أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد














المزيد.....

الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 07:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن السويداء في أي يوم من الأيام ساحة حرب ضد الدولة، بل كانت قلعة من قلاع الكرامة والصوت المدني الذي رفض الانجرار إلى الفوضى الطائفية التي غذّاها النظام السوري في سائر البلاد. ومع ذلك، لم يَغفر النظام لهذا الجبل صموده، وحياده، وممانعته الاستبداد أنى تطلب الأمر تاريخياً، ولو على نحو منفرد، فقرر أن يعاقبه بما لا يُعاقب به حتى الخصوم المسلحين.
ما حدث في السويداء خلال الحملات الأخيرة ليس مجرد تجاوزات، بل هو جرائم متكاملة الأركان، ارتُكبت عن سبق الإصرار، بغطاء سياسي وعسكري، وتواطؤ إعلامي. إنها حرب مفتوحة ضد الدروز، ضد مدينة رفضت الانكسار، ضد سكان أرادوا البقاء في بيوتهم بكرامة، ففُتحت عليهم أبواب الجحيم.
بدأت الفظائع بقصفٍ عنيف على أطراف المدينة، في إطار استدراج مدروس، لتليها اقتحامات بالدبابات، والمصفحات، وسيارات الدفع الرباعي المحملة بالأسلحة الثقيلة. في بعض الأحياء، حيث تساقطت المسيرات فوق رؤوس بعض السكان، ضمن مخطط إبادة، وكأن الجبل صار جبهة عسكرية في معركة دولية، لا مدينة سورية تطالب بحقها في الحياة.
لقد اقتحمت القوات الأمنية المدعومة بالميليشيات المنازل، حطّمت الأبواب، نهبت الممتلكات، وسرقت كل ما يمكن حمله: نقود، ذهب، أجهزة إلكترونية، وحتى الطعام! فلم يكتفوا بالسرقة، كما تم في عفرين من قبل، بل مارسوا السطو العنيف على المنازل الآهلة، وضربوا الأهالي أمام أطفالهم، ثم أضرموا النار في البيوت. بيوت الدروز، التي حملت في جدرانها الصور ذات الحضور الروحي وأيقونات الحكمة والصبر، صارت رمادًا في لحظات.
وقد حدث في المستشفى الوطني، اليوم، ما يندى له الجبين. إذ لم يتم إسعاف الجرحى ، بل أُعدم بعضهم ميدانيا، ضمن الحصار المفروض. أولئك الذين دخلوا المستشفى أحياء خرجوا منه جثثا، بعدما تمّت تصفيتهم بدم بارد، في جريمة تُضاف إلى سجل جحافل الإرهابيين الهمجيين الذي استبدل الطب بالإعدام، والإسعاف بالقتل.

ومن المؤلم أنه حتى المضافات، التي كانت دائمًا رمزا للمحبة. لنشر ثقافة حب الوطن . لنشر ثقلفة السلم والضيافة والتقاليد الأصيلة، لم تسلم من الانتهاك. فقد اقتُحمت بعض المضافات وقتل من فيها، بدم بارد، وهم جلوسٌ في مجالسهم، عزّلٌ لا يحملون سلاحًا، وكأن القتلة أرادوا قتل القيم نفسها، لا الأشخاص فحسب، كما تم في حلاقة شوارب الرجال التي تنم عن رمزية وقدسية. لم تكن هذه جرائم ضد أفراد فقط، بل ضد ثقافة بأكملها، ضد الجبل وروحه وكرامته.
الميدان في السويداء شهد مشاهد أقرب إلى الحروب الشاملة. استخدمت فيها الراجمات، والقناصة، والأسلحة المضادة للدروع، وكأن المدينة تتهيأ لحرب ضد جيش خارجي، لا لردع شباب يطالبون بأن ينظر إليهم كمواطنين مستكملي شروط الوطنية، كما يستحقون. كما يتطلب حقهم كمكون أصيل ذي خصوصية، ضمن إطار الوطن . لقد كانت الرسالة واضحة: أنتم تحت الحصار، أنتم تحت سطوة الانتقام، أنتم وحدكم في مواجهة آلة الموت.
لكن الجريمة لم تقتصر على القتل فقط. فقد تزامنت مع حملة اعتقالات تعسفية واسعة، جرى خلالها اقتياد شبان من الشوارع دون أوامر قضائية، ويتعرضون للتعذيب في مقرات أجهزة النظام الجديد. كما تمّ اعتقال نساء في محيط المدينة، بهدف الضغط على النشطاء أو إذلال المجتمع بأكمله، كما قال ذلك ناشطون ميدانيون.

