كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 23:01
المحور:
الادب والفن
ما عادوا كما كانوا. عادوا وفي عيونهم نيازكُ لم تسقط بعد، وفي أفواههم مذاقُ رمادٍ يشبه الحقيقة. كلّ خطوةٍ يمشونها تُصدر صدى انفجارٍ قديم، كأنّ الأرض لا تزال تتذكّر وقعَ أجسادهم وهم يركضون نحو موتٍ لم يكن عدوّاً بقدر ما كان مرآة.
الرجال الذين شهدوا الحرب يعرفون شكلَ الضوء حين يُنزَع من صدر إنسان، ويعرفون كيف تُصبح السماءُ ثقيلةً حين تُفكّر في الله أكثر مما يحتمل الهواء. يبتسمون للأطفال بحذر، كأنّ الضحك قد يُوقظ جثّةً كانت نائمة فيهم منذ سنوات. وحين يحدّقون في المدى، ترى في نظراتهم خريطةً للدمع أوسعَ من المحيط.
الرجال الذين شهدوا الحرب يحملون أصواتَ رفاقهم في جيوبهم، كتمائم من طينٍ ومعدنٍ وصلاة. أصواتٌ تهتف في الليل: لا تنسَ... لا تنسَ. لكن النسيانَ، مثل المطر، يتسلّل من بين الأصابع، ويبلّل وجوههم في النوم، فيستيقظون وفي أعينهم شمسٌ مكسورة.
الرجال الذين شهدوا الحرب لم يعودوا يبحثون عن البطولة، بل عن معنى أن يبقى القلبُ نابضًا في عالمٍ يمكن أن ينهار بلحظة. يؤمنون أنّ السلامَ ليس غيابَ الطلقات، بل لحظةُ صمتٍ تقدر أن تحتملها الروح دون أن تنفجر.
هم أبناءُ الكواكب التي احترقت ثم أضاءت، أبناءُ الأزمنة التي عرفت كيف تُعيد تكوين نفسها من العدم. وحين يسيرون بيننا، نشعر أنّ الكونَ يمرّ فيهم مثل مجرّةٍ تتذكّر أصلَها الناريّ.
الرجال الذين شهدوا الحرب لا يموتون حين يسقطون، بل حين لا يجدون أحدًا يُصغي إلى ما لم يقولوه.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