مجدي جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 12:17
المحور:
الادب والفن
تحلق أدباء وشعراء ونقاد منتدى السرديات باتحاد كُتّاب مصر – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء وأعضاء نادي أدب ديرب نجم في باكورة التعاون بينهما، حول رواية ( طار فوق عش الخفافيش ) للكاتبة الجنوبية بنت مدينة أسوان الدافئة السمراء الدكتورة هيام عبدالهادي صالح، بقصر ثقافة ديرب نجم، وأدار الندوة الكاتب والناقد المعروف محمود الديداموني، وبحضور السيدة الفُضلى نجوى مكاوي مديرة قصر الثقافة التي رحبت بالكاتبة المُحتفى بها وبأعضاء منتدى السرديات.
...................................................................................
وقدم الكاتب والناقد أحمد عبده ورقة نقدية، جاء فيها :
ـــ الرواية من الأدب البيئي, تعالج بيئة لها خصائص معينة, والرواية تؤكد انشغال أهل الجنوب بما تحت الأرض, وما تحت الأرض مرتبط بالحظ والسحر والشعوذة والدجل!!
ـــ العنوان ربما يكون لصيق بالمنياوي أكثر, لكنهم جميعا طاروا فوق عش الخفافيش
ـــ (ولسوف يعطيك ربك فترضى,( هي المعاكس للشعار الشعبوي القدري) نادى المنادي في يوم العيد, الفقري فقري والسعيد سعيد
ـــ هل أصبحت غنيا يا فلان؟/ هو ليس سؤال استفهام, قد يكون سؤال تعنيف, لماذا لم تغتن, ألم نتفق في العام الماضي أن تكون غنيا؟, وتعاهدنا سنكون أغنياء, ورددناها أكثر من مرة؟؟, أو سؤال تهكمي, فالشباب في ماراثون ولهاث وراء جمع المال بأي طريقة, الكاتبة تناقش مشكلة جيل يمتد لأكثر من ثلاثين عاما.
ـــ الرواية إدانة للواقع من عدة اتجاهات: مؤهلات عليا, وبدلا من أن يحكوا تجاربهم عن اسهاماتهم في الانتاج وتطوير الحياة, ٌيتناقشون في أساليب الغنى بالفهلوة والحظ والسحر والدجل/ وتمثلت إدانة الواقع في مقولة: خذ الحمص ودع لهم الفستق, مقولة تمثل البعد السياسي في الرواية, وتحيلنا لعالم الحيتان والبساريا, وفيهاا توظيف للمثل المعروف.
ـــ تتكئ الرواية على عدة محاور: سنكون أغنياء الأحلام والوهم/ كأنه تقرير وقرار لا مفر من تحقيقه/ نادى المنادي في يوم العيد, مقولة تأخذ القدسية من التعبير الشعبي التراثي, وكأنه نداء مقدس أو قرار يسلم به, العامة يرددونه بانسجام مع مافيه من سجع وإيقاع, كلام يحمل في طياته السخرية من الغير وأحيانا من أنفسهم.
ـــ اللغة جاءت متشابهة في تجارب الشخصاٌت, كلهم مؤهلات عليا, ولن نعتبرها رواية أصوات, لأن الصوت الذي بنى الرواية هو إجبار الساردة " الدكتورة سماح," لهذه الأصوات أن تحكي تجاربها, سماح تتحكم في توجيه الأبطال للحكي بما يتناسب ومخطط الكاتبة للرواية, حتى أنك لتظن أن كل هذه الشخصاٌت شخصية واحدة, لتشابه التفكير والأحلام والمصير.
ـــ الرواية يتضح فيها البناء الهندسي, العناوين الداخلية, جاءت بتخططٌ مُسبق في
مجمله, من رؤية الكاتبة لفلسفة موضوع روايتها, ثم التخططٌ الذي تفرضه لحظة الإبداع, ربما بنظرية الرواية تكتب نفسها.
ـــ تكنيك روائي مرسوم بعناية, قائم على التشويق, وهي ليست عناوين لفصول, ولكنها عناوبن لقطع سردية, كل قطعة سردية إما تأتي قائمة بذاتها لتحكي الشخصية بضمير المتكلم, أو ينوب عنها أحد في الحكي " مثلا سمير يحكي بالنيابة عن شعبان ,(الأبطال الستة ) المنياوي، رأفت، دعاء، عادل، سمير، سعد( يقدم المتكلم منهم نبذة مبدئية عن تجربته, ثم يقول سأحكي لكم, ولو وجد الظرف غير مناسب يقول سأحكً لكم فيما بعد , كحالة دعاء حينما حضر عادل أمسكت عن الكلام, في صورة الموجز وإليكم التفصيل بعد قليل/ أو تأتي كقطع سردية منفصلة
الموضوع, متصلة الشخصية ),( وهي حكايات تمثل كتل سردية يمكن أن تقوم بنفسها لنستخرج منها دلالة, ثم تُلحقها الكاتبة بقطع أخرى فردية, تأتي كتمهيد لحكايات أخرى لشخصيات أخرى.
ـــ نلاحظ ابتعاد العنصر النسائي عن نشاط الحفر والبحث في المجهول, يبحثون عن الغنى بطرق أخرى, طرق استاتيكية كالزواج من أبناء الخليج مثلا
ـــ تتعرض الرواية أحيانا للعلاقات الاجتماعةٌ, وأبرزها حيل وألاعيب التهرب من التوريث, عم سعد كنموذج, وعلى غير المألوف نساء يحسدن الأرامل والعوانس, ونساء يغرن من المطلقة خوفا على أزواجهن.
