم حدثتنى زوجتى وقالت:
( لماذا لا تقول ليَّ كلمات حب، فأنتم أيها الكتاب تملكون أجمل الكلمات)
فما كان منى أن رحت أقول:
( الحب ليس كلامًا يُقال، بل هو فعل يترجم إلى مواقف وأحاسيس)
قلتُ هذه الكلمات وكنتُ بصدد صدور مجموعتى القصصية الثانية وكانت تحت عنوان:
( من يحمل الراية) فوجدتنى أكتب بصدق وإخلاص هذا الإهداء:
( إلى حبيبة الأمس واليوم وغدًا.. "قصتى القصيرة" أسف زوجتى فلم أعد أستطيع كتمان هذا السر).
هذه كلمات قليلة .. قليلة جدًا تقال عن معشوقتى القصة القصيرة، فما زال لدى الكثير والكثير من الكلمات التى يجب أن تقال عن تجربتى مع معشوقتى، ولكن هذه الكلمات سوف تأخذ صفحات أكثر وأكثر.
وفى النهاية يسعدنى ويشرفنى ان أقول عنها أنها أجمل من رأيت، وأجمل من تحدثت معها، بل وأعشقها بجنون قبل حبي لزوجتى وأولادى.
وكان هذا بإيجاز حديث عاشق القصة القصيرة المخلص، والمحتفى به
…………………………..................................
وقدم الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب دراسة عن المجموعة القصصية ( إليكم القاتل والمقتول )، جاء فيها :
( يكتب محمود أحمد على من جغرافيا الوجع الانساني بكل تنويعاته، بأكثر من زاوية للرؤية، ولكانك بعد قراءاتك له فى معرض للمرايا، حيث تنظر للصور والمشاهد السردية، وهى تطفو على سطح وقبيل الاختباء وراء تلال من الرموز والدلالات أحيانا، وقد تبدو فى نصوص أخرى سافرة، ملتهبة كالشمس الحارقة، ونحن كقراء نصطلي دائما باللهيب، سواء كان لافحا، أو باردا، مرناً، بلا صوت فى حركته كأفعى يمكنها أن ترميك بسُمِها القاتل، دون أن تقتلك، فقط تترك لك مساحات جديدة لانتاج الرؤى والدلالات.. ومعايشة جروح وآلام أخرى ، ربما مررت عليها ولم تنتبه لها .. وقد التقتطها عدسة فنان مبدع يحول كل جزيئات حياته إلى نصوص بديعة فى فن القصة القصيرة.
ومحمود أحمد على هو العاشق الأول لفن القصة القصيرة، وقد ما يربو عن (36) مجموعة قصصية، تضرب بجذورها فى ربوع البيئة المصرية.
ونراه فى مجموعته القصصية (إليكم القاتل والمقتول) يقدم كتابة أقل ما نصفها بأنها: ـ
هذه القصص (1) طلقة رصاص فى رأس الفساد ، وللفساد أوجه متعددة ، ترمى بظلالها الكابية على أرضية القصص ، وتفرض ثقافتها على وعى الشخصيات ، تارة بالبطش الشديد بتلك الشخصيات وتارة أخرى ببث خطاب يتحذ من الارهاب قناعا له ، فارضا حضوره الطاغى رغم أنف الشخصيات فى قصص محمود أحمد على ، شخصيات تسعى وراء لقمة العيش ، والأمن ، والأمل ، شخصيات مدفوعة بحب الحياة الغريزى ، ذلك الحب وتلك البكارة البادية فى جوهر كل الأشياء ، سرعان ما تتحول عن وظيفتها وتبدل من حضورها رهبة وخوفا من آلة الفساد القابضة والمقبضة فى آن واحد .
الكتابة فى حالة كهذه ضد كل ألوان الفساد ، وعدم الانصياع لبطشه ، وتهديداته ، الوقوف أمام تلك الآلة الجهنمية ، الأقرب فى الشبه للمشنقة التى يعاد تركيب وصلاتها بهدوء شديد فى قصة (فى مستوطنة العقاب ) لفرانز كافكا . واستسلام انسان القصة عند كافكا للمصير المحتوم ، يؤكد عبثية الحياة ولا جدواها .. بينما "محمود أحمد على" لم يقف موقفا عبثيا من الحياة كما قدم كافكا رؤيته للعالم فى القصة . انما اتخذ من الرمز أداة له ، حيث جعل من الرمز وأبعاده الدلالية قناعا له ، ثم وقف صامدا ، حتى النهاية . ذلك الموقف من الكاتب هو البطولة بذاتها . وبالرغم من ضعف ووهن الشخصيات أمام آلة الفساد التى تعمل فى كل فضاءات القصص ، إلا أن الكاتب يقوم بتعريتها باستمرار ، مؤكدا من قصة لأخرى على قيمة وأهمية المواجهة ، والمثابرة ، وعدم السقوط بين براثن الترهيب والتخويف والتجويع المستمرة .
تتنوع أشكال المواجهات بين شخصيات متعبة ، هدَّها انتظار الأحلام ، وآلمتها جروح الواقع الاجتماعى والسياسى ، والشخصيات تتخذ وسائل متعددة للمواجهة ، لكننا نشعر بها فى النهاية مقهورة ، مرغمة على ابتلاع خوفها ، ومرارة واقعها ، أملا فى غد أفضل ، ربما يأتى .
ويمكننا أن نلمس كل ما سبق فى :
ألوان وصور القهر المقبضة
أقنعة الرمز
المستويات الدلالية للرمز
يقول جورج لوكاتش: ( إن هدف القص اكتشاف وبناء صورة للواقع تعمد إلى حل التناقض بين الظاهر والماهية ، وبين الجزئي والكلي وبين المباشر والمفهومي ، حلا من شأنه دفع طرفي التناقض إلى الالتقاء في تكامل تلقائي داخل الانطباع المباشر للعمل الفني . فالكلي يظهر باعتباره صفة للفرد والجزئي يصبح الجوهر متجليا باديا . ويترتب على ذلك أن النص الأدبي يقدم سياقاً متكاملاً محدد النطاق قائماً بذاته .
أولا ـ ألوان وصور القهر المقبضة
بطل القصة يمثل الكيان الكلى لجميع الشخصيات يحمل سمات الكاتب ، فنراه تارة القارئ النهم للكتب ، المؤمن بالمثاليات ، والعدل والحرية والمساواة ، وهو الثورى المطعون بسهام لا حصر لها من واقع لا يعترف به ، هو (البطل فى أغلب القصص يدور فى دوائر مفرغة لا مرسى لدورانه ولا معنى للحياة ، وان بدت فى بدايات القصص .. عادية ، واقعية ، رتيبة لحد أننا نستشعر تفاصيلها فى كل مفردة من مفردات حياتنا ، سرعان ما نجد أننا منساقين الى هوة لا قرار لها من الظلم غير المبرر ، والعنف المفرط اللاموضوعى ، افرازات تعبر عن واقع لا تحكمه القوانين الوضعية ، فى قصة حاجز الصمت ، نراه مسحوبا بلا مبرر من بين ركاب العربة ، لأنه كان يشرح لهم جملة هامة قرأها فى كتاب (الحرية المطلقة ) جملة تحفز وعى ركاب الميكروباص حتى التفوا حوله ولعلع صوته ونطق شارحا معنى (المصارحة والمعارضة أول طريق الحرية) ولأنه نفذ بند المصارحة مع الركاب رغبة فى افاقتهم .وهذا فى عرف الأمن يعتبر معارضة صارخة .
نلحظ حوار فرد الأمن معه الذى ينم عن استخفاف واضح يتحرك فى البنية التحية للقصص .. ( ـ أنا سعيد ومعجب بك ولذا أرجوك أن تنزل معى ..
