أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - أدباء وشعراء ونقاد الشرقية يتحلقون حول ديوان ( حكاية سريالية ) لشاعر قصيدة النثر خليل شرقاوي.















المزيد.....



أدباء وشعراء ونقاد الشرقية يتحلقون حول ديوان ( حكاية سريالية ) لشاعر قصيدة النثر خليل شرقاوي.


مجدي جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


احتشد الجم الغفير من أدباء وشعراء ونقاد محافظة الشرقية، بقصر ثقافة ديرب نجم لمناقشة ديوان ( حكاية سريالية ) لشاعر قصيدة النثر المتميز خليل شرقاوي، أدار اللقاء بحنكة واقتدار الشاعر رضا عطية رئيس نادي أدب ديرب نجم، بحضور السيدة الفُضلى مديرة قصر الثقافة، التي رحبت بالسادة الحضور الذين تكبدوا مشقة السفر رغم حرارة الجو المرتفعة وحضروا للاحتفاء بشاعر موهوب، ويشق طريقة نحو التألق والتميز، وقادر في غضون سنوات قليلة على إثراء قصيدة النثر.
وقدم الكاتب والناقد محمود الديداموني دراسة تحت عنوان :
(قراءة فى بعض لوحات حكاية سريالية للشاعر خليل شرقاوي ) جاء فيها :
( قصيدة النثر هي واحدة من أكثر الأشكال الشعرية إثارة للجدل في الأدب العربي الحديث، إذ مثّلت خروجًا واعيًا على أوزان الخليل وقوانين القصيدة العمودية، بل وحتى على التفعيلة التي كانت تجديدًا سابقًا. نشأت ملامحها عربياً في خمسينيات القرن العشرين، متأثرة بالحركة الشعرية الفرنسية – خاصة مع تجربة بودلير ورامبو ومالارمي – ثم تطورت عبر جهود شعراء ونقاد سعوا لإيجاد نص شعري يُحرّر اللغة من حتمية الوزن والقافية، ويمنحها طاقة التعبير المفتوح.
إذا كانت نازك الملائكة قد رأت أن التفعيلة هي الأساس الموسيقي، في الشعر، فإن محمد النويهي يرى أن التفعيلة هي المرحلة الأولى، من مراحل التجديد الموسيقي. إذ ينبغي على هذا الشعر أن يستكمل تجديده بالخروج من النظام الكمي إلى النظام النبري. أي بالخروج من نظام التفعيلة إلى نظام النبر، ولهذا لاينبغي أن نرى في " وحدة التفعيلة العروضية إلا كمرحلة انتقال ، كقنطرة يعبر عليها شعرنا إلى ميادين أعظم اتساعاً، وتطوير أبعد مدى وأعمق جذرية". وعلى الرغم من إقرار النويهي بأن ثمة اختلافاً في القراءات على صعيد قواعد إيقاع النبر، وأن ثمة نوعاً من التطور فيها.
فلم يكن بدٌّ من أن يفترض البعض أن الموسيقا الشعرية يمكن أن تكون داخلية لاخارجية، ومعنوية لاحسية. وهو ماجعل من مصطلح الموسيقا الداخلية بديهيا .
إن كل ذلك جعل من الشكل الإيقاعي الحداثي مفتوحاً على احتملات لاتكاد تحصى من الاختلافات الإيقاعية بين النصوص الشعرية. وذلك على الرغم من أن التفعيلة بقيت هي الوحدة الصوتية ـ النغمية، في تيار التفعيلة من شعر الحداثة. ولابأس من الإشارة، في هذا المجال، إلى أن الحديث عن إيقاع سمعي محدّد في قصيدة النثر، ومايزال رجماً بالغيب. وإن يكن ثمة محاولات مخلصة لتسويغه، من خلال النظام النبري، لامن خلال النظام الكمي. وعلى أية حال، فإن الحداثة في طرحها شكلاً إيقاعياً مفتوحاً، قد فتحت الباب واسعاً أمام الاختلافات الإيقاعية النصيّة، بشكل لم يعد فيه بالإمكان الكلام على نمط أو اثنين أو غير ذلك، للشكل الإيقاعي الحداثي
يقول أدونيس " إن تحديد شعر جديد خاص بنا نحن، في هذا العصر، لايُبحث عنه، جوهرياً، في فوضى الشكل ولافي التخلي المتزايد عن شروط البيت، بل في وظيفة الممارسة الشعرية التي هي طاقة ارتياد وكشف"
وعلى الرغم من أن المنطلق الذي انطلق منه النسق الرؤيوي كان بالإمكان أن يتعمق باتجاه المعالجة الجمالية، غير أن توهان هذا النسق فيما هو حدسي وغرائبي وميتافيزيقي، قد جعل منه قاصراً عن وعي الحداثة. نقول ذلك، ونحن نعي جيداً جملة "التخليات" التي اقترحها أدونيس. وهى دائما محل الالتفات .
قصيدة النثر، في أحد أبرز تجلياتها، هي نص مفتوح على التأويل، متحرر من قيود الوزن الخليلي وإيقاعات التفعيلة، لكنها لا تتخلى عن الشعرية، بل تعيد صياغتها عبر الإيقاع الداخلي وتكثيف الصورة وجرأة المعنى.
في "حكاية سريالية" ،يمزج خليل الشرقاوي بين المشهد الحلمي واللغة الموحية، ويستخدم تداعيات حرّة تتدفق بلا قيود شكلية، لكنها مشدودة بخيط خفي من التماسك الدلالي والرمزي.
فنلمح فى نص " الزمنُ الذي وَلَّى " تلك القدرة على إشعاع الجملة الشعرية حين يقول :
لَا أملِكُ إلَّا بعضَ النغم / وَبعضَ ذاكرة / بعضَ كتبٍ مهترئة / ونافعة
ثم يقدم مجموعة من العلامات .. صورة حسية حين يقول "رَائحةُ كرزٍ زكيةٍ من قُصاصةِ شَعرٍ أنثوية ، ثم "زهرةُ نهدٍ خضراء لم تزل تَتفتح .. لم تهمِس لها يدٌ قط .. بمعنى يدل على امتلاكها للشباب كونها لا تزال بكرا عفية ، وينطلق قائلا "دخانٌ مسجورٌ فى زجاجةٍ منذُ قرون" كدال على الكبت الخاص بهذا الزمن ، وصولا إلى التجريد الكونى حيث يستمر فى سرد ما يملكه مشيرا إلى أنه يملك الزمن الذى ولى .. بكل ما فيه من أشياء علقت فى ذاكرته التى ذكرها "نكرة" فى مستهل نصه .. ليس هذا وفقط فإنه يقدم صورة غرائبية غاية فى الدهشة حين يقر أنه جاء محملا بكل ما ذكره من أشياء .. لكنها تهاوت يوم الانفجار الكبير . نلمح منذ البداية مدا سرياليا فى جسد النص وليس ذلك بغريب على طبيعة البناء الفنى للنص النثري .
فالنص يتشظى بين الصور المتجاورة التى لا ترتبط فيما بينها برابط واضح أو يقوم على منطق ما ، معتمدة على تولدها فى ذهن الشاعر وتداعيها الحر ، من المحسوس إلى الحلم إلى التجريد الكونى .
يتميز نص قصيدة النثر بكثافة الصورة، وتوهج اللغة، والإيقاع الداخلي النابع من تكرار الأصوات والمفردات، والتوازنات البصرية والسمعية،وهي تستثمر السرد والوصف والرمز جنبًا إلى جنب، مما يمنحها مرونة في الانتقال بين المشهدية والتأمل، بين الحلم والواقع.
يتساءل فى نص " لا أحد سواك " أَلم تَكُن طليقًا فى حُقولِ الطفولة ؟
أَلم تكُن شَائِبًا قبلَ الميلادِ بِأربعين ؟
إنه التناقض بعينه بين صورتين ، أو سؤالين فلسفيين ، الحرية والانطلاق فى البداية ، ثم تكبيله قبل ميلاده / الشيب دال على ذلك . هذه الأسئلة وغيرها داخل النص ثم لجوء الشاعر إلى استخدام فعل الأمر من باب توجيه ذاته إن أصبنا التقدير على اعتبار أنه مونولوجا داخليا بين الشاعر وذاته
افتح بابَ جُرنِكَ القَديم / ألقِ التحيةَ على حِصانِكَ الوَفِي / ربِّت على عُنقِه / أطعِمه / اترُكه / أوصِد البابَ خلفَك / وانظُر نظرةً بعيدةً فى ظلامِ الحُقول / اركُض / ونَم تحتَ مِظلاتِ الغَوانى / واقترب من منبعِ الشَّهقات / اركُض طَويلًا .. / وارشُف قليلا / وَتُه وَهما
بعد كل تلك الأفعال المتواترة والمتدفقة بانسيابية ، يقول :
وعندمَا تستَشعِرُ غرابَةَ ذَاتِك / غرابَةَ وجهِكَ وكونِك ..
تَأكد أنَّهُ أنت / وليسَ أحدٌ سِواك
نلاحظ انتقال الصور من الطبيعية إلى التجريدية ، وهى رحلة عبر الذات أو النفس . ولا يمكن أن نغفل أن النص يطرح أسئلة فلسفية تتعلق بالماضى والحاضر وقدرة كل منهما فى التأثير على المستقبل / الحلم.
وفى نص " نديم الهدهد " يقول :
الهدهدُ الذى صالَ فى صدرِى وجال
وأخرجَ الخبءَ من قلبي وطار
إنها صورة مشهدية متحركة دالة ، لماذا الهدهد ؟
ولماذا ترك له المجال ليصول ويجول ، وتركه يفعل بقلبه الأفاعيل ؟
هو الرمز الشفاف الذي يلجأ له، الهدهد كرسول / يصبح نديما.. وهى مزاوجة سريالية قد لا يكون لها منطق.
ثم يتبع ذلك المشهد بمشهد أكثر دهشة حين يقول :
واتتنى فُرصةُ نومِهِ الدهرِي فتسلَّلتُ لِحُلمِه ...
كَأنِّي صديقٌ قديم
ثم يقفز ملتحفا بالمد الصوفى فى هذه الجملة الشعرية حين يقول :
كلمَا وصلَ تاه
وكلمَا تاهَ أوغلَ فى الوصول
هو لا يدرك أصلًا ماهيةَ التيهِ والوصول
إنها علاقة عبثية بين التيه والوصول ، باعتبار أن هناك دائما شيئا مجهولا لا نستطيع معرفته ويبقى الإنسان عاجزا عن تفسيره .
يمثل نص " حكاية سريالية " بؤرة مركزية للديوان نستطيع قراءة ثيماته من خلالها ، فهو أشبه بمقاطع مشهدية متقطعة، دون ترابط منطقى بينها..
لم يعرفِ بابًا للخروج..... صورة نفسية صعبة على النفس البشرية، ثم يستكمل بناء المشهد فيقول :
من خلفِ جدارٍ رمادِىٍّ يُقلِّبُ عناقيدَ حلمِه / ويحلمُ بمزيدٍ مِنَ الكَرْم......... / مزاوجة بين الواقع والحلم
ثم ينفتح النص على التفاؤل والأمل، والوصول إلى المعرفة واليقين
استنشَقَ الحُبَ وعطرَه / ذاقَ الكلمةَ مغَمَّسَةً بِالشَّهد / وذاقَهَا مُشبَعَةً بِالبُغضِ وَالغَضَب / أدركَ أنَّ الكُرهَ ذُو عُنفوانٍ / وحسٍ مرهف وَصَوت لَا يسمَعُهُ إلا شَاعر.. عرفَ الكثِير .... الخ
إنه يقدم مجموعة من المشاهد المتراكمة والمتعاكسة تعبر عن متناقضات الوجود كالحياة والموت ، الحب والكره، الإحباط والأمل ، إنها مشاهد للذات أمام مرآة كبرى تعرض متناقضاتها
