كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 15:02
المحور:
الادب والفن
البيوتُ لا تموتُ حين تُقصف، بل حين تغادرها القلوبُ خائفة، وحين تُغلقُ الأبوابُ من الداخل، إلى الأبد.
*
في المدنِ التي هربَ منها الضوء، وفي الأزقةِ التي اختنقتْ بدخانِ البنادق، تجلسُ البيوتُ كأراملَ قديمات، تنتظرُ من لا يعود. الجدرانُ، كانت تعرفُ أسماءَ الأطفال، وكانت تحفظُ ضحكاتِهم مثل آياتٍ مقدّسة في كتاب الطين.
*
لكن الحربَ، لا تقرأ، ولا تسمع، ولا تؤمنُ بشيءٍ سوى الصدى.
*
تمرُّ القذائفُ كأنها لا ترى الستائرَ المطرّزة بيد الجدة، ولا تعرفُ أن تلك الزاوية شهدتْ أول قبلةٍ بين عاشقين وآخر دمعةٍ سقطتْ في فنجان القهوة.
*
تذبلُ الأزهارُ في الحدائقِ الصغيرة، تجفُّ الأشجارُ كأنها فقدتْ لغتها، لكن… يبقى العطر. نعم، يبقى العطرُ عالِقاً على الجدرانِ المتآكلة، كأن الأرواحَ رفضتْ أن ترحل.
*
في كلّ بيتٍ مهجور، يعيشُ شبحُ أمٍ كانت تعدّ العشاء حين انطفأت الكهرباء، وروحُ أبٍ خبّأ أطفاله تحت الطاولة وخبّأ قلبه في صدره المرتجف.
*
وفي الزاويةِ حيث اعتاد الضوءُ أن يلعب، يسكن الآنَ ظلامٌ يتكلمُ لغةَ الدمار.
*
الحربُ ليست بطولة، ولا انتصار، إنها لعنةٌ يكتبها تجّارُ الدم بمدادِ الأطفال.
*
أيتها الحروب، أنتِ لا تعرفين الحب، ولا تنصتينَ للأغاني، ولا تفهمين لماذا تضع الأمهاتُ الوردَ على النوافذ.
*
هذه البيوتُ لم تُبْنَ لتكون أهدافاً، بُنيت لتُحِب، لتطبخَ الأمل، وتربّي الأحلامَ على أكتافِ الوسائد.
*
من سيزرع الورد الآن؟ من سيعرف أن تحت هذا الركام كان يعيشُ طفلٌ يؤمن بأن الله يشبه وجه أمه؟
*
يجب أن تُدان الحرب، يجب أن يُحاكم القتلة، ليس فقط لأنهم قتلوا الناس، بل لأنهم قتلوا الذاكرة، وأحرقوا العطر، وسرقوا الضوء من عيون النوافذ.
*
كل بيتٍ مهجور صرخةٌ في ضمير العالم. وكلّ جدارٍ مهدوم وصيّةٌ تقول:
لا تتركوا الجمال يموت.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