أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - جمهورية مهاباد في ذكراها التاسعة والسبعين: تساقط أضلاع مربع الطوق















المزيد.....

جمهورية مهاباد في ذكراها التاسعة والسبعين: تساقط أضلاع مربع الطوق


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 00:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبراهيم اليوسف
"ثمة مشاريع حين تُجهَض، تزرع في الأرض جذوراً لا تُرى، لكنها تنتظر وقتها لتشقّ الصخر."
أحدهم

لم تكن جمهورية مهاباد في مثل هذه الأيام من عام 1946 مجرد مدينة، بل كانت فضاءً مفتوحًا على الأمل. بين جبالها، رُفعت راية لم تكن محمولة على حراب أحد، بل على أكتاف أهلها وأصحابها البسطاء - راية تُعلن ببساطة أن الكُرد يريدون أن يُروا. لذلك تمامًا، اجتمعت ضدها كل قوى الطمس- لمجرد أنها نطقت بما لا يُسمح بنطقه في هذه الجغرافيا المصمّمة على مقاس خرائط لم تكن يومًا تعبّر عن طبيعة شعوبها.
ونحن لما نزل في فضاء الذكرى التاسعة والسبعين لسقوط جمهورية مهاباد، فإن تلك الراية التي رُفعت في شتاء 1946 لا تزال حاضرة في الوجدان الكردي، تسكن في الأرواح والقلوب كما تسكن في القصائد وملاحم التاريخ وأطالس الجغرافيا. فلم يكن السادس عشر من كانون الأول/ديسمبر 1946 يوماً عابرًا في سجلّ هذه المنطقة. ففي مهاباد، المدينة الواقعة بين جبال كردستان العليا، أُسقط علمٌ لم يُعطَ فرصة أن يخفق طويلاً. سقطت جمهورية مهاباد - أول محاولة معاصرة لإعطاء الشكل السياسي لحقوق الكرد التاريخية. لكن السقوط لم يكن بفعل وهن المشروع، بل نتيجة تكالب وتواطؤ دولي منظّم، تحت غطاء صفقات الأمن وتوازنات ما بعد الحرب.
الحلم الذي صاغه القاضي محمد حين أعلن الجمهورية في 22 يناير 1946 لم يكن انفعالاً آنياً، بل ذروة مسار طويل من التفكير القومي العميق. إذ كان الكُرد يومها لا يبحثون عن سلخ جغرافيا، بل عن اعتراف- أن يُنظر إليهم كأمة، وأن تُحترم لغتهم وأرضهم وكرامتهم. غير أن القرار لم يكن يومها في يد أبناء مهاباد. حين أُعيد رسم النفوذ في المنطقة، كان سقوط الجمهورية مطلباً مشتركاً لجهات لا يجمعها مبدأ واحد إلا معاداة فكرة كُردستان، لضرب المشروع في مهده.وما إن انسحبت المظلة السوفيتية عن شمال إيران، حتى تقدّمت جيوش الشاه لاجتياح مهاباد في 16 ديسمبر 1946. سقطت الدولة الوليدة، وصعد القاضي محمد إلى منصة الإعدام تاركاً لرفاقه وصية واحدة: "نحن لا ننتهي بالموت، نحن نبدأ منه."
تلك البداية لم تكن مجازاً.
لقد اغتيل الشهيد عبد الرحمن قاسملو - الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني - خلال محادثات سعت لإحياء الخط السياسي نفسه. وبعده بثلاث سنوات فقط، في 17 سبتمبر 1992، اغتيل صادق شرفكندي في مطعم "ميكونوس" في برلين، خلال عملية وُثّقت أمام القضاء الألماني باعتبارها عملاً مُخططاً من الدولة الإيرانية.
وما بين زمن الرصاص في فيينا، وزمن الصرخات في شوارع طهران، ظلّ الدم الكردي ماثلاً في الذاكرة. وحين ظهرت قبل سنوات صورة جينا "مهسا" أميني، لم تكن تلك الشابة وحدها في المشهد. جسدها المسجّى أعاد إلى الساحات ذكرى كل النساء والرجال الذين قضوا لأنهم طالبوا بما هو أبسط من دولة: الحق في الكرامة. وحين حمل المتظاهرون في مهاباد وفي السليمانية وفي قامشلي وفي المهاجر صورتها، لم يكن ذلك تعاطفاً عابراً، بل امتداداً لراية قديمة لم تُطوَ.