ـ أشكرك .. مرة ثانية إن شاء الله .. اللهم يجمعنا على محبته ،
والعدل والحرية ، و........
يقاطعه الرجل ذاته بقوله :
ـ لقد جمعنا الله بالفعل .) (ص 95)
(المصارحة والمعارضة أول طريق الحرية ) وها هو يدقع ثمن الحرية عند أول محاولة بدرت منه لتثوير وافاقة الوعى الغافل للركاب.. وفى نهاية القصة يتلهى عنه الركاب ، ويتركوه يلاقى مصيرا محتوما ، لقد تجاهلوه خوفا ، بل قل رعبا من السقوط فى قبضة الآلة .. نعم هذه الآلة التى تبطش بعنف ، نراها أيضا فى قصة الطريق ، وهى من أفضل قصص المجموعة فى توظيف الرمز الكلى ، استحال بطل القصة (القناع الرامز للمجتمع الكلى) من حالة الخجل كبنت بكر من التفوق ، ومن طالب يسعى للالتحاق بالأكاديمية البحرية ، الى مجرم .. الضابط الذى يعمل على تسديد فاتورته اليومية بتوريد عدد معين لا يقل عنه ، يدور ويلم الأبرياء، ثم يزج بهم الى الحجز وفى الصباح يكون كل هؤلاء قد ذاقوا من صنفوف التعذيب ما ذاقوا مثيلا له ، حتى صاروا عجينة طرية يسهل عليهم (رجال الآلة) تشكيل وتحفيظ هؤلاء الأبرياء .. كل واحد منهم يتحمل التهمة التى يجب أن يلتزم بها ويعترف بها أمام النيابة ، وكان من نصيب الشاب الخجول قضية (تحرش جنسى) .. فى لمحة انسانية خاطفة لا تفوت كاتب مخضرم كمحمود أحمد على الذى صدر له أكثر من 13 مجموعة قصصية أن يلمح كيف رق قلب (الرجل صاحب الموسى المكلف بترويع الشاب فى الحجز وبتحويل وجهه الى لوحة سريالية بفعل الموسى .. وحين رق لبكاء الشاب، جاء وجلس بجواره على أرضية الحجز واعترف له أن هذه أوامر .
وهل هذا هو الطريق الذى سميت به القصة (تحرش جنسى) وهو عنوان دال جدا ومعبر عما وصل اليه الشاب فى النهاية، حين يحمل الموسى ويتحرش بالمارة وفى صيغة مبالغة من (الكاتب ) يدور حول عربة البوكس فى اشارة ما الى أنه صار متحرشا حقيقيا وناجحا لدرجة أن يتحرش بالأمن ذاته .. وهم يتغافلون عنه ..
تغافل متعمد ، ونص اتخذ من القصة بكل تفاصيلها قناعا رمزيا دالا على فساد الأجهزة ، وبدلا من القيام بمهامها ، تحولت لأداة قمع ، وترهيب وتنكيل .
نفس المصير لبطل القصص الخائف بشكل غرزيزى ، الشاهد على عدم تساوى كفتى ميزان العدالة . ذلك القاطن فى شقة أمام المحكمة فى قصة (الميزان) والذى يلاحظ منذ بداية القصة ورود المقبض عليهم المقيدين بالسلاسل ، وسؤاله الدائم عن سبب القبض عليهم ، يسألون بلا مجيب .. يجد نفسه فى المقطع الرابع والأخير من القصة مقبوضا عليه ، لأنه كما ذكرنا هو الجزء المعبر عن الكل وهو الصورة / المرآة .. العاكسة لقضايا الواقع ، والجيد للغاية أن الكاتب لم يبد أى سبب للقبض على بطل قصته ، لأن التمهيد الطويل من الأحداث السابقة فى القصة ، أوضح عبثية الواقع والتهم والدوائر المفرغة .. ووضع الكاتب أيضا ـ كعادته ـ لمسة فنية معبرة جدا حين رصد تحول أصحاب عن مهم لحام الكراسى المكسورة .. وهى وظيفة ورش اللحام تعدل الكراسى المكسورة ، كى تصلح للعودة مرة أخرى للعمل .. يرصد الكاتب كيف تشاغلوا عامدين عن أداء مهامهم ، فى المقابل صاروا يصنعون عددا كبيرا جدا ..جدا .. جدا .. من (الكلبشات) بأمر من الحكومة .. (ص15)
ثانيا : أقنعة الرمز
الرمز أداة بنيوية ، تنهض متكئة على البناء الفنى للغة الاشارية للنص الفنى ، حيث يصير الشئ أو المادة أو الصورة المعبرة عن هذا الواقع هى المرموز والمقصود بالاشارة أو الدلالة هو المرموز اليه .. وبينهما يعمل (الرمز) كخيط مشدود بين طرفين هما على مستوى البلاغة العربية القديمة (المشبه و المشبه به) وبينهما أداة التشبيه هذا اذا حاولنا تبسيط المسألة النقدية .
وأى عمل فنى لا يخلو من الرمز حتى لولم يعمد مباشرة بشكل الى شد الحبل بين شيئين بينهما يقف الرمز كأداة دالة على شئ آخر هو المقصود دلاليا . أما لماذ يلجأ الكاتب الى القناع الرمزى ، فالاجابة بسيطة وواضحة وجلية ، هو الخوف من المساءلة فى حال تصريحه بالمقصود أو المعنى الدال الذى يرمى اليه ويرغب فى توصيله للقارئ . . نرى الرمز فى كل قصص محمود أحمد على ولكن بمستويات مختلفة . ولأننا هنا سوف نتحدث عن الرمز كقناع ، سوف نتوقف أمام قصة (المقابلة) التى أبدع فيها الكاتب أيما ابداع فى صناعة الرمز القناع ، استعان بالأسد المسجون فى قفص داخل حديقة الحيوان ، وقام باسقاط البعد الدلالى للقصة عليه . الولد يسأل عن الأسد الذى يدعى أبوه أنه ملك الغابة ، مستنكرا أن يتحول الملك الى حبيس القفص ، والأب احتار فى افهام ابنه أن الأسد أسد حتى عندما يكون سجينا ، الا أن الواقع ينقى مزاعم الأب وبالتالى ينفى بطولة الأب المزعومة عند ابنه ،
لماذا ؟
لأن الأب هو الآخر حبيس قفص مماثل ، والسبب فى ذلك أنه كشف واحدا من كبار المفسدين ، وعضو مجلس شعب وفوق كل هذا (ايده طايلة) هل يعتذر البطل الأب / الصحفى .. يعتذر للمفسد فقط لأن الجريدة تعيش على الاعلانات الممولة من مشاريع هذا الفاسد .. الوارد نصيا أن البطل منذ بدء القصة يبدو حبيس غربتين ، غربة داخل مجتمع لا يؤمن بالوقوف فى وجه الظلم حتى صارت وقفة الصحفى هذا نشازا داخل قاعدة عريضة تم الترسيخ لها ، والجميع بات مستسلما لوطئة القدم الثقيلة واليد الطائلة ، الذمم الفاسدة ، أخذ البطل يقارن بين لحمه الملتصق بعظامه الوهنة ، وبين البودى جارد العاملين لدى هذا المفسد ، ويرتفع الكاتب رويدا رويدا بالتصوير الفنى للشخصية وينتقل من الحديث عن الأسد للحديث عن البطل ، وتنتقل الكاميرا من تصوير لقطة هنا الى لقطة هناك هذا المزج بين الصورتين القصصيتين ، والانتقال بينهما حتى نصل الى الذروة وهى تصوير الكاميرات الذى يقوم به رجال الفاسد الكبير ، ويتذكر الصحفى الحبيس ضيق الأسد من فلاشات الكاميرات وهى تلتقط له ومعه الصور ، وعندما يصيب الأسد هياجا حادا ، يكون الكاتب قد أحكم القناع الرمزى الدال على حال الأب الصحفى ، ويكون ـ بقصته ـ قدم لابنه أيقونة فنية رمزية معبرة جدا ودالة على حال كل الشرفاء المحبوسين وهى هى الصورة الرمزية أو القناع الرمزى للأب الملك أيضا .. صاحب الكلمة وسجين الرأى ، الشجاع البطل الذى لم يستسلم أو يعتذر ، لم يتراجع وفضل أن يدخل القفص كأسد للغابة فى هذا الواقع ، وافق أن تنهش سيرته الكاميرات على أن يشارك فى صناعة الفساد والترويج له .