تمثل "حكاية سريالية" حالة تستدعي قراءة تتعمق في تحليل البنية الداخلية، والتناصات، وأثر المفارقة والتصوير السريالي في بناء العالم النصي. فهي لا تبحث عن"انضباط" الشكل بقدر ما تراهن على حرية المعنى وقدرة اللغة على احتضان اللاواقعي والغرائبي، دون أن تفقد تماسها مع التجربة الإنسانية المباشرة.
فالنص هنا يتحرك في فضاء يجمع بين البوح الشخصي والرؤية الكونية، بين الهواجس الفردية والهمّ الجمعي،مستفيدًا من خصائص قصيدة النثر: كثافة المجاز، انسياب الجملة، وتعدد مستويات الخطاب. الإيقاع ينبع من تكرار الصور والعبارات، ومن التوازنات الصوتية والبصرية.
فالديوان يتخذ من قصيدة النثر وعاءً تعبيرياً، لكنه يطوّعها في اتجاه يمزج بين السرد الشعري والرؤية الحلمية. النصوص هنا لا تُبنى على وحدة عضوية تقليدية، بل على وحدة شعورية تتولد من تراكم الصور وتجاور المشاهد. كل مقطع يفتح أفقًا جديدًا، حتى وإن بدا للوهلة الأولى منفصلًا، فإنه ينخرط في النسيج الكلي عبر موضوعات مشتركة: التيه، الغربة، الحنين، الحب، والانكسار.
إنها مشاهد سينمائية تتسم بالتشظي، وهو تشظٍ مقصود يعكس البنية السريالية نفسها، حيث الانتقالات الفجائية بين المشهد الواقعي والمشهد الحلمي، وبين الصور الحسية والمجردة.
نستطيع القول أن ديوان "حكاية سريالية" يشكّل تجربة متميزة للشاعر خليل الشرقاوي ، حيث تتشابك فيه الرؤية السريالية مع البنية الشعرية الحرة لتوليد عالم نصي مشحون بالدلالات والرموز. فيوظّف التراكيب اللغوية والصور الحلمية والانتقالات المفاجئة بين المشاهد لخلق فضاء شعوري يمزج بين الحلم والواقع، بين المحسوس والمتخيل.
تتوزع نصوص الديوان على مشاهد متشظية، لكن يجمعها خيط وجداني وفلسفي يلامس أسئلة الوجود والهوية والغياب. وتعمل اللغة، بما تحمله من كثافة وجرأة في المجاز، على بناء إيقاع داخلي يتولد من التكرار الصوتي والدلالي، ومن حدة التوتر بين الصور المتنافرة التي تتجاور في انسجام داخلي خاص.
هوامش : 1 - وعى الحداثة – د. سعدالدين كليب – منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997
- حكاية سريالية – قصور الثقافة – 2025
...................................................................................................
وقدم الدكتور نادر عبدالخالق اطلالة نقدبة وملاحظات مهمة حول الديوان، منتقدا بلين وموجها برفق، ناثرا الكثير من نقاط الضوء حول قصائد الديوان، وجاء فيها :
( الجمال لا يُدرَك كله أبدًا، ومن حاول إدراك الجمال كله فشل، ولكن إذا تماس الإنسان مع شيء من الجمال فقد نجح، وهذا مفتاح دراستي لديوان(حكاية سريالية)
والشاعر خليل الشرقاوي قدم ديوان كلما قرأت قصيدة أجدها أجمل من الأخرى، وهذا الجمال استوقفني وكيف ننتقد الجمال لأن نقده ليس بالأمر الهين ولابد أن ندخل هنا عن طريق اللغة، ولكن الجمال هنا ليس جمال كتابة ولكنه جمال فكر وجمال إصرار فهو يصر أن يكتب وأن يفند ويبتكر الصور ويجهد نفسه، فنحن نرى القاريء مجهدًا فما بال الكاتب، وكيف كان وهو يكتب هذه القصائد، فهو قد أجهد نفسه جهدا كبيرًا، لذلك كل قصيدة ممكن نفتح منها مجموعة قصائد، وهذا أوقع الشاعر في أخطاء، أولها تكرار الصور ففي الثلاث قصائد الأولى قد فعل شيئًا جميلًا فقد ربط بين العنوان وبين المفتتح وبين النهاية، وأخطأ في ربط القصيدة الثالثة (نديم الهدهد) في آخر كلمة يقول "وإن أدرك سيُفَض كلُّ شيٍء وسيندم" و النديم في عنوان القصيدة غير الندم الذي ختم به القصيدة،
والسريالية والرمزية والواقعية والبرناسية مذاهب غربية قد عملت بحثا في التسعينات علي كل المذاهب الأوروبية والتي اتبعها كثيرون وتركوا أصلهم العربي، فهل كان المتنبي أو أمرؤ القيس أو البحتري أو ابن العميد الذي كتب النثر، أو عبد الحميد الكاتب او غيرهم كانوا يعلمون هذه المذاهب؟! إنها مذاهب مستحدثة، وأنا لا أنفيها ولكن لدينا ما هو أغنى منها وما هو أعمق وأفضل منها، وهو ما اعتمَدَ عليه عبد القاهر الجرجاني في كتابي "أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز" والذي اعتمد عليه الجاحظ وابن قتيبة وبن سلام الجُمَحي وقدامة ابن جعفر، هؤلاء هم أعمدة النقد العربي، وهم في أوربا يترجمون الأعمال النقدية لهؤلاء ثم يعيدون تصديرها لنا ثانية ونحن نجري وراء التصدير ونترك الأصل.
والسريالية هي ما فوق الخيال وأن أحلق في السماء والواقع لا يكون سهلًا، وتعتمد على اللغة غير المنطقية والخيال الجامح واللاوعي والمحاكاة أو التقليد، إذن هل هناك قصيدة من قصائد الديوان بعيدة عن اللاوعي، نشعر أن هناك بعض المواقف في القصيدة-وليست القصيدة كلها- خروج وسباحة في الخيال لكنه يعود مرة أخرى للواقع، فمعظم القصائد حوالي 60% من القصائد سريالي ولكن ليس سريالي بشكل مباشر مثل لوحات سيلفادور دالي أو بريتون والمجموعة التي بدأوا الكتابة السريالية،
لماذا الشاعر يرجع في سرياليته؟
وذلك لأنه عربي وليس غربيًا، فهو إنسان مهموم بوطنه وذاتة بشبابة بحياته، فكلما سبح في الخيال كلما تذكر ذاته فعاد، ثم يذكرنا بأننا أحياء ولسنا سارحين في الخيال وفقط، ومن الأشياء الجميلة في الديوان أنه كتب عدة قصائد بشكلين مختلفين، وقصيدة النثر ممكن أن تكتب على شكل فقرات، وممكن تكتب على طريقة الشعر الحر، ومن الممكن أن تكتب سطرا سطرا، كقصيدة (المُبَارَكَة) وهذه القصيدة تعتبر محور الديوان كله، وكنت أتمنى أن يكون اسمها (حكاية سريالية) وليس (المُبَارَكَة) فقصيدة (حكاية سريالية) من أقل قصائد الديوان وبها أخطاء أسلوبية و تعبيرية، غير الأخطاء النحوية ولكن كلنا نقع في أخطاء نحوية لا يسلم منها أحد، ولكن لا أُعفي أحدًا من الأخطاء الأسلوبية، ولا بد أن يكون الأسلوب التعبيري منتظم، والديوان قد ظُلم حين نُسب لهذه القصيدة فهو يقول في مقطع فيها " كَم مِن كَلِماتٍ وَقصائِدَ وَحكايَاتٍ نَسَجَ" فهو هنا أخَّرَ الخبر، ولا أدري لماذا والقارئ متشوق ومندفع وراء الحدث، والفعل هو الذي يحمل هذا الحدث فلماذا أُأَخر الفعل؟ - وأنا لا أتدخل في ما يكتب، فالشاعر يكتب كما يريد-، ولكن وجهة نظري هكذا، أن أدخل مباشرة في لب الموضوع ولب الصورة ولا أُأَخِر الحدث الذي هو مُكَوِّن الصورة، فالجُمل الأسمية الثابتة ليس فيها حِراك، أمَّا الجُمل الفعلية حينما توظف بطريقة ما داخل النص كما فعل الشاعر في مواقف كثيرة في الديوان فهي تستنفر القارئ مباشرة،
ونرى أيضا أن أغلب عناوين القصائد إسمية إلا قصيدة او اثنين فقط تتضمن فعل.
وقد يظن البعض انه حين يكون غريبا أو عميقا فإذًا هو يتحدث السريالية، وهذا خطأ، وهذا الذي جعل السريالية لا تنجح كثيرا أو تنتهي سريعا، فلا أجد رواجًا لكل هذه المذاهب إلا الرمزية والواقعية وبعض الأشياء التي تتماس مع الصوفية، ولدينا قصائد مثل (دوبامين-أنا هو-طقوس يومية) يريد الشاعر أن يسير على طريق السريالية لكنه لم يوفق، فالشاعر قد حدد طريقه من البداية حين عنون الديوان (حكاية سريالية) فسبب المشاكل، فالسريالي لا يحكي ولا يقُص، السريالي يُصوِّر ويعتمد على الرمز، وعند قراءة قصيدة (دوبامين) وهي قصيدة جميلة جدا وخفيفة وسريعة الفهم، ولكن موقعها ليس هنا، وكذلك قصيدة (أنا هو - و سلاسل وأساور) لا علاقة لهما بالسريالية، وكذلك قصيدة (طقوس يومية)
وقصيدتي (تمك أو هلاك و حين التقيا) نجد دراما وحركة وانفعال واضطراب وشيء من الغليان وعدم الثبات على حالة معينة لأنه يوجد عاطفة قوية، ولكن السريالية هنا تحققت في المعنى وليس في الكلمات ولا في الجُمل فبعد أن انتهت القصيدة نسرح قليلًا في الخيال، ولدينا قصائد تغلب الواقعية على السريالية مثل (أيتها الحياة-جراب الدنيا-سباع تضحك ونحن-تعويذة البعث-في الأرشيف-زائلون خالدون-قبل النهايات-سلاسل وأساور) حتى عناوينها واقعية وواضحة ، أمَّا قصيدة (أوراق الرائي) هي قصيدة بها نمط جديد من الكتابة يحتوي رمزية وسريالية وهي قصيدة جميلة ، لكن كيف فعلها؟ فليس سهلًا الخلط بين المذهبين،
والشاعر استخدم بعض كلمات قديمة لا تستخدم إلا نادرًا جدا مثل (بَتَكَ – هَملَجَ) ، وكلمة مثل (مُسَرنَمُونَ) و المُسَرنَمُ الذي يسير نائما وهذا توضيف عالي وراقي وهذا قمة السريالية،
هذا الديوان مادة خصبة للكتابة النقدية وللأخذ والرد، ويمكن أن نقف كثيرًا أمام الجماليات التي فيه فنكتب كثيرًا، ويمكن أن نقف لنفصل بين الواقعي والسريالي والرمزي والصوفي ولو فصلنا سنطيل كثيرًا،
غير أن هناك في آخر الديوان مقاطع (صدف منثور) وهي لم يكن لها لازم فهي ليست تجديدا ولم تفد شيئًا.
وفي النهاية إنَّ هذا الديوان قد أعجبني من البداية حين كنت من المُحَكِّمِين في المسابقة فأجزتُه وأَعطَيتُة الدرجة العالية، وأُبارك للشاعر خليل الشرقاوي عليه
وأشد على يده أن يكتب ويقدم لنا المزيد والمزيد من الكتابات. )
..................................................................................................
وقدم الكاتب والناقد محمد الديب دراسة بعنوان :

