|
سقوط مشروع باراك وفضيحة الصمت الدولي المناطق الكردية من التفاوض إلى الاستهداف
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 07:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سقوط مشروع باراك وفضيحة الصمت الدولي المناطق الكردية من التفاوض إلى الاستهداف لا يُمكن اعتبار مبعوث الولايات المتحدة، توماس ("توم") باراك، حلقة وسيطة محايدة في الملف السوري. إذ تم في الثالث والعشرين من أيار/ مايو 2025 تكليفه رسميًا بمهمة "المبعوث الخاص إلى سوريا"، مع إشرافه المسبق على ملفات دبلوماسية إقليمية تشمل تركيا. وباراك- كما في سيرته المنشورة- من مواليد لوس أنجلوس عام 1946، وهو ينحدر من أصول لبنانية- إذ إن جده من زحلة - وهو حائز على درجة القانون، وقد عُيّن سفيرًا إلى تركيا عقب تصديق مجلس الشيوخ في التاسع والعشرين من نيسان/أبريل 2025. أما مساره المهني، المتراوح بين عالمي المال والسياسة، فقد بدأ فعليًا منذ الثمانينات، حيث مثّل الأصوات المحافظة داخل مؤسسات دونالد ترامب، وبقي دائمًا أقرب إلى دوائر التوكيل الاستراتيجي لا الحوار الدبلوماسي. كل ما سبق يفسّر موقع باراك في لحظة سياسية مضطربة، إذ يظهر بوضوح أنه يتقدّم بقراءة الواقع من خلال نظارة سوداء مبرمجة ذاتيًا ثلاثية الأبعاد أو الأطراف وهي: مصلحة تركية، حسابات خليجية، وطموحات سلطوية للنظام السوري، بعيداً عن مصلحة ومستقبل سوريا والسوريين، لاستدامة عدم الاستقرار، ضمن مخطط خبيث. إذ هو لا يعمل لتقريب وجهات النظر، بل يعيد رسم التوازن في المناطق الكردية السورية، وعلى حساب الطرف الكردي تحديدًا. أما اللقاء الذي جرى اليوم مع قيادة قسد – ويُعد اللقاء المباشر الأول من نوعه منذ تكليفه – فلم يحمل أي مضمون تفاوضي فعلي. بل بالعكس، فقد صدر عنه خطاب أقرب إلى التهديد المافيوي المبطن، لا سيما حين استخدم عبارات صارمة، غير دبلوماسية، تبيّن وكأنه طرف لا وسيط، ليئد بذلك "الاتفاق" ويكرّس "الإخفاق"، بينما تسرّب أن ممثلي قسد "رفضوا الخنوع"، في محاولة المشروع المناوئ لقسد تصويره بأنه مصدر تعقيد، لا قاعدة للحل. وإذا كان التصعيد الكلامي قد طغى على منطق التهدئة، فإن باراك لم يخفِ نبرة التفوّق. إذ كرر بشكل غير مباشر أن قسد مطالَبة بتقديم تنازلات جوهرية، دون أن تنال مقابلًا سياسيًا واضحًا. إذ لم يطرح آلية مشاركة، ولا حدًّا أدنى من الضمانات، بل قدّم معادلة شبه مُلزمة: "إما أن تندمجوا وفق شروط الدولة، أو تتحملوا نتائج الرفض". هذا السلوك لا يشبه وساطة، بل يشبه توجيه إنذار مبطن، ويؤكد أن باراك لا ينشد عقد تسوية، بل يسعى إلى فرض واقع جيوسياسي منحاز. وهكذا يتحول وجوده إلى مؤشر على فشل حيادية التحالف، ونجاح المحاور الإقليمية في سحب الملف من ساحة التفاوض إلى ساحة الترويض. وهنا لا يبدو باراك أول من خان الوعد. فذاكرة الكرد تحفظ جيدًا واقعة خذلان تاريخي مماثل، حين قرر هنري كسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة عام 1975، أن يُطفئ جذوة أو وهج الضوء فجأة على مقاومة كردية صاعدة، بالتنسيق