قصة المقابلة هى بالفعل مقابلة وتقابل بين نقيضين لا يتصالحان .. الشرف واللاشرف .. الحق والباطل .. الحقيقة والزيف المسيطر على وعى متراخٍ. )
……………………….. ....................................
وحول المتوالية القصصية "أنت وهُم والكلب" للأديب/ محمود أحمد علي، قدم الكاتب والناقد أحمد عثمان دراسة نقدية، جاء فيها :
1 /3
(أنت وهُم والكلب) .. اجتذبني العنوان من البداية، وجعلني أتأمل وأتساءل: من المقصود ب"أنت"، ومن المعنيين ب"هُم"؟ كأنما الكاتب يوجه أنظارنا إلى اننا أمام فريقين سنلتقي بهما عبر نصوص المتوالية، لنقف على حقيقة كل فريق وما يمثله سواء على المستوى الاجتماعي وفئاته التي تتباين بين القاع والقمة، بين الترف والتسول، بين تعملُق بريق المظهر الزائف وانزواء الجوهر الأصيل، وحظوظ كل منهما وفق تصنيف البشر من منظور مادي بحت .. أو على المستوى الثقافي والمعرفي، وأين تقع ال"أنت"، وأين يقف ال"هُم"؟ .. أي أننا أمام فريقين في ميزان المقارنة والقياس: من يتصدر الصورة عنوةً وسطوةً ونفوذًا، ومن يعاني ويكابد ليظل في زاوية من هذه الصورة .. أيهما على حق، وأيهما يدَّعي المظلومية؟ .. هذا هو ما يدفعنا إليه الكاتب للغوص في نصوص المتوالية؛ لنستجلي الحقائق، ونعقد الأحكام بأنفسنا؛ وفق ما استقر بقناعة كل منا كقرَّاء ... هذا عن ال"أنت" وال"هُم" عبر استقراء ظاهري يحتاج إلى الغوص أكثر واستكناه المدلولات المتوارية في أعماق كليهما
** أما عن المحدد الثالث؛ وأعني به "الكلب" فأعتقد أنه (دالة) لها أهميتها وحيثيتها التي تستدعي التساؤل: هل المقصود ب"الكلب" هو كل جنس الكلب؟ أم تسليط الضوء على فئة معينة منه؟ وللتوضيح نتساءل: هل المعنِي – مثلًا – كلاب الشوارع، هذي الهوام التي تبحث عن قوتها في مكبات القمامة، وتبيت ليلها على تراب الطرقات وأكوام السباخ تعاقر الحر والبرد والمطر، وتتناسل بلا عناء، بلا أطباء ولا دواء؟ .. أم أن المعنِي فئة بعينها من الكلاب، من أمثال تلك النوعيات المرفهة في مأكلها ومشربها، والعناية بها بما لا يحظى به كثير من البشر – والتي تمنَّى الكاتب في إهدائه أن يكون منهم – ولم لا؟ وهذه الفئة من الكلاب – بالنسبة لمن يقتنيها – هي عنوان الثراء والتفاخر والمكانة بين علية القوم، ولهذا - وفق قناعتي – أعتقد أن هذه الفئة من الكلاب هي ما قصده الكاتب في إهدائه؛ حين يقول: ( إلى نفسي التي قالت لي يومًا ما: ليتك كنت كلبًا مثل كلاب الهوانم؛ لتنعم بما تبقَّى لك من العمر .. فماذا قدم لك القلم غير المرض والهم والاكتئاب المستمر)
** واتكاءً على هذا الملمح الساخر الذي يشي به الإهداء؛ واتصالًا به يمكن لنا بكل أريحية أن نعتمد مصطلح (السُخْرية) ملمحًا أساسيًا في صياغة نصوص هذه المتوالية من بدايتها وحتى النهاية، فنرصد هذا الحس الساخر المتمدد في كل نصوص المتوالية، والذي يقطر همومًا وآلامًا يفوح منها الحزن والأسى في ابتسامات ممرورة، وكأننا أمام (كوميديا سوداء) والتي هي في حقيقتها تراجيديا بحس نقدي ساخر ومؤلم في آن واحد .. وقد تميز في هذه المنطقة كُتَّاب وأدباء عالميون كبارًا من خلال كتاباتهم القصصية والروائية والشعرية والمسرحية أمثال: وليم فوكنر، ومارك توين، وجورج برنارد شو ... وغيرهم، وقد استخدم الحداثيون هذه التقنية في أعمالهم؛ لتصبح -فيما بعد – من السمات المحورية في أعمال الكثير من كُتَّاب ما بعد الحداثة، أمثال: جون سيمونز بارث، جوزيف هيلر، بروس جاي فريدمان .. فإذا عدنا إلى المتوالية؛ فنجدها تنطلق - من خلال السخرية أو الكوميديا السوداء – من استلهام الواقع الآني، وهي منطقة تميز كاتبنا الكبير في تعاطيها؛ ما دعا بعضًا من النقاد والباحثين لإلقاء الضوء عليها عبر دراسات وقراءات مطولة في أدب الأستاذ محمود أحمد علي، نذكر منها – اعتمادًا على ما أورده الكاتب بالسيرة الذاتية له في نهاية هذه المتوالية – الدراسات التالية:
- (نقد الواقع عبر الزمن ودقة التفاصيل) للدكتور محمد عبد الحليم غنيم
- (قراءة السرد .. قراءة الواقع) للباحث أحمد رشاد حسانين
- (واقعية النص القصصي عند محمود أحمد علي) للمتولي حمزة
وبشكل تطبيقي سأتناول بعضًا من نصوص المتوالية من خلال ملمح (السرد النقدي الساخر) المرتكز على الواقع، أو ما نسميه بالكوميديا السوداء للواقع المعاش .. حيث تسري هذه الروح الساخرة – كما قلنا من قبل – في كل نصوص المتوالية، وقد اشتطُّ -في قناعتي – لأقول أن هذه الروح تمثل السمة الغالبة في معظم إنتاج الكاتب – بدرجات متفاوتة – عبر اطلاعي على ما تيسر من أعماله ..