ــــ وتنتهي الرواية كما بدأت, بطريقة دائرية, لأنهم سيجلسون كل عام في نفس الموعد ليتساءلوا: هل أصبحت غنيا با فلان, ثم يؤكدون الحلم/ الوهم بقولهم سنكون أغنياء
• الكاتبة لديها القدرة على اختراع الحكايات وسبكها, توهمك بواقعيتها, حكاية رأفت مثلا جاءت فيr مقاطع: الأول تحقق حلمه واغتنى, ساعة ذهبية وتليفون حديث وسيارة, كيف اغتنيت با رأفت, سأحكي لكم ــ خلاصة رأفت
الصبر والأمانة هوالقوي الأمين والذكاء وحسن التصرف, وربك له تصاريف.
ــــ مجموعة من خريجي الجامعة, بعد إخفاقهم على أرض الواقع, كل واحد راح يقدم تجربته, منها الحلال ومنا الحرام: سمير اغتنى بالحظ, أو من عمله الطيب مع المرأة وبناتها, عربة نصف نقل وشكٌارة أسمنت بها ذهب ) حكايات خطباء المساجد/( المنياوي
)عش الخفاش والزئبق الأحمر( وهما رمزية الوهم, باستخدام الدجل والسحر والشعوذة/ سعد يغتني من الأثار, وبحيل شيطانية، يسرق ماكينات البنوك/ والذي وجد ديكا من الذهب, أو أنبوبة بها ألماظ
المنياوي يغتنى من عش الخفاش والزئبق الأحمر, وجولته مع إيزادورا مرة, ومع زهرة الورد مرة, والفرق بين مصير كل منهما, وإن كنت أرى أن استدعائهما لم يخدم حكايات المنياوي.
ـــ في حكاية شعبان وشقيقه المختفي, تستخدم الكاتبة الموضوع الشعبي حينما تتعدد رواياته, فمن يقسم أنه أوشك على الغرق فإذا به ظٌهر له فجأة لينقذه/ وآخر يقول كادت السيارة تدهسني لولا أنه أزاحنى بعيدا, ورواية أخرى في مشهد المرأة الفانتازي الرائع
..........................................................................................
ومن ورقة نقدية للكاتب مجدي جعفر، جاء فيها :
( عودة شهر زاد :
هاهي ذي شهرزاد تعود بعد مئات السنين، لتحل في جسد الدكتورة هيام عبدالهادي صالح، لتعيد للحكاية في زماننا بساطتها، وطزاجتها، وبريقها، فهيام اهتمت في روايتها ( طار فوق عش الخفافيش ) بالبُعد الحكائي اهتماما بالغا، فهي حكاءة ماهرة، تعرف كيف تحكي؟ ومتى تبتر الحكاية ومتى تتوقف، ومتى تواصل وتستمر؟.
وكيف تجذب قارئها وتجعله في شوق دائم لمواصلة القراءة، فهي تكتب عن واقعنا الآني، واختارت مجموعة من الشباب والشابات، الذين تخرجوا لتوهم في كلية الآداب، ( سبعة شبان وفتاتان )، وهناك حوادث متناثرة في الرواية تشير إلى تخرجهم في العام 2020م أو ما قبله، وهم أبناء ثورتي يناير 2011م، و30 يونيه 2014م، فهناك إشارات سريعة إلى حوادث محددة، نستشف منها زمن أحداث الرواية، ومن هذه الأحداث الإشارة إلى الحرب على الإرهاب، فكان أحد الشبان مجندا في جنوب سيناء، وحمد الله بأنه لم يُجند في شمالها، وإلا أصبح شهيدا، وإشارة أخرى إلى تكافل وكرامة، فضلا عن القفزات السريعة للأسعار، ووثباتها اللامنطقية واللا معقولة.
تبدو للوهلة الأولى لقارئ الرواية بأن البُعد السياسي غائبا ومسكوت عنه، ولكن السياسة حاضرة وبقوة حتى لو بدت لنا في الخلفية، إن الأزمات الخانقة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، ثقافية أو نفسية، فهي في المقام الأول بسبب السياسة وممارستها، فالتفسخ الاجتماعي والعنوسة والطلاق وحضور الفقر بقوة وانحسار الطبقة المتوسطة وانشغال الآباء عن أولادهم، ومحاولة ملء بطونهم فقط، وتراجع دور التعليم والمتعلم، والبطالة، وضيق الرزق فوق أرض الوطن ... إلخ، كل هذه المشاكل وغيرها حاضرة بقوة في الرواية.
سنكون أغنياء :
قال سعد : ( ما رأيكم لنقول " سنكون أغنياء " ونجتمع في نفس القاعة ونفس اليوم العام القادم ونكون أغنياء .. كل واحد منا يضع مفاتيح سيارته أمامه على المنضدة هذه ) ص 34
الثراء هدف مشروع، ولكن الأهم هو الوسيلة التي يسلكها كل منهم، ليصبح ثريا، فسعد يحثهم على الثراء بأية طريقة وبأية وسيلة، مشروعة كانت أو غير مشروعة، ولآنهم جميعا من أسوان إلا جمال من المنيا، وينادونه بالمنياوي نسبة إلى بلده، وأسوان معروفة بآثارها، والمنيا أيضا، فيحثهم على الحفر تحت منازلهم والبحث عن الكنوز المدفونة في باطن الأرض، فإذا كان الرزق قد ضاق بنا فوق الأرض، فلنبحث عنه تحت الأرض، ويقول لهم :
( لو اقتنع عقلك سيفعل جسمك المستحيل ليحقق حلمك )
ثمة قناعة عقلية بما هم مقدمون عليه، وثمة حلم .. الحلم بالثراء يداعب خيالاتهم، فمن أين لهم بالمهر والشبكة والشقة والاثاث، و .. و ...
