أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - مقاربة نقدية















المزيد.....

مقاربة نقدية


مجدي جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


ستظل شخصية ( الياسمين ) التي قدمتها منى العساسي في روايتها الأولى، عالقة بالأذهان، يستعيدها القارئ، ويعاود تأملها، ويستعيد ما مرت به من أحداث، فهي من الشخصيات التي لا تُنسى، الفتاة المأزومة في زمن العولمة، ومعاناتها من الغربة والاغتراب، الغربة المكانية والغربة الزمانية، فبعد ظهور النفط في دول الخليج العربي، برح المصريين الديار بحثا عن لقمة العيش والعمل في تلك الدول، وطاب للكثيرين الإقامة والاستقرار على أراضيها، و " محمد " والد " الياسمين " واحد من هؤلاء، وولدت " الياسمين " لأب مصري وأم شامية على أرض المملكة العربية السعودية، وأخذت " الياسمين " جمال أمها، الابنة الوحيدة للتاجر السوري الثري، فعاشت مرفهة ومدللة، فوالدها جعلها تعيش في مستوى اجتماعي واقتصادي لا يقل عن المستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه صفوة المجتمع السعودي إن لم يفقه، وأحبها محمد المصري، وبعد زواجه منها، واصل ما كان يفعله والدها معها، فلا يرفض لها طلبا أبدا، ولا يضن عليها بشيء مهما ارتفع ثمنه.
وجاءت " الياسمين " بارعة الحُسن، حلوة الملامح، عذبة التقاطيع، يأسر جمالها كل من يراه.
وكما في الحواديت، يسقط من قرص الشمس، فتى جرئ، مغوار، فتمتد يده ليقبض بها على ذراعها، ويمطرها بعبارات الغزل والهيام، ويقبلها، لترتبك، وبسرعة البرق يدون لها رقم جواله، ويقول لها : أنت لي ..
إنه " علاوي " الشاب الإماراتي، البدوي، صاحب الشركات التي تعمل في السعودية والإمارات ومصر واسطنبول والعديد من دول العالم، وهذه من ملامح العصر الجديد، الشركات الإقتصادية العملاقة ذات رؤوس الأموال الضخمة، التي تجاوز تحكمها في الأفراد إلى الدول ذاتها، وهذا " العلاوي " دارت بينه وبين " الياسمين " قصة حب عنيفة، وصار دنياها كما صارت دنياه ..
و " الياسمين " مولعة بقراءة الروايات، وخاصة الروايات العالمية، وتكتب الخاطرة والقصة القصيرة، وحبيبها البدوي مولع بالشعر النبطي، قراءة وكتابة، ويتطارحان الغرام ويتبادلان الرسائل على أحد المنتديات، وما نشرته الياسمين على المنتدى تحت مسمى ( خواطر ) هي قصائد نثر بامتياز، ولم تأت هذه القصائد عبئا على السرد، بل وظفته الكاتبة توظيفا رائعا، جعل السرد أكثر تدفقا وحيوية، لغة وجدانية محلقة، كما وظفت الوسائط الحديثة من الموبايل إلى وسائل التواصل والمنتديات توظيفا جيدا، وكان لهذه الوسائط دورها المهم، وبرهافة شديدة ( آنسنتها ) الكاتبة.
والكاتبة على وعي وإلمام كبيرين بالمفاهيم الفلسفية والنفسية الجديدة، ودراستها في علم النفس ساعدها على فهم شخصياتها، وتحليل نوازعها النفسية، وساعدتها هذه المعرفة أيضا على أن تكون رؤيتها للعالم أكثر نضجا واكتمالا، فالياسمين تعرضت لسلسلة من الحوادث، أودت بها إلى الاكتئاب، والعزلة، فالقشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل العربي، هو زواج علاوي من غيرها، فانتصر لتقاليد البادية وتزوج من ابنة العم! والسؤال الذي يلح على ذهن القارئ وهو يقرأ الرواية، هل هذا الحب الكبير يمكن أن ينتهي بهما إلى الزواج؟ .. لقد كانت الصدمة الحضارية للياسمين عندما تحلقت مع علاوي في أحد المطاعم الفاخرة حول الطعام، فنحى الشوك والملاعق والسكاكين جانبا، وراح يلتهم الطعام بيده، فاستاءت الياسمين، ووجلت وجزعت، فحزن وأسرها في نفسه، هل يمكن أن تلتقي حضارة وثقافة الوادي بحضارة وثقافة الصحراء؟ فالياسمين فيها جينات الحضارة المصرية والشامية وهو فيه جينات البادية، فغلبت عليه رغم قشرة الثقافة، هل هي إشارة رمزية من الكاتبة، وكأنها أرادت أن تقول يصعب التلاقي بين الثقافتين.