مع شاه إيران آنذاك. توقّف الدعم، وتُرك الكرد يواجهون وحدهم آلة بغداد، بعد أن جرى استخدامهم كورقة ضغط لا أكثر. والآن، يبدو باراك كمن يعيد تمثيل المشهد نفسه، ولكن ببدلة دبلوماسية أحدث، وسيناريو مختلف في الشكل، متطابق في الجوهر. لكن الأكثر فظاظة في المشهد، أن الطرف السياسي الكردي، وعلى رأسه المجلس الوطني الكردي، تم تجاهله بالكامل. لم يُدعَ إلى اللقاء، ولم يُشر إليه في أي بند، أو ترتيب مسبق، وفي هذا رسائل متعددة، سلبية، تنم عن الموقف المشتغل عليه ضد الكرد، وكأن ما يجري هو مجرد ترتيب أمني داخلي لا شأن له بالتمثيل السياسي. إن تغييب المجلس، بما له من امتداد شعبي وتاريخي، يؤكد أن المسار المفعّل حتى الآن ليس حوارًا سياسيًا بين أطراف سورية، بل تفاهم أمني- عسكري محصور بين أنقرة ودمشق، بغطاء من واشنطن، وتحديدًا عبر نافذة قسد كقوة مسيطرة ميدانيًا، دون غطاء سياسي كردي متنوع. وهذا ما يجعل ملامح المرحلة القادمة أكثر خطورة. إذ إن من شأن تركيا أن تتلهف وتسعى لاستعجال إشعال النار، عبر الترتيبات وتهيئة أدوات التصريحات والتسريبات والتحركات الميدانية لدفع دمشق إلى الصدام، لا الحل. تريد مواجهة شاملة تُخمد بها ما تبقى من تطلعات الكرد، وتعيد فيها ضبط إيقاع الحدود والنفوذ. وباراك، بما يمثله من توازن هش، لا يمنع هذا الاتجاه، بل يغض الطرف عنه، إن لم يكن يساهم فيه بصمته المقصود. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعبّر فيها باراك عن هذا المنهج. فتصريحاته السابقة كرّست الاتجاه ذاته: تثمين انفتاح العلاقات مع دمشق دون أي شرط دستوري، والدعوة إلى "إعادة الدَّمج"، بدلًا من الاعتراف بالواقع السياسي والاجتماعي للمناطق الكردية. لذلك، فإن حديثه كان يصب في دائرة ضرورة "الإذعان" لا "الاتفاق"، فقد بدا أقرب إلى الإملاء، مخالفًا أسس الوطنية المتّبعة في أمريكاه ذاتها. أما على مستوى الواقع، فإن من يراقب السياق الأوسع، يدرك أن هناك قوى داخلية وخارجية تتلهّف فعلًا لاشتعال حرب. أعداء الكرد يدفعون نحوها سرًّا، وأعداء دمشق يرون فيها مدخلًا لإنهاك ما تبقى من بنية السلطة. لكنها حرب لا نريدها. لا نرى فيها حلًّا، ولا نؤمن بأنها مخرج. إنها شرّ شامل. وسوريا، إن خاضتها، تخسر. إذ إن هذه الحرب ليست مناورة محدودة، بل مشروع إنهاك كامل، يضرّ السوريين جميعًا، ويستنزف ما تبقى من نسيجهم الوطني. فإذا كانت دمشق تفكّر فعليًا بخوض هذا النوع من التصعيد، فإن المعطيات لا تدعم قدرتها. الظرف غير مهيأ، لا سياسيًا ولا عسكريًا. والمناطق الكردية ليست مساحة للتنزه، بل قد تكون الحقل الذي تنفجر فيه أوهام استعادة السيطرة. أو تكون الجبهة التي تؤدي إلى سقوط دمشق التي نريدها جميعًا قوية، لا إلى تمكينها، إن اختارت الحرب بدل التفاهم. ذلك أن التعامل مع الطرف الكردي حتى الآن بقي في الإطار الأمني والعسكري، ولم يتطور إلى مسار سياسي جاد. وكلما اقترب الحديث من شراكة سياسية فعلية، تراجع الخطاب الرسمي وتصلّب. والنظام، الذي يسلس أمام أي عدوان خارجي، ويتجنب المواجهة مع الانتهاكات