( شعرية الاغتراب والبحث عن المعنى في ديوان "حكاية سريالية " للشاعر خليل الشرقاوي ) جاء فيها :
( يقدّم خليل الشرقاوي في ديوانه حكاية سريالية تجربة شعرية مغايرة تتأسس على الانفتاح على اللاوعي والاشتغال على الحلم والتداعي واللايقين. نصوص الديوان تتحرك في فضاء ملتبس، يزاوج بين المشهدي والباطني، بين الواقعي والغرائبي، ليشكّل بذلك سفرًا شعريًا في المجهول. وما يميّز هذه التجربة أنّها لا تكتفي بتمثل السريالية كتيار فني وافد، بل تُعيد إنتاجها بروح محلية، متوغلة في الهمّ الإنساني والوجودي، محمّلة بخصوصية الصوت العربي والمصري على وجه الخصوص.
في الديوان استخدم الشاعر العدييد من الثيمات مثل:
ثيمة الحُلم:
يقول الشاعر:
"أَمَامِيَ السَّمَاءُ مَفرُوشَةٌ كَالحَقل
وَالأَرضُ بَعِيدَةٌ كَالحُلم"
"سَأُعَانِي حَتَّى أُقبِلَ إِلَيكِ مُجَرَّدًا
مِن أَيِ وَهمٍ
أَو حُلمٍ زَائِف"
" وَمَن غَيرُكُم؟ يَجعَلُ الحُلمَ هَلوَسَة"
" لَم يَعرِف بَابًا لِلخُرُوج.
مِن خَلفِ جِدَارٍ رَمَادِيٍّ يُقَلِّبُ عَنَاقِيدِ حُلمِه
وَيَحلُمُ بِمَزِيدٍ مِنَ الكَرْم"
" وَالطَرِيقُ قَد يَكُونُ حُلمًا
وَالحُلمُ حِكَايَةٌ سِريَالِيَّةٌ
يَحِيكُهَا القَلبُ لِلعَقل"
" كَانَ حَالمٌ يَسِيرُ عَلَى ضَوءِ حُلمِهِ المُجَرَّد
شَاعِرًا يَرَى بِعَينِ لُغَتِهِ المُجَرَّدَة
وَيَسرِد…"
" تَوَقَّفَ الحُلم.
سَقَطَ
القَلَمُ
سَطَعَ النُّور"
يشكّل الحُلم في ديوان حكاية سريالية محورًا دلاليًا وجماليًا فاعلًا في تجربة خليل الشرقاوي؛ إذ لا يرد كمفردة عابرة، إنما يأتي كمفهوم مؤسِّس لرؤيته الشعرية. فالحُلم عنده هو الفضاء الذي تتداخل فيه الأزمنة والطبقات النفسية، وتتجاور فيه الرغبات المقموعـة مع الرؤى المتجاوزة للواقع. من هنا يتخذ الحُلم بعدًا مزدوجًا: فهو أحيانًا نافذة خلاص وملاذ للروح الباحثة عن معنى، وأحيانًا أخرى يتحوّل إلى وهم زائف أو خديعة تهدّد الذات بالتلاشي. أمّا حين يُستعمل بصيغة الجمع "أحلام"، فإن الدلالة تتسع لتشير إلى فيض الخيالات المتكاثرة، بين براءة الطفولة وتلوّنها وبين تبعثر الأماني وضياعها في أضغاث. وبذلك ينهض الحُلم بوظيفة سريالية أصيلة، إذ يغدو وسيطًا بين الوعي واللاوعي، بين العقل والخيال، ومن ثمّ يصبح العلامة الأبرز التي تُجسّد مشروع الشرقاوي في تحويل اللاشعور إلى شعر، والواقع إلى كتابة مفارقة.
ثيمة الموت والحياة :
يقول الشاعر:
"هَدَّهُ النِّضَال..
صَدَّهُ غُبَارٌ نَفَذَ فِي بَخُورِ رُوحِه
فخَلَطَ الحُبَّ بِالكُرهِ
وَالمَوتَ بِالحَيَاةِ بالوُصُولِ بِالهَلَاك"
"هُنَاك عَالَمٌ بِأَسرِهِ بِانتِظَارِي،
عَالَمٌ جَدِيدٌ وَمُكتَمِلٌ يَحتَضِنُ المَوت
لِأَجلِ هَذَا أَرحَلُ كُلَّ صَبَاحٍ
أَبدَأُ قَصِيدَةً جَدِيدَةً وَأُسَافِرُ فِيهَا
أَخُوضُ مَا أَخُوض
أُغَامِرُ بِالغَثِّ وَالثَّمِينِ..
وَأَمُوتُ فِي كُلِّ قَصِيدَة."
" وَأَقفِزُ
نَحوَ الحِكمَةِ فِي بَحرِ سِرِّكِ الغَرِيق
مُستَمسِكًا بِكُلِّ أَمَلٍ لِي
فِي العَيشِ حُرًّا
وَالمَوتِ شَغَفًا"
يستند خطاب خليل الشرقاوي الشعري إلى جدلية الموت والحياة بوصفها إحدى أعمق الثيمات التي تنسج بنيته الدلالية. فالموت عنده ليس نهاية صامتة، إنما طاقة غامضة، تتقاطع مع الحياة وتتماهى معها في صورة سيرورة أبدية من الفقد والانبعاث. وغالبًا ما يتجاور ذكر الموت مع إشارات إلى الحب أو الخلاص، فيُعاد تعريف الفناء باعتباره شرطًا لامتحان الوجود، أو بوابةً لاستشراف ولادة أخرى. وفي المقابل، تتخذ الحياة في نصوصه طابعًا مأزومًا، مرتبكًا، يتخلله الغبار والتيه والاغتراب، وكأنها حياة ناقصة لا يكتمل معناها إلا بوعيٍ حدّي بالموت. هكذا تنشأ ثنائية متوترة، تضع القارئ أمام تجربة وجودية تتأرجح بين الانطفاء والاشتعال، بين الظلمة والنور، وتحوّل الشعر إلى مساحة تأمل فلسفي يُقارب أسئلة الكينونة من أفق سريالي يخلط الواقعي بالمتخيل.

