|
ليلة استثنائية في محبة أحمد فضل شبلول باتحاد الكُتّاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء بالزقازيق.
مجدي جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 01:52
المحور:
الادب والفن
ليلة استثنائية في محبة أحمد فضل شبلول باتحاد الكُتّاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء بالزقازيق. كتب / مجدي جعفر ................................................................. احتشد أدباء الشرقية ومحافظات القناة وسيناء باتحاد الكُتّاب – فرع الشرقية ومحافظات القناة وسيناء، للاحتفاء بتجربة الشاعر والكاتب السكندري الكبير أحمد فضل شبلول، وأدار الندوة الأديب مجدي جعفر، وأشار إلى قبسات من سيرته الحياتية والأدبية، جاء فيها : ( أحمد فضل شبلول - مواليد الإسكندرية. - حصل على جائزة الدولة التشجعية في الآداب عام 2007م. - تخرج في كلية التجارة – جامعة الإسكندرية. - عمل محررا أدبيا في مجلة ( العربي ) بالكويت ومسئولا ثقافيا بقناة البوادي الفضائية، والمسئول الثقافي لشيكة ميدل إيست أونلاين. - له أكثر من ثلاثة عشر ديوانا شعريا مطبوعا، آخرها : " اختبئي في صدري ". - يكتب للأطغال وأصدر ثمانية كتب في هذا المجال، آخرها ديوان " أحب الحياة " عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017م. - يكتب الدراسات الأدبية والنقدية وله ( 18 ) كتابا مطبوعة في هذا المجال آخرها : آفاق وأعماق – عشرون رواية مصرية. - حصل على جائزة المجلس الأعلى للثقافة – شعبة الدراسات النقدية عام 1999م عن بحثه ( تكنولوجيا أدب الأطفال ) - أصدر بعض المعاجم العربية، منها : معجم الدهر، ومعجم أول الأشياء المبسطة، ومعجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين. - عضو مجلس إدارة اتحاد كُتّاب مصر ونائب رئيس اتحاد كُتّاب الانترنت العرب ( 2005 – 2009م )، والاتحاد العربي للإعلام الالكتروني 2010م، وملتقى الشارقة للشعر العربي الثامن 2010م، وهيئة قصور الثقافة 2016م، وملتقى السرد العربي الخامس بالأردن 2016م. - أُعدت عن أعماله عدة رسائل أكاديمية منها : رسالة ماجستير بعنوان ( بنية العلاقات في أدب الأطفال عند أحمد فضل شبلول ) للطالبة السعودية فاطمة القرني بجامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية، وآخر هذه الدراسات تناقش الأحد 12 / 10 / 2025م لباحثة صينية بآداب الإسكندرية بعنوان ( تيمة الموت في روايتي " الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوط " و " الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد ) - تُرجمت بعض أعماله الشعرية ومقالاته للعديد من اللغات الحية. ....... ورحب رئيس مجلس إدارة الفرع، الشاعر إبراهيم حامد بالمحتفى به الشاعر والكاتب الكبير أحمد فضل شبلول، وشكر منتدى السرديات على الاحتفاء بتجربة الشاعر والكاتب الثرية والمتنوعة في الشعر والرواية والنقد وأدب الطفل، فأحمد شبلول من كاتب موسوعي، وأجاد في كل فرع كتب وأبدع فيه، ونحن نفتقد في عصرنا إلى الكاتب الموسوعي، وشكر أيضا كل الذين حضروا متكبدين مشقة وعناء السفر إلى مدينة الزقازيق. ...... أصوات معاصرة : وتحدث الشاعر والكاتب أحمد فضل شبلول عن علاقته بالشرقية، وارتباطه الحميم بالدكتور حسين علي محمد والدكتور صابر عبدالدايم والدكتور أحمد زلط وغيرهم، رحمهم الله جميعا، وعن تجربة أصوات معاصرة التي كانت تصدر من ديرب نجم بالشرقية، التي أسسها الدكتور حسين علي محمد عام 1980م، وكانت تضم في هيئة تحريرها من الشرقية : الدكتور صابر عبدالدايم والدكتور أحمد زلط، ومن الغربية الشاعر عبدالله السيد شرف، ومن بور سعيد محمد سعد بيومي، ومن الإسكندرية أحمد فضل شبلول، وفتحت صفحاتها لكل الأدباء والشعراء الذين يعيشون في أقاليم مصر، من أسوان إلى الإسكندرية، ومن دمياط وبور سعيد إلى مرسى مطروح، وساهمت " أصوات " و " كتاب أصوات " مع مجلة " رواد " من دمياط، وأدب الجماهير لفؤاد حجازي من المنصورة، والرافعي من طنطا، استطاعت مطبوعات " الماستر " التي كلنت تصدر من أقاليم مصر، من جيوب الأدباء، استطاعت أن تكسر الحصار المفروض على أدباء الأقاليم، وأن تضرب الشللية وغطرسة الاحتكار في القاهرة، كنا نتواصل عبر هذه المطبوعات الفقيرة في الطباعة والإخراج، فبعضها كان يصدر توفيرا لهدر النفقات بخط اليد، ولكنها كانت تحمل إبداعا جديدا، ومتجاوزا، واستطاع جيلنا أن يفرز نقاده أيضا، فكل جيل يجب أن يفرز نقاده، ومطبوعات " الماستر " في تلك الفترة كانت متنفسنا، وتمثل مرحلة مهمة في حياتنا الأدبية والثقافية. .......................... وتحدث عن بدايته التي انطلقت من قصر ثقافة الحرية، وتعرف على محمد حافظ رجب، محمد السيد عيد، إبراهيم عبدالمجيد، مصطفى نصر، أحمد حميدة، سعيد سالم، والقائمة قد تطول، وكانت كل أيام الأسبوع موزعة لكل صنوف الأدب والفن، فكان يوما للشعر، يتجمع فيه الشعراء، ويعرف بنادي الشعر، ويوما للقاصين والروائيين يلتقون فيه ويُعرف بنادي القصة، ويوما ثالثا للمسرح ( نادي المسرح ) ويوما رابعا للموسيقى، وخامسا للفن التشكيلي، وسادسا للموسيقى، وكنت أحضر كل الندوات، وشغفت بها جميعا، وتعلقت بها، أحببت كل الفنون، وكان محمود سعيد هدفي، فكتبت عنه ثلاثة روايات، الرواية الأولى تتحدث عن بنات بحري، إحدى لوحاته التي أبدعها عام 1935م، والرواية الثانية ( الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد ) واستخدمت فيها تقنية الفلاش باك، مستعيدا فيها حياته، والكتالوج الذي يضم أعمال محمود سعيد الفنية بأقلام مصريين، وتُرجم إلى الإنجليزية، وقالوا بأن هذا الكتاوج يضم بين دفتيه كل أعمال محمود سعيد، وأي لوحة أخرى تظهر وليست مثبتة بهذا الكتالوج، ليست من أعماله، فتخيلت محمود سعيد يعترض على هذه المقولة، فمن المؤكد أنه رسم لوحات أخرى، ربما لصديق، أو رسم لوحة في مناسبة خاصة. ونجيب محفوظ شغلني جدا، فكنت أقابله في الإسكندرية في ثمانينيات القرن الماضي، في الشانزلزيه أو في مقهى بترو، كان يلتقي فيها مع توفيق الحكيم، ولما مات الخواجة بترو انتقلنا إلى الشانزلزيه، وتحولت الجلسة إلى ندوة محفوظ بالإسكندرية، هذه القاءات أثرت في، وكتبت رواية عنه بعنوان ( الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ )، فحياته ثرية جدا، وبها نقاط درامية ساخنة جدا، شأنه شأن فناننا محمود سعيد، الذي رفض الوزارة، واستقال ليتفرغ للفن، وكانت الشخصية الثالثة أحمد شوقي، فكتبت عنه روايتان، رواية ( ليالي الكرمة )، كرمة ابن هانئ، ولما عاد من أسبانيا أسماها ( ليالي الكرمة )، والثانية ( أن أكون أميرا للشعراء )، في الأولى ( 28 ) شخصية يتحدثون عن شوقي، مثل : محمد عبدالوهاب، فتحي رضوان، العقاد، ...