أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - بطاقات الصباح جسور ضد العزلة والشتات














المزيد.....

بطاقات الصباح جسور ضد العزلة والشتات


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 22:57
المحور: الادب والفن
    


تنبثق بطاقات الصباح من عادة باتت أقرب إلى طقس داخلي، إذ يفتح أحدنا عينيه على وعد صغير في صورة أو خاطرة أو قصيدة، ويرسلها إلى صديق يعرف أن من شأن هذه اللفتة أن تضيء يومه. وحقيقة، إن ما تبدو عليه البطاقة- أياً كان نوعها- من بساطة لا يلغي أنها شريان خفي يصل بين المرسل والمتلقي، حيث لا شيء يعلو على فعلٍ يومي يُقاوم وحشة المنافي. وليس الأمر مجرد إرسال كلمات على شاشة، بل هو تجسيد لإصرار الروح على بناء جسر في وجه الانقطاع.
مؤمد أن الأسماء من لدن أي منا، تُختار، بعناية، لا لأنها كثيرة حولنا، وهي كثيرة حقاً، بل لأننا نبحث عمن يقابلون المبادرة بمثلها، فتغدو العلاقة تبادلاً صادقاً لا فرضاً. أجل، قد تصل البطاقة في لحظة حزن، فيستقبلها الصديق وهو غارق في انشغاله أو ضيقه، لكن هذا لا يقلل من قيمتها، إذ إن وجودها في هاتفه أو ذاكرته يعادل سنداً ضد الوحدة. هكذا تتحول البطاقة إلى شاهد على صلةٍ لا ينال منها غبار البعد.
منذ عقد ونصف- في أقل تقدير- باتت رسائل الصباح تنبض بصور الورد، أو بضحكات الأطفال، أو القطا، أو بسطح، أو تموجات نهرٍ يلمع تحت ضوء القمر أو الشمس، أو ببحرٍ يعانق سفناً، أو بجبلٍ يصمد في الأفق. إذ لا تُفرض ولا تتكرر صورة محددة، من قبل أحد، بل تتبدل البطاقات وفق ما يراه المرسل بعينه في استهلالة الصباح. كي يكتب أحدنا مرة "ما أجمل الورد"، وأن يلتقط أخرى صورة ورقة خضراء، فيترك للمتلقي حرية أن يقرأ المعنى الذي يناسبه.