ثيمة التيه والاغتراب في "حكاية سريالية"
يقول الشاعر:
" رَأَيتُ جَمَالًا فِي قُبحٍ وَحِكمَةً فِي جُنُون
رَأَيتُ الدَّهشَةَ فِي التِّيهِ وَالوَّحشَةَ فِي الوُصُول"
"وَفِي لَحظَةٍ مُنتَظَرَةٍ تَحَدَّثَ عَنِّي فَقَال؛
إِنَّهُ مَنذُورٌ لِلضَّيَاع
فِي أَرضٍ ضَائِعَةٍ وَزَمَنٍ ضَائِع
أَدمَنَ التِّيهَ وَالاغتِرَاب
..كُلَّمَا وَصَلَ تَاه
وَكُلَّمَا تَاهَ أَوغَلَّ فِي الوُصُول
هُوَ لَايُدرِكُ أَصلًا مَاهِيَّةَ التِّيهِ وَالوُصُول"
يُكثّف خليل الشرقاوي حضوره الشعري عبر صورة الكائن التائه والمنذور للضياع، حيث يتحول التيه إلى قدرٍ وجودي أكثر منه تجربة عارضة. فالشاعر يرسم شخصية شعرية لا تعرف اليقين، كلما وصلت تاهت، وكلما تاهت أوغلت في الوصول، في مفارقة وجودية تُظهر الاغتراب كحالة دائمة من الانفصال عن الذات والعالم. هذا الاغتراب ليس جغرافيًا فحسب، بل هو اغتراب أنطولوجي، يعكس مأزق الإنسان المعاصر أمام فراغ المعنى وسط أرض ضائعة وزمن ضائع. ومن خلال لغة مشبعة بالقلق والبحث، يتجلى التيه عند الشرقاوي كرحلة لا نهائية، تسعى إلى الإدراك لكنها تصطدم دومًا بالمراوغة والخيبة. وهكذا يتحول النص الشعري إلى مرآة للغريب الوجودي الذي يحيا داخلنا، وإلى استعارة كبرى عن الإنسان الذي لا يعرف أين يبدأ الطريق ولا أين ينتهي.
ثيمة اللغة والكتابة في "حكاية سريالية"
يقول الشاعر:
" وَمَا اختَرتُ إِلَّا قَلَمِي
مَا اختَرتُ وَطَنِي وَلَا أهلي
لَا حَدَائِقَ ظِلِّي
وَلَاجَمَالَ شَمسِي"
" ضَاقَت بِيَّ الكَلِمَةُ
وَأَعَادَنِيَ الرُّهَابُ لِوَعيِيَ
فَخَرَجتُ مُتَعَجِّلًا مِن قَلَمِي
وَتَرَكتُ الصَّفحَةَ مَملُوءَةً بِالظَّن"
تُشكّل اللغة عند خليل الشرقاوي كيانًا وجوديًا قائمًا بذاته، فهي فضاء للانكشاف والخلق معًا وليست فقط مجرد أداة للتعبير، تتكرر في نصوصه إشارات إلى الكتابة والقلم والكلمة بوصفها لحظة صراع وتجلٍّ، حيث تسقط الكلمات أحيانًا تحت وطأة العجز ("توقف الحُلم. سقط القلم. سطع النور")، وتنهض أحيانًا أخرى باعتبارها خلاصًا للذات وبوابةً للمعنى. هذا التوتر بين القول والصمت، بين الامتلاء والانطفاء، يكشف عن وعي حداثي يرى في الكتابة فعلًا وجوديًا محفوفًا بالعدم. كما أن الشرقاوي يتعامل مع اللغة بوصفها كائنًا حيًا قادرًا على السرد والشعر في آن، فالنص عنده يتأرجح بين القصيدة والحكاية، بين الغنائية والروائية، ليؤسس كتابةً هجينة تُشبه العالم السريالي الذي يصوغه. وهكذا تتحول اللغة إلى مسرحٍ للتجربة الداخلية، ووسيلة لتجسيد ارتباك الكائن وتطلعه نحو المعنى المستحيل.
وفي نهاية هذه الرؤية السريعة أستطيع القول إن تجربة خليل الشرقاوي في حكاية سريالية تكشف عن شاعر حداثي بامتياز؛ شاعر يرى أن القصيدة ليست نصًا مغلقًا ولا معنى مكتملًا، شاعر يرى أن القصيدة رحلة مفتوحة على احتمالات لا تنتهي.
قصيدته سَفَرٌ دائم، واحتفاءٌ بالغموض، وتوترٌ خلاق بين الموت والحياة، بين الواقعي والمتخيل، بين السردي والشعري.
هكذا لا يمنحنا الشرقاوي نصوصًا نقرأها وحسب، إنما يمنحنا تجربة نعيشها؛ تجربة شاعر مسافر إلى هناك، إلى عالم يظل مؤجلًا، لكنه حاضر دومًا في الكتابة .. إن هذا الديوان تجربة حداثية بامتياز، تُراهن على الغموض الخلّاق، وعلى القصيدة بوصفها مغامرة كبرى لا تقود إلى هناك، بل تجعل "هناك" دائمًا في حالة تأجيل وانتظار)
..............................................................................................
وجاءت دراسة الناقد عصام صقر تحت عنوان (السيميائية والأسلوبية القائمة على الحداثة فى قصيدة النثر ديوان ( حكاية سريالية ) للشاعر خليل الشرقاوى أنموذجا
جاء فيها : )حينما يصف الشاعر قصائده ونصوصه النثرية بأنها (حكاية سريالية) فهذا مدعى للتوقف إذ أن مفردة (سريالية) هنا تستدعى التأمل فيما هو بين السطور فى هذا العمل كما أن استخدام مفردة حكاية بالمفرد وليس حكايا أو حكايات يستدعى أيضا نفس التوقف حيث أنه هنا يصف كل ديوانه ويجمعه تحت كلمة حكاية وهذا يحيلنا إلى وجوب وجود ترابط بين كل نص وآخر بين ضفتى الغلاف وعلى ذكر الغلاف الذى هو علامة العمل المميزة له والدالة عليه جاءت صورة الغلاف ليست سريالية لشخص يعتلى قمة جبلية تطل على البحر ويعلوها القمر فى بدوره ليلة التمام مع خفوت الإضاءة نسبيا ونحن نرى أن السريالية ترتبط ارتباطا وثيقا بالتجريد البصرى سيما فى الأعمال التشكيلية ويجب أن ينطلى ذلك على الصورة الشعرية أيضا والفكرة فى بنيوية القصيدة فالتجريد هنا هو الدافع المتلقى لإطلاق العنان لقدراته الذهنية والعقلية لاستيعاب مكنونات العمل الفنى مستخرجا منه ما يريد الفنان قوله ومالايريد قوله تأسيسا على ما رسخ فى وجدانه حال التلقى وحين البدء بالحديث نقدا على قصائد ديوان اليوم فلن نعتمد المذهب الشكلانى فشكلانية القصيدة فى هذا العمل لا تسترعى الإنتباه بل ما يسترعى الإنتباه فيه هو السيميائية والأسلوبية المستمدة من الحداثة كما هو مشار عاليه أضف إلى ذلك بنيوية النص وفحواه من الصور الشعرية البسيطة والمركبة والتراكيب اللغوية من خبر وتقرير وخطاب وأمر وإذ أزعم أننى أحد هواة وممارسى النقد أنه حين متابعة شاعر وقراءة أكثر من عمل له ذلكم التضارب بين مستوى عمل وآخر حينئذ ينتابنى حالة من الحزن والقلق إذ يسبق هذا استقرارا فى يقينى شاعرية هذا الشاعر إيمانا بأن لديه الكثير أفضل مما قدمه الحين ويمكنه إنتاج إبداعات حقيقية تقوده إلى الثبات على طريق التحقق ولذلك فإنه من أهم ما يجب مراعاته عند كتابة القصيدة أيا كان جنسها من قبل الشاعر هو : شكلانيتها بنيويتها – اختلاف جملها وعباراتها – مدى قبولها لدى الملتقى .... لا أن يلقى بإحساسه ونبضه على الورق بزعم أنه محض نبضه وصرف تعبيره كما يبدو لنا أن الشاعر هنا مولع مهموم بالسريالية فأراد أن يعترف منها أو أن يدلو بدلوه فيها فأطلق هذا الإسم على ديوانه هذا .
أما عن فكرة توظيف اللغة وتطويعها عبر مفردات مستدعاة من قاموس فصحى البادية وهنا اتفق مع المقولة القائلة أن الجمال لا يدرك كله فى العمل الفنى مهما فعل الفنان وحلول فى إنتاج إبداعه أن يبلغ الكمال فلا هو يدركه إجمالا ولا هو يحظى بالكامل تفصيلا أما عن ديوان اليوم ( حكاية سريالية) للشاعر خليل الشرقاوى كديوان شعر من جنس القصيدة النثرية فمن الملاحظ استخدام الجمل التقريرية والخبرية حد الإغراق فضلا عن تنوع الصورة الحسية والبصرية والوجدانية فهو شاعر مجيد استطاع أن يعيد القصيدة النثرية سيرتها الأولى التقليدية كما فى قصيدته ( المباركة ) كما أضاف عليها عنصر الحداثة فجعلها غنية بالسرد فى قصائد أخرى كما سنلاحظ قدما ويبرز الشاعر علاقته بالعالم مشاعر متوحد فى ذاته فى قصيدته ( الزمن الذى ولى ) كما فعل فى أكثر من قصيدة بالديوان الماثل وعن التدفقات الشعورية فقد كانت حاضرة عنده فى قصيدة ( فى خفايا النفس ) حيث روح الشاعر تئن ويصطلى ضرام حشاها وهى تأبى الخضوع والتسليم وحاشاها هذا ويشتبك الشاعر مع عالمها ساخرا منه كعادته فى قصيدة ( مسافر إلى هناك ) حيث يجسد روح المغامرة والمقامرة والمجازفة حين يقول : يوما ما نمت على سطح قطار سريع ...وظلت عينى سارحة فى السماء الراكضة فوقى حتى فارق القطار قضبانه وهملج لوسط دارى القديمة ..
ويجسد الشاعر شموخه من الحياة فى قصيدته ( أيتها الحياة ) ليعمل فيها فكرة الدلالة والرمزية العميقة حين يقول ( سأترك كأسى ممتلئا على قمة جبل الجليد وأقفز نحو الحكمة فى بحر سرك الغريق مستمسكا بكل أمل لى فى العيش حرا أو الموت شغفا .
ثم يعيش القارىء مع شاعرنا أناته وزفراته المنهكة المتعبة فى قصيدة ( جراب الدنيا ) وإلى قصيدة (فى الأرشيف )
حيث نرى الشاعر يرتجى العالم أن يقبله كما هو حين يقول : أَغيبُ فى الضجيجِ المُقدَّسِ لجدُودِيَ القِدِّيسين
تَسوقُنِى الجُموعُ وَأمتَثِل .... أُدمِنُ النسيانَ والخطأ
أَنسَى مَا القَبيحَ ومَا الحَسن ....
ومع القصيدة الأم عتبة الديوان الرئيسية والمسماة بعنوان الغلاف ( حكاية سريالية) فالقصيدة جاءت حافلة بالجملة الخبرية والتقريرية والمشهديات المباشرة والصورة المركبة مما يتنافى مع سريالية الصورة فالسريالية غالبا لا تقرا بل تكون ساكنة قابعة فى الصورة البصرية وبعد فقد جاءت قصائد هذا الديوان متشابهة في بنيويتها وشكلانيتها وهذا يلفت نظرنا إلى منحى آخر وهو الأخطاء اللغوية الواردة وربما هذا مرجعه إلى شئون الطباعة والتدقيق اللغوى وليس المبدع ذاته ولا يقلل من جهده وإبداعه شيئا
إلى هنا نكتفى بما تم ذكره فيما سبق من القصائد المختارة وأقطع بأن الكلام فى نقد هذا العمل سيكون كثيرا ومتنوعا للوقوف على جمالياته وإدراك مضارب الدهشة فيه لذا فهو يعد مادة نقدية خصبة جديرة بالقراءة مرات والفحص فيها ...
كان هذا بعض رأينا فى هذا الديوان للشاعر ( خليل الشرقاوى) له ولكم منا
أطيب الأمنيات بالتوفيق والإبداع.
..........................................................................................

