أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي الله الشعرية والطفل في مختبر مطلق الكون















المزيد.....

زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي الله الشعرية والطفل في مختبر مطلق الكون


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 21:54
المحور: الادب والفن
    


زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره
مجموعة" صديقي الله الشعرية والطفل في مختبر مطلق الكون


إبراهيم اليوسف




لم يكن من قبيل المصادفة أن يظهر نص شعري بحجم "صديقي الله" في مناخ بيروت المتحوّل أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، ولو على هيئة كائن صغير، لا يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة. ففي ذروة صعود الشعر الحر وانحسار القصيدة التقليدية الموروثة، ومع انتقال الشعر العربي من قلق الكلام إلى قلق اللغة. المفردة، خرج صوت زياد رحباني لا من مطبعة ولا من ندوة، بل من بيتٍ كانت الأقدار تسكبه فناً. كتب زياد هذه النصوص بين عامي 1967 و1968، وسجّلها رسمياً في 31 آب 1971، ولم يكن قد بلغ الثالثة عشرة بعد، ومع ذلك استطاع أن يُنجز ما عجز عنه كثيرون ممن أُدرجوا ضمن مدارس الشعر الحديث، وتحديداً أولئك الذين نحتوا ما عُرف بجيل الستينيات.
إذ إنه في زحمة التأريخ القاسي للمنطقة، وفي اللحظة اللبنانية المتورمة بالانقسام السياسي والطائفي، وُلد زياد رحباني عام 1956. فلم يكن ظهوره حدثاً فنياً عرضياً، بل تجسيداً نادراً لما يعنيه أن يولد صوتٌ من قلب بيتٍ يُطرّز الفن بالمسرى، وتُنحت فيه اللغة من صخر الموهبة الخام. إذ كان زياد، ابن فيروز التي هزت العالم وعاصي الذي استعصى على الاستعادة، مشروعاً متفجراً من الداخل، لا يكرّر ولا يستنسخ، بل ينقلب حتى على إرثه ليصنع نبرته المغايرة. غير أن المفاجأة الحاسمة لم تأت من تمرده الموسيقي ولا من سلوكه المسرحي المختلف، بل من ديوانه "صديقي الله" الذي دوّنه وهو بعد طفل لم يتجاوز الثانية عشرة.
نجد أنفسنا أمام عمل لا يمكن اختزاله في كونه "أول ديوان لزياد"، بل لحظة عابرة في الفوضى الكونية حيث يُمسك طفلٌ لبناني بجناح الله، ويحادثه لا بوصفه مرجعاً عالياً، بل باعتباره صديقاً يسكن الجدار الخلفي للذاكرة الطفولية. من هنا فإنه لا يجوز التعامل مع هذا النص على أساس براءته الظاهرية، بل على أساس اختباره لتماسك العالم بعيون من لم يُفسده الوعي بعد.
مجموعة" صديقي الله" الشعرية التي وصلتني في نسخة" ب د ف"تتضمن تسعاً وأربعين نصاً ينتمي لقصيدة النثر من نمطها الباكر، وتتحرك ضمن مجالات رؤيوية تتراوح بين البيت، الغابة، المدرسة، الحرب، والموت، من دون أن تفقد مركز ثقلها: حضور الله كمرافق يومي لا كرقيب غيبي. عدد الصفحات في النسخة المتاحة هو اثنتان وسبعون صفحة، ولربما لم تصدر عن دار نشر معروفة، ولا احتوى على غلاف، وعلى الأرجح أنه لا تتوافر طبعة مستحدثة عنها، كما يخيل إلي، ما يعزز فرضية أن النُسخة- التي بين يدي- أرشيفية لا طبعة متداولة رسمياً، لم يتح لي الحصول عليها أو قراءتها متكاملة من قبل؟