، وغيرهم، وفي فرنسا كان تعرف على شاب اسمه محمد علي العابد وأصبح فيما بعد رئيسا لسوريا، ويتحدث هو الاخر عن شوقي. أما ( الشوقيون ) ففيه ( 120 9 شخصية تتحدث عن شوقي، مثل : يوسف خليف، طه حسين، العقاد، شوقي ضيف، ... وغيرهم، سواء كان هذا الحديث بالسلب أو الإيجاب. أضع يدي على الجوانب الإنسانية في حياة الشخصية، بعيدا عن الدراسات الأكاديمية، فالاهتمام بالجوانب الشخصية مهم جدا، ومحاولة كشف أبعادها، والنظر إليهم من كل الزوايا ومن كل الجوانب. وفي رواية ( رئيس التحرير ) كانت التجربة الصحفية خارج مصر، ورواية ( الماء العاشق )، ( ثعلب ثعلب )، ( الرحيمة ) وهي ثلاثية روائية، فيها من الفنتازي والعبث والواقعية السحرية. ............... وعن الشعر، قال : صدر لي ( 14 ) ديوانا شعرية، وصدر ديواني الأول عام 1980م بعنوان ( مسافر إلى الله )، وألقى بعض قصائده، وخاصة القصائد التي كتبها في معشوقته الإسكندرية. وعن أدب الطفل، قال : كتبت شعرا للأطفال، بعد أن رزقني الله محمد وولاء، وأول ديوان لي فاز بجائزة الدولة التقديرية، ولاقى حفاوة طيبة، وكتب عنه بالأهرام فاروق شوشة وغيره. وتحدث حديثا مطولا عن المعاجم التي أصدرها، وعن دخوله للتقنيات الجديدة عبر شبكة الانترنت، وكيف أصبحت الكلمة جزء من العملية الإبداعية، وكنا نبشر بعصر جديد، فالأجيال الجديدة لا تقرأ الكتاب الورقي، فكيف نوصل إبداعنا لهؤلاء؟ ................................................................... ................................................................... وقدم الكاتب والناقد العربي عبدالوهاب ورقة نقدية، جاء فيها : (فى رواية (رئيس التحرير) يؤكد أحمد فضل شبلول على أن روايته.. عن سيرة الكتابة فى حياة روائى وناقد أدبي وشاعر كبير قبل كل هذا. "أحمد فضل شبلول" يخط تحت عنوان روايته جملة (أهواء السيرة الذاتية) لتعمل هذه الجملة على مخايلة القارئ بأنه إزاء رواية من نمط الروايات التى تعتمد فى كتابتها على محطات من السيرة الذتية .. ولكن مفردة (أهواء) هى التى تفتح الدلالة على مخايلة القارئ بأنه لن يقرأ سيرة ذاتية أو رواية توظف السيرة الذاتية بالمعنى المتعارف عليه، ولكن هذه هى أهواء ومكنونات الكاتب صاحب هذه الرواية التى سيفصح فيها عن تصوراته الخاصة نحو ما كان، وما كان يتمناه أن يكون. ولايضاح الأمر سوف نتذوق الرواية على المستوى النقدي باحثين عن تلك الأهواء والخيالات الطافية فوق الأحداث. ثمة كتابة فى هذه الرواية تمزج التخييلي بالذاتي، والواقعي بالتهويمات ومقاطع الشعر، تعجن اللغة فى بوتقة الشاعر، وتستخرج ملامح الشاعرمن بين التفاصيل اليومية للحياة المملة، تستخرجه من حيز التكرار ليخلق بخياله وأهوائه رواية بديعة .. اتخذ الشاعر ما يخص سيرته الذاتية مع الكتابة والصحافة فقط، مازجا هذه الرؤية مع تفاصيل حياته منذ كان طالبا جامعيا عاشقا للشعر وللصحافة، يشرف على مجلات الحائط، ويتعرض لاغراءات اليساريين والإخوان، ، ويؤكد لنا بأن الكتابة لا تنتمي أبدا إلى حزب أو تيار سياسي؛ يحضر فى الفضاء الروائي باسم (يوسف عبالعزيز) الذى يخلط بشاعرية رائعة بين الاسمين، (النبي يوسف، والشاعر يوسف) .. يخلط بين الرؤيوى الحالم، وبين الصحفي المقموع المقموع بتنفيذ سياسة المجلة الخليجية التى يعمل بها، بل محكوم بروتين عمله الصحفي تحت قناعات وأهواء رئيس التحرير. ● تماثل الشخصيات كانت الشخصيات النسائية فى الرواية تحضر عبر محطات توقف عندها فى مسيرته الذاتية مثل (درية إبراهيم اليسارية وخشبة عمود عبدالواقف (اليمينة) ـ ولم نتعرف عليها بغير هذا الاسم الذى يعكس سخرية الطلاب من نحافتها الشديدة ).. ولكن شخصيتي "منى فارس / والجوهرة ابراهيم" هما الحاضرتين بفعالية كبيرة، كنقاط مضيئة ومؤثرة فى حياة البطل.. الأولى المصرية رفيقة الحلم والمعاناة، والتى أحبت البطل يوسف عبدالعزيز وأخلصت له، وبقيت متذكرة لأيامهم الخضراء (أيام الحماس الجامعي) ولقاءاتهما فى كازينو الشاطبي، وكأنها وجه الاسكندرية الحالم التى اقتسمت مع حبيبها كيزان الذرة وكتب فى عينيها أجمل قصائده. فهل أحبت منى فارس فى يوسف شاعريته كما أحبت (الجوهرة إبراهيم) قريبة الشبه من منى فارس، شاعريته أيضا .. بيد أن (الجوهرة إبراهيم) تمكنت من خوض تجربة العشق والغرام، وتبادلت مع أفراح الجسد.. كما ساعدته على إيصال صوته الصحفي المتمرد بعلاقاتها لأكثر من صحيفة ومجلة خليجية وأجنبية. وإذا كان الكاتب يقر بنفسه بمقدار هذا التشابه الذى يجمع بين الشخصيتين إلا أنه شكلهما من منطقة الحلم والاستثناء. ● شخصية رئيس التحرير التى تجسدت فى الرواية جمعت بين الحلم العربي الكبير المتمثل فى عشقه لعبدالناصر، والمخلص أيضا لمصالحه، لذلك فهو يتخلى بسهولة عن نفسه ليكون ترسا فى منظومة صحفية تمثل صوت بلده وتستقي وجودها من انتمائها الأيديولوجي لمصالح المؤسسة الحكومية الكبيرى، وضرورة الالتزام بفلسفتها وتنفيذ أوامرها.. ولاقتراب رئيس التحرير من صناع القرار، فقد تحدث مع البطل عن (الفوضى الخلاقة)، وثورات الربيع العربي قبل إندلاعها.. وحينما اشتعلت المظاهرات طالب يوسف بالالتزام بسياسة الصحفية وحذره فى النشر فيما يخص الملف بأكمله.. ● ـ ومن ثم كانت الاجازة المؤقتة ليعود إلى مصر ويعيش أحداث الثورة مع البسطاء وحزب الكنبة، حلاً مناسبا للطرفين. ● ثمة شخصيات انتهازية مثل الصحفي المصري الذى يحارب فى الخفاء البطل خشية على وجوده فى الصحيفة.. وصفة الانتهازية لا يفلت من إسارها أيضا رئيس التحرير نفسه الذى يجند المحررين للتجسس على رفاقهم.. لكنه لا يتمكن من تجنيد البطل .. وذلك كي تظل قبضته الحديدية متحكمة فى محرري الصحفية مخافة فقدان مركزه المرموق. ● ناقش الكاتب فى روايته أحداث (18و19 يناير) فى أوائل السبعينات عندما كان طالبا.. وأسبابها وتعامل الأمن معها.. وكان وقتها يراسل المجلات العربية بأشعاره، وفى الفصول الأخيرة للرواية ناقش الأحداث المعاصرة من خلال الثورات قارئا وموضحا التآمر الدولي على دول الشرق الأوسطط.. وكيف سيعيدون رسم الحدود حسب أهوائهم، ومن خلال ما أسموه بالفوضى الخلاقة والثورات العربية .. حيث ناقش أيضا معانٍ مهمة ومؤثرة مثل ( معنى الانتماء، والانفلات، وغياب الأمن، ودور الشباب فى دفع فاتورة هذا السعي نحو التغيير) ● ولذلك فالزمن فى الرواية يترواح بين هذين الحدثين المؤثرين (وكلاهما متشابهان) فى شرارة مظاهرات السبعينيات كان بطلها شباب الجامعة وثورة 2011 كان أيضا بطلها الشباب. ● كيف يتحول السرد السير ذاتي، إلى سرد لسيرة الوطن؟ يتحول كلما خرجت الفصول وحكايات الراوي عنها بشخصيات تمثل التيارات والأحزاب السياسية، وكلما تناول البعد الاجتماعي وجعله محركا ومؤثرا فى البعد الذاتي.. فليس ثمة كائن من كان سيعيش منعزلا عن ظروف وأحداث مجتمعه، كلاهما يتشكلان عبر تفاعل ثقافي واجتماعي، وفلسفي وأيديولوجي أيضا.. تفاعل نشعر فيه بحركة الفرد فى محيطه كفاعل ومفعول به. ● كيف يتبادل الشاعر مع الصحفي مقاعدهما ؟. بمعنى آخر ما دور الشعر فى الرواية .. يتجسد ذلك فى البداية عندما يتابع الراوي بضمير المتكلم (يوسف عبدالعزيز) المحطات المضيئة التى تبين قدر شغفه واهتمامه بالصحافة منذ مجلات الحائط فى الجامعة، هنا يحضر الشاعر وهو يخبرنا عن نفسه ومحبته للكلمة وللعمل الصحفي.. ويستمر فى كشف أعماق ذاته بايضاح كيف يكتب هذا الصحفي.