ويحث دعاء على الزواج بأي رجل ثري، رغم علمه بالعلاقة العاطفية التي تربطها بصديقه عادل، وهذه العلاقة يعرفها الداني والقاصي، وهما شبه مخطوبين، بل يحث عادل نفسه على الزواج بفتاة أخرى أو أية إمرأة غنية، ويطلب كذلك من الدكتورة سماح بأن تتزوج من أحد أساتذتها، حتى لو كان متزوجا، المهم أن يكون غنيا، وسيساعدها على الانتهاء من مناقشة رسالة الدكتوراه، وتُوقف هدر الفلوس في هذه الرسالة التي استنزفت كل مواردها.
البداية :
تبدأ الرواية بمقطع سردي قصير، لا يتجاوز الخمسين كلمة، تحت عنوان ( أين ذهبت سيارتك يا فقري؟ )
بعد العام على التخرج، وضع كل من المنياوي، ورأفت، وسعد، وسمير، وعادل مفاتيح سيارته، أما دعاء وشاكر وشعبان وأنا الدكتورة سماح بدون مفاتيح.
نستشف من الجملة الأخيرة بأن الدكتورة سماح هي الراوي، وهي من ستروي لنا قصص وحكايات المنياوي ورافت وسعد وسمير وعادل ودعاء وشاكر، وبالتأكيد قصتها هي أيضا وحكايتها، تسع حكايات مثيرة ومشوقة، اختفت فيها الكاتبة تماما، وجعلت من الدكتورة سماح راوية، وباقي أعضاء ( الجروب ) كلهم رواة مشاركين، والرواية فيها من تقنيات رواية تعدد الأصوات، كما فيها من روح ألف ليلة وليلة، ومن حكايات الأدب الشعبي عموما.
وقد لعبت الأمثال الشعبية دورا بنائيا هاما في بناء هذه الرواية، وإذا كانت الرواية تعج بالأمثال الشعبية والطرائف، حيث تسري روح الفكاهة والسخرية كثيرا، فإننا سنتوقف في هذه العجالة أمام مثلين شعبيين فقط، وطرفة من الطرائف.
المثل الأول : وقد صدرته الكاتبة في صدر الرواية.
( نادى المنادي في يوم العيد : الفقري فقري .. والسعيد سعيد )
هؤلاء الشباب يسعون لأن يكونوا أغنياء، ومن السعداء، يتجاوزون الفقر، ويبتعدون عنه، واختبار الغنى والفقر، السعادة والشقاء، سيأتي كل عام في اجتماع ( الجروب ) في اليوم والشهر المحددين بيوم حفل التخرج، يقول شعبان :
( العام الماضي كنت الوحيد المالك لسيارة يا شعيان، أين ذهبت سيارتك يا فقري؟ )
والمقاطع السردية التالية، عنونتها الكاتبة بسؤال واحد محدد ومكرر، هل أصبحت غنيا يا منياوي؟ هل أصبحت غنيا يا رأفت؟ هل أصبحت غنية يا دعاء؟ هل أصبحت غنيا يا سمير؟
وكل يبدأ يحكي حكايته، والحكاية لا تقدمها الكاتبة دفعة واحدة، ولكنها تتناثر عبر صفحات الرواية، ويلهث القارئ وراءها، في محاولة منه للملمة نثارها، وتجميع أبعاضها، لتقترب من الاكتمال في النهاية، حكاية كل شاب وشابة.
العنوان :
دائما العنوان هو العتبة الأهم، والعنوان الذي اختارته الكاتبة من العناوين التي تستفز عقل القارئ وتثير خياله، وتدعوه إلى التأمل وإعمال الفكر، لماذا اختارت الخفاش تحديدا؟ وما سر هذا العش؟ ولماذا الهوس بالبحث عنه؟
قدمت الكاتبة في ص43 وما بعدها معلومات قيمة عن الخفاش، والهدف من البحث عن عش الخفاش، هو الحصول على الزئبق الأحمر بداخله، والزئبق الأحمر هو غذاء الجان حارس المقبرة الفرعونية، لحسة منه تعيد للجني شبابه ويفتح لك الكنوز.
وكان هدف المنياوي هو الوصول إلى عش الخفاش، والحصول على الزئبق الأحمر، وينتقل من خانة الفقراء المعدومين إلى خانة الأثريا المنعمين والمترفين، ويبتعد عن مخاطر الحفر تحت الأرض بحثا عن الآثار، ففي عش الخفاش :
( لا رصد ولا شيخ لفتح الكنز ولا كبار يكسبوا الملايين ويرموا لنا الفتات .. ) ص45.
الفانتازيا والعبث والواقعية السحرية :
الواقعية السحرية التي استخدمتها الكاتبة استدعتها من تراثنا المصري القديم، من حكاية ثاني أقدم قصة حب في التاريخ، حكاية الجميلة ( إيزادورا ) ابنة الحاكم اليوناني لإقليم المنيا، الذي رفض أن تتزوج ابنته من الضابط المصري، وحال بينها وبين حبيبها، فانتحرت، وكانت أول شهيدة للحب والغرام، وايضا من قصة " زهرة الورد " و " أنس الوجود " كأول قصة حب في التاريخ، ودارت أحداثها بجزيرة فيلة بأسوان، وأثرت بها فنها الروائي بعيدا عن سحرية بورخيس وماركيز التي يحاول بعض كُتّابنا الاقتداء بها والسير على هداها، رغم أنهم في أمريكا اللاتينية استقوها اساسا من تراثنا، وكانت أرضهم خصبة لتنمو فيها، وتثمر ثمرا جديدا ومدهشا، ويحسب لهيام أنها بنت واقعيتها السحرية من العجائبية التي يعج بها التراث المصري القديم، ولم تتوقف الغرائيبية والعجائبية عند هيام على ما ذكرت فقط، ولكنها مبثوثة أيضا في قصتي سمير وشاكر، وفي حضور الجن والعفاريت والسحر، وستظل حكايات الجن والعفاريت مادة خصبة للروائيين إذا أحسنوا توظيفها، وأحسنت الدكتوره هيام صالح استثمار هذا العالم، وموضوع البحث عن الآثار مرتبط في المخيلة الشعبية بهذا العالم، ولذا جاء توظيفه لضرورة موضوعية ولضرورة فنية، واعتقد أنه قد ساهم في إثراء الرواية.