وحقاً، إنه من مهاباد إلى فيينا، من برلين إلى شوارع اليوم، لا يسير الزمن في خطوط مستقيمة. إنه يلتفّ حول جراح قديمة، يفتحها حين تغترّ الأنظمة باستقرارها المصطنع. لقد فهم الكُرد باكراً تمركز وتوزّع خريطة الأعداء. وكانت تجربة مهاباد - بكل عنفها وسقوطها - درساً في أن المعركة الحقيقية ليست مع جيش واحد، بل مع عقل سياسي إقليمي يرى في حق الكُرد تهديداً لاستقرار بنيته القائمة.
ومعروف أن دول الطوق - إيران، تركيا، العراق، سوريا - مهما اختلفت مصالحها، لطالما صارت تلتقي في رفض الاعتراف بهوية كردية واضحة. فقد جاء التحالف العضوي بين هذه الدول، في مراحل لاحقة، تحت ما عُرف بـ"اللجنة الأمنية الرباعية"، كتتويج لشبكات تنسيق كانت قائمة فعلاً منذ عقود- تبادل معلومات، تسليم مناضلين، تنسيق ضربات، وحتى تقاطع في السياسات الثقافية لمحاصرة اللغة الكردية.
إذ إنه في دمشق الدكتاتوريات أو الأنظمة الشوفينيين، كما في طهران، في بغداد كما في أنقرة، ظلّ الشعار الضمني: "لا مكان لكيان كردي. والسؤال الجوهري: لماذا هذا الإصرار؟
باختصار، لأن ظهور حضور كردي - حتى بأبسط صوره - ينسف معمار الدول القومية الذي وُضع بقوة السلاح لا بقوة الحق. وأن الاعتراف بكردستان يعني إعادة فتح ملف الحدود، وملف الهويات، وملف العدالة. وما من نظام في دول الطوق مستعدّ لتحمّل هذا العبء. لذلك، فإنه كلّما اقترب الكُرد من مسافة خطوة من الاعتراف، أُطلقت النار من كل الجهات.
لكن ما كان قاعدة ثابتة في 1946، صار اليوم ينهار تحت ضربات الزمن. لهذا، وعشية الذكرى التاسعة والسبعين لمهاباد، لم يعد الحلم الكردي سجينا وراء قضبان البنادق. وها هي مراكز القرار في طهران تتآكل من الداخل. ما كان محصّناً صار هدفاً مكشوفاً. ما كان سراً بات متداولاً في العلن.
وبقية دول الطوق ليست أفضل حالاً:
تركيا - التي تقدّم نفسها أمام الغرب كدولة حداثية، حريصة على القيم الديمقراطية - لا تتورع عن ملاحقة الكُرد في الداخل وفي الشتات. بين أنقرة وديار بكر، وحتى في دول أوربا والغرب، تُدير وتتبع وتمارس أنقرة سياسات تقوم على إنكار حقوق الكرد، حتى في لغتهم وثقافتهم. والمفارقة أنها، في هذا الملف، أكثر عدوانية حين تخرج إلى العالم. أما العراق، فلا يزال أسير أزمات مزمنة وهيكل سياسي هش. بينما نجد أن سوريا دولة ممزقة الأوصال، تعيش على إيقاع تدخلات القوى الإقليمية والدولية. وعلى هذا المسار، لم يعد انهيار دكتاتوريات منظومة الطوق مجرّد أمل نظري، بل دينامية سياسية تتغذّى على تصدّع داخلي لم يعد قابلاً للترميم بذات أدوات الماضي.
فقد آن لخرائط هذه المنطقة أن تعود إلى صورتها الطبيعية، ما لم تعترف بالكرد كشركاء وأصحاب مكان في جغرافيتهم - أن تستعيد شكلها الذي جرى طمسه تحت ضربات الأقلام الأجنبية والمقاصل الداخلية. فمنذ أن شُيّدت على عجالة في ظلال المؤتمرات وصفقات الجيوش، وهي تبتلع الشعوب والهويات، وتكدّسها في أقفاص مصطنعة لا ينتمي جدار إلى لغة، ولا ينتمي السقف إلى ذاكرة. لكن الهضم الاستعماري، مهما طال، لم يفلح في صهر روح الشعوب. باعتبار أن الهوية، حين تُجَرّد من أرضها، لا تذوب، بل تزداد صلابة. وكلما أُريد لها أن تنصهر في قالب الآخرين، شقّت لنفسها عروقاً في صخر الإلغاء.