** فإذا ذهبنا إلى النصوص؛ فإننا نجد أن الكاتب قد فسَّم المتوالية إلى قسمين كبيرين:
2 / 3
- الأول: تحت عنوان (أنت وهُم والكلب ) والذي هو عنوان المتوالية أيضًا، وكذلك عنوان أحد النصوص السبعة لهذا القسم، حيث يلعب (الكلب) أدوارًا مختلفة - بصفة بارزة – داخل هذه النصوص
- الثاني: تحت عنوان (حجرة دفن الأحياء) وهو عنوان -عكس القسم الأول – ليس لأحد نصوصه الستة، ولكنه عنوان شامل يمثلها جميعًا
●● من القسم الأول أتناول نص:
××× ( كلب وفي للبيع) .. في هذا النص نجدنا أمام مأساة تنضح ألمًا بحس ساخر ممرور .. ترصد آثار حالة الركود الاقتصادي الذي كان من توابعه إغلاق الكثير من المصانع، ومصادر أخرى للرزق، أدَّت إلى تشريد العاملين بها، وضيق الحال أمام هذه الفئة .. فلا يجد هذا العامل – بطل النص – أمام عجزه عن تدبير نفقات أسرته، واحتياجات أطفاله؛ حين علِم بأسعار الكلاب في السوق التي تعقد كل أسبوع، والتي تصل إلى عشرة وعشرين ألف جنيه ثمنًا للكلب الواحد من الجنسيات ( الخواجاتي) كالألماني، والفرنسي، والروسي، والأمريكاني، والروماني؛ لم يجد أمامه - وفي فعل من أفعال اللامعقول – إلا أن يتمثل في هيئة كلب ليباع في سوق الكلاب لتغطية نفقات أسرته .. في السوق تُمسك زوجته بسلسلته، ويأمرها هو – زاجرًا- أن تنادي كما باقي البائعين بجملة ساخرة، شديدة المرارة – ظنًا منه أنها ستجتذب إليه رواد السوق، فتنادي: ( كلب مصري وفي جدًا .. جدًا للبيع) .. لاحظ هنا ومن باب السخرية هذه المقابلة الفاقعة بين (.. مصري وفي ..) وبين الجنسيات الأخرى التي يتهافت عليها رواد السوق وفق الميل لكل ما هو أجنبي .. ينفضُّ السوق ، وتبقى الزوجة تواصل النداء بذات الجملة بلا أمل .. فها هو الرجل – مكتوف اليدين – قد ارتضى أن يُباع كلبًا ..! في سوق الكلاب لينقذ حياة أولاده وزوجته، ولكن آليات السوق وقناعات رواده تأبى ..! يا لها من كوميديا سوداء بامتياز
●● ومن القسم الثاني أتناول نصوص:
××× نص (مناقشة كتاب) : وامتدادًا لروح السخرية وظلال الكوميديا السوداء في استثمار الواقع ؛ يقودنا النص إلى مفارقة مؤلمة بطلها كاتب ستعقد له ندوة يناقش فيها الناقد أحد كتب المؤلف، تخصص لهما قاعة قصر الثقافة لمدة ساعة، استبشر خيرًا بأعداد الجمهور أمام القاعة، ولكن تنقضي المدة ولا يجد الكاتب والناقد من يتابع ندوتهما؛ فيضطرا للمغادرة، عند ذاك يندفع الشباب الواقف بالخارج إلى القاعة ويتفاعلون بحماس مع موسيقى وأغاني المهرجانات الهابطة، بينما آخرون ما زالوا يتوافدون صاعدين السلم إلى القاعة .. لتأتي في النهاية هذه اللقطة ذات الدلالة العبقرية – التي أبدعها الكاتب – حين يصور لنا حال هذا الكاتب وناقده وهما يجاهدان في انصرافهما ليشُقَّا لنفسهما فُسحة لهبوط السلم بمشقة وسط الجموع الصاعدة من الشباب المتعجل الوصول إلى القاعة .. في هبوطهما تتساقط من الكاتب كُتبه التي كان أعدها ليهديها لمتابعيه؛ لتدوسها أقدام الفوضى الصاعدة .. ولا تخفى هنا دلالات اللقطة .. دالة السُلَّم وما يمثله كمعبر - في الاتجاهين للصعود والهبوط، أو كوعاء مجتمعي ذو سطح وقاع .. فمن الهابطون، ومن الصاعدون؟! وهنا المفارقة
الدالة الأخرى : الكتاب والموسيقى الهابطة .. يُداس الكتاب – حصيلة الفكر والسهر والمعاناة والبحث والاستلهام الذي أفنى الكاتب حياته في محرابه – بأقدام شباب غض مغيب الوعي، سطحي الاهتمامات .. بل انظر إلى تلك المفارقة المُخزية : دُعاة التنوير وبناء الوعي يهبطون السلم إلى قاع الوعاء المجتمعي ، بينما يصعد ذوو الخواء والظلام، المسطَّحون عبر نفس السلم إلى الأعلى ..! إنها أقسى الأزمات التي يمر بها المجتمع، والتي تٌنيئ عن مستقبل بلا عقل ينحو نحو الانحدار الفكري، وتدهور الوعي ومنظومة القيم على مختلف الأصعدة ..
××× نص (الشيك المنتظر): وامتدادًا لما يتبنَّاه الكاتب من إيمان ومُجالدة شُجاعة في طرح هموم وقضايا ومعاناة كُتَّاب هذا العصر التي تتباين بين المادي والمعنوي، ومتلازمات التهميش والإهمال واللا مبالاة؛ يُفرد الكاتب أكثر من نص من نصوص هذه المتوالية والتي يضمها جميعًا القسم الثاني منها المعنون ب(حجرة دفن الأحياء) والذي منه هذا النص (الشيك المنتظر) .. وسأبدأ بهذه الفقرة التي انتهى إليها النص، والتي تقول:[ نظر المؤلف إلى المتسول الواقف أمام البنك.، وراح يحدق فيه طويلًا، طويلًا، طويلًا، تعجب المؤلف عندما رأى وجه التشابه بينه وبين هذا المتسول .. الاختلاف الوحيد فقط هو ما يرتديه كل منهما
3 / 3
- لله يا ابني .. ربنا يقويك على ما أنت فيه
مدَّ المؤلف أصابعه المرتعشة نحو يد المتسول الممتدة أمامه طول ذراع، ليضع في كفه الخمسة وسبعين قرشًا هي باقي قيمة الشيك المنتظر]
هذه الفقرة تلخص ما انتهت إليه مأساة كاتب مفكر قضى الشطر الأكبر من عمره راهبًا في محراب الكتابة؛ حتى تكالبت عليه العلل والأسقام، ورغم ذلك لا يجد العون المنصف من نقابته المتمثلة في (اتحاد كتاب مصر) لتقيه العوز وضيق ذات اليد أمام حاجته للعلاج والدواء؛ بعدما تنازل عن كبرياء الكاتب، والاعتداد بالنفس، وطلب – مقهورًا – من نقابته العون .. استجابت النقابة، وطلبته لصرف شيك الإعانة الذي انتظره طويلًا، فيسافر إليها منتفشًا .. وهنا تكمن المأساة، وتتورم الكوميديا السوداء التي صاغها الكاتب بحرفية؛ حين عَششتْ عينا الكاتب (بطل النص) عن التحقق من أرقام المبلغ المدوَّن بالشيك، والتي تعملقت أمام عينيه بحجم ما تعملقت آماله في التخلص من معاناته، لتفجعه الضربة القاسية عندما تسلم من صرَّاف البنك قيمة الشيك البالغة ( تسعون جنيها، وخمسة وسبعون قرشًا (خانته العلامة العشرية التي لم يتحقق منها لتزوي الآلاف وتتقزم إلى العشرات، حتى هذه العشرات طارت هباءً بين مواصلات وإكراميات، ولم يبق في يده إلا هذه الخمسة وسبعون قرشًا.، فما كان منه إلا أن أعطاها لهذا (الشبيه/المستنسخ) الذي مدَّ إليه اليد يستجديه .. كوميديا سوداء أخرى فاقع لونها حسرة وألمًا، أزعم أن الكاتب لامسها عن قرب ودراية، ولا أدعي معرفتي بواقعيتها؛ فأنا لست بعضو باتحاد الكتاب ..