وجاء في دراسة الأديب والناقد أحمد عثمان :
( سأتناول القصيدة المعنون بها الديوان (حكاية سريالية) والتي أحسبها تشكل سيرة أدبية ذاتية للشاعر تتدرج بالخطى من الحبو إلى اشتداد واستقامة الصُلب ومعاركة الدروب، واستجلاء مسالك الغموض، والغوص، ومعاقرة الأبواب لتفتح له مغاليقها لينهل منها ما شاء...
يفتتح الشاعر قصيدته قائلًا؛
لم يعرِف بابًا للخروج
من خلفِ جدارِ رماديِّ يُقَلِّب عناقيدِ حُلمِه
ويحلُم بمزيدٍ منَ الكَرْم..

ومن خلال هذا المفتتح الذي يلخص كل التجربة/الحكاية، والذي أَشتمُّ منه رائحة استلهام الشاعر أسطورة "كهف أفلاطون" كمثال ضربه افلاطون لهؤلاء المحبوسين/المسجونين/المغيبين/المعزولين عما يدور حولهم، وبالتالي تدنًّى وعيهم، وغياب إِدراكهم وضيق افقهم..ليصل إلى لب دعوته الرامية إلى تحرير العقول والتفكر و البحث عن الحقيقة..فالشاعر في البداية لم يكن يعرف لنفسه سبيلا للخروج، مسجورا خلف جدار رمادي، ولفظة (رمادي) هنا جاءت موفقة لتعمق شعور التيه والتخبط.. وكأنه يريد أن يقول لنا؛ ها أنا ذا أمامكم، من غِّرٍ تائه يحلم بالخروج، أقف بينكم أحمل مصباحي وأسير أستكنهُ الطرقات، وكلما تكشفت ليَّ الحجب أغِلُ في المسير لأزداد..
ثم تفصل لنا الحكاية/المسيرة؛
-فيبدأ المسيرة بالتأمل، والتفكر، والبحث عن طريق يحتضن خطاه، وفي حيرته يتسائل؛
أسبيلٌ يودِي بهِ في هُوَّةِ ضميرٍ مغرور؟
أم مِدَقٌ يقودُهُ لِشاهقِ نشوتِه؟
-وكما هي بداية أي طريق؛ فلا مناص من تعلم أبجديته، فعرف الحرف وتعلم الكلمات، ثم مقلدًا لما يصل مداركه /ما تجري عليه عيناه، وما تلتقطه أذناه (صَارَ مرآةً لِمَا يَرَى)
-من هذا المنطلق كانت ارهاصات التكوين من خلال كتابات لم يكتبها، يتردد صداها في خاطره دون أن يبوح بها، وعن هذه الأرهاصات يقول؛
(كم من كلماتٍ وقصائدَ وحكاياتٍ نسجَ بحروفِ صمتِه /ولمَّا تخطُ يُمنَاهُ حرفًا/ حتى ألحَّت في رأسِه الحروف/تزاحمت واصطفت/تشكلت ثم تكلمت/وكان عليهِ أن يرُد)
-لم يكن ما كان من إدراك واستيعاب ومعرفة ليكون؛ لو لم يخترق هذا الجدار الرمادي(عودة إلى كهف أفلاطون، وما كان من تسلل أحد أسرى الكهف إلى خارجه ليكتشف عوالم لم يكن يعرف عنها شيء خارج هذا الحيز الضيق من المعرفة المتمثل في هذه الخيالات المتكررة كل ليلة على ضوء نار لا تتغير..)
لذا كانت نقطة فاصلة في حياة الشاعر بدأ منها التاريخ بالنسبة لمساره الشعري يقول الشاعر عنها؛
(وابتدأَ التاريخ/صارَ الجدارُ الرماديُ أفقًا وقمرًا/والشُّباك المُشرَّعُ سفينةً وَبحرًا/والغيمَةُ الوحيدةُ في السماءِ الوحيدة/أملًا لا يُمل)
-ثم تتواصل المسيرة و تتنامى قدرات الشاعر في الاستبصار والتذوق/والتأمل والتحليل والتأويل..لكل ما تقع عليه عيناه،وتسمعه أذناه، وما يمر به من أحداث وتجارب، وعن هذا يقول؛
(عرفَ الكثير/لكنَّ الأشياءَ ليست كما تبدو/والحقيقةُ غَانيةٌ تُخفي جمالها/وما يظهر ،لن تَظفرَ منهُ بِشيء/فقط تجرَّد..)
-لتأتي مرحلة أكثر زخما-كمًا وكيفًا-يصبح للشاعر فيها رؤيته الخاصة التي يشق بها طريقه الذي ينفرد به، لا يتشبه فيه بغيره، هذه الرؤية التي تمنحه القدرة على فلسفة ما يعِنُّ له من أمور حياتية قد تمرُّ على غيره مرور الكرام،[ فيرى جمالًا في قبح، وحكمة في جنون، يرى الدهشة في التيه، والوحشة في الوصول، وتترائى له الحياة تحتضن الموت كعاشقين يشربان من نفس الكأس ]- بل يتخطى كل ذلك ليغوص في ذاته، ويطرح الأسئلة الكبرى؛ (رأى كلَّ شيءٍ في نفسِه /ولم يرَ نفسَه/وما نفسُه؟/من أنا، وأين؟)
إنها مسيرة نتمنى لها الامتدادا، والتوهج، لا أرى فيها حكاية سريالية، ولكنها حكاية كل مبدع لا يمل القلق، يتعاطى الواقع، ويتمثله، ويفرزه، كلٌّ وفق امتلاءه الفكري والمعرفي..
(نديم الهدهد)
الهدهدُ الذي صالَ في صدرِي وجال
وأخرجَ الخَبءَ من قلبي وطار
ــــــ تعمُر القصيدة بالنَّفَسِ الصوفي، وربما هي الوحيدة بالديوان التي يتضح فيها هذا المنحى.. نديم الهدهد، فالنديم هو الصاحب اللصيق، جليس المؤانسة، زرفيق مجلس الشراب، والخمر مفردة شائعة في أقوال وأشعار الصوفية، ليس بالطبع بالمعنى الحسي ،إنما يراد بها فعل السُكر والنشوة الروحية والتجلي الإلهي الكاشف لكوامن النفس والذوبان في حب الله. هذا عن النديم والمنادمة، فماذا عن الهدهد؟.. لا يخفى رمزية الهدهد وارتباطها بالمعرفة الجوانية أن الله آتاه مالم يأته نبيه سليمان، فبمجرد ذكر الهدهد تتداعى على الذهن مباشرة حوارية سيدنا سليمان والهدهد، وكيف أن الله منح الهدهد علما ومقدرة لم يعطها حتى لنبيه، ليقف وهو المستَعبد في مواجهة من يستعبده في موقف يعكس فيه قمة التباين حين يقول الهدهد لسليمان؛ "أحطت بما لم تحط به" سورة النمل ... يُعَضِّد ما ذهبنا إليه قول الشاعر على لسان الراوي؛ وأخرج الخبء.. لتتماهى مع ما ورد باآية 25 بسورة النمل في قوله تعالى يصف قوم بلقيس ملكة سبأ على لسان الهدهد؛ "ألا يسجدوا لله الذي يُخرج الخبءَ في السموات و الأرض..."
فالعلاقة- إذن- بين الراوي والهدهد- في القصيدة- هي علاقة المريج بشيخه العارف، يقول؛
(نادمتُه سنينَ طوالًا وتعلمتُ منهُ الكثير)
ولأن الهدهد عارفٌ في مقام الكشف، فقد أفصح عما يلاقيه هذا المريد/ الراوي في القصيدة في طريقة من تخبط في رحلة البحث، فيقول؛
