كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 11:28
المحور:
الادب والفن
في تلك الليلة حيث انكسرتْ المرايا القديمة في صدري، وحيث كانت اللغاتُ تموت على حدود أفواهنا المرتجفة، أخذتِني كما يأخذ البحرُ صخرةً هجرت الجبلَ منذ قرون، وكان لباسُكِ — ذاك النمريُّ — يُشبه قطيعًا من الظباءِ الهاربةِ من صيدٍ قديم، أو رايةً مهزومةً من نصرٍ لم يحدث بعد.
*
أولا، تذكّرين كيف خلعنا أوطاننا كما تُخلَع الأحذيةُ عند أبوابِ المعابد؟ كنا نضحكُ كمن يتيمّمُ على حطامِ الخريطة، نحمل الجراحَ في جيوبِ معاطفنا ونَخُطّ على بشرتنا أسماءَ المدنِ التي أُحرِقت. أولا، تذكرين؟ كيف تشقّقتِ مثل قصيدةٍ نُسِيَت في فمِ شاعرٍ مقتول، حين تهاوت مدنكِ من أول غزوة، وأعلنتِ — في شهقةٍ واحدة — أن كل الحدود داخلكِ مباحةٌ للعبور؟
*
لباسُكِ النمريّ، كان آخر قميصٍ ترتديه الأرضُ قبل أن تنامَ على جنبِ القيامة، كنتُ أمرُّ بأصابعي عليه كما يمرّ اللاجئُ بأسماءِ موتاه على الجدران، وقُباحةُ أصابعي — أواه — كم كانت جميلةً وهي تكشفُ جسدكِ الخجول، كأنني أولُ من رأى قارةً لم ترها الأقمارُ الصناعية.
*
الشهوةُ ارتجفتْ، نعم، كجنديٍّ صغيرٍ عاد من الحربِ بعينٍ واحدة وقلبٍ يصرخُ: أين الوطن؟ أين الأمهات؟ أين رائحة الخبز في الأزقة؟ لكنها، في ذات اللحظة، تعطّشتْ — كمصلوبٍ للحياة — لحظة البدء. لحظة التوهّج. لحظة أن يعلو نداء الجسدِ على أناشيد الدمار.
*
كنا نمارس الحبّ كمن يعيد خلق العالم من رماد، كأن كل حضارات البشر كانت تختصر في نَفَسكِ حين يلمس خدي، وفي شهقتكِ، حين تنفلت الحدودُ وتبدأ الحياة.
*
يا أنتِ، حين نزعته، لباسكِ النمريّ، أيقنتُ أنني لم أكن أخلع قماشًا، بل أُسقِطُ ألف عامٍ من المنفى، أُسقِطُ لغةً قديمةً عن فمِ الحرب، وأفتحُ معكِ أول كتابٍ عن المعنى، عن العودة، عن اللذّة التي تشبه الوطن.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