وعلى نفس الامتداد تتراقص جنِّيات السخرية والكوميديا السوداء التي أطلقها الكاتب عبر نصوص أخرى، تتناول من زوايا أخرى هموم ومعاناة الكُتَّاب تتمثل في نصوص (تكريم – تشييع جنازة – الفاتورة – تقدير وتكدير) ......
أرجو أن أكون قد وفقت في استعراض بعض نصوص هذه المتوالية الغنية كدوال على ما ذهبت إليه – في زعمي – فيما يخص اعتماد مصطلح (السخرية النقدية) كملمح أساس في صياغة نصوص هذه المتوالية القصصية.
…………………………………. ..........................
وكتب الكاتب والناقد عبدالمنعم شرف الدين ورقة نقدية بعنوان التصوير الابداعي والمرئي في المجموعة القصصية اليكم القاتل والمقتول، جاء فيها : ( اذا كان هناك من قاتل فمن البديهي أن يكون هنا قتيل لكن الكاتب هنا كان اكثر حنكة ولم يقع في فخ المباشرة اذ انه طوال الوقت يؤكد علي فاعلية القتل ويحاول بكل الطرق اثبات نية الاصرار والترصد ويقدم لنا ايضا كل اوراق القضية مستوفاه علي ١ التصوير الابداعي صوت وصورة ٢ الاشارة الي كل السلبيات والمعوقات التي من شأنها ومن اجلها تتفاقم الامور وتزداد سوء ٣ التحريض علي التغيير وخلق عوالم مغايرة تماما للواقع المؤسف المزري نعم يا سادة ان الابداع في حد ذاته يفوق طلقات الرصاص ونحن نكتب كي نفجر طاقات الامل وكما قال نزار قباني اكتب كي افجر الاشياء فالكتابة انفجار كي ينتصر الضوء علي العتمة فالكتابة انتصار حتي انقذ العالم من اضراس هولاكو ومن حكم المليشيات ومن جنون قائد العصابة حتي انقذ الكلمة من محاكم التفتيش ومن شمشمة الكلاب من مشانق الرقابة وايضا يقول اورهان باموق اكتب لأنني لا استطيع ان اتحمل الحقيقة وحدي ولأنني عزمت علي مقاومة هذه الحقيقة وانا اقول اكتب حتي لا اموت متجمدا ان محمود احمد علي طاقة من الاحساس والشعور انه يصور قصصه صوت وصورة ولحم ودم فها هي نسمة الهواء يصفها باللص الذي يدخل ويخرج خلسة وها هو السحين الذي ينتزع سنه من اسنانه ويبريها علي البلاط حتي يكتب بها علي صفحة جسده صورة من لحم ودم تتحرك امام القارئ ولا تتركه مطلقا )
……………………………...........................

وعن معاناة الكاتب وهمومه في المجموعة القصصية " رؤوس تحترق " كتب الأديب مجدي جعفر ورقة نقدية، جاء فيها :
( محمود أحمد علي واحد من الكُتّاب القلائل الذين أخلصوا لفن القصة القصيرة، واستطاع بفضل موهبته وإخلاصه لهذا الفن المخاتل والمراوغ الجميل أن يكون عازفا مبهرا ومتفردا، وكثيرا ما كان يعزف منفردا، بعد أن ترك الكثير من الأدباء كتابة القصة القصيرة، وذهبوا إلى كتابة الرواية، وخاصة بعد حصول كاتبنا الأكبر نجيب محفوظ على جائزة " نوبل "، فراح الكثير من النقاد يروجوا بأن الزمن هو زمن الرواية، وبأنها أصبحت ديوان العصر، وصاحب هذه المقولات، ضخ الأموال الخليجية الطائلة التي تم رصدها في مسابقات خاصة بالرواية، فانصرف المبدعين الحقيقيين عن القصة القصيرة وعن الشعر أيضا، وتوجهوا نحو الرواية، ولا ننكر أن هذا التوجه قد ساهم في إثراء الرواية العربية، وتنوعت في موضوعاتها وفي تشكيلاتها الفنية، وقفزت قفزات سريعة، وتوارت القصة القصيرة إلى الظل، ولولا القلة القليلة من الموهوبين وعشاق هذا الفن، ومنهم محمود أحمد علي، لتم تشييع القصة القصيرة إلى مثواها الأخير، فاخترق محرابها أرباع وأنصاف الموهوبين، ظنا منهم أنه فن سهل التناول، ومحمود أحمد علي العاشق لهذا الفن والمتيم به، استطاع أن يشق لنفسه طريقا، فمن خلال القصة القصيرة، استطاع أن يعبر عن همومه وأفراحه، يعبر عن أبناء جيله، وعن وطنه وتطلعاته وانكساراته، وعن الأمة بأسرها، وسأشير في هذه العجالة إلى موضوع واحد فقط، (معاناة الكاتب وهمومه ) وسوف نتناول الموضوعات البارزة الأخرى في مقالات مقبلة، ومن أهم الأفكار والرؤى البارزة التي طرحها الكاتب في قصصه، هي :
1 – هموم المثقف أديبا كان أو شاعرا أو مفكرا وعلاقته بالسلطة.
2 – الكاتب المثقف وهموم الوطن.
3 – الكاتب المثقف وهموم الأمة.
وسنتناول في هذه المقالة المحور الأول، وهو :
هموم الكاتب المثقف ومعاناته :
وسنكتفي في هذا المحور بمقاربة خمس قصص من المجموعة القصصية ( رؤوس تحترق ) وعناوينها : مسد كول لإمرأة مشعة، اغتراب، فشلت أن أصبح كاتبا، القصيدة والكراسي الخاوية، مشاوير.
والمجموعة صدرت عن نادي القصة في العام 2010م، وبالنظر إلى لوحة الغلاف، ووفقا للمنهج السيميولوجي نرى كاتبا يجلس في ظلام دامس، مُمتشقا قلمه، ومُمتطيا صهوة أوراقه، ومصباح كهربائي متدلي من سقف الغرفة، ينبعث منه ضوء خافت جدا، بالكاد يكشف عن الكاتب الذي يعصر ذهنه، وكأنه يجاهد ليزيح هذا الظلام الكثيف بالغرفة ( الوطن )، فهو يعي دوره في بيئته، ويعي حركته داخل محيطه الاجتماعي، فحسبه أن يشير إلى مواطن الداء ومكامن الخلل في المجتمع، وقبل أن نُفصل في هذه المسألة، نتوقف عند معاناة ومأساة الكاتب والمبدع والمثقف.