العلنية، يتنمّر في المقابل أمام الكرد، ويمنح نفسه امتياز الحديث من موقع السيادة الكاملة، متناسيًا أن من يخاطبه اليوم ليس كيانًا غريبًا، بل قوة سورية وازنة هي قسد، التي وُلدت في قلب المواجهة، وتحملت أعباء القتال حين انسحب جميعهم، بمن فيهم أغلب الفصائل المعتمدة لدى دمشق، إن لم نقل كلها على الإطلاق. من هنا، فإن رفض الخنوع ليس عنادًا أيديولوجيًا، بل هو فعل وطني يستند إلى معادلة بسيطة: لا يجوز لطرف قاتل وضحى وشارك في تحرير الأرض أن يُطرد من استحقاق الشراكة أو السياسة. وإذا كانت التسوية تعني الإذعان، فإن الإخفاق ليس عيبًا، بل ضرورة للوقوف مجددًا بشروط تحقيق الكرامة الشاملة للأطراف الحريصة جميعها، في إطار تحقيق كرامة وطن ومواطن. – باراك، لا بارك بك الرب –
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ملأكة- الشيطان وشيطنة الملائكة
-
لماذا لم يؤسس صلاح الدين دولة كردستان؟ التاريخ المغيَّب، وفا
...
-
لماذا لم يؤسس صلاح الدين دولة كردستان؟ التاريخ المغيَّب، وفا
...
-
مكر بعض ال- نخب- من السوريين: حين يصبح الاعتدال ستارًا لطمس
...
-
الشيخ سعيد بيران في مئوية ثورته وإعدامه: مقاربة لدحض الرواية
...
-
السجن السياسي تاجٌ ودافعٌ للحفاظ على كرامة الذات والآخر لا ج
...
-
عشر سنوات على قرار ميركل: إنقاذ حياء وجه العالم وسوريا في ال
...
-
عمن لم يبدلوا جلودهم: شهادة على زيف أبوة الثورة لدى بعضهم
-
عودة فلول الإرهاب إلى البلد الخراب
-
المسيح الذي صلب في الدويلعة!
-
-طفل إبسن- في بلاد اللحى: من قال لا؟
-
عندما تصير الأغنية وزارتي ثقافة ودفاع الأغنية توأم جبال الكر
...
-
الشرق الأوسط الكبير: لماذا لا تكون المبادرات داخلية بدلًا عن
...
-
هل بدأ العد التنازلي لفاتحة حربٍ عالمية ثالثة؟ أنباء عن استخ
...
-
أما آن للعالم أن يطوي حقبة الحروب؟ الطغاة يدفعون الأبرياء إل
...
-
جمهورية مهاباد في ذكراها التاسعة والسبعين: تساقط أضلاع مربع
...
-
إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق- حضارة
...
-
إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق القمع-
...
-
الثورة السورية: تطهير الاسم قبل إعادة البناء
-
نداء من أجل حسين هرموش
المزيد.....
-
احتجاز? 10?? ?أشخاص بعد اشتباكات بين -متطرفين- ومهاجرين في إ
...
-
ماذا نعرف عن الأكواد المميتة التي استخدمت في اغتيال شخصيات إ
...
-
غوتيريش: أزيد من 800 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع
-
سانت كاترين.. تجربة روحية فريدة جنوبي سيناء
-
محللان: نتنياهو يريد مفاوضات تثبت وقائع عسكرية وتهجر الغزيين
...
-
زيلينسكي يعلن عن ترشيحات لـ-أكبر تعديل وزاري- تشهده أوكرانيا
...
-
ترامب يوضح آخر التطورات بشأن -مفاوضات غزة-
-
بعد معركة طويلة.. والدة الناشط علاء عبد الفتاح تنهي إضرابها
...
-
إسبانيا تفكك شبكة دولية لتهريب المخدرات بين مدريد وأنقرة
-
نشطاء: الدعم السريع قتل حوالي 300 بشمال كردفان منذ السبت
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|