تحولات الشخصيات :
كل الشخصيات طرأ عليها التغير والتحول، فلم يعد سعد المحرض على الثراء والقوي والجسور هو سعد، فتراجع دور سعد وحل محله سمير، ورغم الهزائم والانكسارات راح يخطب فيهم سنكون أغنياء .. سنكون أغنياء، ويطلب من دعاء ألا تعود من الخليخ إلا وهي غنية أو تتزوج من خليجي، ويطلب من كل أعضاء ( الجروب ) ألا ييأسوا، ويعاودا الحفر من جديد والبحث عن الآثار، وكل ياتي بعد عام ويضع مفتاح سيارته على المنضدة.
الكاتبة كانت واعية بحركة الشخصيات، فلم تسر كلها على خطوط مستقيمة، والحياة ليست كما يظن البعض خطوط مستقيمةن ولكنها دوائر ومنحنيات، ومتاهة كبيرة، وهؤلاء شبان صغار، بالكاد وصلوا إلى الخامسة والعشرين، وما بين حفل تخرجهم وأول لقاء، واللقاء الأخير، عامان فقط، لم يكن التغير في الشخصيات بسيطا، لا على المستوى الفكري أو النفسي أو الجسدي، كل الشخصيات تغيرت، وإذا قُدر لي أن أكتب في هذا الموضوع فقط، سأختار شخصية جمال فخري المنياوي، التي صاغتها الكاتبة ببراعة، وتحولاتها العقلية والنفسية والجسدية، عامان فقط صار خلالهما رأسه كيس قطن، وملأت التجاعيد وجهه، كبر أعواما وأعواما في عامين فقط، ولم يكن التغير جسديا وحسب، بل تبعه تغيرا نفسيا وعقليا، وربما التغير النفسي والعقلي هما السبب في هذا التغير الجسدي، شخصية تحتاج إلى دراسة متأنية، نرجو أن تسعفنا الأيام بإنجازها، وربما الشخصية الوحيدة التي لم تتغير تغيرا كبيرا أو جذريا هي الدكتورة سماح.
الحوار .. السيناريو .. السينما .. المسرح.
اعتمدت الرواية في أكثر من ثلاثة أرباعها على الحوار، وتراجع السرد إلى المرتبة الثانية، وكانت معظم المقاطع السردية أقرب في بنائها إلى السيناريو، مما يجعلها مطلوبة للسينما، ويمكن أيضا أن يتم مسرحتها وتقليص عدد الشخصيات.
والكاتبة قدمت أيضا قصص إنسانية في غاية الثراء، مثل والد عادل المقطوعة قدمه، وأمه السيدة البسيطة الصابرة، والأرملة أم البنات التي قسمت الثلاث عرائس الذهب على الثلاثة : سمير وشقيقها وهي، فهي نموذج رائع للأمانة، شخصيات كثيرة بالرواية ذات أبعاد إنسانية نبيلة تستحق أن نتوقف عندها، وكل الشكر للكاتبة القديرة الدكتورة هيام عبدالهادي صالح، التي أتاحت لنا فرصة قراءة روايتها ( طار فوق عش الخفاقيش ) البديعة والماتعة والمائزة والمتميزة.
............................................................................................
وقدم الأديب والناقد أحمد عثمان ورقة نقدية جاء فيها :
(عكس المسار الاعتيادي سأبدأ بهذا المقطع من آخر عناوين الرواية ـ الزاخرة بالعناوين ـ (سنكون أغنياء .. سنكون أغنياء) والذي جاء مكررًا على سبيل التأكيد:
[ قال سمير:
ـ ما رأيكم لنقول "سنكون أغنياء"
ونجتمع في نفس اليوم العام القادم ونحن نستقبل دعاء بعد عودتها ونكون أغنياء ..
كل واحد منا يضع مفاتيح سيارته أمامه
والله لا أمزح ولا أسخر ..لا أنا أقولها بجدية وصدق
يا شباب انطلقوا أراكم بعد عام وكل واحد منكم يأتينا بسيارته ـ ضحكنا أكملـ رزقنا ضيق على وجه الأرض .. الحل نبحث تحت الأرض أو فوق الأرض .]
هذا المقطع يتلاقى مع بدايات الرواية ليرسم مسار التناول فيما يشبه الدائرة، فالنهاية تعود للبداية؛ ليبدأ الدوران من جديد من نفس النقطة .. نفس الأمنيات، نفس الدعوة، انتهاج نفس الوسائل في سبيل الوصول لنفس الغاية التي ينشدونها ... تحت عنوان "سنكون أغنياء" ص 34 يبدأ بهذه الفقرة:( ـ ما رأيكم لنقول "سنكون أغنياء"
ونجتمع في نفس اليوم العام القادم ونكون أغنياء .. كل واحد منا يضع مفاتيح سيارته أمامه على المنضدة ...)
ملاحظة شكلية: لا أدري لماذا القول مفاتيح سيارته، وليس مفتاح سيارته؟!