في قصة ( مشاوير ) نرى ذلك الشاب الموهوب والذي يكتب القصة القصيرة، ويحلم بمداعبة ماكينات الطباعة لحروف وكلمات قصة من قصصه المكدسة في درج مكتبه، وتٌنشر بإحدى الصحف السيارة، ويقرأ أهله وأهل قريته قصته ممهورة بإسمه، ويؤمنون بموهبته، ويكفون عن السخرية منه، والتهكم عليه، فهو ينفق أمواله في شراء الكتب والجرائد والمجلات، ويتهمونه بالسفه، لأنه يضيع أمواله فيما لا طائل من وراءه ولا نفع منه، ولم يكن أمامه غير طابع البريد، فهو يعيش بقرية نائية بالشرقية، فركب القطار المار بقريته، والمتجه إلى الزقازيق، لينزل بمحطة فاقوس، ويذهب إلى مكتب البريد، ويودع بداخله المظروف الذي ينام بداخله قصته، متمتما ببعض الأدعية الموروثة والمحفوظة، وصباح كل يوم سبت، موعد إصدار الصفحة الأدبية بالجريدة، يركب القطار، وينزل محطة فاقوس، وعند بائع الصحف، يمد يده بلهفة إلى الجريدة، ويفر في صفحاتها، وقلبه يعلو ويهبط، وعند وصوله إلى الصفحة الثقافية والأدبية، يبتئس، فلا يجد قصته منشورة، وتكررت المشاوير، وأخيرا يجد اسمه في باب بريد القراء، نشر المحرر اسمه الثلاثي، قائلا له انتظر نشر قصتك في الأعداد القادمة، رغم أنه كان يتمنى أن يقول له المحرر انتظر نشر قصتك العدد القادم، ولكنه فرح أيضا بنشر اسمه الثلاثي، وبالوعد بنشر قصته، فهي ستنشر حتى ولو بعد عام، وبنشرها يصبح كاتبا معترفا به، اشترى ثلاثة أعداد من البائع، فلأول مرة ينشر اسمه الثلاثي بصحيفة سيارة كبرى، ومشوار تلو مشوار، حتى تفاجأ بقصته منشورة، يذكر أنه قفز عاليا في السماء، ويذكر أنه سمع البائع يقول ( ربنا يشفي )، كل هذا لا يهم، المهم عنده ان قصته نُشرت، اشترى كل النسخ، وحملها تحت إبطه، وسار إلى محطة القطار يكلم نفسه في الشارع، وما أن استقر في القطار، ووضع على رجليه النسخ الكثيرة التي اشتراها، وأمسك بنسخة، وراح يقرأ قصته بصوت عال، ولكنه يكتشف أن قصته منشورة دون أن تحمل اسمه، فتساقط الدمع مدرارا على خديه، وتأتي المفارقة، فيتفاجأ بأحد الركاب، واقفا أمامه ويطلب منه جريدة، ويمد له يده بجنيه!
ومحمود أحمد علي استخدم المفارقة التصويرية في جُل قصصه، ولعبت دورا بنائيا هاما، وسنتحدث عنها في مقالات لاحقة عندما نتحدث عن الجوانب الفنية عند الكاتب.
تكشف القصة عن معاناة الأدباء في ثمانينات القرن الماضي، وخاصة الذين يعيشون في أقاليم مصر، فكانت الوسيلة الوحيدة بينهم وبين القاهرة هي طابع البريد، ولن نتحدث عن شللية النشر وغطرسة الاحتكار في ذلك التوقيت.
والمعاناة أيضا في قصة ( القصيدة والكراسي الخاوية !! ): وأبطالها ثلاثة شبان، جمعهم حب الأدب والشعر، ومنهم من يقرض الشعر، ومن يكتب القصة، يتبادلون قراءة الكتب، ويلتقون يوميا في منزل أحدهم، ليسمع بعضهم بعضا، وكونوا فيما بينهم جماعة أدبية، أطلقوا عليها اسم ( إشراقة )، ويريدون أن تخرج إبداعاتهم من الغُرف المغلقة إلى فضاء الشارع الواسع، ويتمنون أن يتعرف عليهم أهل القرية كشعراء وكُتّاب، المهم أن يعلنوا عن أنفسهم، ويستقطبوا كل من لديه موهبة من أهل القرية، وسرعان ما تنامى الحلم بداخلهم بعد أن علموا أن وزارة الثقافة، قررت بناء قصرا للثقافة بالقرية، فتضخمت الأحلام أكثر وأكثر، وراحوا يحومون حول الأرض الفضاء التي قررت الوزارة البناء عليها، ويشيرون إلى الأرض الفضاء، هنا يتحقق الحلم، ولم يصدقوا أنفسهم وهم يروا العمال والمهندسين ومواد البناء، وأحلامهم ترتفع رويدا رويدا مع المبنى، وتعرفوا على مدير القصر الذي تم تعينه من الوزارة لمتابعة تجهيزات المبنى قبل افتتاحه، أعربوا له عن أحلامهم وأمنياتهم، احتفى بهم وبأفكارهم، ووعدهم بان أول شيء سيتم تجهيزه غرفة لنادي الأدب، وستكون أكثر الحجرات اتساعا، وأفضلها تجهيزا، فهو – أي المدير – يعشق الثقافة، ويحب الأدباء، ويجب رعايتهم، وهذا من أهم أدوار الوزارة، ويكتشف هؤلاء الشبان عند الانتهاء من بناء وتجهيزات القصر، لم يتم تخصيص غرفة لنادي الأدب، وذهبت الغرف لفرقة الموسيقى، ولفريق التمثيل، ولفريق الغناء، وللمكتبة، ولهواة الرسم، وغرف لتعليم التفصيل والحياكة، و .. و ..، وبعد شد وجذب مع المدير، اقترح عليهم أن يخصص مخزن القصر " بالبدروم " للنادي الأدبي، ووافقوا على مضض، بعد أن وعدهم المدير بأنه سيخاطب الوزارة في شأن النادي الأدبي، فهو في النهاية العبد المأمور، وقاموا بكنس " البدروم " وغسله بالماء، وراحوا يعلنون في القرية عن كل من لديه موهبة في الشعر أو القصة فليتوجه إلى قصر الثقافة يوم كذا الساعة كذا، وفي نفس الموعد رأوا الناس تتدافع على باب القصر، فابتهجوا، وسرعان ما زالت البهجة، فالناس تتجه إلى غرف الموسيقى والتمثيل والغناء، ولم يطرق باب ناديهم الأدبي الذي بالبدروم أحد!
والشباب لم يستسلموا، فالشعر عندهم هوية الأمة، ويجب أن يظل، فعكفوا في البدروم، كل يحاول أن يلقي نص من نصوصه، ولكن صوت الموسيقى يأتي أكثر صخبا، فخطر ببال أحدهم بأن يذهبوا إلى غرفة الموسيقى في فترة الراحة، فتكون الفرصة سانحة لهم ليلقوا بأشعارهم أمام الجماهير الغفيرة، التي تنتظرهم حتى يفرغوا من وقت الراحة، واستحسنوا الفكرة، وصعد أحدهم ليلقي بقصيدته، هاجت الناس وماجت، وراحوا يسخرون من الشاعر، ويهتفون : " انزل مش عاوزينك "
الكاتب يشير إلى تهميش الثقافة المتعمد، وتقديم الراقصة والمغني والموسيقي ولاعب الكرة على الأديب والشاعر والعالم والمفكر، وينهي قصته بمقطع من قصيدة للشاعر الكبير فاروق جويدة :
( مُت فوق هذه الأرض ولا ترحل
وإن صلبوك فيها كالمسيح
فغدا سينبت ألفُ صبح
في ثرى الوطن الذبيح
وغدا يطل الفجر نورا
من مآذننا يصيح
وغدا يكون الثأر
من كهان هذا العصر
والزمن القبيح
فانثر رفاتك فوق هذي الأرض تنفضُ حزنها
ويطل من أشلائها الحلم الجريح
أطلق نشيدك في الدروب لعله
يوما يُعيد النبض للجسد الكسيح )
وجاء توظيف النص الشعري توظيفا رائعا، وخاصة أنه جاء في نهاية القصة، فلم يبتر حركة السرد أو يوقف نموه، وهذا المقطع الشعري، جعل النهاية حاسمة وقوية، وتشع بالدلالات وتحمل رموزا شتى.
