أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - سردٌ يلامس الروح.. قراءة في رواية -زمن نجوى وهدان- لمجدي جعفر














المزيد.....

سردٌ يلامس الروح.. قراءة في رواية -زمن نجوى وهدان- لمجدي جعفر


مجدي جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 11:48
المحور: الادب والفن
    


في زحمة الحياة المعاصرة حيث تذوب الفردانية في بحر الجماعية، تأتي رواية "زمن نجوى وهدان" للكاتب مجدي جعفر كصرخة وجودية تعيد تعريف الذات الإنسانية في مواجهة تقلبات الزمن. هذه الرواية ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي رحلة عميقة داخل النفس البشرية، تُنسج بخيوط من اللغة الشعرية والرمزية الغنية، لتقدم للقارئ مرآة تعكس تناقضاتنا وأحلامنا وخيباتنا. الكاتب هنا لا يروي قصة، بل يصنع عالماً كاملاً تنبض فيه الشخصيات بحيوات متشابكة، تدفع القارئ إلى التساؤل عن ماهية الزمن الذي نعيش فيه، وعن تلك المسافة الشاسعة بين ما نريد أن نكون وما نحن عليه فعلاً.
المؤلف موهوب في إبداع في العمارة السردية؛ فتتعدد الأصوات وتتداخل الأزمنة؛ حيث يُظهر جعفر براعة فائقة في هندسة البناء الروائي وسردية الزمن والهوية، حيث يعتمد تقنية السرد المتعدد الأصوات التي تتيح للشخصيات التعبير عن وجهات نظر متباينة. النص يتحرك بسلاسة بين الماضي والحاضر، مخلّفاً فجوات زمنية مقصودة تدفع القارئ إلى المشاركة الفاعلة في ملء الفراغات. هذا التداخل الزمني ليس تقنية شكلية فحسب، بل هو انعكاس لرؤية الكاتب الفلسفية للزمن ككيان غير خطي، حيث تتعايش اللحظات وتتصارع في الوعي الإنساني.
بين شاعرية السرد وانزياحاته ترى اللغة في هذه الرواية تحمل بصمة أسلوبية فريدة، فهي تتراوح بين الفصحى والعامية بسلاسة، مستخدمة الانتقالات اللغوية كأداة تعبيرية. وجعفر يصوغ جمله بطريقة إيقاعية تشبه النثر الشعري، حيث تتدفق الكلمات كأنها موسيقى داخلية تعكس حالات الشخصيات النفسية. الاستعارات والرموز المنتشرة في النص (مثل "الكتاب المغلق"، "الزمن الضائع"، "الصدى البعيد") ليست زخارف لغوية، بل أدوات تحليل نفسي تكشف عن أعماق الشخصيات.
شخصيات الرواية (نجوى، هند، الناقد، السكرتير،…) ليست كيانات منفصلة، بل تمثل أجزاء من الذات الإنسانية الممزقة. نجوى تجسد الحنين إلى الماضي والخوف من المستقبل، بينما هند تمثل التمرد على القيود والبحث عن الحرية. والكاتب يبتعد عن التبسيط؛ مقدماً شخصيات معقدة تحمل تناقضاتها الداخلية، مما يجعلها قريبة من القارئ؛ وكأنها تعيش داخل كل منا.
والزمن في هذه الرواية ليس مجرد إطار للأحداث، بل هو قوة فاعلة تغير الشخصيات وتعيد تشكيل علاقاتها. جعفر يتعامل مع الزمن كعدو وحليف في آن واحد، كسجن وكنافذة أمل. هذا التصوير يصل ذروته في المشاهد التي تتداخل فيها الذكريات مع التوقعات، حيث يصبح من المستحيل الفصل بين ما كان وما يمكن أن يكون.
اقتصاد الرواية اللغوي مليء بالدلالات؛ حيث يبهرنا جعفر بجماليات الأسلوب؛ فالكاتب يمتلك قدرة نادرة على قول الكثير بكلمات قليلة. جمله القصيرة تحمل دلالات عميقة، وكلماته المختارة بعناية تخلق صوراً ذهنية قوية. هذا الاقتصاد اللغوي لا يعني الجفاف، بل على العكس، فهو يترك مساحة للقارئ لتأويل النص وإسقاط تجاربه الشخصية عليه. والحوارات في الرواية ليست وسيلة لتقدم الأحداث فحسب، بل هي نوافذ تطل على النفس البشرية وتعكس الأعماق. جعفر يصيغ حواراته بحيث تكون واقعية من ناحية، وحاملة لطبقات من المعاني من ناحية أخرى. الحوار هنا أشبه بمسرحيات داخلية تعرض الصراعات النفسية للشخصيات.
والرواية غنية بالرموز التي التي تلامس العمق الإنساني، وتتجاوز السياق المحلي لتصل إلى العالمية. الكتاب المغلق، الساعة المتوقفة، الظل الطويل - كلها رموز تحمل دلالات متعددة تختلف باختلاف تجربة القارئ. هذه الرمزية لا تكون ثقيلة أو متكلفة، بل تنساب بشكل طبيعي ضمن نسيج السرد.
أخيرا.. "زمن نجوى وهدان" ليست رواية تُقرأ وتُنسى، بل هي عمل أدبي يخترق حواجز الزمن ليظل حاضراً في ذاكرة القارئ. مجدي جعفر قدّم لنا أكثر من قصة، لقد منحنا مرآة نرى فيها أجزاء من أنفسنا، من مخاوفنا وأحلامنا. هذه الرواية تطرح أسئلة وجودية عميقة دون أن تقدم إجابات جاهزة، تاركة للقارئ حرية التأويل والاكتشاف.
وفي زمن أصبحت فيه السرعة سيدة الموقف، تأتي هذه الرواية لتذكرنا بأهمية التوقف والتأمل، بأهمية أن نستمع إلى أصواتنا الداخلية قبل أن نغرق في ضجيج العالم الخارجي. ربما هذه هي الرسالة الأهم التي يوجهها جعفر لقرائه: أن الزمن الحقيقي ليس ما تقيسه الساعات، بل هو تلك اللحظات التي نعيشها بوعي كامل، لحظات نكون فيها حاضرين تماماً مع ذواتنا ومع الآخر. وبين دفتي هذه الرواية، يجد القارئ ليس مجرد متعة أدبية، بل فرصة للقاء الذات في أعمق تجلياتها.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( السرد الحاوي ) لفرج مجاهد على طاولة النقد بالمركز الدولي ل ...
- نظرات في شعر حسين علي محمد ( طائر الشعر المسافر )
- مقاربة نقدية في الرواية الشعرية ( آخر أخبار الجنة ) لحزين عم ...
- مقاربة نقدية
- وداعا لآلام مرضى كسور الضلوع


المزيد.....




- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - سردٌ يلامس الروح.. قراءة في رواية -زمن نجوى وهدان- لمجدي جعفر