أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!














المزيد.....

مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


إبراهيم اليوسف
هاهي ذي الشاعرة مزكين حسكو في رسالتها الأخيرة إلينا، في أول ليلة الأول من أكتوبر/ تشرين، تؤكد أن صوتها لم يتوقف. إذ إنها تغيب جسداً، لكنها تظل في كل ما كتبته وما أوصت به. أجل، هاهي قد بقيت في وصاياها الصغيرة التي سلمتها للأهلين، في خوفها على أمها وأولادها ورفيق دربها وإخوتها وصديقاتها وأصدقائها، أكثر مما خافت على نفسها. كانت تعرف أن النهاية موشكة، فقد قالت بوضوح يليق بشجاعة الشعراء: "خال، لست خائفة، أعرف أنّه لم يبق لي إلا شهران". لم يكن ذلك استسلاماً، بل نوعاً من المصالحة مع الموت، كأنها سبقت خطاه وأرادت أن تروضه بالكلمة.
سنتان كاملتان قاومت فيهما مرضاً غادراً لا يرحم، لكنّها لم تمنحه فرحة الانتصار. حيث إنّها كانت تحوّل كل تقرير طبي إلى قصيدة، وكل جلسة علاج إلى نص جديد. جسدها كان دريئة لسهام المرض، لكنها كانت ترفع على هذه الدريئة رايات مكتوبة بالحبر، كأنها تردّ الطعن بالكتابة. قالت لي: "أنا لا أخاف الموت يا خالي، لكني أخاف على أمي وأولادي ورفيق دربي"، قالتها لتؤكد أن معركتها لم تكن شخصية، بل عائلية، إنسانية، ممتدة إلى من يعرفها ومن لا يعرفها.
قبل أسابيع من الغياب، طلبت من رفيق دربها أن يهاتفك. أرادت أن تطمئنني ضمن أسرة مقربة تنتمي إليها، وهي تتأهب للرحيل، أرادت أن تترك أثرها الأخير في حوار قصير قالت فيه إنها تعرف حدود الوقت. شددتَ أنت من عزيمتها، وعدتها بأمسية نقدية، وأخبرتها أنّ زميلاتها وزملاءها في انتظار إشارة إيذان منها كي يزوروها، كي يقيموا لها احتفالية جديدة بإصدار أعمالها، أجابت "أجل، سآتي"، لكنها لم تأت. لم تأت بجسدها، إنما حضرت بغيابها، لتقرر اللجنة التحضيرية لمهرجان الشعر الكردي أن يجعل دورتَه الحالية باسمها، ليضع اسمها وصورتها في الموازاة مع صورة واسم جكرخوين معلمها. معلمنا جميعاً....
بعد أن صحت من غيبوبتها الأخيرة، حين حاول بعض أهلها أن يذكروا أسماء مقربين لها ومن بينها اسمك، حاول آزاد أن يمازها ويقسو علي، لكنها لم تستطع أن تنسى أن لك مكاناً مع مقربات ومقربين في قلبها حتى وهي على حافة الغياب. ومن هنا يصبح التسجيل الصوتي الذي لا تجرؤ على سماعه شاهداً على أن حضورها وتواصلها لم ينقطع حتى في السكون الأخير.
كتبت القصيدة الكردية الجديدة بلغة أحلامها. لم تكن أسيرة شكل، ولا مكرورة في إيقاع، بل كتبت كما تحلم، كما تتنفس، كما تواجه. كانت حالمة أكثر مما يسمح به الواقع، لكنها جعلت من الحلم بيتاً، ومن اللغة وطناً، ومن الشعر جسراً يربطها بجميع من تحب. ومن هنا لم يكن غيابها غياباً، بل انتقالاً إلى مكان آخر هو مقبرة" دوكر" مقبرة الرجال الكرد المشاهير، كي تستمر كلمتها.
الذين قرروا أن يضعوا اسمها على دورة المهرجان لم يفعلوا ذلك وفاءً لشاعرة، فحسب، بل فعلوه إدراكاً أن الشعر لا يغيب بغياب صاحبه. إذ إنّها تركت وراءها قافلة قصائد، ومقالات وكتباً وسرديات تحمل أثرها، وكلها تواصل الحديث عنها، كما لو أنّها ما زالت تجلس بين أسرتها من الشعراء والكتاب لتقول: "ها أنا معكم".
