كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 21:38
المحور:
الادب والفن
متى يموت المكان؟ حين يرحل الذين منحوه الحياة بأقدامهم، بضحكاتهم، بدموعهم الصغيرة التي تبخّرت في زواياه دون أن تراها الشمس.
يموت المكان عندما تُغلق فيه النوافذ على صوتٍ لم يعد يأتي، عندما يتوقّف الباب عن الأنين، لأن أحدًا لم يعد يطرقه… يموت، لا لأنه تَهاوى، بل لأنه توقّف عن التذكّر.
---
المكان لا يموت حين يُهدم، بل حين لا يعود أحدٌ ليقول: هنا كنتُ سعيدًا. هنا انتظرتُ ولم يأتِ. هنا فقدتُ شيئًا لا يُعوّض.
المكان هو الجسدُ الثالث بين العاشقين، هو ذاكرة الحجر، هو عرقُ الجدّات على الأرائك، هو رائحة الخبز، والظلّ الطويل لساعة الحائط القديمة.
يموت المكان حين تُنزع عنه صفة الأمان ، حين يصبح محايدًا ، كأنه لم يعرفنا، كأنه لم يشهد بكاءنا في زواياه ولا ارتعاش أملنا في أركانه.
---
المكان ليس جمادًا، إنه كائن يعيش على ما نمنحه من روح. كل مقعد جلسنا عليه، كل جدار أسرّ لنا سرًّا، كل رصيف ودّعنا فوقه أحدًا، كان حيًّا بنا… وحين نسيناه، تحوّل إلى غبار.
---
متى يموت المكان؟ حين نصبح غرباء في حضرته، حين نمرُّ فيه كما يمرُّ الغريب على أطلالِ لغةٍ لا يعرفها، حين نكفّ عن سماع أنينه الصامت، حين يتوقف عن مناداتنا بأسمائنا القديمة.
---
يا أيها الراحل من بيتك، تُراك تدرك أنك حين غادرت، أخذت معك نَفَس الجدران؟ هل تعرف أن للمكان ذاكرة، وأنك كنتَ آخر القصائد المكتوبة على جدرانه؟
المكان لا يموت وحيدًا… بل يموت بنا. نحن نغلق قلبه حين ننكر أننا كنّا فيه، ونطمره حين نمضي دون أن نلتفت.
---
المكان لا يُغلق بالمفاتيح، بل بالنسيان.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