إذن .. فقد حددت الأستاذة الكاتبة منهج ومسار الرواية في مجموعة من الشباب الجامعي حديث التخرج من بيئات فقيرة، حدد هدفه من البداية في انتهاج سبيل الثراء السريع (في غضون عام واحد) ..كيف؟ فليبحث كل عن طريق/ وسيلة للوصول إلى الغاية المنشودة
ولا أخفي أن إلقاء الكاتبة في وجهي ـ كقارئ ـ بتسعة أسماء لتسع شخصيات دفعة واحدة مع ضربة البداية؛ قد سبب لي بعض الارتباك في المتابعة والتواصل واستيعاب العلاقات، مما اضطرني أن أرسم خريطة معرفية لهذه الشخصيات ليتسنى ويتيسر لي متابعة الشخصيات وتشابكات علاقاتها معًا، ومساعيهم المتباينة للوصول إلى أهدافهم التى تعاهدوا عليها
ولتستثير فضول القارئ وشغفه نحو استجلاء ما يطرحه سؤال البداية (هل اغتنيت يا فلان؟)؛ لتكون الإجابة بعد عدة سطور قليلة (سأحكي لكم)؛ اتبعت الكاتبة تكنيكًا ـ يبدو تجريبيًا ـ يمسك بتلابيب شغف القارئ ليوغل في المتابعة ومواصلة استكشاف المجهول المختفي خلف غموض الإجابة المقتضبة للشخصيات عن سؤال البداية، هذا التكنيك يذكرني بالعرف الذي تجري عليه بدايات نشرات الأخبار، حين يقول المذيع/ المذيعة : كان هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل
*** ومن خلال مسار أحداث الرواية، يمكن أن أدعي أنني استطعت الوقوف على بعض القضايا التي تفصح عنها الرواية، وتفضحها للرأي العام وتضعها أمام أعين المسئولين، والتي أعتقد أنه الهدف الأساس من وراء كتابتها ..
من هذه القضايا التي تناولتها الرواية:
(1) تمثل قضية الفقر والمجتمعات المعدمة المحور الرئيس الذي تدور حوله الرواية، من خلال استعراض الأحوال المادية والمعيشية للشخصيات التسعة والذين يمثلون قطاعًا واسعً ممتدًا من التركيبة السكانية الحالية، هؤلاء الحالمون بعبور هذا الضِّيق الخانق الذي يمسك بأعناقهم، إلى براح الثراء ومظاهره التي تفشَّت حولهم .. كيف السبيل إلى ذلك؟ .. لا يهم، حلال كان أم حرام ( كما في قضية الشاب سعد الذي اختلس المليون وربع المليون من الجنيهات من ماكينات الصرف الآلي التي يشرف على صيانتها بحيل شيطانية، في سبيل الثراء السريع، والوفاء بالوعد الذي تواعد عليه مع أصدقاءه، وليلقي بمفتاح سيارته بجوار مفاتيح سيارات أصدقاءه على المنضدة كدليل على الثراء الذي سعوا له .. نجح خمسة منهم في إلقاء مفاتيح سياراتهم، وأخفق الباقون وإن كانوا لم يتخلوا عن الحلم)
(2) القضية الثانية الخطيرة التي تثيرها الرواية، وتدق ناقوس الخطر ـ لعل الغافين، أو المتغافلين يفيقوا ـ هي قضية الثراء السريع من خلال أعمال البحث والتنقيب ـ غير المشروع ـ في الخفاء عن الآثار، وتهريبها خارج البلاد بوسائل خفية لقاء ملايين الدولارات واليورو، بل والريالات والدراهم، وهي قضية شائعة وبخاصة في صعيد مصر، حتى أنهم يقولون : (احفر تحت قدميك ـ أينما كنت ـ تجد آثارًا) .. ويبدو أن الأستاذة الكاتبة على دراية واسعة بما يدور في هذا العالم الخفي الذي له قوانينه غير المكتوبة وأعرافه المتداولة والمتوارثة، وله مافياته المتسلسلة من القاع إلى القمة في شكلها الهرمي، ومن بين هذه الأعراف؛ أن على المكتشف الأول أن يرضى بالسعر الذي يعرضه المشتري ، لا السعر الذي يريد أو يتمنى هو؛ حتى لوكان المعروض بخس، لأن العاقبة ـ حال الرفض أو المساومة ـ كؤود، بمعنى أن ينقلب السحر على الساحر، ويصل أمره إلى السلطات بتهم لا قِبل له بها، كالتنقيب غير المشروع، والاتجار، والتهريب، والتزييف، و .. لذا ـ وفق قوانينهم الخفية ـ عليه أن (يرضى بالحُمُّص ويدعهم يأكلون الفستق، وإلا خرج من المولد بلا حمص)
وعن هذه القضية تتفرع قضايا جانبية أخرى تتمثل في:
أ) الاعتقاد في قدرات الدجالين، والاستعانة بهم في تحديد الأماكن في باطن الأرض، وما تحبل به من آثار وكنوز مدفونة، يسعون وراءهم أينما كانوا، حتى وصل الأمر إلى الاستعانة بمن هم من جنسيات مختلفة كالشيوخ المغاربة، والسودانيين، بل والنيجيريين، إضافة إلى المصريين لقاء نسبة من المُكتشفات أو المبيعات
ب) الاشتغال والانشغال بالبحث عن الزئبق الأحمر ـ وهو العنصر الأساس في عقيدة الدجالين الدال على مكان الخبيئة، عن طريق استحضار الجني المولع بهذ العنصر ـ والذي سرى الاعتقاد بوجوده بأعشاش الخفافيش ( ومن هنا جاءت دلالة العنوان)، وتلعب الإغراءات المادية وأحلام الثراء السريع دورها أمام الشباب في انتحاء هذا الطريق وخاصة إذا سمعوا أن العش الواحد يمكن أن يجد به حوالى العشرين جرامًا من الزئبق الأحمر، الذي يصل سعر الواحد جرام منه ـ وقت كتابة الرواية ـ ثمانون ألف دولار، أي أن العش الواحد يساوي مليون وستمائة ألف دولار، بما يعادل ـ وفق الرواية ـ عشرون مليون جنيه، وبسعر اليوم ثمانون مليون جنيه ..!
