أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردستان الممنوعة














المزيد.....

نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردستان الممنوعة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


نغوجي واثيونغو
حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردستان الممنوعة

إبراهيم اليوسف
وُلد نغوجي واثيونغو في كينيا"1938-2025، في الرابع والعشرين من أبريل عام 1938، وسط احتدام الاستعمار البريطاني، وفي شهر أبريل من عام 2024، صمت قلبه وهو في المنفى، بعدما كتب ما يشبه دستورًا فكريًا للأمم المنسية. كان ابن شعبٍ أسود البشرة، مستعمَر الجغرافيا، وممنوع من لغته في التعليم والإبداع، فنهض بالكتابة بلغته الأم "كيكيويو" متحديًا سطوة اللغة الإنجليزية التي تربّى عليها. لم يرحل كاتبًا فحسب، بل ترك وراءه نظريةً كاملة لتحرير الشعوب من استعمار العقول، لا الجيوش.
نحن الكرد، حين نقرأ نغوجي، لا نقرؤه بعيون نقدية مجردة، بل نقرؤه بعيون من فقدوا احرية الأبجدية وأصداء الصوت الذاتي، وطوردوا لأنهم غنوا بلغتهم في الحقل أو كتبوا بها على جدار. نغوجي ليس مرآة أفريقية فقط، بل هو مرآة كردية في العمق، فيما لو نستذكر ملامحنا الأسيرة والمصادرة التي تضيق بالأطواق والأسوار. كان صادقًا حين قال: "اللغة هي بيت الكينونة، إن كتبنا بلغة الآخر نكون ضيوفًا في بيوت غيرنا."

بين السرد والمقاومة
كتبه كمفاتيح للذاكرة المقاومة
من روايته الأولى "لا تبكِ يا ولدي" إلى "بتلات الدم"، كان يُدخل الأدب في مواجهة سياسية مع الاستعمار الخارجي، ثم الداخلي لاحقًا. لكنه في "تحرير الذهن من الاستعمار" بلغ ذروة التحدي؛ حيث أعلن انفصاله الفكري عن اللغة الإنجليزية، وبدأ الكتابة بلغته الكيكويو، رغم أنه كان قادرًا على أن يكون نجمًا عالميًا في الإنجليزية. هذه الثورة اللغوية هي قلب مشروعه، وجذر ما يجب أن نقرأه نحن الكرد في لحظتنا التاريخية الحرجة.
نغوجي لم يُنظّر في الفراغ. في كتاب" نقل المركز"، كان يدعو إلى كسر مركزية أوروبا، وفتح باب العالم أمام اللغات والثقافات الأخرى، بما فيها المهددة بالانقراض. وهو ما يعنينا تمامًا، نحن الكرد، الذين أُقصينا لا من جغرافيا الدول فحسب، بل من مركزية الثقافة كذلك. لا يُمكن لكاتب كردي أن يتجاهل مرآة نغوجي، خصوصًا حين نعيش تجربة الكتابة بالعربية أو الفارسية أو التركية، تحت وطأة الضرورة، لا الاختيار.

نظريته: اللغة كجبهة تحرير ضد المحو
جوهر نظريته بسيط وعميق: لا تحرير حقيقي دون تحرير لغوي. فاللغة ليست وعاء الفكر فحسب، بل هي جهاز الرؤية، وبوصلة الوجود. من يكتب بلغة مستعمِره، يرى نفسه من خلال أعين عدوه. كان يرى أن اللغات الأفريقية –ومن ضمنها الكيكويو- ليست أدنى من الإنجليزية أو الفرنسية، بل أنها مؤهلة لإنتاج الفلسفة والأدب والمعرفة.
وهنا تكمن المفارقة الكردية: كيف يُمنع شعب تعداده أكثر من خمسين مليونًا من تدريس لغته؟ كيف يُعامل الكردي الذي يكتب بلغته الأم كمجرم؟ كيف ننتظر الإبداع من كاتب ممنوع من لغته منذ الطفولة؟ نغوجي أجاب عن هذا حين اختار لغته لكتابة المسرح والرواية، رغم أن النشر بها محدود. أراد أن يربح نفسه وشعبه، لا السوق.