ـ يكتب أحيانا مستعينا بالأسطورة والشعر وبدا هذا واضحاً عندما قدم تغطية لمكان أثيري وأثري هو (البتراء) فى الأردن الشقيق، وعبر هذه المعالجة الأسطورية يمتزج الشاعر بالأسطورة، و بالمكان، فى عملية تخييلية تكشف تأثير الأماكن السياحية، كأماكن شكلت الوعي الانساني، وكأنها بذرة الخلق الأولى التى يؤصل من خلالها ما ذكرته الأبحاث التى تحدثت عن ذلك المكان، وأيضا تتلبسه روح المكان وشخصياته ويرتقي بشاعرية مائزة مازجا بين الأسطوري وبين مفردات المكان فى سردية متميزة، نلاحظها أيضا فى ثلاثيته البديعة (الماء العاشق). ● فى النهاية لابد أن نقر بأن الشاعر والكاتب أحمد فضل شبلول تمكن فى روايته رئيس التحرير من أن يجعل من الكتابة السردية فى روايته، كتابة خارجة عن المألوف تارة لتوكيد أعماق شخصية البطل / الوجه الحقيقي للشاعر والروائي الذى استعان بتفاصيل من سيرته الذاتية، ويؤكد على المستوى الدلالي والسردي لـ (صفة الشاعر) فى منعطفات ومنحنيات متعددة فى الرواية . ● نشعر ونحن نقرأ مقاطعه الشعرية التى ضمنتها الرواية داخل البنية السردية للرواية أنها جاءت ملتحمة مع بينة المشهد المسرود، ومساعدة بشكل فني متميز على تشكيله بعمق؛ حيث نلاحظ ـ على الدوام ـ حلول الشاعر فى صفة الصحفي.. وخروج الصحفي عن روتينية وأحداث عمله لعوالمه الشعرية، وتهويماته التى تستقي رافدا هاما من تجربته الشعرية. رئيس التحرير رواية تمكنت من الاضافة لمفهوم الروايات التى اعتمدت على السيرة الذاتية.) .................................................................... ...................................................................... وقدم الكاتب مجدي جعفر ورقة نقدية، جاء فيها : (عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة صدرت رواية (الماء العاشق) للشاعر والكاتب المعروف أحمد فضل شبلول. والرواية موزعة على ثنتا وأربعون فصلا أو مقطعا سرديا في (١٤٠) صفحة من القطع المتوسط. والرواية تمتح من واقعنا المعاصر، وهناك وقائع وأحداث تشير إلي الزمن الداخلى للرواية مثل الإشارة إلى اتفاقية السلام مع العدو الإسرائيلى 1979م ص91 وإلى حدث افتتاح مكتبة الإسكندرية في العام 2002م ص102، وغيرها الكثير من الحوادث التي تشير إلى ماقبل العام2020م بقليل. ص122 أما الزمن الداخلي للرواية فهو مُمتد إلى الأزمنة السحيقة-لايعود إلى زمن كليوباترا وأنطونيو وحسب، بل يمتد إلى زمن الربة إيزيس وماقبلها .. إلى زمن الخلق الأول قبل آدم عليه السلام. اما الفضاء المكانى الرئيس الذى تدور فيه الأحداث: الإسكندرية- بيروت- تل أبيب-فرنسا- مكة- وغيرها. ولأن الرواية تتكأ أيضا على التاريخ- فكما يمتد الزمن الداخلي فيها إلى الأزمنة السيحقة-تمتد أيضا الأماكن- لتشمل معظم أنحاء العالم القديم الذى دارت فيه حروب وصراعات ومعارك كثيرة ورد ذكرها بالرواية. وجاء البحر كفضاء مكاني أيضا، ففيه وحوله وفي أعماقه دارات حوادث غريبة وعجيبة، وإذا كانت لليابسة شخصياتها فإن للبحر شخصياته، ولكل خصائصه الجسدية والنفسية والعقلية. ومن الشخصيات الترابية الطينية: هدى إسماعيل، عمرياسين، عبدالصمد المكي، عاتيد بن يامين، والفنانة ليلى علوي، وغيرهم. ومن الشخصيات المائية: أم الماء وبناتها (جنية البحار)، وجني البحار، والماء العاشق وغيرهم. ومن الشخصيات التي جمعت بين الاثنين(بين التراب والماء): كليوباترا ومسعود. واهتم الكاتب اهتماما بالغا بالماء وبقصة خلقه وعلاقته بالنار والتراب (إبليس وآدم) ص ص: 8-10 ........ الماء العاشق. الماء العاشق هو ماء حر- يختلف عن الماء الذى يتم ضخه فى مواسير حديدية أو بلاستيكية، يرفض العبودية، ولايصعد إلى الأدوار العليا، وقد اختار شقة بالدور الأ رضي في سيدي بشر لمهمة مقدسة، فالذى أرسله هو مسعود الذي يحمل البئر المقابل للشقة اسمه، ليعاون عمر ويساعده في تحرير قنيئات عطر الملكة كليوباترا التى خبأتها في أماكن عدة، ليستفيد منها الناس. والماء العاشق بدأت رحلته، من بئر زمزم وجاء مع كليوباترا الذي ذهبت إلى مكة قبل 2050 سنة، أي قبل الإسلام بكثير، ودفنت هناك قنينة عطرها على بعد مترين من البئر، كما دفنت قنينة أخرى بحمامات كليوباترا بمرسى مطروح، وغيرها من بقاع العالم القديم، واختار الماء العاشق شقة عمر بسيدى بشر المقابلة لبئر مسعود، فعمر فيه المواصفات المطلوبة للقيام بهذه المهمه. الماء العاشق لعب دورا محوريا في تحريك الأحداث والدفع بها إلى الأمام،وبدونه ما كان عمر تحرك قيد أنملة، فيقول عنه: (هل هذا الماء مجرد ماء أم هو عرّاف، نبي، ملاك، وحي من السماء؟) ص30 إذن نحن أمام شخصية مائية مثالية. فالماء العاشق كان قطرة نزل مع جبريل وهو يفجر بئر زمزم لهاجر المصرية ورضيعها إسماعيل عليه السلام ....... يهتم الكاتب برسم شخصياته بكل أبعادها، البُعد الخارجي والبُعد الداخلى /النفسي، والبُعد العقلي ومستوى تفكير الشخصية، فكان دقيقا في وصف ملامح هدى إسماعيل وتكوينها الجسدى، ونقل للقارئ مايدور في نفسها الباطنة، وما يعتمل ويموج في عقلها من رؤى وأفكار، مركزا على أزمتها الخانقة، وتتلخص أزمتها في رائحتها المنتنة الكريهة، والتي جعلت الزملاء والزميلات في العمل ينفرون منها، وكل من يقترب منها يتأفف من تلك الرائحة ويولي هاربا. ولا تعود تلك الرأئحة إلى سبب بيولوجى أو وراثي، ولم تظهر تلك الرائحة إلا في حفل زفاف ابنة خالتها، عندما أردات أن تكون أشيك وأجمل من العروس ومن كل المدعوين، فكانت تحمل للعروس كرها وبغضا لأنها سبقتها إلى الزواج، فاشترت فستانا في غاية الأناقة والشياكة والجمال، لفت انتباه كل المدعوين، وانشغلوا فى بادئ الأمر بها وبفستانها عن العروس، ولكنهم سرعان ماكانوا يفرون منها بتقزز وقرف، بعد أن تكتم كل واحدة منهن طاقتيّ أنفها بمنديل، فينبعث من الفستان رائحة كريهة، وهي عندما اشترت الفستان كان به تلك الرائحة، وظنت أن رش بعض العطور عليه سيزيل تلك الرائحة، لكن تلك الرائحة الكريهة تمكنت منها، وتخللت مسام جلدها، وهذا ماكدر صفوها وعكر مزاجها. ولم يتعاطف مع أزمتها سوى عمر ياسين، زميلها في العمل، الشاعر الجميل والمثقف النبيل، فاقترح عليها الذهاب إلى حمام كليوباترا والاستحمام به، لعل تلك الرائحة تزول، وهي كانت على استعداد أن تذهب إلى آخر الدنيا وتفعل أى شئ في سبيل زوال تلك الرائحة. وعمر ياسين لا يُقدم على شيء ولا يتحرك إلا بإيعاز وبإيحاء من الماء العاشق، وبالفعل كانت هذه الرحلة إلى مرسى مطروح هي البداية لانفراج الأزمة، فعثر عمر هناك في أحد كهوف الحمام علي زجاجة عطر معتقة، كانت الملكة كليوباتراقد دفنتها هناك. .......... من هو عمر ياسين؟ يقدم الكاتب معلومات متتابعة ودفعة واحدة عنه، وتأني على لسان هدى إسماعيل وهي تسأل نفسها : هل انا أحببته حقا؟ ص ص31-35 وسنكتفي بنقل هذا المقطع الذي يقدم لنا صورة عامة عن عمر: (إنه شاب مهذب رقيق، أسمر يميل إلى الطول، مثقف تقافة عالية، شاعر تخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، لم يشتغل بالتدريس بعد أن أمضى فترة تجنيده بالقوات المسلحة، تم تعيينه بعقد مؤقت إخصائي علاقات عامة بالشركة التي كان يعمل بها والده. تم تثبيته بعد سنتين، أصبح رئيسا لقسم العلاقات العامة، الجميع يحترمونه ويقدرونه، ينظم ويشرف على رحلات العاملين التي تقررها الشركة إلى المصايف المصرية) وعمر هو الوحيد من كان يدافع عنها، ويرد على اتهامات الزملاء الكريهة التي تنتشر أبعد مما تنتشر الرائحة. .......... رغم أن الحاسة الشمية من الحواس الثانوية ولكن الكاتب استطاع بمهارة فائقة، أن يجعلها في صدارة قائمة الحواس، متفوقة على الحواس الرئيسية كالحاسة السمعية والحاسة البصرية. انظر إلى الكاتب وهو يستخدم المبالغة أو التكبير أو التضخيم للحدث. (انتشرت رائحتي الكريهة، عبقت البيت كله، أغلق الجيران نوافذهم، وشرفاتهم، وضع سكان منطقة "كليوباترا حمامات" كممات على أنوفهم. هجر الناس مقاهي المنطقة، أغلقت المحلات قبل مواعيدها المعتادة. أصحاب السيارات يلجأون إلى شوارع جانبية هروبا من الرائحة المنبعثة من شارعنا. سائقو ترام الرمل لا يتوقفون عند محطة " كليوباترا حمامات " يعبرونها سريعا، إشفاقا على الركاب من نفاذ الرائحة. وصلت الرائحة إلى نادي اسبورتنج الرياضي الذي يقع على مسافة محطة ترام واحدة من منزلنا. رأيت رواد النادي يخرجون سريعا بسيارتهم قبل أن تشتد الرائحة التي بدأوا يشمونها في الحي.) ص34 والتكبير سمة عند الكاتب : ( شعرت أن الكون كله يتشمم تلك الرائحة ) ص41 وفي موضع أخر يقول : ( تحول جسدي كله إلى عيون وآذان ) ص41 وهكذا تشيع تقنية تكبير وتضخيم الحدث في جنبات الرواية. أنظر إلى التحول في شخصية هدى إسماعيل، بعد أن دلك شيخ مغارة جعيتا بلبنان جسدها بعطر الملكة كليوباترا : ( ماذا تسمي رائحتها الجديدة؟ ليست مسكا ولا رحيقا ولا أريجا ولا طيبا ولا بخورا ولا نسيما ولا عبيرا ولا عنبرا.... إنها فتاة بهتانة : والبهتانة تُطلق على المرأة إذا كانت طيبة النفس والريح، إنها خليط من الخزّام والفل والياسمين والورد والزينب والكركب والزعفران والقرطنيثا " أصل شجرة بخور مريم " والبهرامج والدّاح " الخلوق من الطيب " والرّند والنّد والقنديد والكاذي والخطّار والخُمرة والصّمر والكافور والمردقوش " طيب تجعله المرأة في مشطها يضرب إلى الحُمرة والسواد " ) ( إنها ضمّخت جسدها ولطخته ومضخته وحمرته وصمرته بالطيب حتى كأنه يقطر مسكا وبعضا من هذا الخليط، ففاحت رائحتها الذكية الحادة على هذا النحو الذي نشمه الآن ) هذا حال هدى عبدالسلام التي أطلقوا عليها من قبل الكثير من الألقاب والمسميات والصفات، مثل : ( الوزرة " المرأة الكريهة الرائحة "، والصّمكمك " الخبيث الريح "، والزّخماء " المنتنة الريح " ) ص48 .......... إذا كانا قد تمكنا من الحصول على زجاجة عطر الملكة كليوباترا المدفونة في حمامها بمرسى مطروح, فإن الصعوبة كانت تكمن في فتح الزجاجة, فسيبطل مفعولها إذا انسكبت قطرة عطر منها على الأرض,أو سقط بداخلها فتيت من الغطاء الفلين أثناء فتحها, فأشار عاشق الماء على عمر – بأنه لا يمكن فتحها إلا عن طريق شيخ مغارة جعيتا التي تبعد عن بيروت نحو عشرين كيلومتر، ولم يترددا في الذهاب إلى بيروت ومقابلة الشيخ, الخبير في فتح مثل هذه الزجاجات، ودلك جسد هدى من هذا العطر,الذي اخترق كل جسدها, ومسامها, وأخذ مقابل عمله قطرات قليلة من الزجاجة وأعاد غلقها بإحكام-وأخبرهما بأنها لا تُفتح أبدا إلا عن طريقه وتحولت هدى إسماعيل مائة وثمانين درجة,هل تتحقق نبوءة الماء العاشق عندما أخبر عمر بأن هدى ستصبح نجمة عالمية وبأنه سيصبح من الأثرياء, ونصحه بخطبتها والزواج منها؟ إن قطرة صغيرة من زجاجة عطر الملكة كليوباتراـ تكفى لتشغيل مصنع عملاق لسنوات وسنوات. وأصبحت هدى إسماعيل محط أنظار الجميع- فرائحتها الذكية تسبقها, ويتهافت الكل حولها, يسألونها عن سرهذا العطر وتلك الرائحة الذكية التي تسكر من يشمها, وعرضت شركة عطور فرنسية مليون دولار مقابل تلك القنينة. وتضخمت أحلام عمر وهدى في الثراء والنجومية، وراحا يخططان لمستقبلهما. وبدأت ملامح هدى إسماعيل إلى كليوباترا : ( بدأت ملامح وجه هدى إسماعيل تتحول إلى ملامح وجه كليوباترا، خاصة بعد أن أسدلت قُصة على جبهتها، وأصبحت تسريحتها مثل تسريحة كليوبترا تماما، وكحل عينيها مثل كحل عيني كليوباترا، وزجّجت حاجبيها كما كانت تفعل النساء في مصر القديمة ) ص 49 ( هل روح كليوباتر السابعة البطلمية ابنة بطليموس الثاني عشر، حلت في روح هدى إسماعيل الإسكندرانية بعد أن تعطرت بعطرها؟ ) إن عطر كليوباترا الذي تعطرت به هدى إسماعيل جذب الفنانة المحبوبة ليلى علوي، وكم أُفتتنت بعطرها وبشكلها الذي يطابق شكل الملكة كليوباترا تماما، ووعدت عمر وهدى بأن تقدم إعلانا عن عطرهم الجديد، وأن تشارك أيضا في تمثل فيلم الملكة كليوباترا، الذي ينتجه ويكتب قصته عمر، فعمر يرى بأن كليوباترا قد ظُلمت كثيرا، وحاق بها وبسيرتها ظلم بين، وافتراءات لا حصر لها، ورأت الفنانة الجميلة أن تُمثل هدى دور كليوباترا، لأنها تشبهها تماما، وارتضت هي أن تمثل دور أم الماء ( جنية البحار ) ..... بئر مسعود : الشقة التي يعيش فيها عمر آلت إليه ميراثا عن أبيه، تقع أمام بئر مسعود مباشرة، والكاتب يُعرف ببئر مسعود : ( البئر عبارة عن فجوة داخل كتلة من الصخر، عمقها نحو خمسة أمتار، وعرضها نحو المتر، تربط قناة " مجراة " بين سطحها وبين ماء البحر ) وحول البئر انطلقت الحكايات، فمن هو مسعود الذي أخذ البئر اسمه؟ حكايات غريبة وعجيبة نسجها الخيال الشعبي حول مسعود والبئر، استخدم الكاتب في سردها الفنتازيا، ولم يستخدم الفنتازيا لذاتها، ولكنه استخدمها كأداة، كما استفاد من تجارب العبث، وقدم أيضا واقعية سحرية مستوحاة ومُستقاه من البيئة المصرية الخالصة، ومن بين الحكايات التي سردها، تظل الحكاية الأبرز هي أن مسعودا : ( هو العبد الإفريقي الأسود الذي هرب من نخّاسه، وظهر زمن خلافة الحاكم بأمر الله " 985 – 1021م " وكان يمتلك جسدا فارعا وآلة جنسية ضخمة، استطاع الحاكم بأمر الله أن يوظفها ضد التجار الجشعين وأصحاب المحلات الذين يغشون، ويرفعون الأسعار، أو يخبئون البضائع ليفتعلوا الأزمات، فيسلط الحاكم بأمر الله مسعودا عليهم، ليأتيهم من الخلف أمام أعين الناس والتجار الذين يشاهدون وينظرون حتى يفرغ مسعود بعد وقت قد يقصر أو يطول، مما قلل من جشع التجار، خوفا من الفضيحة والعار، فاعتدلت الأسعار، وتوافرت البضائع في الأسواق ) ص58 وأشار الكاتب إلى ما قاله ابن كثير في مسعود في كتابه ( البداية والنهاية ) كما أشار أيضا إلى