إن ردة فعل زواج علاوي على الياسمين، كان قاسيا وعنيفا، فاستلت من المطبخ سكينا وراحت تغرسها بعنف في خاصرتها وفي مكامن الشهوة التي تذكرها بعلاوي، فأرادت أن تربط ذكراه بالألم فتنساه، فأحاطت خصرها بعشرات الطعنات، ولزمت مصحة نفسية لأيام وأسابيع حتى برأت، ورغم عمليات التجميل، ظلت آثارها تشكل نقوشا حول خاصرتها!!
والياسمين تعرضت في طفولتها، فيما قبل مرحلة البلوغ بقليل، لإعتداء جنسي بشع من شاب عشريني، كان له هو الآخر أثره البالغ على نفسها، وكانت الكاتبة بارعة وهي تضع دائما بطلة نصها في مواقف جديدة لتفجر الوعي لديها، ولدي القارئ أيضا، فالحوادث التي مرت بها الياسمين وربط الأحداث ببعضها البعض والمسارات التي تتحرك عبرها شخصيات الرواية كلها، كل هذا يحتاج إلى وقفة، لنؤكد فيها على وعي الكاتبة بالأصول الفنية والموضوعية التي يقف عليها العمل الروائي دون عثرات، وهذا ما نرجو أن ننجزه لاحقا، في دراسة تليق بالكاتبة والرواية لا قراءة على عجل محكومة بزمن ومساحة محدودتين، الكاتبة تجعلنا نعيد اكتشاف شخصياتها من خلال بعض المؤثرات الخارجية، مثل إعادة اكتشاف اللوحات من خلال تسليط الأضواء أو الظلال عليها، وشخصية ( فاطمة ) أم الياسمين، وعلاقتها المتوترة بالياسمين، وشخصية الأب ونزوته بالزواج بإمرأة عراقية، وتسميته لإبنته بالياسمين على اسمها، فكانت المرارة والغصة من الإسم الذي يذكرها بها، وعودته إلى القرية حزينا مكتئبا بعد موت زوجته المباغت، وزوجة علاوي وابنتها التي اختار " الياسمين " اسمها في أحلامها مع علاوي، والغيرة التي تنهش قلبها، ولجوئها إلى أقذر الطرق وأخسها، للانتقام من الياسمين، فلم يزل علاوي يحبها، وتريده نسيانها، و.. و ... وكل شخصيات الرواية اهتمت بها الكاتبة، ورسمتها من الخارج، كما اهتمت بأبعادها النفسانية ( الجوانية ) وبمستوى تقكيرها، وحركتها في محيطها الاجتماعي.
جاءت اللغة متوترة توتر شخصية الياسمين، والحوار في أكثر مشاهد الرواية جاء هو الاخر متوترا، واللغة عموما تجنح إلى الشعرية، وتصل أحيانا إلى الشعر إن لم تكنه، وأخذ الوصف الماتع مساحة لا بأس بها، فتصف الشوارع والبيوت والغرف والأشخاص، وقد يمتد الوصف لقاعة ليحتل ثلاث صفحات، تصف لنا أو تكشف لنا عن حال ووضع المرأة السعودية، وحياة الترف والبذخ التي تعيش فيه، وتقارن بينها وبين معاناة المرأة المصرية!.
وأرجو أن أكون قد نثرت ولو القليل من قطرات الضوء حول الرواية، على أمل أن أعود إليها لاحقا في قراءة أكثر عمقا وأكشف فيها عن كل ما تطرحه الرواية من قضايا وأفكار، والحيل الفنية التي استخدمتها ولجأت إليها، وجماليات السرد في روايتها الأولى التي تشي بكاتبة موهوبة، أنجزت بعدها روايتين أخريين هما " الهدنة " و " جبل التيه "، فالكاتبة قادمة بقوة، وقادرة على التجديد والإضافة وإثراء حقل السرد العربي.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا لآلام مرضى كسور الضلوع


المزيد.....




- الروائي أحمد رفيق عوض يشارك في ندوة حول الرواية الفلسطينية ب ...
- كل الأولاد مستنيين يظبطوه”.. تردد قناة ماجد كيدز للأطفال وأح ...
- بعد عرض أفلام الشهر”.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على الن ...
- سوريا تحضر بثقلها الثقافي في معرض الدوحة للكتاب من خلال -سوق ...
- رحيل مغني -الراب- كافون.. أبرز الوجوه الفنية التونسية بجيل م ...
- السيرة الذاتية مفتاحٌ لا بدّ منه لولوج عالم المبدع
- من قبوه يكتب إليكم رجل الخيال.. المعتقل السياسي لطفي المرايح ...
- شاهد.. أنثى أسد بحر شهيرة تواكب الإيقاع الموسيقي أفضل من الإ ...
- يطارد -ولاد رزق 3-.. فيلم -سيكو.. سيكو- يحقق إيرادات تفوقت ع ...
- -لكني كتبت الأشجار بالخطأ-.. ديوان جديد للشاعر نجوان درويش


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - مقاربة نقدية