كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 00:42
المحور:
المجتمع المدني
هنالك نوعان من المواقف في حياتنا، مواقف تؤذينا، ومواقف تغير مسارنا. . .
اغلب الظن ان الطبيب الشاب، الذي أرسلوه للعمل في الأهوار، هو اول عراقي أنتجته أسرته منذ فجر السلالات السومرية الأولى. .
حزم حقيبته وغادر بيته حذراً متوجساً على أمل أن يعود سالماً إلى أهله. بدأت رحلته بسيارة اجرة نقلته إلى حافات المياه، ثم استقل قاربا شق طريقه بين تشابكات القصب والبردي في منعطفات وممرات تتلوى خارج البعد الزمني الرابع. . توغل في قاربه نحو الأعماق حتى صار جزءا من رحلات ناشيونال جيوغرافي وسط مسطحات مائية كانت مسرحاً لجلجامش في صراعه الأسطوري مع الثور السماوي (Gugalanna). .
توجه مباشرة صوب كوخ يطفو على سطح الماء. كوخ بلا أبواب، عليه لافتة قديمة مائلة مكتوب عليها: (المستوصف الطبي). .
كانت صدمته كبيرة عندما علم ان الكوخ هو عيادته ومختبره وردهته وملاذه ومسكنه. .
باشر عمله مضطرباً في اليوم التالي بصحبة مضمد متقاعد من ابناء الأهوار. كان هاتفه المحمول هو رفيقه وهو وسيلته للتسلية، ونافذته للتواصل مع العالم الخارجي. .
بعد بضعة ايام حملوا إليه شيخا مريضا طاعناً في السن، يبدو انه كبير قومه. دخلوا العيادة ببنادقهم وهراواتهم وأقدامهم الحافية. وما ان انتهى من اجراءات الفحص حتى ادرك ان الشيخ في ساعاته الأخيرة. شعر انه قد لا يخرج سالماً، فطلب من اولاد الشيخ الاقتراب منه والتباحث معه قبل إعلان وفاته. .
ما ان علم القوم بموته حتى ثارت ثائرتهم وتصاعدت صيحاتهم، كانوا يردحون ويطالبون بموت الطبيب الذي فشل في إنقاذ شيخهم من قبضة عزرائيل. تعالت الصرخات في الخارج، وانطلقت بعض العيارات النارية الطائشة. كادوا يقتلونه لولا تدخل اولاد الشيخ، الذين كبحوا جماح المنفلتين وسيطروا عليهم. .
لم ينم الطبيب ليلته تلك، وما ان بزغت شمس النهار حتى اعلن الفرار. . غادر عيادته الريفية إلى غير رجعة. قرر عدم العودة حتى لو فصلوه من عمله (يا روح ما بعدك روح). .
#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