ما قاله ابن إياس عن مسعود في كتابه ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) المهم أنه ذات مرة وقع تاجر ضعيف البنية في قبضته، فمات التاجر من فوره خوفا وفزعا ورعبا قبل أن يفعل به الفاحشة، فأطلق مسعود ساقيه للريح، هربا، وحط في هذا المكان واختبأ في البئر، فكان أخشى ما يخشاه أن يقبض عليه الحاكم بأمر الله ويأمر بخصيه. وقد يكون هذا الجزء من قصة مسعود هو الجزء الواقعي، ويأخذنا الكاتب في الجزء الثاني من قصة مسعود إلى السحر والخيال والفنتازيا والعبث، فترى إحدى حوريات البحر آلته الجنسية الضخمة، فتظهر له في صورة إمرأة في غاية الحُسن والجمال، وأطعمته من طعام البحر، وأسقته الخمر المعتقة، وضاجعها، فهامت به، واتفقت معه أن تأتيه أول كل شهر قمري، وإذا أنجبت منه سيصبح سيدا على البحار، ويعيش معها في قصرها الذي شيدته تحت الماء ويمتد من البئر إلى صخرة ميامي، وتبدأ رحلة مسعود تحت الماء، وهي رحلة غرائبية عجائبية. وليس مسعود وحده هو الذي عاش في البئر، فأم الماء ( جنية البحار ) عاشت فيه أيضا هي وبناتها، وكليوباترا جاءت إلى البئر هي االأخرى لتعمدها أم الماء لتكون ملكة على مصر قبل أن ينصبها قيصر الروم ملكة. وربط الكاتب ربطا عبقريا ودالا بين البئر الذي يحاول أن يأسطره، وعدة أماكن أخرى. ( وأن لهذا البئر ممرا سريا في اتجاهين الاتجاه الأول، بري يقود إلى واحة سيوة، وبالتحديد معبد " آمون " و " عين كليوباترا "، والممر الثاني بحري يقود إلى بيروت ثم إلى مغارة جعيتا ) وسيتم الربط لاحقا بيافا التي تُسمى الآن ( تل أبيب )!. وهذه الأماكن كانت تُمثل لمصر أهمية خاصة، فقد كانت مستعمرات للدولة المصرية القديمة، عندما زحف تحتمس الثالث بجيوشه ليغزوها، ويقيم أول أمبراطورية في التاريخ، ونشر إخناتون ديانته التوحيدية الجديدة، وسرعان ما انتشرت في تلك البلاد، كأول ديانة عالمية. وسيتم الربط لاحقا ببئر زمزم. إذن مسارات الأماكن والربط الذكي والعبقري بينها، أصبحت ذات دلالة، وتحمل رمزية لا يمكن تجاهلها، وهذا ما سيتضح جليا عندما نتحدث عن مسارات الرواية، المسار السياسي والمسار التاريخي والمسار الثقافي والاقتصادي وغيرها من المسارات، والعلاقات غير المرئية التي تربط بين هذه الأماكن والشخصيات سواء كانت ترابية أو مائية، أو أخذت من الاثنين. وبئر مسعود، الناس تتبرك به، ويلقون فيه بالعملات المعدنية، ويوشون تلك العملات بأمانيهم لكي تتحقق، فالعانس تتمنى الزواج، والعاقر تتمنى الحمل والإنجاب، والمريض يتمنى الشفاء، والمتعطل يتمنى العمل .... إلخ. إن هذا البئر الذي أسطره الكاتب، يتم الاحتفاء به سنويا، احتفال مهيب، وأسطوري، ويقدم لنا الكاتب هذا الاحتفال في لوحة فنية يتعالق ويتعانق فيها الفنتازي بالعبثي بالواقعية السحرية : ( أجساد نورانية تصعد نحو السماء، وأجساد مائية منيرة تهبط من السماء، وعزف موسيقي يخلب الألباب، هل هي موسيقى حوريات الجنة؟ وفتيات من النور والبلور يرقصن في الهواء، كأنهن راقصات باليه في عرض ملكي خاص، يرتفعن، ويدرن، ... ) ص60 ويمكن تتبع الواقعية السحرية المدهشة ص82، ص98، وحفل الزفاف تحت الماء ص110، وروح أنطونيو التي تحلق ص138 وغيرها من الصفحات. ..... المسار الثقافي : 1 – توظيف الشعر والأغاني توظيفا رائعا، فقد يأتي أحيانا بقصيدة طويلة تتجاوز الصفحتين، وتنساب بنعومة وعذوبة في ثنايا السرد، ولا تعوق مجراه، ولا تبتر الحكاية، ويأتي الشعر في الرواية إثراء للسرد، ويضيف إليه، وخاصة أن الكاتب يعرف كيف يوظفه التوظيف الأمثل، وكثرة الأشعار في هذه الرواية، جعلت الرواية أكثر اقتصادا واكتنازا وتكثيفا، فقد يأتي ببيت أو بيتين من الشعر يغنيه عن سرد صفحات، ولذلك خلت الرواية من الحشو والزوائد واللغو والثرثرة. أنظر إليه وهو يوظف مقطع من أغنية لمحمد عبدالوهاب : المية تروي العطشان / وتطفي نار الحيران / يا سلام على الميه ) ص6 ومقطع آخر من أغنية لعبدالحليم حافظ : ( يا أحلى بحر وأحلى رمل وأحلى ميه / وشبابنا وحبنا يا اسكندرية ) ويوظف مقطعا من أغنية لليلى مراد : يا ساكني مطروح جنية في بحركم / الناس تيجي وتروح وأنا عاشقة حيكم ) ص27 ويردد الماء العاشق مقطع من أغنية : ( باحب اتنين سوا / يا هنايا في حبهم الميه والهوا / طول عمري جنبهم ) ص51 وهذه الأغاني تأتي في سياق مديح الماء. ولأحمد فضل شبلول حضوره كشاعر، فله قصائد كثيرة مبثوثة في الرواية وفي ثنايا السرد، وصارت مع السرد لحمة واحدة، وهذه القصائد موظفة توظيفا جميلا في السير بالحدث، والدفع به قدما نحو الأمام، وفي تطويره، وساعدت في تماسك الحبكة، والكشف عن خبايا الشخصيات، وفي مديح الماء أيضا له قصيدة جميلة ( الماء خليلي ) ص7، وقصيدة ( انثري العطر ) ص19، وقصيدة ( كل صباح ) ص ص : 31- 32، وقصيدة ص ص : 61- 62، وأغنية ص111 وما بعدها، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. 2 – حضور المسرح في النص الروائي والإشارة إلى المسرحيات التي تناولت كليوباترا في الأدب العربي والعالمي ص ص : 25 – 26 3 – الاستشهاد من شعر أحمد شوقي في مسرحيته ( مصرع كليوباترا ) ص53، ص ص : 138 – 139 وغير هذه الصفحات. 4 – تبدو في مقاطع كثيرة ولع الكاتب وخبرته بفني الرقص والموسيقى، انظر على سبيل المثال لا الحصر ص ص : 80 – 81 5 – اللغة القاموسية أو المعجمية : أنظر ما قاله في المرأة المنتنة الريح، وما قاله أيضا في المرأة طيبة الريح. ويمكن الرجوع إلى ص 49 وغيرها من الصفحات. 6 – أورد في الرواية ذكر الكثير من الأفلام والممثلين وقادة وأدباء ... إلخ 7 – الاهتمام بالجانب المعلوماتي سواء كانت معلومات علمية أو تاريخية أو سياسية أو ثقافية، أنظر إليه مثلا وهو يقدم لقارئه معلومات عن العطر عند العرب وعلاقتهم بالعطور ومعرفتهم بها منذ الأزمنة السحيقة ص 74 ومعلوماته الوفيرة عن الماء، فهو يعرف كيف يقدم المعلومات بكثافة، وبالقدر الذي يخدم الموضوع الذي يتناوله، وأحيانا تأتي كأنها أبحاث قصيرة، أنظر إليه مثلا وهو يتحدث عن الغدد العرقية، وكأنه يقدم لقارئه مبحثا في الطب، ومبحثا في العطور، وأجمل ما في هذه المباحث أنها تقدم المعلومة والمعرفة دون أن تكون عبئا على الرواية، فالكاتب يقدم كل شيء بمقدار وبنسب متكافئة ومتوازنة، لا تقتير ولا إفراط، وكما قدم معلومات عن بئر مسعود، وتل أبيب وبيروت ومرسى مطروح والإسكندرية وبئر زمزم وغيرها، قدم أيضا ما هو أقرب إلى التراجم مثل ما قدمه عن بشر الجوهري على سبيل المثال. ... المسار التاريخي. استخدم الكاتب المادة التاريخية في نصه الروائي، وأعاد إحياء شخصيات تراثية وتاريخية، مثل : الإسكندر المقدوني، ويوليوس قيصر، ومارك أنطونيو، والحضور الأبرز لكليوباترا، الشخصية التاريخية المختلف عليها، والتي أثارت جدلا كبيرا في حياتها وبعد مماتها، يستعيد