إذ ينفتح أول النصوص على جملة "أنا صغير. ولسادس مرة أطفئ الشموع"، يُختزل المنجز الوجودي في شمعة تُطفأ، لا احتفالاً، بل اعترافاً بالعبور المؤقت. الجملة التي تتابع لاحقاً: "ما أعرف؟ لا أعرف شيئاً. لا أعرف إلا أن لي بيتاً بجدران، سريراً وصورتين، خبزاً وماء لا غير" تعلن عن اقتصاد سردي شديد الكثافة. وهنا لا يهم عدد الكلمات، بل عمق الحذف الذي مارسه الكاتب على واقع الطفولة المعيش، حيث يتحوّل البيت من ملاذ إلى قيد.
لكن لا ينحصر النص في الداخل، بل يخرج إلى الطبيعة بحثاً عن الله. في النص الثاني (ص.6)، يقول:
"إن الله صديقي، وقالوا يوماً
ورحت أفتش عن صديقي
في الأحراج، بين الزهور المورقة، وراء الصخور، في الأشجار
وخافت مني العصافير وهربت
ترى صديقي كالعصافير خاف مني وهرب؟"
هذا التساؤل لا يخص اللاهوت، بل يخص هشاشة العلاقة الأولى مع الكائنات. وهنا يظهر الله لا كمطلق مخيف، بل ككائن حميمي قد يخاف، وقد يهرب، وقد يسكن الأشجار أو الصور.
في النص السابع (ص.11–12)، يلاحظ قارىء المجموعة أن صورة الأم تتشكّل الأم كمرافقة وجودية، لكنها أيضاً عاجزة عن حماية المعنى من الضياع:
"قالت أمي: سنذهب معاً، خذ السلة
وأنا لا فرحة لي أكبر من أن أحمل السلة
مشينا، السماء سكرت من لونها الأزرق، ولبست لوناً رمادياً
ونزلنا إلى الجلالي علّنا نجد عنباً
ووجدنا عنقوداً واحداً، والريح تسقط حبوبه واحدة بعد واحدة"
هنا لا يكون فقدان العنب مأساة غذائية، بل خسارة رمزية تفضح عجز الطبيعة عن منح الوفرة، وتُظهر الغياب كمشهد متكرّر لا صدمة عارضة.
وفي النص الحادي والعشرين (ص.40)، يقول:
"لو عددتُ ضحكات أمي لي
لرافقتني طوال صعودي
ووقعتْ من بعدي الضحكاتُ على الدرج
وأزهرت زهراً"
ليتحوّل الدرج، الذي هو في أصل بنية الصعود، إلى مزهرية للضحك المؤجل. هذه العبارات لا تصدر عن طفل يحاكي بلاغة ما، بل عن شاعر يُعيد تأثيث اللغة بالأم، والضحكة، والحركة.
في النص الثلاثين (ص.52)، يُعيد ترتيب الوجود انطلاقاً من الضحكة:
"ضحكتَ لأنك
نحن في الوجود
ضحكتَ يوماً
فتفجرتْ من ضحكتك
الناسُ والأطفال"
بهذا التحوير يصبح الله هو الضحك، لا لأنه سببُه، بل لأنه قادِر على تفجيره، فتُعاد صياغة الكوسمولوجيا من ضحكة، لا من كن فيكون.
وفي النص الثاني والثلاثين (ص.54) يقول:
"إن لم أكن فرحاً
لا أستطيع أن أصلي
ما من مرة صليت
إلا وفي قلبي
عصفورٌ يلعب
وغصن يلوّح"
هنا تُستبدل آليات التعبد، ويغدو الفرح هو وحده شرط الصلاة، ما ينسف البنية الطقوسية ويعيد الدين إلى الأرض.
ومن أبرز مفاصل التحوّل داخل النص حين يدخل حدث الحرب. نجد أن القتال لا يوصف، بل يُصوَّر كارتجاج داخل البيت. الصورة تسقط، الأب يركض، الأم تضم فلذة كبدها، الطفل يغرق تحت اللحاف. لا دروس في الوطنية ولا توصيفات قتالية، بل ثمة تكسّر داخلي. حيث الطفل لا يسأل عن السياسة، بل عما وراء الجاري بثقله وسواده: "ما الحرب؟". ويأتي الجواب في النصوص التالية على لسان الأطفال الذين يُطلب منهم رسم أغصان، فيرسمون فوقها عساكر، ويُطلب منهم رسم زهور، فيرسمونها مداسة. ومن هنا، فإن هذه اللقطة لا يمكن إدراجها ضمن الشعارات، بل في خانة البكاء الطفولي الذي فضح الكبار.
ثقافة زياد لا تُقاس بالمراجع، بل بفطرته العميقة، إذ إنه كان يكتب من داخل القلب، دون وسائط. كل مقطع في هذا الديوان يعلن أنه لا يتبع تياراً ولا يحاكي صوتاً، بل يترك اللغة تكشف ارتجافها. وهو ما يضع هذا النص داخل خانة الفعل التأسيسي المنسي في قصيدة النثر. ولو كتب زياد ديواناً آخر بعد "صديقي الله"، لأزاح أسماء كثيرة من واجهة المشهد الشعري، لأنه بدأ من حيث يجب أن يصل الشعراء لا من حيث نجدهم يبدؤون.
وحيث أن الديوان لم يُنشر كما يجب، وغابت عنه القراءة النقدية، فلا بد من إنصافه بوصفه واحدة من أكثر التجارب النثرية صدقاً وتفوقاً في بيروت الستينيات، في مناخ كان يُنتج فيه الكبار قصائدهم ويعيدون هندسة اللغة. غير أن هذا الصبي أتى بلا إعلان، كتب وذهب، وترك كتابه شاهداً. ومن هنا فإن ديوان "صديقي الله" ليس توثيقاً لصوت طفل، بل بلاغ شعري عن عجز العالم وعبقرية الصمت.
بهذا، يثبت أن الشعر الحقيقي، خارج بروتوكولاته وشروطه المسبقة لا يُقاس بالسنوات، بل بقدرة المفردة على أن تسكن بيتاً فيه سرير وصورتان وخبز وماء، لا غير.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بعد أربع عشرة سنة: ضرورة إعادة تدقيق تعريفي الثورة وال ...
- السيد أحمد الشرع من الجائزة الكبرى إلى مأزق الدم خياران خطير ...
- اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل تدق آخر مسمار في مصدا ...
- على هامش سقوط تصريح باراك وسقوط حلم المتبركين به
- الانتخاء باسم العشائر خدعة تأسيسية لحرب أهلية مؤجّلة مجاهدون ...
- نزع صاعق القنبلة المحرمة: العشيرة مظلة تعايش وقيم عالية ومسم ...
- السويداء مدينة منكوبة! و-حبل الدمار على الجرار- إن لم نتعظ!؟
- الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد
- الشيخ الدرزي الذي قتل مرتين حلاقة الشاربين تمهيداً لإبادة طا ...
- لا حياد لأصيل أمام الظلم ضد المتجبر حتى لو كنت أنا
- حرب الإبادة على الدروز: السويداء كنطع وعنوان لتكرار فصول الم ...
- محرقة البنادق وروح جبال الكرد: لا ضير أن نتابع الميثاق- طائع ...
- محرقة البنادق وروح جبال الكرد: لاضير أن نتابع الميثاق- طائعي ...
- شاعر جميل على سرير الشفاء حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- طبول الحرب على الكرد. قرابين بريئة على مذبح سلام موهوم!
- سقوط مشروع باراك وفضيحة الصمت الدولي المناطق الكردية من التف ...
- -ملأكة- الشيطان وشيطنة الملائكة
- لماذا لم يؤسس صلاح الدين دولة كردستان؟ التاريخ المغيَّب، وفا ...
- لماذا لم يؤسس صلاح الدين دولة كردستان؟ التاريخ المغيَّب، وفا ...
- مكر بعض ال- نخب- من السوريين: حين يصبح الاعتدال ستارًا لطمس ...


المزيد.....




- مقتل مستشار فيلم -لا أرض أخرى- الحائز على الأوسكار برصاص مست ...
- مقتل ناشط فلسطيني شارك في فيلم حائز على جائزة الأوسكار بالضف ...
- إسرائيل.. الإفراج عن مستوطن قتل فلسطينيا شارك بإنتاج فيلم فا ...
- بيان المجلس الأعلى للثورة الثقافية استجابةً للرسالة الاسترات ...
- مستوطن يقتل فلسطينيا شارك بإنتاج فيلم فائز بأوسكار
- سواد القدور الخاوية يوثق في لوحات ظلام مجاعة غزة
- هل نجح الباحثون الأردنيون في توثيق هوية القدس وحمايتها معرفي ...
- كيف أثّر فن وفكر زياد الرحباني في أجيال متعاقبة؟
- الكتابة من تحت الأنقاض.. يوسف القدرة: في الشعر لغة -فرط صوتي ...
- تشييع الفنان اللبناني زياد الرحباني... وفيروز في وداعه


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي الله الشعرية والطفل في مختبر مطلق الكون