إذ لا يمكن إغفال أمر واضح، ألا وهو أن التكنولوجيا منحت هذه البطاقات بعداً آخر، حيث يسرت وسائل التواصل مهمة إرسالها بسرعة، وجعلت من الممكن أن يرسل أحدنا أو يتلقى آلاف البطاقات في لحظة واحدة. بل صار في وسع المرسل أن يوجّه آلاف البطاقات ضمن مجرد مجموعة أو رسالة واحدة، كما يسّرت تشكيل مجموعات واسعة يجتمع فيها الأصدقاء حول رسالة صباحية مشتركة. أجل، هذا التيسير عمّق الأثر وأعطى المبادرة طابعاً توثيقياً يضاعف من قوة الصلة، إنما في الوقت نفسه ولّد فيضاً من الرسائل التي تغرق الهاتف أحياناً، بحيث قد يفوت الاطلاع على بعضها، أو تذوب الردود المتراكمة فلا يظهر منها إلا ضجيج متتابع يحجب وقع الرسالة الأصلية وسط الزحام.
كما إن البطاقات لا تُرسل بوتيرة واحدة للجميع، إذ تراعي ذائقة وطبيعة كل صديق، على حدة. إذ هناك من يبادلك البطاقات في يوم الجمعة، وهناك من يبادلك إياها في عيد ديني، وهناك من يبادلك إياها يومياً، وذلك حرصاً على ألا تتحول المبادرة إلى إزعاج، بل إلى ما يحقق هدفها الأول: إدخال الفرح. ومن هنا، فإن البطاقة اليومية- أية كانت- تبقى هي الأكثر غبطة وسيرورة حياة، لأنها بمثابة طرق خفيف على نافذة الروح، في مطلع كل صباح، تذكيراً بأن الغياب لم يجهز على الذاكرة والتاريخ.
وهكذا فإننا نجد أن الغياب المفاجئ لردود أحد الأصدقاء يوقظ القلق، كما حدث مع إبراهيم محمود. إذ إنه لم يرد علي منذ أسبوع وهو ونبيل سليمان من أوائل من أرسلوا إلى مثل هذه البطاقات منذ حوالي خمسة عشر عاماً، حتى وردتني رسالة صوتية من ذويه، في قامشلي، بتوجيه منه، يوم أمس:
إبراهيم مريض وتم إسعافه وهو في العناية المشددة منذ ثلاثة أيام.
إبراهيم تجاوز الأزمة الصحية
إبراهيم بين أسرته وهو بخير الآن
من هنا فإنه يغدو للبطاقة معنى آخر، فهي لم تعد مجرد عادة صباحية، أو صك توقيع صباحي بين صديقين، أو حبيبين أو أفراد أسرة ومجتمع وبلد ووطن، بل صارت مرآة لإرث من الود والذكريات والمراسلات، ومؤشراً على ما يجري في الضفة الأخرى من الشتات. البطاقة إذن لا تعكس مزاج المرسل وحده، بل تترصد نبض المتلقي أيضاً، وتكشف حين يغيب عن عادته.
وهكذا تستحيل البطاقة إلى فعل مقاومة ضد الشتات، إذ تحافظ على دفء لا يفسده البعد. فحين يتسارع الزمن ويزداد التفكك، تصبح الكلمة أو البطاقة الصباحية وثيقة عاطفية تُبقي الأهل والأحبة والأصدقاء في حلقة وصل، ولو تفرقت بهم المنافي. إنما سرّها ليس في طولها ولا في زينة عباراتها، بل في صدقها، وبراءتها، وعفويتها، في كونها دليلاً أن هناك من يفتح يومه على الآخر، ويريد له أن يبدأ نهاره محاطاً بألق من العاطفة.
يتبع.....



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرد والظاهرة الصوتية تحت تأثير ثقافة الشركاء
- الإعتاميون: حين يتحول الإعلام إلى منبر للكراهية
- مزكين حسكو إبداع وروح لا تهدآن كلما ضاقت المساحات
- قارعو طبول الإبادة وأبواق الفتن والقتل والدمار مشروع تفكيك ا ...
- قارعو طبول الإبادة وأبواق القتل والدمار مشروع تفكيك المكونات ...
- لماذا استهداف آل الخزنوي؟ من محمد طلب هلال إلى البغدادي إلى ...
- نورالدين صوفي ومحاولة لسداد جزء من دين متأخر
- بين مؤتمري دمشق والحسكة وامتحان الوطنية السورية
- كرسي النهاية سرّ التهافت عليه!
- وثيقة الجنرال كركيزة فحسب: الموفد الكردي هو من يقرر حقوق شعب ...
- زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي ...
- سوريا بعد أربع عشرة سنة: ضرورة إعادة تدقيق تعريفي الثورة وال ...
- السيد أحمد الشرع من الجائزة الكبرى إلى مأزق الدم خياران خطير ...
- اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل تدق آخر مسمار في مصدا ...
- على هامش سقوط تصريح باراك وسقوط حلم المتبركين به
- الانتخاء باسم العشائر خدعة تأسيسية لحرب أهلية مؤجّلة مجاهدون ...
- نزع صاعق القنبلة المحرمة: العشيرة مظلة تعايش وقيم عالية ومسم ...
- السويداء مدينة منكوبة! و-حبل الدمار على الجرار- إن لم نتعظ!؟
- الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد
- الشيخ الدرزي الذي قتل مرتين حلاقة الشاربين تمهيداً لإبادة طا ...


المزيد.....




- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - بطاقات الصباح جسور ضد العزلة والشتات