توقف القلب، لكن الصوت لم يتوقف. ومزكين حسكو، التي عرفت أنها لن تعيش أكثر من شهرين، جعلت من تلك الفترة القصيرة عمراً إضافياً للقصيدة. كتبت وهي تعرف أنّها تكتب آخر فصولها، لكنّها أصرّت أن يراها الآخرون بالصورة التي لا تؤلمهم، بالصورة التي تحتفظ بجمالها، بضحكتها، بأحلامها، بألق قصيدتها وهي تلقيها كأميرة كردية باذخة السمو والروح.
إنما يبقى الأشد إيلاماً أنها رحلت وفي ذاكرتها خوفها على أسرتها الصغيرة والكبيرة. رحلت وهي تفكر بأمها وأولادها وأخواتها وصديقاتها وأصدقائها، رحلت وفي صوتها نبرة من يدافع عن الآخرين حتى وهو ينهار. وهذا ما يترك فينا جميعاً يقيناً أنّ الشعر لم يكن عندها مهنة ولا هواية، بل كان شريان حياة، كان البديل عن الأوكسجين حين ضاقت الرئتان، وكان الوسيلة الوحيدة كي تهزم المرض في المعنى، ولو عجزت عن هزيمته في الجسد.
من هنا فإنّ الحديث عنها ليس رثاءً، بل حديث عن حضور ممتد. حيث إنّ اسمها سيبقى عالياً، يتردد كما أصداء قصائدها، لا كذكرى فحسب، بل كصوت لا ينقطع، كقصيدة لم تكتمل بعد، كوصية لم تُنفّذ كلها. ومن يقرؤها الآن، سيجد أنّها ما زالت بيننا، لأن الشعراء لا يموتون، بل يرحلون ليتركوا لنا مهمة أن نواصل أصواتهم.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء إلى الكتّاب والمثقفين والإعلاميين والمختصين من أجل مئوي ...
- المثقف الكردي والسياسي ثنائية الكلمة والسلطة
- إنهم يقتلون أحفاد المكزون السنجاري: مجازر في قرى كردية في ال ...
- مزكين حسكو تتنفس برئتي الكتابة والحلم
- ثنائية الشجاعة والتهور على حافة الوعي واللاوعي
- البنية المزدوجة في نص زكريا شيخ أحمد من النَفَس الملحمي إلى ...
- بطاقات الصباح جسور ضد العزلة والشتات
- الكرد والظاهرة الصوتية تحت تأثير ثقافة الشركاء
- الإعتاميون: حين يتحول الإعلام إلى منبر للكراهية
- مزكين حسكو إبداع وروح لا تهدآن كلما ضاقت المساحات
- قارعو طبول الإبادة وأبواق الفتن والقتل والدمار مشروع تفكيك ا ...
- قارعو طبول الإبادة وأبواق القتل والدمار مشروع تفكيك المكونات ...
- لماذا استهداف آل الخزنوي؟ من محمد طلب هلال إلى البغدادي إلى ...
- نورالدين صوفي ومحاولة لسداد جزء من دين متأخر
- بين مؤتمري دمشق والحسكة وامتحان الوطنية السورية
- كرسي النهاية سرّ التهافت عليه!
- وثيقة الجنرال كركيزة فحسب: الموفد الكردي هو من يقرر حقوق شعب ...
- زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي ...
- سوريا بعد أربع عشرة سنة: ضرورة إعادة تدقيق تعريفي الثورة وال ...
- السيد أحمد الشرع من الجائزة الكبرى إلى مأزق الدم خياران خطير ...


المزيد.....




- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- لا أسكن هذا العالم
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...
- الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على ...
- تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
- عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!