إنه لمن المعيب أن يُنظر إلى الدروز اليوم كأقلية يجب تحييدها، كخطوة ثانية أو ثالثة للتوجه إلى غيرهم، و تشويه صورتهم وتخوينهم، بعد استنفاد خياراتهم، وقهرهم، بينما هم يُذبحون بصمت. الجبل ليس ساحة رمادية، بل هو اليوم في قلب المعركة من أجل الكرامة، يقف في مواجهة سلطة لا ترى في الإنسان إلا مشروع جثة، ولا في البيت إلا هدفًا تكتيكيًا، ولا في الصوت الحر إلا خطرًا يجب إسكاته.
السويداء اليوم مدينة منكوبة، ليس فقط بالدمار المادي، بل بنيران الخذلان. خذلان الداخل، الذي صمت عن الجريمة، وخذلان الخارج، الذي اكتفى بالشجب، وكأن دم الدروز أقلّ وزنًا من دم غيرهم. لكن التاريخ لا يرحم. والجرائم لا تسقط بالتقادم. وكل بيت أُحرق، وكل طفل فقد أهله، وكل شاب أُعدم ميدانيًا، هو شاهد حي على همجية نظام لا يعرف غير القمع والنهب.
ليست هذه حربًا على الإرهاب، كما يدّعي القتلة. إنها حرب على الكرامة. حرب على صوت يرفض الخضوع. حرب على أهل الجبل الذين اختاروا أن يكونوا أحرارا، فدفعوا الثمن دمًا، وحريقًا، وخرابًا.
ولم يقتصر العقاب على القصف والقتل والنهب فقط، بل فُرض على السويداء حصار خانق، فغابت الأدوية، وتوقفت المستلزمات الطبية عن الوصول إلى المشافي، وتُرك الجرحى في الشوارع والبيوت المهدمة للموت البطيء. فلم يكن الأمر إهمالًا، بل جزءًا ممنهجا من عملية الإبادة الصامتة.
والأسوأ من ذلك، أن النظام وأذرعته الإعلامية والأمنية عملوا على نشر ثقافة الكراهية بوتائر أعلى من أي وقت مضى، تستهدف المسيحيين والعلويين والدروز والكرد، كلٌ تحت يافطة تكفيرية مختلفة. فالمسيحي يُخوَّن، والعلوي يُستخدم ثم يُستنزف، والدروز يُقدَّمون كعملاء، أما الكرد، فذنبهم أنهم قاوموا الفصائل الغازية، وأنهم لم يخضعوا، وأنهم دافعوا عن أرضهم ووجودهم وهويتهم، فصارت مقاومتهم تُصوَّر ككفر وعمالة وانفصال، رغم أنها كانت دفاعًا بحتًا عن الوجود.
كل هذا يحدث تحت سمع العالم وبصره، في ظل صمت دولي مريب، وتواطؤ واضح، فيما ينهار ما تبقى من النسيج السوري، وتغدو الكراهية هي الدين الجديد الذي يُراد فرضه على جميع الذين لايرضخون، ولايحابون، محتمين بكراماتهم.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخ الدرزي الذي قتل مرتين حلاقة الشاربين تمهيداً لإبادة طا ...
- لا حياد لأصيل أمام الظلم ضد المتجبر حتى لو كنت أنا
- حرب الإبادة على الدروز: السويداء كنطع وعنوان لتكرار فصول الم ...
- محرقة البنادق وروح جبال الكرد: لا ضير أن نتابع الميثاق- طائع ...
- محرقة البنادق وروح جبال الكرد: لاضير أن نتابع الميثاق- طائعي ...
- شاعر جميل على سرير الشفاء حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- طبول الحرب على الكرد. قرابين بريئة على مذبح سلام موهوم!
- سقوط مشروع باراك وفضيحة الصمت الدولي المناطق الكردية من التف ...
- -ملأكة- الشيطان وشيطنة الملائكة
- لماذا لم يؤسس صلاح الدين دولة كردستان؟ التاريخ المغيَّب، وفا ...
- لماذا لم يؤسس صلاح الدين دولة كردستان؟ التاريخ المغيَّب، وفا ...
- مكر بعض ال- نخب- من السوريين: حين يصبح الاعتدال ستارًا لطمس ...
- الشيخ سعيد بيران في مئوية ثورته وإعدامه: مقاربة لدحض الرواية ...
- السجن السياسي تاجٌ ودافعٌ للحفاظ على كرامة الذات والآخر لا ج ...
- عشر سنوات على قرار ميركل: إنقاذ حياء وجه العالم وسوريا في ال ...
- عمن لم يبدلوا جلودهم: شهادة على زيف أبوة الثورة لدى بعضهم
- عودة فلول الإرهاب إلى البلد الخراب
- المسيح الذي صلب في الدويلعة!
- -طفل إبسن- في بلاد اللحى: من قال لا؟
- عندما تصير الأغنية وزارتي ثقافة ودفاع الأغنية توأم جبال الكر ...


المزيد.....




- -أبو الهول- بمنظور فريد.. هكذا يبدو -حارس- أهرامات الجيزة من ...
- مصادر لـCNN: إسرائيل قد تُظهر مرونة بشأن نقطة الخلاف الرئيسي ...
- العراق.. تفاصيل مقتل 61 شخصا بحريق الكوت ووجود 14 جثة مجهولة ...
- لليوم الثاني على التوالي.. الدروز في مجدل شمس يحاولون عبور ا ...
- حماس توافق على خريطة الانتشار الإسرائيلية.. فهل بدأت ملامح ا ...
- النرويج تعلق ملاحقة أنثى الدب البني بعد عضّها رجلاً.. وارتيا ...
- مشاركة عزاء للرفيق ابو العبد شاتيلا بوفاة زوجته الرفيقة رسمي ...
- تزلج في ساحة المسجِد النبوي يشعل مواقع التواصل
- السنغال: احتفال تاريخي بمناسبة انتهاء الوجود العسكري الفرنسي ...
- السلطات السورية تسحب قواتها بالكامل من محافظة السويداء


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد