كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 18:30
المحور:
الادب والفن
حين يلبس الوطنُ بزّةَ المعركة، ويُعلّق وسامَ الدم على صدرِه، يتحوّلُ الحقلُ إلى خندق، والشجرةُ إلى مرمى قذيفة، ويصيرُ الطفلُ درساً في الطبوغرافيا العسكرية.
في البلادِ التي يحكمها العسكر، لا تنمو الزهور إلا على أفواه البنادق، ولا تُعزَف الموسيقى إلا برتمِ الطبول الحربية، ولا يُحبّ أحدٌ أحداً إلا إذا كان الحبُّ مرسوماً في خطابٍ تعبويّ.
هناك، يُمنع الورد من الازدهار، وتُمنع القصائد من التنفّس، ويُمنع الصمت لأنه يُشبه التفكير.
---
كلُّ الطرق تؤدي إلى المقصلة، إلى زنزانةٍ بلا نوافذ، إلى قبرٍ بلا اسم، إلى نشرةِ أخبارٍ تبدأ بالموت وتنتهي بالموت.
يسيرُ الجنديُّ في الشارع، كأنه النبيُّ الجديد، وحولهُ الرصاصُ صلاتُهُ، والسلاحُ وصيّتُهُ، والأوامرُ قرآنه.
أمّا الشعراءُ، فقد عُلّقوا على أبوابِ الإذاعة، وغُسلتْ ألسنتهم بالبارود، فصاروا يبشّرون بموتٍ "مقدّس"، ويشتمون الحياة لأنها تُعيقُ النصر.
---
لماذا لا يعودُ الليلُ لليلِه؟ لماذا لا تعودُ القصيدةُ إلى كاتبِها؟ ولماذا أصبحَ النشيدُ الوطني مرثيةً جماعية؟!
---
في البلاد التي استولى عليها العسكر، يتحول المناضلون إلى مرتزقة، إلى أبواقٍ تسعل الموت، إلى شعراءَ يكتبون بالحبرِ المسفوكِ من رؤوسِ الرافضين.
---
في تلك البلاد، تسيرُ سياراتُ نقل الجثث أسرع من سياراتِ الإسعاف، وتُبنى المتاريسُ قبل المدارس، وتُفتَحُ المقاصلُ قبل قاعاتِ الدرس.
---
هناك، لا تعني كلمة "وطن" شيئاً سوى خريطةٍ محروقة تُعلّقُ على الجدار تحت صورةِ جنرالٍ يبتسمُ مثل تمثالٍ لا يُحِبّ أحداً.
---
السماءُ رمادية، والأنهارُ تفيضُ بالأسماء، والشمسُ ترتجفُ كلما سمعَتْ النشيد.
---
وحدها أمٌ في زقاقٍ مهدّم، تغنّي لطفلٍ لم يعد، تكتبُ ملحمةً من الدموع، تفوقُ كلَّ بياناتِ النصر.
---
أيّها العسكر، خذوا أرضَ الحربِ، واتركوا لنا قصيدةً ندفنُ فيها ما تبقّى من إنسانٍ في هذا الإنسان.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