أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عبدالله - أنشودة الانهيار- قصة قصيرة














المزيد.....

أنشودة الانهيار- قصة قصيرة


كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 22:35
المحور: الادب والفن
    


أنشودة الانهيار
قصة قصيرة

استيقظ “هو” في صباحٍ لا يشبه الصباحات. الضوء الذي انسرب من شقوق النافذة لم يكن ضوءًا، بل رمادًا باهتًا يسقط فوق الأشياء. جلس على طرف السرير، شعر أنّ الأرض تميد تحته ببطء، كما لو أن شيئًا في داخله يتهدم بصمت.

لم يكن يعرف منذ متى بدأ هذا الانهيار. ربما منذ اليوم الذي فقد فيه وجهه في مرآةٍ لم تعد تُعيد ملامحه كما كانت. كان يرى فيها رجلاً شاحبًا بعينين زجاجيتين، تشبهان حفرتين امتلأتا بالخوف.

خرج إلى الشارع.
المدينة كانت هادئة على نحوٍ مفزع، والوجوه تمضي كأنها أطيافٌ بلا ملامح. حاول أن يتذكر أسماء الناس الذين يحبهم، لكنه لم يجد إلا أصواتًا بعيدة تتهشم في ذاكرته. كان يشعر بأنه يسير في حلمٍ ثقيلٍ لا نهاية له، وأن كل خطوة يخطوها تُغرقه أكثر في ضبابٍ داخلي لا ينجلي.

في داخله كانت حربٌ صغيرة ، لكنها أشرس من كل الحروب.
لم تكن بينه وبين العالم، بل بينه وبين نفسه. هناك جيوش من الخوف تتحرك في صدره، فرسان من الذكريات القديمة يطعنون قلبه في كل لحظة. كان يسمع صليل أفكاره المتعارضة، يرى الدخان يتصاعد من روحه، يشمّ رائحة احتراقه، ولا يستطيع أن يصرخ.
توقف عند جدارٍ رمادي وراح يحدّق في الشارع. كل المارة يبدون كأنهم يسيرون في اتجاهٍ واحد، أما هو فكان عالقًا في منتصف الطريق، لا يعرف إلى أين يذهب.
فجأة لمح وجهًا في الزحام — وجه امرأة كانت يومًا تشبه الربيع. لم يكن متأكدًا أهي هي حقًا أم أن قلبه اخترعها لينجو من وحدته.
ابتسمت له، أو ظنّ أنها ابتسمت، فتحرك نحوها، لكن كلما اقترب، تراجعت الصورة، تلاشت شيئًا فشيئًا، حتى ذابت في الهواء كالبخار.
توقف، ارتجف، أدرك أن الحب لم يكن سوى وهمٍ آخر… جرحٍ جديد يضاف إلى حربه القديمة. ذلك الوجه الذي ظنّه خلاصه لم يكن إلا مرآةً لحزنه، وهكذا عرف أنه لا يهرب من أحد، بل من نفسه.
عاد إلى بيته بعد أن أُطفئ النهار في عينيه. جلس أمام النافذة، ينظر إلى السماء. كانت رمادية كقلبه، والغيوم تسير ببطء كجنودٍ متعبين. تساءل بصوتٍ خافت: هل انتهت الحرب؟ أم أنني ما زلتُ في أولها؟
لم يأتِه جواب.
غير أن قلبه خفق فجأة كما لو أن شيئًا ما في داخله انهار نهائيًا. ابتسم ابتسامة صغيرة — كانت أشبه باعترافٍ خفيّ بالهزيمة.
في تلك اللحظة، سكن كل شيء. لم يعد يسمع الأصوات في رأسه، ولا وقع الحرب في صدره. شعر أنه يذوب ببطء، كما يذوب الجليد في يدٍ دافئة.
وعندما أطلَّ الصباح من جديد، كان كل شيء كما هو — المدينة، الجدار، السماء الرمادية — إلا هو، فقد صار ظلًّا يمشي في ضوءٍ لا يراه أحد.



#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَنْبَعُ الضَّوْءِ الأَخِير
- من يشتري أحلامي؟
- هكذا يتأخر العائدون... لأنهم لا يعودون
- متى يموت المكان؟
- لباسُكِ النمريّ... حين انجلى لونه في فضاءٍ بلا وطن
- من بعدكِ، تنكسر الجهات
- على تخوم الغياب، يبكي الوطن
- في اسمِها... يُصلبُ الكوكب
- حين رحل ساعي البريد
- تحت شجرة التين
- عندما يسيطر العسكر على البلاد
- إذا سرقتني الحرب، فأنتِ وريثتي
- بيوتٌ من غبار الذاكرة
- قراءة نقدية لنصّ الشاعرة : كلثوم البوركي – المغرب . بقلم : ك ...
- يأتون من بعيد... الهاربون من الجحيم
- قراءة صوفية تأويلية في قصيدة : عاهدتُكَ ألّا أُشْرِكَ بملائك ...
- قراءة صوفية في قصيدة : فتافیت من أحضان ديسمبر – للشاعر ...
- على درب الحُب الضائع
- قراءة نقدية لنص -في خلايا عقولكم أوجد- وفق نظرية ماسلو- بقلم ...
- شكوكٌ تزرعها في قلبي


المزيد.....




- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...
- محسن الوكيلي: -الرواية لعبة خطرة تعيد ترتيب الأشياء-
- من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل ا ...
- موهبتان من الشتات تمثلان فلسطين بالفنون القتالية المختلطة في ...
- الممثل الخاص لبوتين يلتقي علي لاريجاني في طهران
- تركيا.. 3 أفلام تتناول المأساة الفلسطينية حاضرة بمهرجان أنطا ...
- تركيا.. 3 أفلام تتناول المأساة الفلسطينية حاضرة بمهرجان أنطا ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عبدالله - أنشودة الانهيار- قصة قصيرة