ج) الإشارة من طرف خفي ـ في سبيل تحقيق ثروات ملوثة ـ إلى تورط بعض المسئولين الكبار في علاقات غير مشروعة مع المافيات ضمن سلاسل هذا العالم الخفي المشتغل بالتنقيب وتهريب الآثار
(3) قضية أخرى ـ أخلاقية ـ في سبيل البحث عن الثراء السريع، تتمثل في التنازل والتخلِّي عن القيم النبيلة، والمشاعر النقية التي تصاحب الشباب الغض الحالم أمام قسوة الفقر وضيق ذات اليد والواقع البائس، لتحل محلها قيم الانتهازية، واقتناص الفرص العارضة، ولا عزاء للوعود والعهود بصورها المختلفة، ولعل مثال علاقة عادل ودعاء خير تجسيد لهذه القضية فكلاهما أمام إغراء الخروج من عنق الزجاجة إلى البرح المتمثل في بريق الغنى؛ تخلَّى عن أحلامه الغضة، ونكص عن الوفاء بوعوده، فعادل ثزوج من ثرية تكبره بلا سابق معرفة، وبلا حب ( فيما يسمى بزواج المصلحة) بعقيدة انتهازية بلا مواربة ، وكذلك فعلت دعاء في انتهاز فرصة السفر والغني لتدفع عنها وأمها وأختها الأرملة غول الفقر متخلية ـ كما عادل ـ عن الوعود والعهود ، وليذهب كل هذا إلى الجحيم
(4) قضية أخرى عرَّجت عليها الرواية سريعًا في سياق السرد؛ حين ـشارت إلى ما يعانيه طلاب الدراسات العليا ـ والغالبية من ذوي الدخول المحدودة ـ من ابتزاز واستغلال سواء في تكلفة إعداد الرسالة، أو ما يفرضه المشرف على الرسالة من إتاوة مُقنَّعة يرضخ لها الطالب مُجبرًا وإلا ... وهو أمر أصبح شائعًا في مقام العُرف، متمثلاً في الهدايا الباهظة الثمن، أو العطايا العينية تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان
كان هذا بعض ما عنَّ لي من انطباعات تواردت على خاطري أثناء القراءة الأولى للرواية، والتي بلا شك تستدعي عدة قراءات لابد أنها ستكشف عن الكثير من المخبوء وراء السرد، أما عن البناء، والجماليات، واللغة، والجهد المعرفي المبذول والمنثور على امتداد الرواية، وبيئة الأحداث، والشخصيات، وغيرها من فنيات السرد الروائي؛ فلا أساتذتها العارفين بدروبها ولا أدعي أنني من بينهم، ما أنا إلا قارئ متذوق لم يصب الكثير من هذا العمل الجاد في طرحه، وهمومه .. خالص تحياتي للأستاذة الكاتبة دكتورة هيام صالح، وتهنئتي بمنجزها القيم هذا
.............................................................................................
وجاء في ورقة الأديب والناقد ياسر عبدالعليم :
( منذ سنوات عديدة مضت ومن هذا المكان على مائدة نادي أدب ديرب نجم ااتقيت الكاتبة د. هيام عبد الهادي صالح برفقة الأعزاء الأستاذ مجدي جعفر و الأستاذ محمود الديداموني و الأستاذ علاء عيسى وفي وجود الراحل العظيم الأستاذ بدر بدير لمناقشة مجموعتها القصصية عيناه ترحلان بعيدًا للقمر
وعبر تلك السنوات وعبر رحلة من الفن القصصي والروائي للكاتبة نسعد اليوم بلقاء آخر حول رواية طار فوق عش الخفافيش.
والحقيقة أن العنوان ملفت ومدهش وما يطرحه من ألغاز على درجة عالية من الغموض من الإعتقاد الشائع أن عُش الخفاش يحتوي على الزئبق الأحمر وما أدراك ما الزئبق الأحمر واستعمالاته ناهيك عن استعمال عش الخفاش نفسه في السحر والشعوذة وهو عند البعض عملًا محرمًا وضارًا بما يحمله من تأثير روحي يعرفه السَّحرة ورواد الجان وبما حرمه كثير من رجال الدين.
فالعنوان يطرح من البداية محاولة الخوض في الأماكن المحظورة ومحاولة الثراء بأية وسيلة كانت حتى لو اصطدم بالموروثات الدينية والشعبية
عش الخفافيش
رمزية واضحة تحاول الكشف عن حياة الظلام والخوف من المجهول
الخفاش كائن ليلي يرى في الظلام يعيش حياة ليلية انسحابية بعيدًا عن المواجهة والمكاشفة ورمزية الخوف الظلام العزلة الضياع التشتت والصراعات النفسية تعكسها شخوص الرواية بدربة وإتقان
وتعكس الرواية في عنوانها وأحداثها وشخوصها هشاشة العلاقات الإنسانية تحت سندان الصراع الداخلي والنفسي في حياة معقدة مليئة بالتوترات والقلق.
ليست رواية طار فوق عش الخفافيش مجرد سرد لبعض الأحداث الحياتية لبعض الأشخاص الذين يلتقون بعد عام فقد اقترح عليهم الرفيق "سعد" اللقاء هنا بعد عام في كافتيريا أو قاعة كلية الآداب ليروي كل منهم كيف صار غنيًا في عام واحد ويلقي كل منهم مفتاح سيارته "علامة ثرائه" على هذه المنضدة أو يحكي لنا من ظل فقيرًا لأنه لم يقبل أن يتحول عن مبادئه
أقول...