ويستمر الكاتب في رصد معاناة الأدباء والشعراء، ففي قصة ( فشلت أن أصبح كاتبا ) المحاسب الموهوب وعضو اتحاد كُتّاب مصر، وكاتب القصة والرواية والمقالة النقدية، يفشل في تغيير المهنة في البطاقة من محاسب إلى كاتب! ويرصد ما لاقاه هذا الكاتب من تهكم وسخرية الموظفين بالسجل المدني، ووصموه بالجنون، ورغم أنه أتى بورقة مختومة من اتحادد الكتاب تبين أنه كاتب، ولكنهم رفضوا رفضا قاطعا لأن هذه المهنة غير معترف بها، رغم أن اتحاد الكُتّاب المصري ووفقا للدستور المصري، نقابة للكُتّاب شأنه شأن نقابة الأطباء والمهندسين والصحفيين والمحامين والمُعلمين وغيرها من النقابات، ولا يتوقف الأمر عند عدم الاعتراف بالكُتّاب على المستوى الرسمي وتهميشهم، بل تبلغ المأساة ذروتها بعزل الكاتب والمفكر والأديب والشاعر عزلة إجبارية، كما في قصة ( اغتراب ) وبطلها الكاتب والمفكر الذي جاوزت إصداراته التسعين كتابا، وتجاوزته الدولة وكرمت من هم دونه من أرباع وأنصاف الموهوبين، وليت الأمر توقف عند إهمال الدولة له، بل امتد إلى أهله وعشيرته وكل أهل قريته، التي أطلق عليها الكاتب قرية ( الجحش )، وهذا المُسمى للقرية يحمل رمزية ذات دلالة وتعبر عن واقع مأساوي يعيشه المثقف والشاعر والأديب، هذا الواقع المهترأ هو ما أدى بمحمد محمود الكاتب والمفكر إلى العزلة، داخل منزلة بتلك القرية، والإحساس المهين بالغربة داخل القرية وداخل الوطن الأكبر، وما أقسى الإحساس بالغربة داخل الوطن، وفي رحلة أحد الصحفيين إلى قرية ( الجحش ) لمقابلة الكاتب والمفكر الكبير محمد محمود، وإجراء حوار معه، ومحاولة إخراجه من عزلته، يصدم هذا الصحفي، فكل من يسأله عن الكاتب محمد محمود، يجيبه بأنه لم يسمع بهذا الإسم من قبل، ولا يعرفه، ويُدهش الصحفي وهو يرى الأطفال يحملون كتبا كثيرة، بل رأى الكتب تملأ الشارع أكواما أكواما، فالتقط كتابا، وقرأ عنوانه ( اغتراب ) للكاتب محمد محمود، وحزن حزنا شديدا عندما علم أن النعش الذي قابله في مدخل القرية، ويحمله أربعة رجال فقط، ويدخنون السجائر، ويتبارون في إلقاء النكات البذيئة، وعلى غير عادة أهل القرى، لم يسر أحد في الجنازة، جنازة بلا مشيعين! ويكتشف الصحفي بأن شقيقه الأكبر أجر الأربعة رجال لحمل نعشه إلى المقابر خارج القرية، وبقى هو وأخوته يتقاسمون تركته، بعد أن تخلصوا من كتبه بإلقائها في الشارع!
وتأتي قصة ( " مسد كول " لإمرأة مشعة ) من أجمل القصص، والقصة مُهداه إلى الكاتبة ( نعمات البحيري ) رحمها الله رحمة واسعة، وجاء في إهدائه لها :
( إلى " نغمات " نعمات البحيري في مرضها .. وما أجمل أن تختلط الكلمات وتتوحد )
تماهى الكاتب تماما مع نعمات البحيري، وقدم لنا بنبل وشفافية معاناة الكاتبة، من خلال مجموعة من الصور، الكاتب يدخل في الحدث مباشرة، وهي سمة في معظم قصصه، فالقصة الجيدة هي القصة المنزوعة المقدمة، كما يقول ( أنطون تيشكوف )، والقصة تبدأ بضمير المتكلم، وتاتي على لسان ( زهرة عبدالرحمن )، و ( زهرة عبدالرحمن ) تشابه من قريب أو من بعيد الكاتبة المعروفة ( نعمات البحيري )
( ها أنذا أدخل المستشفى لأخذ الجرعة .. )
يدخلنا الكاتب من أول جملة في الحدث مباشرة، ونتعرف من خللها على أزمة البطلة ومعاناتها، ويسرد الكاتب مأساتها منذ دخولها حجرة الاستقبال وقيد اسمها في القائمة الطويلة أمام الموظفة، وانتهاء بنزع ملابسها ووضع صدرها في فتحة الجهاز، مرورا بالأداءات الروتينية للعامل والموظف والتومرجي والممرضة .. إلخ، ومحاولة البعض استنزاف المرضى في المستشفى، وكيف فقدت من تعرفت زهرة عبدالرحمن عليهن وهن ينتظرن أدوارهن.
( - أمال فين عزيزة .. ودوسة .. وتحية .. ما عدتش با شوفهم .. همه غيروا مواعيد الجرعة؟
-تعيشي انتي )
وكأن سهم الموت مسلط على عنق كل من يدخل هذا المستشفى، مصابا بهذا المرض اللعين، وكأن الداخل مفقود والخارج مولود!
هل هو صراع مع المرض أم مع الموت؟
كيف تقاوم زهرة عبدالرحمن ألم الجرعة؟
( وكعادتي مثل المرات السابقات .. كان لزاما علىّ أن افتح البوم الذكريات اللامرئي، أتصفح صوره حتى أتناسى من خلاله ألم الإشعاع )
وألبوم الذكريات اللامرئي – حيلة فنية بديعة لجأ إليها الكاتب، ليستطيع من خلال انتقاء عددا من صور الألبوم اللامرئي، أو الصور المدفونة في قاع نفس بطلته، فمن خلال هذه الصور يسرد على لسانها الكثير عن حياتها، وهذه الحيلة الفنية أنقذت القصة من الوقوع في المباشرة والسرد التقليدي، وجعلت زمن القصة قصيرا جدا، فزمن القصة الخارجي هو زمن أخذ زهرة عبدالرحمن لجرعة الإشعاع، أما زمن القصة الداخلي فيمثل حياة البطلة كاملة أو على الأقل المحطات المهمة والمؤثرة في مسيرتها الأسرية والتعليمية والوظيفية والأدبية والنفسية، فصور الألبوم اللامرئي تعكس كل هذا وأكثر، ولا يقف الكاتب بهذه الصور عند السطح، ولكنه يبلغ طوايا وأعماق بطلته، مظهرا للآثار النفسية وللأبعاد الإنسانية.
أول صور الألبوم :
خطاب مرسل لها من أحد الشباب، دبجه بعبارات الغزل وجُمل الهيام، تستعيد هذا الموقف وتقول :
( لقد عرفني الكثير، القريب والبعيد عزوفي التام عن الزواج، فمن هو ذلك الرجل المجنون الذي يتزوج بإمرأة وهبت حياتها كلها للقراءة، وكتابة القصص .. إمرأة تنام وفي حضنها القلم والورق .. )
-صورتها مع بعض النقاد بأحد المؤتمرات، وتعريتها لهم :
( فقد كتب عني أغلبهم، إن لم يكونوا كلهم .. كل هذا طمعا في بعض اللمسات من يدي، والتخبط بجسدي، ومطاردتي ليل نهار من خلال تليفون المنزل )
-صورتها مع والديها :
ونعرف من خلالها أنها بكر والديها، وورثت عن أمها الطيبة، والحنان، والجمال الاخاذ، وما أن ماتت الأم حتى راح الأب يبحث عن أية إمرأة لتشبع رغباته، فهو محب للنساء، وتحكي عن ضبطها في طفولتها لوالدها في موقف شائن ومشين مع ابنة خالتها المطلقة!
-صورة : تمتد فيها يد الأب على خدها لتحفر فيه إخدودا، لأنها رفضت أن تاخذ معه هو وزوجته الجديدة صورة في ليلة زفافهما، ظلت هذه الزوجة تكرهها دون أخواتها، وظلت هي الأخرى تبادلها الكره والبغض بكره وبغض أشد.
