أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - مزكين حسكو: هل حقاً إنه أربعونك!؟














المزيد.....

مزكين حسكو: هل حقاً إنه أربعونك!؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 06:27
المحور: الادب والفن
    


مزكين حسكو:
هل حقاً إنه أربعونك!؟

إبراهيم اليوسف
لا أريد أن أصدق أنّ مزكين حسكو بعيدة عنا الآن. أكاد أكرر مثل هذه الجملة كلما استهل صباح جديد، وذلك منذ أربعين يوماً، لأنّ مخيلتي ترفض ترتيب الأحداث وفق ما جرى. إذ أستيقظ فأشعر أنّ حضورها قريب، وأنّ غيابها لم يستقرّ بعد في الوعي. أتصرف كما لو أنّ صوتها سيصل الآن، وأنّ رسالتها القصيرة ستسبق أي اجتماع، وأنّ ملاحظتها الهادئة ستظهر كما اعتدناها قبل كل نشاط. هذا الشعور ثابت لأنه نابع من معرفة طويلة بطريقتها في الحياة، طريقة جعلت من استمرارها جزءاً من طبيعة الأيام لا من رغباتنا نحن.
حيث لا أستطيع الإقرار في أعماقي أنّ تلال دوكر تحتضنها فعلاً. أتعامل مع هذا الواقع بحذر، كأنّ العقل يريد وقتاً أطول ليهضم الفكرة التي لا تنسجم مع الصورة التي عرفناها. كانت تتحرك بيننا بانتظام محسوب، وكانت تتابع ما ننجزه أو نخسره في كل يوم، وكانت تضع رأيها دون ضجيج، فيما لو تطلب الأمر. لذلك يبدو هذا الانتقال المفاجئ، إلى البرزخ غير المرئي، مثل فراغ هيولي في دورة الزمن. فراغ يجعل الحاضر غير مكتمل، والماضي شاخصاً لا يريد مغادرة الذاكرة والخيال.
من هنا يتبين أن حضور الشاعرة مزكين حسكو. الزميلة الأخت الصديقة الابنة ما يزال ممتداً في تفاصيل كثيرة. ها أفتح الملف الذي شاركت في ترتيبه في مخيلتي فأجد أثر حبرها في طريقة تنظيم الصفحات. أرى الكتب التي وزعتها على زملائها- عن طريقها أو عن طريقي- فأتذكر دقتها في اختيار الأسماء والعناوين. أراجع منشور فعالية سابقة فألمح تعليقها القصير بادئاً بصفة"خالو" التي كنت أحبها. كل هذه التفاصيل تجعل الغياب غير مقنع، وتجعل الصورة أقرب إلينا من أية محاولة لإقناع النفس بأن الأمر انتهى.
أحياناً أسترجع رائحة حبر أو حديث قديم معها، لا لأستعيد الكلمات، بل لأتأكد أنّ بهاء روحها لايزال في مكانه، وأنّ الرسالة الصوتية الأخيرة كانت مجرد بروفة مسرحية لمنص درامي، فحسب، وأنّ الزمن لم ينجح في تحويل حضورها إلى تاريخ. إذ لا أستجر ظلال الحنين، وإنما أبحث عن استمرار حضور القصيدة. أبحث عن طريقة تقول لي إنّ الإنسان الذي عاش بهذا الانضباط لا يمكن أن يتحول بسهولة إلى صفحة مغلقة.
وهكذا أجد أنّ نفسي تميل إلى إنكار رحيلها لأن الشخصية التي عرفناها جميعاً لا تقبل الاختفاء السريع. فقد كانت تشكّل حولها دائرة واضحة: دائرة عطاء وتواصل، دائرة متابعة، دائرة التزام. دائرة احترام. فلم تكن تترك فراغاً في مهمة صغيرة ولا في مهمة كبيرة. بل كان لديها حضور يضبط إيقاع التواصل مع محيطها: أهلاً وصديقات وأصدقاء وقراء، مسمين أوافتراضيين، من دون إعلان. اليوم، حين نتعامل مع الواقع نفسه من دون صوتها، نشعر بأن خللاً يهدد بنيان توازن. ولا يعود السبب-هنا- إلى العاطفة وحدها، بل إلى طريقة عيشها التي كانت تعتمد على وجودها الفعلي في كل تفصيل يتعلق بالقضايا السامية. النبيلة: الإبداع. الروح الإنسانية. الغرق في هموم المحيط.