(وفي لحظةٍ منتظرةٍ تَحدثَ عني فقال؛/إنهُ منذورٌ للضياعِ في أرضٍ ضائعةٍ وزمنٍ ضائع/أدمنَ التيهَ و الاغتراب)
وفي لمحات صوفية ينبئ قائلًا؛
(كلمَا وصلَ تاه/وكلما تاهَ أوغلَ في الوصول/هوَ لا يدركُ أصلًا ماهيةَ التيهِ والوصول)
فالهدهد هو العارف في مقام الكشف، يعرف نديمه أكثر من نفسه ويتمنى فيه ألا يدرك كحافز يدفعه ليواصل طريق البحث عما يجهل ، لأنه كما يقول أحد العارفين"؛ من ذاق عرف، ومن عرف أغترف، ومن اغترف نال الشرف"
فكلما عرف اشتاق للمزيد الذي يسد رمق جهله، لذا يوغل المسير وهو لا يعلم لطريقه نهاية..لذلك خشى الهدهد العارف على نديمه/مريده أن يدرك لأنه لو أدرك ووصل إلى النهاية التي ينقب عنها التي لا تعنى غير الحقيقة-التي هي بعيدة المنال والإدراك على العقل البشري القاصر-ربما يراها مفزعة، وربما تبدو بعيدة، أو عكس ما يأمل، عندها سيعاقر الندم ويتمنى الرجوع، تقول القصيدة في سطورها الأخيرة؛
(ثمَ أطرقَ في وجهي قليلًا وقال:
قد يُدركُ يومًا
وَإِن أدرك سيُفضَّ كلُّ شيء..
وسيندم..)
هكذا قرأتها ولا تثريب عليَّ
لمحات حول محاور الديوان؛
ترائى لي- في اجتهاد شخصي- عند استعراض قصائد الديوان الخمس و العشرين (إا استثنينا المشاغبات و الصدف المنثور) أنها تدور في عدة محاور أوجزها في الآتي؛
1-التأمل في خبايا الذات؛ يشيع هذا في قصائد[ لا أحد سواك-في خفايا النفس-مسافر إلى هناك-زائلون خالدون-حكاية سريالية ]
2-منحى صوفي يتجلى في قصيدة [ نديم الهدهد ]
3-علاقة المجاهدة والمواجهة وعدم إلقاء القفاز أمام جبروت الواقع المعاش بكل تناقضاته، تتناوله قصائد [ أيتها الحياة-جراب الدنيا-المباركة-في الأرشيف-سلاسل وأساور ]
4-الحس النقدي المحرض يبرز في قصائد[ سباع تضحك ونحن-تعويذة البعث ]
5-مشاعر وأحاسيس رومانسية تستأثر بها ثمان قصائد تمثل حوالي ثلث الديوان تتمثل في [لماذا أمشي كبهلوان-أقاصي الحلم-دُوبامِين-أنا هو-طقوس يومية-قبل النهايات- تملك أو هلاك-حين التقيا]
6-التأمل الفلسفي؛
وهو ما نرصده في شذرات تتناثر على مدى القصائد، نذكر من هذه الشذرات على سبيل المثال لا الحصر؛
-قد يُدرك يومًا/وإن أدرك سيفض كلُّ شيء/وسيندم (من "نديم الهدهد)
-إنَّ الحقيقةَ أصلبَ مِما نَتصور (من "أوراق الرائي)
-والحقيقةُ غانيةٌ تُخفي جمالها (من "حكاية سريالية)
-اِعرف نفسَك/تبين قيدَكَ/تتحرر (من "حكاية سريالية)
-نحنُ لسنَا موجودينَ حقًا/لا الأمسُ مضَى حقيقة/ولا اليومَ نعيشُ فيه/نحنُ فراغٌ يرتعُ فيهِ زَمانُنَا (من "وجوده محل شك)
-إنَّ كلَّ الأخطارِ وَالخطايا مؤكدةٌ على هذهِ الأرض (من "قبل النهايات)
ــــــــــــــ
وفي الختام، وأمام ما ضمنت أنت به يا صديقي في آخر قصائد الديوان بقولك؛
(أنَا مَا قصدي إلَّا أن تطولَ القصيدةُ في الحكاية/ لَا أن أصِلَ لبابِ الختام)
أقول لك؛ لا تقلق ، فستطول القصيدة في الحكاية لإبعد مدى، فما زال بينك وبين الختام أمدًا بعيدًا من التوهج والإبداع، والباب مشرَع أمامك- بكل الترحاب- يناديك..
................................................................................................
وقدم الشاعر رضا عطية دراسة بعنوان ( قراءة في ديوان حكاية سريالية للشاعر خليل الشرقاوي ) جاء فيها :
( ديوان حكاية سريالية للشاعر/خليل الشرقاوي هو الديوان الثاني من بعد ديوانه الأول (سبعة أقلام ملونة) وكلاهما من قصيدة النثر
وكلمة سريالية اتجاه معاصر في الفن والادب يذهب الى ما فوق الواقع، الذي هو عتبة النص الي التحويم فيما فوق الواقع والسبح في عوالم الآشعور، والديوان يتكون من ستً وسبعين صفحة خلاف الفهرس، ويبدأ بالإهداء إلى الأصدقاء المبدعين و إليها (المحبوبة)، ويذكرني بإهداء أستاذنا الدكتور الراحل/الطاهر مكي في أحد كتبه(إلى نانا وهي تعرف لماذا؟)، والقصيدة المعنون بها الديوان وهي(حكاية سريالية) تقع في وسط الديوان المكون من (27 قصيدة) وكأنها تتوسط بين الماضي والمستقبل.
والديوان في مجمله يدور في فلك عدد من القضايا التي تشغل بال الشاعر واحساسه وعبر عنها في قصائد نثرية يسكنها روح الشعر الطاغي، من هذه القضايا (التأمل في الذات والبحث في مكنوناتها متأثرا بالعوالم المحيطة بها، ومنها الزمن ومنها الاغتراب فشعوره بالاغتراب والبحث عن ذاته فهذا دليل على انه ليس هو إلا ذاته، قصيدة (لا أحد سواك)، ومنها فلسفة التصوف ومنها الاعتداد بالذات في قصيدة (أيتها الحياة) فهو لا يستجدي دمعة من الحياة على حاله، ومنها في أحايين قليلة الرومانسية كما في قصيدة(قبل النهايات)التي ينزع فيها إلى الرومانسية وتحمل كل الأخطار من أجل محبوبته وتفيض بالصور المبتكرة (بئر الاحتشام/برق الإباحة/برقع البخل) وكذلك نجد التيار الرومانسي واضحًا في قصيدته (تملك أو هلاك) ومن خلالها نلمح خيال الشاعر الجامح, حيث نرى فيها بئرًا صغيرة يحيلنا من خلالها وكأننا أمام بحر شاسع مترامي الأطراف.
وأيضا من القضايا التي يتناولها الديوان؛ الفلسفة والتصوف كما في قصيدة (نديم الهدهد) "كلما وصلَ تاه/وكلما تاهَ أوغلَ في الوصول/هوَ لا يدرك أصلًا ماهيةَ التيهِ والوصول" ومنها أيضا مزج الواقع بالخيال كما في قصيدة (مسافرٌ إلى هناك) "يومًا ما نمتُ على سطحٍ قطارٍ سريع/وظلت عينَايَ سارحةً في السماءِ الراكضةِ فوقي/حتى غادرَ القطارُ قُضبانَهُ وهَملَجَ لوسَط داريَ القديمة...)