أن هذه الرواية ليست مجرد سابر عابر لأحداث يومية نعاقرها جميعًا بل هي محاولة نفسية تحليلية للكشف عن الذات بل محاكمة الذات والآخرين عبر مجموعة من المواقف الصراعية الحاسمة
كشف حساب عن عام مضى...
تجسيدا لمحاولة الخروج عن تقاليد المجتمع وموروثاته وتابوهات العقيدة والحلال والحرام
وتستخدم الكاتبة في ذلك أسلوب التفاوت الزمني للغوص عبر فترات زمنية في حياة كل شخصية
واعتمدت الرواية على الحوار الذي يمثل البطل الحقيقي في هذه الرواية في وجهة نظري
فالحوار نفسه لا يكفي كآداة روائية في يد الكاتب ليضع رواية جيدة لكن الكاتبة استعملته كمبضع جراح يستطيع أن يكشف الأدران والعلل.
تصدرت الرواية آية من سورة الضحى "ولَسوفَ يُعطيكَ ربُك فَترضَى" ربما اشارة إلى الرضا سواء أكنت غنيًا أو فقيرًا
ثم بمثل شعبي استقر في ضمير ووجدان المصريين وعقلهم الجمعي"نادى المنادي في يوم العيد الفقري فقري والسعيد سعيد" وهو يمثل الإستسلام للقدر والإيمان بالمكتوب
حتى في يوم العيد وهو يمثل فرحة عامة سيبقى المحظوظ محظوظًا والتعيس تعيسَا فلا تحاول أيها الإنسان القفز فوق أقدارك
وهو يلتقي مع أمثال شعبية كثيرة مثل:-
(المنحوس منحوس لو عقوا فوق راسه فانوس)
كتبت الرواية بأسلوب سهل واضح مكشوف إلّا أنَّه يحمل بعض الدلالات والرموز التي تنقل الأفكار والمشاعر إزاء المواقف المتوترة في حياة الأشخاص وأبطال الرواية
تمثل الشخصية الرئيسية الدكتورة سماح حجر الزاوية في الرواية وبرغم أن الكاتبة اختارت لها ضمير المتكلم إلّا أنها تختفي ويُمحى وجودها في كثير من صفحات الرواية
تمثل الدكتورة "سماح"جسيدًا حقيقيًا للصراع بين الذات والمجتمع لذلك نراها مشدودة بين جيلين يكادان أن يمزقاها نفسيًا
1-الصراع الداخلي لأنها تسعى لتحرير نفسها من القيود الاجتماعية والنفسية محاصرة بين الموروثات الاجتماعية وتابوهات المجتمع البالية وبين رغبتها في فك القيود والحصار من حولها في ترغب هي الأخرى في الثراء وترغب في نفس اللحظة في مواصلة مشوارها العلمي.
-كما هي مشدودة إلى حبل آخر هو "الاغتراب" حيث تجد نفسها غير متوافقة مع معايير المجتمع والعائلة فتلجأ إلى العزلة وتختار أن تغوص في ظلام النفس كالخفاش.
وتتحمل شخوص الرواية هي الأخرى أسماء ذات دلالات حية وربما تعد أسمائهم ذات دلالات خاصة أو معادل موضوعي لما مرّوا به من أحداث خلال العام
1-دعاء..تحمل الرجاء في تغير الأحوال بعد أن تخلى عنها عادل الحبيب القديم وتزوج ثرية من وسط اجتماعي آخر
2-وشاكر ليس بشاكر بالمرة بل يحاول الثراء بأي طريقة وإن لم يحالفه الحظ
3-و.. رأفت الرحمة وهو يرحم نفسه من عدم السقوط في الحرام ويقبل أعمال دون مؤهله العلمي للثراء
4-وسعد.. وهو الشخصية التي حققت الثراء غن طريق التجارة في الآثار والمومياوات ويعد القبض عليه في الجزء الأول من الرواية يمثل صدمة للجميع محركًا للأحداث فيما بعد
وهكذا دون إطالة أعتقد أن اختيار أسماء شخوص الرواية لم يأتي عند الكاتبة مصادفة إنما كان يحمل دلالات ذات أبعاد.
حقيقة لم تكن الرواية في بنائها الدرامي جديدة كل الجدة لأن محاولات روائية بنائية سبقتها في التعميم الهندسي البنائي ولنستدعي معًا على سبيل المثال لا الحصر رواية "مرايا" للرائد نجيب محفوظ صحيح أن شخوص محفوظ تتوازى ثم تتلاقى هناك بعيدا في معركة الحياة وأنها كانت أشبه بشهادات محفوظ على نماذج بشرية عاصرها مثل شخصية( ) التي تمثل انعكاسًا لشخصية سيد قطب و الإخوان جميعاًا وصحيح أن محفوظ استطاع بذكاءه النادر أن يستخدمها- أقصد الشخصية
أن تكون ستارًا لشخصيات أخرى متناثرة في أعماله فيما بعد.
إلّا أن د. هيام استطاعت من البداية أن تربط بين شخوصها في خيط واحد متين لا ينقطع ومنذ البداية.
وإن كانت تبقى كلمة بعد كل ما قيل فهي أن رواية طار فوق عش الخفافيش
جريئة في شكلها جريئة في كشفها كل ما يدور من صراعات وتوترات داخل كل منا ونحن قد قطعنا عقدين من الألفية الثالثة من عمر البشرية فهي إضافة حقيقية في حقل الرواية العربية.
إلّا أني أهمس إليها بأمرين هو تحفظي على كم الشخوص التي أحدثت في البداية نوعًا من الإرباك وعرقلت قليلًا مجرى السرد و الثاني هو أن الحوار وحده لا يكفي ولو بدأت بالسرد أولًا لكان أكثر توغلًا في أعماق كل منهم ولو تم التركيز على حياة الراوية وما تراها في الآخرين لكان أكثر تأثيرًا على القارئ وذلك محض رأي شخصي أسعى أن يكون ربما صائبًا.