تلك الملكة التي جاءت ( من نسل البطالمة أو البطالسة الذين حكموا مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر، ولكنهم تمصروا، وكان يُطلق عليها كليوباترا السابعة ) ويستعيد معركة أكتيوم الشهيرة ورفض كليوباترا الخضوع إلى إرادة المنتصر ص67، وما جرى في تلك الموقعة واحتلال الرومان لمصر، وصراع الفرس والروم على الحدود المصرية ص ص : 99 – 100 جمع الكاتب مادة وفيرة عن كليوباترا، ونثرها في الرواية، ويحاول القارئ أن يلملم نثار هذه المادة المبعثرة، لتتشكل في النهاية صورتها أمام عينيه، وبدت هذه المادة المبعثرة كالصلصال في يد الكاتب، ليصنع منها تمثالا لهذه الملكة المثيرة للجدل، فما زالت شخصية كليلوباترا، مانحة، وقادرة على الإشعاع، ولم يقدمها الكاتب بأسلوب أو طريقة نمطية، ولكنه استخدم حيل وأساليب فنية جديدة أخرجتها من المعتاد والنمطي والتقليدي، ويستطيع القارئ أن يتصور شكل الفيلم، الذي كتب له السيناريو والحوار، عمر ياسين، وساهم عبدالصمد المكي معه في إنتاجه، وقام بدور كليوباترا هدى إسماعيل والفنانة ليلى علوي، وأخرجه المخرج المعروف خالد يوسف، ونال الفيلم الحفاوة الطيبة في مهرجان ( كان ) السينمائي، وكان قاب قوسين أو أدنى من الحصول على السعفة الذهبية، لولا تدخل بعض الدول، لمنع الفيلم المصري من الفوز! من حوار لعمر مع كليوباترا تحت الماء : ( أنا لم أمت في العام 30 قبل الميلاد يا عمر، كما تقول الكتب ويذكر بعض المؤرخين، لكن نجحت في الهروب من الغرفة التي حاول أن يأسرني فيها أكتافيوس أغسطس – الذي للأسف سموا شهر أغسطس باسمه، ولم يسموا يوما بإسمي أو اسم أنطونيو أو حتى قيصر اتجهت للشاطئ وسبحت فيه طويلا إلى أن التقيت أم الماء التي فحصت جسدي، أنبأتني أن سمّ ثعبان الكوبرا الذي وضعته على رقيتي ما هو إلا ماء الخلود الذي سرى في جسدي، اقنرحت أن أعيش معها هنا وأنسى كل ما حدث لي، وافقتها على الرغم من ذلك هناك من جُنّ بي ووصل جنونهم إلى الإدعاء بأنني اتخذت كيان مريم العذراء وانجبت المسيح عليه السلام ) ص 101 والماء العاشق هو أول من ذهب من مكة مع كليوباترا إلى الإسكندرية في قصرها على البحر المتوسط، وكليوباترا هي من ألقت بالأسرار في بئر مسعود، قبل أن تطأه أقدم بشر الجوهري الشيخ المبروك، والذي عُرفّ فيما بعد بسيدي بشر. والكاتب عموما اهتم بالمادة التاريخية في روايته، فيذكر تاريخ بئر زمزم، وقصة هاجر المصرية ورضيعها إسماعيل، وترك إبراهيم عليه السلام لهما، في هذا المكان القحط الذي لا زرع فيه ولا ماء، إلى آخر هذه القصة المعروفة. ويذكر بعضا من تاريخ الإسكندرية، التي ظلت مقرا للحكم تسعة قرون، ونتفا من تاريخ القاهرة، وتاريخ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص في عهد عمر بن الخطاب، ورفض العرب الإقامة بالإسكندرية، لأنهم لا يجدون الحرب في الماء، فاختاروا الأماكن المناسبة لهم، القطائع، فالفسطاط، وأخيرا القاهرة، وسرد الكاتب تاريخا موجزا للجكام المسلمين الذين حكموا القاهرة، وصولا إلى حكم الدولة الفاطمية، ويعرف بها كإحدى فرق الشيعة، التي تشيعت للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويضيق المقام هنا عن ذكر الوقائع والأحداث التاريخية، ونحن نشير فقط إلى هذا المسار والملمح المهم في الرواية. .......... المسار السياسي والاقتصادي وسنقتصر في هذا المسار على العدو الإسرائيلي، الذي أبرزه الكاتب في أكثر من ثلاثة فصول، تحت العناوين الاتية : سفينة إسرائيلية، عاتيد بن يامين، جولة في تل أبيب. في رحلة عمر وهدى الثانية سباحة تحت الماء من بئر مسعود إلى بيروت، وبرفقتهما مسعود، وبمباركة أم الماء، تصطاد سفينة إسرائيلية عمر وهدى، ويفر مسعود، فمسعود كائن ترابي مائي، له قدراته الخاصة والخارقة، ويستجوبهما قائد السفينة، ولا يقتنع بحديثهما عن زجاجة عطر كليوباترا، رغم أن عطر هدى يعبق في المكان، ويرسلهما إلى تل أبيب، ويلتقيان بعاتيد بن يامين، وهو يهودي من أصل مصري، وُلد جده لأبيه بحارة اليهود بالإسكندرية، وعمل بتجارة الذهب، وكان يعشق الإسكندرية، ويعشق مصر، ويحكي لهما عاتيد عن جده، وعن ندمه لتركه الإسكندرية والقدوم إلى تل أبيب، وعمل في تل أبيب في تجارة العطور بدلا من الذهب، فتجارة الذهب ليست رائجة كما هي الحال في الإسكندرية، وحببه جده في مصر، وعلمه العربية، ويجيدها بطلاقة، وعرّفه كل شيء عن مصر، أهلها، وناسها، حواريها وشوارعها، مقاهيها وأزقتها، يعشق أم كلثوم وأغانيها، وهي مطربته المفضلة، ومتيم بنجيب محفوظ ورواياته، قرأها كاملة، ويحفظ مقاطع كثيرة من رواياته، وخاصة روايتي الحرافيش وأولاد حارتنا، وهو يحلم بالعودة إلى مصر، ونكتشف في النهاية أنه يحلم بالعودة ليستعيد أملاك جده، وليشتري ويتاجر في مصر، ودار بينه وبين عمر وهدى حوارات مطولة، استنكر فيها عمر وعد بلفور، واغتصابهم لأرض فلسطين، والتوسع والاستيطان منذ 1948م، و1967م، ومازل حتى اليوم يتم قضم الأراضي وطرد السكان الفلسطينيين، وتطرق الحديث إلى معاهدة السلام، وفي النهاية نجح عاتيد بن يامين في الحصول على زجاجة عطر الملكة كليوباترا مقابل مبلغ عشرة ملايين دولار، وهذا المبلغ أضعاف أضعاف ما عرضته الشركة الفرنسية عليهما، وقد قبلا بيع قنينة العطر له تحت تهديد تهمة الإرهاب وبأنهما قادمان لتنفيذ عمليات إرهابية، وقد أرسلت لهما أم الماء ( جنية البحار ) رسالة تطلب فيها منهما قبول العرض حرصا على حياتهما، كما نصحهما بعض أصدقائهما بأن سلامتهما أهم من قنينة العطر، وأعد لهما عاتيد سفينة، بها الحقائب التي بها العشرة ملايين دولار، وامتعتهما، ووصلت السفينة إلى قرب المياه الإقليمية، لتجد سفينة أخرى في انتظارهما، وكان عليه مسعود، فنقلوا حقائب الأموال والأمتعة، وطار مسعود بالسفينة ووصل في لمح البصر إلى سيدي بشر، حيث يعيش عمر. يرسل الكاتب إلى قرائه رسالة مبطنة، يشير فيها إلى معاهدة السلام وزمن الانفتاح، ويشير إلى هذين القرارين، اللذين كانا السبب في تغير الشخصية المصرية، وتحولها مائة وثمانين درجة، من نظام اشتراكي إلى نظام رأسمالي، وكان التزاوج بين الاقتصاد والسياسة، وأصبح عمر وهدى من الأثرياء، وانتقلا للعيش بإحدى الفيلات في أرقى الأحياء بالإسكندرية، وترك عمر شقته بسيدي بشر، وتركها أيضا الماء العاشق، وتركت هدى شقتهم في ( كليو باترا حمامات ). الكاتب يفرق تماما بين اليهودية كديانة التي لا يعترف بكتبها عاتيد والصهيونية، الصهيونية التي أباحت لنفسها سرقة الأرض، وسرقة كل شيء، حتى المتحف في تل أبيب، معظم لوحاته الفنية، والموسيقى، يحاولون نسبتها إليهم، وعاتيد الذي حصل من عمر وهدى على عطر الملكة كليوباترا بطرق ملتوية، وغير مشروعة، نسبه إلى نفسه، وله فروعا في معظم أنحاء العالم، ويريد أن يفتح فرعا له بالقاهرة، هل يمكن أن يدخل إلى القاهرة في زمن العولمة والسموات المفتوحة، والاستثمار ومحاولة جذب المستثمرين، وتشجيعهم وتقديم التسهيلات لهم، هذا العاتيد ذهب إلى الإسكندرية بجواز سفر أمريكي ليشتري شقة عمر بسيدي بشر، وكان على استعداد أن يدفع للسمسار مبالغ خيالية في سبيل تسهيل تمكنه من الشقة، وهل كان عاتيد ومن على شاكلته هم الذين وقفوا حجر عثرة في حصول فيلم كليوباترا على السعفة الذهبية، ليصبح الطريق مسفلتا أمام فيلم إسرائيلي أمريكي ( انتاج مشترك ) للحصول على السعفة الذهبية؟ إن الاقتصاد أصبح يلعب دورا خطيرا في السيطرة على الدول من خلال الشركات العملاقة والعابرة للقارات، وبعض الدول بدأت تسيطر على دولا أخرى من خلال هذه الشركات، هل هذا ما تحاول أن تفعله دولة الكيان المحتل الغاصب مع مصر وغيرها من الدول المجاورة لها؟ ظهور عبدالصمد المكي في مكة، الذي اشتم عطر هدى، وهي تعتمر مع عمر، وقد ذهبا إلى مكة خصيصا من أجل الحصول على قنينة العطر التي دفنتها الملكة كليوباترا منذ أكثر من 2050 سنة – أي قبل الإسلام بزمن طويل، وقبل ميلاد المسيح بقليل، ساعدهما عبدالصمد المكي بكل نفوذه وإمكاناته ومحبته لهما، ورغبته أيضا مشاركتهما في زجاجة العطر التي تساوي ملايين الملايين من الدولارات، وينجحون في النهاية في الحصول على زجاجة العطر، ويبيعونها للشركة الفرنسية، ويذهب ثلاثتهم إلى باريس، ويتفقون مع الشركة الفرنسية، على بيعها لهم مقابل ثمانية ملايين يورو، ويكون عبدالصمد المكي ( أبو فهد ) شريكا للشركة الفرنسية، ويتم فتح فروعا لها بمصر والسعودية، وقد أبان الكاتب عن الصراع والتنافس بين شركة عاتيد والشركة الفرنسية، هل يعود عاتيد بن يامين إلى مصر مرة أخرى، وثالثة ليحقق حلمه، أعتقد أنه لن ييأس، فإذا كان السمسار صاحب المقهى المقابل لشقة عمر بسيدي بشر، فور أن عرف من عمر بأنه إسرائيلي، طرده ورفض التعامل معه، رغم أن هذا السمسار وصاحب المقهى، يستثمر المقهى في أعمال منافية للأداب ومخالفة للقانون، ورغم ذلك رفض التعامل مع هذا الصهيوني، المتخفي والمتنكر في رداء أمريكي، ولكن للأسف هناك من أصدقاء عمر الحميمين، صاحب محل العطور، الذي أبدى استعداده للتعامل مع شركة عاتيد، وفتح فرعا لها بالإسكندرية وآخر بالقاهرة! ) .......................................................................... ....................................................................... وكتب الكاتب والناقد أحمد عثمان ورقة نقدية، جاء فيها : (تُعدُّ رواية "ثعلب .. ثعلب" هي الجزء الأوسط بين ثلاث روايات تكوِّن الثلاثية الروائية المسماة "الماء العاشق" وهي( الماء العاشق – ثعلب .. ثعلب – الرحيمة)، ولما كنت قد اخترت رواية "ثعلب .. ثعلب" للقراءة ويكون لي شرف المشاركة في الاحتفاء بهذه القامة الكبيرة من خلال الأمسية الأدبية التي أقامها مختبر السرديات بفرع النقابة العامة لاتحاد كتاب الشرقية ومدن القناة وسيناء .. لم أكن أعلم أن هذه الرواية هي جزء من ثلاثية ، وتمثل وسطها (الجزء الثاني) .. لذلك غُصت في بحرها وأنا أجهل أحداث الجزء الأول، وتعاملت معها كرواية مستقلة، لذا لزم التنويه كان أول ما قابلني من شخصيات الرواية - والتي جاءت على لسان الرَاوية الممثلة، التي أحبطها وزوجها (عمر) فشل فيلمهما الثاني الذي أتى على جميع مدخراتهم – هي شخصية (عباس النورس)، والملاحظ ما تبدَّى من مقدرة كاتبنا الكبير في أنه لم يقدم لنا أوصافًا ومعلومات جاهزة حول هذه الشخصية، ولكنه ترك لنا أن نكوِّن انطباعاتنا عنها -سلوكًا وأخلاقًا – من خلال ما ينثره عبر السرد عن طبيعة نشاطه المهني، وما ينتهج من تصرفات حياتية في تعامله مع الآخرين .. فهو يمتلك كافتيريا ملاصقة لشقة عمر التي ورثها عن أبيه، ولأن هذا النورس كان دائم الطمع في الحصول على هذه الشقة لتوسعة المكان؛ فقد نجح - من خلال الضغط والإلحاح ووضع نفسه رهن إشارتهما لتقديم الخدمات – في الحصول عليها مستغلا الضائقة المالية التي يمر بها عمر وزوجته، فيضمها لتزداد مساحة كافتيريته التي تحوم حولها الشبهات كونها ملتقى فتيات الليل وتجار الحشيش والمخدرات، لك أن تستشف من وراء هذا بعضًا من تكوينه الشخصي والأخلاقي .. وفي إطار الادعاء بتقديم خدمات مجانية – وأظنها ليست مجانية، وهو ما سوف يتبين لنا ربما مع تقدم السرد – فيعرض قرضًا حسنًا على عمر يعينه على ضائقته .. كما يرفض أن يتقاضى منه عمولة – كأي سمسار – بعد ما أوجد لهما مشترٍ خلال يومين للشقة الفاخرة التي كانا يمتلكاها في الفورسيزون، وبالسعر الذي حدداه باعتبار أن هذه الخدمات يؤسس بها لرغبات وأطماع يدَّخرها للمستقبل الذي يخطط له .. فالكاتب لم يقل لنا أن (عباس النورس) هذا شخصية انتهازية نفعية، تستغل ما يعنُّ لها، ويقع في حِجرها من ضائقات الآخرين لصالحه، ولم يقل لنا أنه أخلاقيًا يحمل لقب (قواد) بامتياز، فهو لا يمانع أن تتخذ فتيات الليل وتجار الحشيش والمخدرات، ومن يتبعهم بالتالي من المدمنين وراغبي المتعة الحرام والبلطجية، لا يمانع أن يتخذ كل هؤلاء من كافتيريته وكرًا لممارسة كل هذه الأعمال المنافية للآداب العامة والقانون والخُلق القويم .. ترك لنا الكاتب أن نقول نحن ذلك من خلال ما بثه لنا في ثنايا الحكي الذي ربما يكشف لنا عن صفات وسلوكيات أخرى لهذه الشخصية مع تقدم السرد .. وبدون مقدمات ينقلنا الكاتب من أجواء الواقعية ليخطفنا إلى فضاءات الفانتازيا – كل ذلك ونحن ما زلنا في بدايات السرد، الذي ربما يكون تأسيسًا لما هو قادم – فنرى أن ثعلبًا ذو فراءٍ جميل – وفق وصف الرَاوية – يمرُّ كل صباح أمام العمارة التي تسكن طابقها الثاني، ويرفع رأسه حتى الدور الثاني ليتشمم رائحة ما في الهواء (هل لفت نظركم أن هذا الثعلب القميء، الصغير الحجم – في الطبيعة – يصل طوله إلى ارتفاع طابقين ..! تقول الرَاوية: ( .. يمر كل صباح أمام العمارة، رافعًا رأسه حتى مستوى الدور الثاني، ليتشمم رائحة ما في الهواء) وفي لقطة أخرى، على لسان الرَاوية أيضًا، حول حملات التشهير بها وزوجها ما قيل من أنَّ سبب ثرائهما الحالي – بعد ضياع مدَّخراتهما نتيجة فشل فيلمهما الثاني – كان ناتجًا عن جنيهما الملايين من وراء بيعهما زجاجات العطر التي وجداها في حمام كليوباترا في مرسى مطروح، وأيضًا بالقرب من بئر زمزم بمكة المكرمة، وأماكن أخرى ..! ما يهمني هنا ليس سبب الثراء، ولا حملات التشهير، ولكن هذه الغرائبية المرتبطة بزجاجات العطر التي يبيعونها، والجمع بين مكانين متباعدين، لا علاقة لأحدهما بالآخر، هما حمام كليوباترا بمرسى مطروح، وبئر زمزم بمكة المكرمة .. ننتقل إلى ملمح آخر من فصل (الشم المرئي): والذي يؤسس لظاهرة تناولتها الرَاوية حول [رؤية الرائحة]، وتستدعي الثعلب في السياق، فتقول: ( هل ارتبطت رؤيتي للرائحة بظهور الثعلب الوزير، هل هو الذي أوحى لي بذلك؟)