أجل، يتضح في هذا السياق أن هذا الإحساس ليس نتاج شعور فرد، بل شعور جماعة عرفت مزكين عن قرب. صديقاتها يشعرن بالمرارة ذاتها. أصدقاؤها يشاركون ذويها الألم نفسه. أسرتها تعيش الأيام وكأنّها ستفتح الباب فجأة لتقرع باب البيت كما كانت تفعل. الأمّ العجوز التي كانت تحرص ألا تعلمها بألمها لما تزل تنتظر رنين هاتفها. تستعيد في مخيلتها صور الأماكن التي احتضنتها طفلة ومن ثم صبية فأماً. رفيق دربها. أولادها يحاولون تنظيم يومهم وسط فراغ لا يعرفون كيف يملؤونه. أهلها في الشلهومية. في تربسبي يتذكرون زياراتها ويعاملون خبر رحيلها كأنه خبر ناقص لم يُستوعب بعد. كل هؤلاء يشتركون في منطق واحد: الإنسان الذي قاوم بهذا الثبات، وكتب في أصعب الأيام، لا يمكن إدخاله، بسهولة، ويسر، من قبلنا، مهما جحدنا، في كواليس الذاكرة أو الغياب.
من هنا نرى أن جملة "لا أريد أن أصدق" ليست تعبيراً عن ضعف، بل توصيف دقيق لحالة مستمرة. حالة تجعل الحضور أقوى من الغياب. حالة تجعل السؤال عنها أمراً طبيعياً كما لو أنّها ستردّ بعد دقائق على هواتفنا. على رسائل الصباح إليها. هذا الشعور لا يحمل وهماً، بل يحمل واقعاً نراه في طريقة تأثيرها في محيطها، وفي البصمة التي تركتها في كل مكان عملت فيه.
وهكذا أعود كل يوم إلى الفكرة نفسها: مزكين ليست بعيدة. مزكين لم تغادر حياتنا. مزكين انتقلت إلى شكل آخر من الحضور، شكل يجعلنا نعمل كما كانت تريد، ويجعلنا نحافظ على المجال الذي أعطته وقتها كله، ويجعلنا نتعامل مع الكتابة كما تعاملت معها: مسؤولية لا تتراجع أمام مرض، ولا أمام ألم، ولا أمام رحلة طويلة انتهت في أعلى عنوانها الدوكري الأخير.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعرة مزگين حسكو: حكاية الحرف صفر وبياض الحلم والانطلاقة1- ...
- نباح الجرو الأجرب مسرحية قصيرة للأطفال
- غيابة نرمين في يومي الحزين في رحيل ابنة صديقي د. برزو محمود
- دستور الفيرومونات النحل وكيمياء النظام وسقوط الخطاب!
- الدجاجة المستديكة مسرحية قصيرة للأطفال
- شاهين سويركلي إننا نحزن عليك، إننا نحزن علينا
- على هامش فصل الكاتب حسن م يوسف دعوة إلى التسامح مع أصحاب الر ...
- سيرة بين السبورة والصحيفة والقضية: توفيق عبدالمجيد مناضل لم ...
- رهبة الوداع في هانوفر مزكين حسكو تعبر إلى الضفة الأُخرى من ا ...
- الشاعرة مزگين حسكو: حكاية الحرف صفر وبياض الحلم والانطلاقة
- مزكين حسكو... في أمسية- دوكر- هذه الليلة!
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- نداء إلى الكتّاب والمثقفين والإعلاميين والمختصين من أجل مئوي ...
- المثقف الكردي والسياسي ثنائية الكلمة والسلطة
- إنهم يقتلون أحفاد المكزون السنجاري: مجازر في قرى كردية في ال ...
- مزكين حسكو تتنفس برئتي الكتابة والحلم
- ثنائية الشجاعة والتهور على حافة الوعي واللاوعي
- البنية المزدوجة في نص زكريا شيخ أحمد من النَفَس الملحمي إلى ...
- بطاقات الصباح جسور ضد العزلة والشتات
- الكرد والظاهرة الصوتية تحت تأثير ثقافة الشركاء


المزيد.....




- هل تحلم بأن تدفن بجوار الأديب الشهير أوسكار وايلد؟ يانصيب في ...
- مصر.. انتقادات على تقديم العزاء للفنان محمد رمضان بوفاة والد ...
- الإمارات.. جدل حكم -طاعة الزوج- ورضى الله وما قاله النبي محم ...
- ساحة المرجة.. قلب دمشق النابض بتاريخ يتجدد
- جلسة شعرية تحتفي بتنوع الأساليب في اتحاد الأدباء
- مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث ...
- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - مزكين حسكو: هل حقاً إنه أربعونك!؟