ولم يعد ممكناً اليوم إدارة المنطقة وفق خرائط صُنعت في دهاليز القوى المنتصرة. لأن الشعوب التي أُريد لها أن تُمحى لم تُمحَ. وأن اللغات التي طُمست حروفها لم تصمت. وأن الخرائط نفسها صارت كقماش رثّ في مهبّ الوعي الشعبي الذي يعيد مساءلة الشرعية من جذرها. أجل، آن لهذا الترتيب أن يسقط، ونحن في عشية الذكرى الثمانين لتأسيس دولة مهاباد - لا لينبت خراباً آخر، بل كي يُفسح للحق أن يُرى، وللجغرافيا أن تليق بأسماء سكّانها. وفي هذا السياق، لا يتوهّم الكُرد أن الدولة الكردية على مرمى خطوة.
لكنهم يدركون أن اللحظة الراهنة ليست كسابقاتها. الطوق الرباعي لم يعد يُطبِق كما كان. الثغرات فيه تتّسع - ليس لأن الأنظمة أرادت ذلك، بل لأن التاريخ لا يُدار إلى الخلف إلى ما لا نهاية. والمفارقة أنه: كلما اشتدّ القمع في جبال كردستان، ازداد انكشاف من يمارسونه في عواصمهم. وليس هذا رهاناً على ضعفهم، بل على قوّة الإصرار الكردي، لأن كل جمهورية مهاباد جديدة تبدأ من تلك اللحظة التي يُقال فيها للخرائط المزوّرة: "لقد انتهى زمنكم."
وسيأتي يوم - لا نعرف متى - تُرفع فيه راية الحلم الكردي دون أن تُصافحها بنادق الأعداء، ذلك اليوم - تحديداً - لن يكون انتصاراً على الدول الأربع، بل انتصاراً على هندسة الظلم، فالخرائط التي تُرسم بعد سلبها عبر أبخس وأبشع أشكال العنف لا تعيش، والهويات التي تُحاصر بالمراسيم تنقش أسماؤها على قلب التاريخ.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق- حضارة ...
- إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق القمع- ...
- الثورة السورية: تطهير الاسم قبل إعادة البناء
- نداء من أجل حسين هرموش
- التمثيل والكتابة والضجيج: عن موت القراءة وغياب المرجعيات!
- الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم
- الاتحاد الديمقراطي: فرصة تاريخية لتصحيح المسار ب. ي. د، ما ل ...
- تجنيس الإرهاب ووطنية المثقف الكردي
- وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ النقد اليومي: هَلْ نَحْنُ هُوَاةُ أَذَى ...
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- خطر الأدوات التركية في سوريا الإيغور نموذجًا بين الخطة الأرد ...
- طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور
- إضاءة في الذكرى العشرين لاغتيال الشيخ الشهيد د. محمد معشوق ا ...
- بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتي ...
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون


المزيد.....




- هيئة البث الإسرائيلية: إسرائيل طلبت مساعدة من الولايات المتح ...
- مفتي سلطنة عمان: رد إيران الحازم على إسرائيل أثلج صدورنا
- القبض على إسرائيلي بعد نشره محتوى مؤيدا لإيران على مواقع الت ...
- -تنسيقية العمل من أجل فلسطين-: -قافلة الصمود- تتعرض إلى حصار ...
- محافظ أربيل يخاطب السكان: لا تخزنوا المواد الغذائية.. لسنا ط ...
- وكالات إيرانية تنشر تفاصيل مثيرة عن استهداف إسرائيل لأكبر حق ...
- مصر.. تنبيه عاجل من السياحة بشأن مغادرة السائحين
- الخارجية الصينية: الغارات الإسرائيلية على المنشآت النووية ال ...
- إيران.. لجنة الأمن القومي توجه رسالة إلى المسؤولين في الوكال ...
- أردوغان يدين الهجمات الإسرائيلية على إيران ويصفها بغير القان ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - جمهورية مهاباد في ذكراها التاسعة والسبعين: تساقط أضلاع مربع الطوق