-صورة وهي بين الأصدقاء والصديقات بالشركة التي تعمل بها، وهي تتسلم كأس التفوق كأفضل موظفة، وعندما داهمها المرض اللعين تناسى المدير كلماته لها بأنها أقضل موظفة في قسم التسويق، فالمكاسب زادت على يديها خمسة أضعاف.
( أنا آسف يا أستاذة، أنا مضطر أحولك ع التأمينات الاجتماعية .. )
-صورة مع الأدباء والأديبات بنادي القصة، وقد هيأوا أنفسهم تماما واستعدوا بالمقالات، وقصائد المدح والرثاء، إنهم منتظرون لحظة موتها لينشروا المقالات في رثائها ويجنوا مكافآت النشر!
( علىّ أن أطوي هذه الصورة بسرعة )
-صورة بين أصدقائها وأحبابها الحقيقيين، داخل حجرتها، مكتبتها، الأقلام التي فرغت من أحبارها، مسودات لقصص قصيرة، كمبيوتر، تسجيل صغير، شرائط كاسيت لمطربين ومطربات قدامى ... إلخ.
-صورة مع أخواتها البنات في حفلة عيد ميلاد إحداهن، وكيف كن يرتمين في أحضانها، ويقلن والدموع ملء أعينهم : أنت أمنا
وبمرور الأيام، وتعاقب السنوات، انشغلن بأولادهن وأزواجهن، ومكالمتهن عبر الهاتف صباحا ومساء تحولت إلى ( مزد كول )، الكل أصبح ينتظر موتي، حتى صاحب العمارة، يحاول أن يغريني بقرشين ليأخذ الشقة، ....
( إنهم ينتظرون إجراء الغسل والدفن وإعلان الوراثة حتى ينقضوا على ما شقيت وادخرته طيلة عمري ..
سيارتي البيضاء الصغيرة " فلة بنت خوخة اللي جت بعد دوخة " بيعها لمن يدفع أكثر ..
سوف يلعب أولادهم " جيمز " وأتاري على الكمبيوتر الذي كان ذاكرتي وعقلي وخزانة أفكاري .. )
( سوف يبيعون مكتبتي إلى أقرب تاجر روبابيكيا، وسوف يتخلصون من شقتي ببيعها بأي ثمن إلى صاحب العمارة الذي يطاردني ليل نهار منذ أن علم بمرضي اللعين الذي ليس له من شفاء .. )
( توقفت مكالمتهم التليفونية، وتبدلت إلى " مزد كول "، والمطلوب أن أرد عليهم بالمثل حتى يعرفوا أنني مازلت على قيد الحياة )
( علىّ أن أشعرهم بأن جرعة الإشعاع لم تنل مني بل تزيدني قوة فوق قوتي، وان الموت لم يهزمني بعد .. صفر الجهاز إيذانا بانتهاء الجلسة، طويت الألبوم اللامرئي .. فتحت عيني .. سحبت صدري من قم الجهاز .. )
والعنوان الذي اختاره الكاتب ( رؤوس تحترق ) هو دال على حال الكُتّاب، وجاءت لوحة الغلاف معبرة تماما عن العنوان والذي دارت في فلكه القصص الخمس التي تم تناولها، وكل قصة أخذت من العنوان نصيب، ويأتي المفتتح، وهو مقطع شعري للشاعر الكبير ( محمد الماغوط ) ليكون عتبة مهمة للقارئ للولوج إلى قصص المجموعة، وفيه يزداد تكشف القارئ لهموم الكاتب ومعاناته، وعلاقته بالسلطة، وعلاقة المثقف بالسلطة في قصص محمود أحمد علي تحتاج إلى مبحث خاص، يقول الماغوط :
( عندي كل شيء أيها السادة
نور، أعقاب سجائر، نشارة خشب
صفائح فارغة ...
وعندي شعوب، شعوب هادئة وساكنة
كالأدغال، يمكن استخداها، في
المقاهي والحروب وأزمات البشر )
وسنحاول في مقالات قادمة، الوقوف على الملامح الأبرز في مشروع محمود أحمد علي القصصي، وكل الود والإعزاز والتقدير لكاتبنا الحبيب الذي أثرى فن القصة العربية، اطال الله لنا في عمره ومتعه بالصحة والعافية. )
.......................................................................
وفي نهاية اللقاء قدم الشاعر إبراهيم حامد رئيس مجلس إدارة الفرع، قراءة في محمود أحمد علي المبدع الجميل والعاشق والمخلص لفن القصة القصيرة، وقدم لمحات إنسانية توفرت في شخصية المبدع محمود أحمد علي.
وتوالت القراءات والرؤى النقدية من الشاعر والكاتب نبيل مصيلحي، والأديب والناقد عبدالعزيز دياب، والكاتب والناقد والمترجم حامد حبيب، والشاعر السيد داود، والشاعر سامح شعير، والشاعر محمود رمضان، الشاعر محمد حسن النجار، أ . رمضان صلاح، ... وغيرهم.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معاناة الكاتب وهمومه في المجموعة القصصية ( رؤوس تحترق ) للكا ...
- الإبداع الشعري للشاعر حسين علي محمد في ضوء الفكر المقاصدي.
- مناقشة رسالة الدكتوراه للباحثة إيناس أحمد عبدالسلام السيد
- مقاربة نقدية في رواية - المزاحمية - للشاعر والكاتب سمير الأم ...
- ليلة استثنائية في محبة أحمد فضل شبلول باتحاد الكُتّاب – فرع ...
- مقاربة نقدية في رواية ( الماء العاشق) للشاعر والكاتب أحمد فض ...
- رواية (من جراب الكونغر) للكاتب أحمد عبده على طاولة النقد بقص ...
- شهر زاد ( دكتورة هيام عبدالهادي صالح ) وحكاياتها على طاولة ا ...
- مقاربة نقدية في رواية ( طار فوق عش الخفاش ) للكاتبة هيام عبد ...
- أدباء وشعراء ونقاد الشرقية يتحلقون حول ديوان ( حكاية سريالية ...
- المجموعة القصصية ( السقوط من البندول ) للكاتب أحمد عثمان على ...
- التجربة الإبداعية لفكري داود بمنتدى السرديات باتحاد الكُتّاب ...
- سردٌ يلامس الروح.. قراءة في رواية -زمن نجوى وهدان- لمجدي جعف ...
- ( السرد الحاوي ) لفرج مجاهد على طاولة النقد بالمركز الدولي ل ...
- نظرات في شعر حسين علي محمد ( طائر الشعر المسافر )
- مقاربة نقدية في الرواية الشعرية ( آخر أخبار الجنة ) لحزين عم ...
- مقاربة نقدية
- وداعا لآلام مرضى كسور الضلوع


المزيد.....




- حضور فلسطيني قوي في النسخة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي ...
- للمرة الثانية خلال شهور.. تعرض الفنان محمد صبحي لأزمة صحية
- -كان فظيعًا-.. سيسي سبيسك تتذكر كواليس مشهد -أسطوري- في فيلم ...
- اشتهر بدوره في -محارب الظل-.. وفاة الممثل الياباني تاتسويا ن ...
- عرف النجومية متأخرا وشارك في أعمال عالمية.. وفاة الممثل الإي ...
- السيسي يوجّه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي
- الفنان المصري إسماعيل الليثي يرحل بعد عام على وفاة ابنه
- الشاهنامة.. ملحمة الفردوسي التي ما زالت تلهم الأفغان
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -حرب المعلومات-.. كيف أصبح المحتوى أقوى من القنبلة؟


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - منتدى السرديات ينثر قطرات الضوء علي تجربة الكاتب محمود أحمد علي القصصية.