-وفي قصيدته (سباعٌ تضحك ونحن) يتحدث عن واقعنا العربي المعاش المؤسف الذي يتسم بالخنوع والذلة، والأمل في أن نرى زهور الزيتون والسلالم المبني على العزة من جديد/ وتتسم لغتها بالوضوح فهي مختلفة نوعًا ما عن كثير من قصائد الديوان.
-وقصيدته (تعويذة البعث)حديث موجه إلى الآخر وكأنه في حقيقته موجه إلى الذات في صورة مكثفة.
- وقصيدته (في الأرشيف) فيها غوص في ذاكرة وأرشيف التاريخ والنوم والغفلة التي احتلتنا حتى إن الغفلة تدركنا قبل أن ندركها، ففي رحلة البحث ينكشف المستور"سقطَ من عينيَ التأريخُ والتاريخُ والسكوت"
-وفي قصيدة (أوراق الرائي) يوجه حديثه إلى الآخر ويعمد إلى الحوار، وفي نهايتها انعكاس للمثل القائل(باب النجار مخلع)، فالخيال متسع لكل شيء ماعدا الخياليين/
"فالخيالُ أَرحبُ وأرقى ومتسعٌ/لكلِّ ذِي حكمةٍ أو جنون/للشرفاءِ والشياطين... وَلكنَّهُ ليسَ مُتَّسِعًا لنا نحنُ الخياليين"
-وفي قصيدة (حكاية سريالية) نجد فيها محاولة البحث عن الخروج من القيد باحثًا عن الحلم، وحديث الصمت وتحول الجدار الرمادي العائق الى افق وقمر، وتحول الشُباك المشرع إلى سفينة وبحر ،ونجد فيها التأمل في الذات "اِعرف نفسَك/تبين قيدَك/تتحرر" والحلم عنده في النهاية ليس إلا مجرد خاطرة في عين مبدع يتأمل.
-وفي قصيدته(وجوده محل شك) يعالج فيها قضية الاغتراب داخل الذات"يَا هذَا علامَ تتألم؟!/نحنُ لسنَا موجودين حقًا/لا الأمسُ مضى حقيقة/ولا اليومَ نعيش فيه/نحنُ فراغٌ يرتَعُ فيهِ زمانُنا/فقط أقوالُنَا هِيَ البَاقي /وأقدامُنَا قَبضُ الريح"
-وفي قصيدة(زائلون خالدون) يتناول فيها قضية الشعور بالغربة وكأن صاحبه القديم هو صدى لنفسه، وتقوم القصيدة من عنوانها على المتناقضات، ويستخدم فيها الجناس الناقص"واستفزِز شَعبَكَ بِعشبِ شبَعِك"
-وقصيدة(بعد قتلى) نجد أن السعادة تتحقق بمواصلة تحقيق الحلم، حتى بعد الموت، واستمرار الإرادة.
-ونجد في قصيدته (لماذا أمشي كبهلوان) نجد قوله"لماذا أراكِ أمامي وأنتِ ورائي؟" يعد امتدادًا لقوله السابق "رأيتُكِ على مدِ بصرِي في كلِّ شيء/..ثم يميل إلى الإنتقال من حالة إلى أخرى في قوله "سأمُرُّ كَهمسِ سحرٍ بينَ النهدينِ النائمين...نجد فيها الهمس والرِّقة "فتستيقظُ النغمات/وتدُقُ الإيقاعاتُ على الدفوف" نجد الصحوة "ستصهَلُ كمنجةٌ وَيبوحُ نَاي"...نجد الحزن الخارجي مرتفع الصوت"وَسيبكِي شَيءٌ مَا فِي قلبِي" ينعكس هذا القول على الحزن الداخلي
-وقصيدته(أنا هو) نجد فيها لوحة فنية/صورة كلية ناطقة مكثفة.-ومن القصائد المكثفة أيضًا قصيدة (طقوس يومية)
-وقصيدة(حين التقَيَا) قائمة على الحوار والدراما والتناغم بين الحبيبين.
-وقصيدته (مشاغبات)/ تقسم القصيدة إلى أربع فقرات، ويمزج في الفقرة الرابعة بين الخيال الجزئي والخيال الكلي
-وفي قصيدة(سلاسل وأساور) نجد المتناقضات "إنَّنِي أُحبُ الحرية....لكن لَا أدرِي لماذَا يُكبَّلُ قلبي بكلِّ تلكَ السلاسلِ والأساور"
-وقصيدته (صدف منثور) يميل في ختامها إلى الأمل "اِتركِي البُرعُمةَ جالسةً بيننا"
إن الشاعر الذي يجهد قارئه في البحث عن بعض معاني الكلمات من خلال ثروته اللغوية وكذلك امتاعه بصور وأخيلة، يُعَدُّ شاعرا حقًا، كما نرى في الديوان كلمات مثل (هَملَجَ- رُهاب- بَتَكُوا- لَعلَعَة-دُوبَامِين- البَيدَق- مَعقُوصًا- مَسجُور)
ومن دقته اللغوية هناك كلمة قد تتكرر قد يظن القارئ أن معناها واحد لكن باستخدام ثانية معنى جديدًا كقوله في قصيدة (في الأرشيف)"سقط من عيني التأريخ والتاريخ والسكوت
فالتاريخ هو جملة الأحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما ويصدق على الفرد والمجتمع، كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية.
أمَّا التأريخ بالهمزة فهو تسجيل الأحوال والأحداث و الظواهر التاريخية
وعلى الرغم من حرصه على الدقة اللغوية وضبط الأحرف و الكلمات إلا ان الديوان لا يخلو من بعض الهنات اللغوية أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛(بالغث والثمين –قصيدة مسافر إلى هناك) والأصح الغث والسمين بالسين فالسمين هو الرصين والحكيم من الكلام...وهو خلاف الغث بمعنى الرديء والفاسد.
وكذلك قَرط بفتح القاف في قصيدة(أنا هو) والأدق هو قُرط بالضم وهو ما يعلق في الأذن من در أو ذهب أو فضة.
وكذلك "سأترك كأسي ممتلئًا" في قصيدة(أيتها الحياة) والأدق ممتلئة فالكأس تؤنث وكذلك البئر.
وكذلك "حِزمة " بكسر الحاء في قصيدة(في الأرشيف) و الأصح حُزمة بالضم، وهي ما جُمع ورُبط.
وهناك بعض الضبط اللغوي غير الدقيق منه"يا نبيةَ" بالفتح (في سباع تضحك ونحن) والأدق يا نبيةُ بضم التاء.
وكذلك في صحراءَ الشك (في الأرشيف) والأصح "صحراءِ" بالكسر.
وفي النهاية سعدت كثيرًا بقراءة ديوان (حكاية سريالية) للمبدع الصديق/خليل الشرقاوي، وأرجو الله له مزيدًا من التوفيق في دواوينه القادمة إن شاء اللهقراءه نقديه عن ديوان حكايه سريالية
..................................................................................................ويحتفي الشاعر آبانوب لويس بصديقه خليل شرقاوي بدراسة، جاء فيها :,
( في الشعر صوت لا ينصت إليه .. ‘لا من ذاق مراره الكتابة
على مقعد التامل
نجد انفسنا في جميع المراحل على حافه السريالية
الحياة ليست في القيد، بل في فهم الطريق، ووعي الخطوة ومسؤولية الاختيار
حين أصبحت مصر جمهوريه عربيه!! واستوطن الفكر العربي أنفسنا،
أصبحنا بلا وعي ،مصر كانت منبع الفنون والحضاره والعلم،
كيف عادت إلى الجاهليه،،
في القصيدة الأولى وهي مفتتح الديوان
وحين تتاملها ،تطرح هذه الأسئلة
ما هو الأمل في الحاضر؟؟
هل الماضي سيظل علامة في أجسادنا ؟؟؟؟
أم أنتم السبب في ذلك؟
بناء على هذا أكتب المقوله الشهيره لي
"الخداع ابن الثقه العمياء والثقه العمياء هي ابنة الحاجه"
لذلك يصرخ الشاعر،في عنوان القصيدة
الزمن الذي ولى
يتأمل جرحا عميقا لا زال أثره يؤلمه
وفي ذات الوقت يشعر بخيبة من الامل بعد صراعه العنيف مع الماضي
وأرهقته المقاومة