.............................................................................................
ومن الورقة النقدية للشاعر رضا عطية رئيس نادي أدب ديرب نجم :
( الكاتبة د. هيام عبدالهادي صالح صاحبة مشروع إبداعي متميز؛ حيث أصدرت عددا من الروايات المهمة :(زهر الحناء، البحيرة وسنينها، الدهابة وغيرها) بالإضافة إلى مجموعتين قصثيتين هما:(عيناه ترحل بعيدا إلى القمر، وهمسات امرأة مختلفة).
والرواية التي نحن بصددها هي أحدث إصدارتها رواية(طار فوق عش الخفافيش) وهذه الرواية تأخذ قارئها إلى السبح والتطواف في عوالم متعددة بين الماضي والحاضر، بين الواقع المتأزم بمشكلاته الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرها وبين الواقعية السحرية وعالم الجن والعفاريت في رحلة البحث عن الآثار وتحقيق الثروة بأي طريقة كانت، وبين عالم الأسطورةوالرومانسية وغيرها من العوالم الأخرى، وتبدو تقنية الكتابة لديها في هذه الرواية مهتمة أكثر بالحوار بين الشخصيات، وهو ربما يكون أصعب نسبيا من الاعتماد على الوصف والسرد؛ لأنه يحتاج منها إلى رسم دقيق لملامح كل شخصية ودخائلها، وربما تزاحم الشخصيات وكثرة عددها في بدء الرواية أحدث ارتباكا وحيرة لدى القارئ؛ بحثا عن خصائص وصفات كل شخصية، ولعل الكاتبة سريعا ماانتبهت إلى ذلك وأفرت عناوين خاصة وعتبات تحكي فيه كل شخصية حكايتها وما تحلم به.
وبناء النص في هذه الرواية يقوم على اجتماع روافد(حكايات الشخصيات)؛ لتجتمع في مجرى واحد. وقد تناولت الرواية عددا من القضايا: ١الواقع الاجتماعي المتأزم نتيجة تفشي الفقر وكثرة مشكلاته.
٢ الهوَس بالغنى، وخاصة عن طريق البحث عن الآثار سواء في المنيا أو في أسوان
٣الاهتمام بالأمثال الشعبية وتوظيفها مثل(ياما دقت على الراس طبول، فص ملح وذاب، زيادة الخير خيران، كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟)، وإن كان من الأفضل أن تحافظ على صيغة المثل كما هي حتى لو كان بالعامية مثل(فص ملح وداب، وزيادة الخير خيرين)
٤الرومانسية (أول قصة حب في مصربين زهرة الورد ابنة أحد الوزراء والحارس أنس الوجود والتي انتهت بتحقيق الأمل، كما نجد مايشبه الحب العذري في أدبنا العربي؛ حيث انتهت قصة حب الضابط وإيزادورا بموتهاغرقا.
ونجد هناك بعض الجمل المحورية مثل: سنكون أغنياء، ونادى المنادي في يوم العيد: الفقري فقري والسعيد سعيد. كمانجد توظيف الإنترنت واستيحاء معلومات منه عن عش الخفاش(عن موقع صدى البلد، والوطن). كما أبدعت الكاتبة في الوصف؛ لتنقل لنا حرارة الموقف مثل: الوصف الدقيق لسمير وهو يعبي عربة الرمل عدة مرات(كمية عرق نضح بها جسمي امتزجت بالرمال بعضه دخل حلقي بصقته مع بعض الرمال المتطايرة، أكملتُ السيارة العرف والرمال في فمي والصهد يتصاعد من الرمال) لكنها تجنح أحيانا إلى التكرار لنفس عبارة(كمية عرق نضح بها جسمي... إلخ. وقد أجادت الكاتبة رسم الشخصيات، فرأفت متشائم يائس، وسعد مادي يموت على القرش، وعادل انتهازي ضحى لحبه لدعاء، وشعبان الريفي ترك أرضه ومواشيه يرعاها أبوه العجوز؛ ليحث هو عن أخيه.
وعلى الرغم من جماليات الراوية والتي يكمن مسرحتها بسهولة؛ لكثرة الحوار بها، فهي يمكن أن تنتمي إلى المسرواية، ويمكن أن تتحول لسيناريو فيلم، إلا أنها تكتظ بالأخطاء اللغوية(الإملائية والنحوية)، فكان لزاما على دار النشر أن تدققها لغويا، ومن الأخطاء اللغوية على سبيل المثال لا الحصر: كيف عرفتي ص١٣والأدق عرفتِ
بإتجاه ص١٤والأدق باتجاه
بلا شئ ص٢٧والأدق شيء
ىؤينا ص٣١والأدق يؤوينا... إلخ.
في النهاية سعدت كثيرا لقراءتي لرواية(طار فوق عش الخفافيش) للأديبة الكبيرة د. هيام عبدالهادي صالح، وفي انتظار صدور أعمال أخرى لهذه الكاتبة المتميزة المثابرة.
...........................................................................................................................
وبقى أن نشير إلى ثلاثة دراسات مهمة للدكتور نادر عبدالخالق والكاتب والناقد محمود الديداموني، والكاتب والناقد العربي عبدالوهاب، نتمنى نشرها قريبا.
وتوالت المداخلات والرؤى النقدية من الشاعر الكبير والمترجم السيد النماس، والشاعر هيثم منتصر، والشاعر خليل الشرقاوي، والشاعر عاطف رشيدي، والأستاذ/خالد عبدالله، والشاعر السيد يوسف الغنيمي، والقاص د. علاء الدماصي، والقاص إبراهيم فريد، الأستاذة علا السعودي مشرفة النادي الأدبي، والأستاذة سمر أمينة المكتبة.
................................................................................
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