، ثم تروي قصة ( تتشابه مع حكايات كليلة ودمنة ) لذلك النمر الذي أراد اختيار وزيرًا له، فأجرى اختبارًا بين خنزير وثور وثعلب، متسائلًا: أيهما أحسن رائحة، نفَس النمر، أم نفَس الخنزير؟ ليفوز الثعلب حين ادعى أنه لم يشم أي من رائحتي النمر أو الخنزير، مُتحججًا بأنه مصاب بالبرد .. وفي هذه الفقرة تقول الرَاوية: [ولا يزال الثعلب الوزير يرفع أنفه إلى أعلى ليخبر من يقابله أنه لا يستطيع أن يشُم، ولكنه إذا ذهب عند البحر يرى )جسمًا) بسيطًا ذا رائحة نتنة، يُستخرج من مياه البحى غي شكل (سائل أحمر سام) رمزه العلميBr ويطلق عليه البروم، فيتجاوزه إلى أماكن أخرى ليشم روائح زكية] ● وهنا اعترضني تساؤل: كيف هو (جسما) بسيطًا ذا رائحة نتنة، وفي نفس الوقت هو(سائل أحمر سام)؟ كيف هو جسم وسائل في نفس الوقت؟ ربما هي ظاهرة بحرية أجهلها بحكم كوني ابن الأرض، ولست ابن البحر كما كاتبنا الكبير الذي من المؤكد لديه تفسير لهذا فإذا تدنا إلى الفقرة السابقة وما ورد قبلها؛ لتبين لنا صفات ومؤهلات هذا الثعلب (أو المتثعلب) التي أهَّلته ليكون غي هذا المنصب الرفيع (وزير) .. فهو يشُمُّ ويدَّعي أنه لايشم؛ متعللًا - كذبًا – إصابته بالبرد .. قس على ذلك أنه يرى كل ما يجري أمامه، فإذا سألته يقول: أصاب عيني العّشّى فلم أر ..! وكذا أيضًا عن السمع، فهو يسمع ولا يسمع .. أي أنه من الصِنف الذي يحبه ويفضله ويبحث عنه ذوو الشأن والمكانة، ولِما لا؟ وهو الذي لا يشم ولا يسمع ولا يرى، وبالتالي لن يصدر عنه ما يُغضب أسياده، رافعًا شعار (لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم) كل ذلك عكس ما يضمر، إنه رجل كل العصور، وكل القصور، يتنقل بينها بسلام .. يُجيد – في تكوينه الشخصي – المُداهنة، والتملق، والنفاق؛ إيثارًا للسلامة والنفعية، حتى لوكان ذلك على حساب كينونته أو كرامته .. تصفه الرَاوية بأنه: (.. ذكي في تعامله مع الحيوانات والبشر، ولهذا أصبح وزيرًا، وما شُهرته بالتحيُّل والروغان سوى نوع من أنواع الذكاء الاجتماعي الذي نحتاج إليه في بعض الأحيان ..) ● ولا ينسى الكاتب أن يزوِّد قارئه من خلال هذا الفصل (الشم الرائي)، والفصلين التاليين (عين الثعلب، أسد بالت على رأسه ثعالبه) ببانوراما وافية عن كل ما يتصل بهذا الحيوان الذي هو عنوان ر ايته، فيذكر شكله -في تشريح ظاهري – وأوجه الاختلاف بينه وبين باقي الفصيلة الكلبية التي ينتمي إليها، ثم يعدد أنواع الثعالب، وأوجه التمايز بينها، ويذكر مواطنها التي تعيش فيها، وطبائعها .. ولا ينسى – وهو الشاعر والروائي – ما قيل فيه شعرًا ، فيثبت منها كثيرًا من المقتطفات على امتداد السرد، ولا ما روي عنها من حكايات كهذه الحكايات التي يرويها "إيسوب" .. بل لا ينسي تناوله من خلال فن الرسم ، وكيف أنه رُسم على زجاج الكاتدرائيات (كما في كاتدرائية إيلي بكمبردج، وكاتدرائية ويلز) ، كما تناوله الروسي ميخائيل نيستيروف في لوحته "الثعلب الصغير"، وتناوله أكثر من رسام في لوحات تحت مسمي واحد هو "الثعلب واللقلق" .. بل ولا يفوته التناول اللغوي لمادة "ثعلب"، وأخيرًا، يزودنا بما يمثله الثعلب من خلال تناوله في تفسير الأحلام .. ● وفي سؤال يستثير شهية القارئ للإيغال؛ تقول الرَاوية: [ إن الفنان الروسي (صاحب لوحة الثعلب الصغير) يُشعرنا برابطة روحية ما بين الطبيعة وبقية المخلوقات، وهي الرابطة التي أشعر بها نكو ثعلبي الذي اختفي داخل بئر مسعود .. هل هو مسعود بعد أن تحول إلى ثعلب؟] ___ وهنا توقفت، فلم يسعفني ضيق الوقت لاستكمال السباحة في خضم الرواية بغرائبيتها المثيرة للشغف ، فعذرًا .......... ) ...................................................................... ...................................................................... . ومن ورقة نقدية للكاتب أحمد عبده : ( في رواية " الماء العاشق " تجلى الخيال عند الكاتب أحمد فضل شبلول، خيال الشاعر تجلى في السرد، استطاع الكاتب أن يخلق فضاء روائيا لفكرة الماء وكيف يكون عاشقا؟ وهي الفكرة – مع اختلاف الموضوع - في روايته الأخرى " الحجر العاشق ". اللغة في الرواية لغة فنية، شاعرة، وفي سرده مناطق مشعة، جاءت في سياق غرابة الموضوع أو غرائبية السرد، غرائبية الطرح، فكرة الماء العاشق ليست مطروحة على قارعة الطريق، ولكن خيال الشاعر م الروائي أحمد شبلول نفخ في الفكرة، فكوّن منها هذا العالم السردي البديع ) ................................................................. وتوالت المداخلات والقراءات النقدية من الأدباء والشعراء والنقاد : الدكتور كارم عزيز، الشاعر والمترجم حسن حجازي، الشاعر والكاتب نبيل مصيلحي، الأديب والناقد بهاء الصالحي، الشاعر السيد داود، الأديب صلاح هلال حنفي، الأديب هيثم القليوبي، الشاعر صلاح يوسف، الشاعر خليل الشرقاوي، الشاعرة والكاتبة هالة فوزي، وعقب على المداخلات الشاعر والمترجم السيد النماس.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربة نقدية في رواية ( الماء العاشق) للشاعر والكاتب أحمد فض
...
-
رواية (من جراب الكونغر) للكاتب أحمد عبده على طاولة النقد بقص
...
-
شهر زاد ( دكتورة هيام عبدالهادي صالح ) وحكاياتها على طاولة ا
...
-
مقاربة نقدية في رواية ( طار فوق عش الخفاش ) للكاتبة هيام عبد
...
-
أدباء وشعراء ونقاد الشرقية يتحلقون حول ديوان ( حكاية سريالية
...
-
المجموعة القصصية ( السقوط من البندول ) للكاتب أحمد عثمان على
...
-
التجربة الإبداعية لفكري داود بمنتدى السرديات باتحاد الكُتّاب
...
-
سردٌ يلامس الروح.. قراءة في رواية -زمن نجوى وهدان- لمجدي جعف
...
-
( السرد الحاوي ) لفرج مجاهد على طاولة النقد بالمركز الدولي ل
...
-
نظرات في شعر حسين علي محمد ( طائر الشعر المسافر )
-
مقاربة نقدية في الرواية الشعرية ( آخر أخبار الجنة ) لحزين عم
...
-
مقاربة نقدية
-
وداعا لآلام مرضى كسور الضلوع
المزيد.....
-
قناطر: لا آباء للثقافة العراقية!
-
المخرج الايراني ناصر تقوائي يودَّع -خاله العزيز نابليون-
-
إنجاز جديد للسينما الفلسطينية.. -فلسطين 36- بين الأفلام المر
...
-
وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية -
...
-
موسم أصيلة الـ 46 يكرم أهالي المدينة في ختام فعاليات دورته ا
...
-
الوجع والأمل في قصص -الزِّرُّ والعُرْوَة- لراشد عيسى
-
المخرج المصري هادي الباجوري يحتفل بعقد قرانه على هايدي خالد
...
-
سينمائيو بلغاريا ينصرون غزة ويغضبون إدارة مهرجان -سيني ليبري
...
-
سينمائيو بلغاريا ينصرون غزة ويغضبون إدارة مهرجان -سيني ليبري
...
-
تايلور سويفت تواصل تحطيم الأرقام القياسية.. بيع 4 ملايين نسخ
...
المزيد.....
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|