" لا أملك إلا بعض النغم وبعض ذاكره

لا يستطيع شاعرا كان أو أديبا أن يكتب هذه الكلمات
إلا بعد أن فشل في تغير الواقع الردي ،وهو صاحب المشاعر النقية
حين تصطدم بالواقع تصبح بلا روح
ويشعر الشاعر بالانكسار الشديد عندما وضع ثقته في مجتمع أخرس وبيئه صماء،لا تسمع،لا تري
كل ما تنتجها , عناصر سلبية
وعندما أدرك الشاعر أن هذا غير طبيعي وجد نفسه يدور في فلك السيرياليه
والانسان المدرك الواعي يجد أن المشاعر والعواطف لها قداستها
واستعرض الرغبه القاتلة
عندما قال" تفاحه محنطة علي قمة إنسان يضحك
شفة فتاة سمراء جميلة لم تتذوق الروج أبدا
كأس مقدسة بها قليل نبيذ مشتهي"
رغم هذه المعاناة سقط في الهاويه العبثية
وهو يضحك،رغما لم يحصل عليه
وهي مضادة لصورة أدم وحواء
لماذا سقط الشاعر في عالم لم يره؟
وهذا ما يدل علىه عنوان الديوان" حكايه سرياليه"

وتكتمل الحكايه في اخر قصائد الديوان
"سلاسل واساور"
الليالي المضيئه بالوجع والواحا فنيه تمثل الوجوه التي ولدتني
كانوا يضفرون احدا النجوم في اعصاب اللهب
حيث اشتعلت النار في كوني واحرقتهم جميعا

هل الانسان يبقى بالفطره؟
ام بوعي الكتب المقدسه التي صارت في عقول الذئاب البشريه؟
ام بالفكر والثقافه منذ ان كفنت على ايد حاملة ؟
ام في رجال الدين الذين نضجوا من هذه الدائره؟

حيث تحرر الشاعر عندما قال
"انني احب الحريه واعلم انه لب الحياه
لكن لا ادري لماذا يكبل قلبي تلك السلاسل والاساور "

تمرد شديد وعدم اعترافه بهذه الدائره
لكن هل هو يتحرر من عبوديه الاله؟ام عبوديه الاخر؟

وعندما استعمل ادم المعنى اصبحت البشريه في متاهه المعنى
اصبح التفسير في هذه الدائره مغلقه ومتكرره حتى الان
تتكون من مبادئ وعناصر مختلفه مضاده بعضها لبعض
هل في الحقيقه يوجد حريه؟
ولكن ولدت لاموت واموت لاحيا
وبعد الموت هل امارس الحريه؟

حيث ادهشني الشاعر عندما قال
انا ما قصدي لا ان تطول القصيده في الحكايه
لا ان اصل لباب الختام
هل يقصد الشاعر الرحله اهم من الهدف
ويبقي الانسان باحث عن المعنى؟

اهني اخوايا وصديقي الشاعر خليل الشرقاوي
واتمني له مزيدا من الابداع والتجلي

................................................................................................
وتوالت المداخلات والقراءات النقدية من الشاعر الدكتور صلاح الطاهر، الشاعر والمترجم السيد النماس، الأديب أحمد عبده، الدكتور صادق النجار، الأديب ياسر عبدالعليم، القاصة زينب عامر، الشاعر عاطف رشيدي، أ . خالد عبدالله، دكتورة هدى عبدالسلام، المبدعة زهرة عاطف، وكاتب هذه السطور، والشكر كل الشكر للسيدة سمر أمينة المكتبة والستاذة علا السعودي مشرفة نادي الأدب.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجموعة القصصية ( السقوط من البندول ) للكاتب أحمد عثمان على ...
- التجربة الإبداعية لفكري داود بمنتدى السرديات باتحاد الكُتّاب ...
- سردٌ يلامس الروح.. قراءة في رواية -زمن نجوى وهدان- لمجدي جعف ...
- ( السرد الحاوي ) لفرج مجاهد على طاولة النقد بالمركز الدولي ل ...
- نظرات في شعر حسين علي محمد ( طائر الشعر المسافر )
- مقاربة نقدية في الرواية الشعرية ( آخر أخبار الجنة ) لحزين عم ...
- مقاربة نقدية
- وداعا لآلام مرضى كسور الضلوع


المزيد.....




- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...
- صفحة قائد الثورة باللغة العبرية: الكيان الصهيوني هو الكيان ا ...
- أول ظهور للفنانة أنغام بعد رحلة العلاج
- في احتفال بقاعة صاحب حداد الإعلان عن نتائج منافسة الأفلام ال ...
- صناع أفلام عالميين-أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ ...
- -بيت العبيد- بالسنغال ذاكرة حيّة لتجارة الرقيق عبر الأطلسي
- وزير الثقافة يفتتح معرضا للفن التشكيلي وجدارية أيقونة القدس ...
- -شومان- تعلن الفائزين بجائزة أدب الأطفال لعام 2025
- موغلا التركية.. انتشال -كنوز- أثرية من حطام سفينة عثمانية


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجدي جعفر - أدباء وشعراء ونقاد الشرقية يتحلقون حول ديوان ( حكاية سريالية ) لشاعر قصيدة النثر خليل شرقاوي.