من كينيا إلى كردستان: ماذا تعني تجربته لنا؟
حين كتب نغوجي روايته"الشيطان على الصليب" على ورق المرحاض في السجن، كتبها بلغته الأم. لم يكن لديه طابعة، ولا ناشر، ولا جمهور. لكنه كان يكتب لنفسه، لشعبه، لتاريخه. أما نحن، فنكتب ونحن نرتجف من رقيب لغوي، نخشى أن تُصادَر قصيدتنا لأنها ليست بلغة هذه الدولة المفروضة أوتلك.
نغوجي كان يعرف أن اللغة ليست أداة ترف، بل رخصة وجود. والكاتب الذي يبدع بلغة مستعارة، وإن كان بارعًا، يبقى بلا جذور. لذلك، كلما كتبنا بالعربية أو الفارسية أو التركية، يجب أن نعرف أننا نُترجم وجعنا، لكننا لا نصرخ بأصواتنا.

عن الأمازيغ أيضًا... وهم إخوة الوجع
ولأن الجراح لا تنزف في كردستان وحدها، فإن الأمازيغ، كمثال، فحسب، لاسيما في شمال إفريقيا، خاضوا ويخوضون المعركة ذاتها. منذ تفكك المشروع الإسلامي كمشروع عادل، وتحوله إلى أداة هيمنة سياسية، تم تهميش الثقافات الأصلية لصالح لغة الفقهاء، أو لغة الغزاة. الأمازيغ كُتب عليهم أن يعيشوا على الهامش في بلادهم، واحتاجوا إلى عقود من النضال لفرض لغتهم في المدارس والإعلام.
كما حالة الكرد، تماماً، كتب الكثير من مثقفيهم بالعربية، لكنهم عادوا ليكتشفوا أن لغتهم ليست مجرد وسيلة، بل جوهر. ولولا المقاومة الثقافية الأمازيغية في المغرب والجزائر، لكانت تمازيغت اليوم مجرد ذكرى شفوية، كما يراد للكردية في أجزاء كثيرة أن تكون.

الإسلام السياسي ومصادرة التنوع: مأساة الشعوب غير المعترف بها
نغوجي عاش في مجتمع ثنائي الدين: مسلم ومسيحي مختلط، لكنه لم يطرح الدين كأداة إقصاء. كان يعرف أن الإيمان لا يتناقض مع الهوية، وأن المشكلة تبدأ حين يتحول الدين إلى مشروع دولة. وهذا ما حدث مع الكرد بعد تفكك الخلافة العثمانية، وقيام الجمهوريات الحديثة. إذ أُقصي الكردي لا لأنه كافر، بل لأنه ليس عربيًا أو فارسيًا أو تركيًا. فصودرت لغته بحجة التوحيد، وهمّشته النخبة الإسلامية بحجة وحدة الأمة، لكنها وحدة على حساب الضعفاء.
تمامًا كما حدث مع الأمازيغ، وكثير من الشعوب الإسلامية غير المعترف بها. حين تفرّقت الدولة الإسلامية إلى دول قومية، لم يجد الكرد أنفسهم فيها. كل دولة جديدة جعلتهم "أقلية مريبة". وصار الكردي مطالبًا بإثبات ولائه للجغرافيا، لا لروحه.

نغوجي رحل... ولكن صوته سيبقى في حنجرة كل كردي ممنوع من لغته
نغوجي واثيونغو لم يكن كرديًا، لكنه قال فيما يشملهم، كمظلومين، من دون تسميتهم، ما لم يقله كثير من الكرد عن أنفسهم. عاش وهمّه ألا يُمحى شعبه، فكتب بلغته، ودفع الثمن. ونحن اليوم، أمام لحظة تأمل: هل نستمر في الكتابة بلغات الآخرين؟ أم نعيد الاعتبار للكردية، ولو على الورق، ولو في الظل؟
إن رحيل نغوجي ليس نهاية قصة كينية، بل بداية سؤال كردي: متى نحرر لغتنا كما حرر نغوجي لسانه؟ متى نكتب بلغتنا لا بلسان من نُفينا منه؟

*
19384-2025
المصادر محطات من سيرته عبر شبكة الإنترنت



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطر الأدوات التركية في سوريا الإيغور نموذجًا بين الخطة الأرد ...
- طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور
- إضاءة في الذكرى العشرين لاغتيال الشيخ الشهيد د. محمد معشوق ا ...
- بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتي ...
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون بقلم الناقد ا ...
- تلويحة النار و دمعة الجبل: سفير عفرين جوان حسن في أغنيته الأ ...
- في حضرة المفارقة من -نبوءة التخوين- إلى السقوط في شراكه
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-
- من الاستعمار الخارجي إلى استعمار الذات: اللغة الكردية بين من ...
- بين الإبراهيميّة والإخوانيّة: الكرد في مرمى المشاريع العابرة ...
- رحيل أحمد حسين الشيخ سعيد: عد إلى مسقط رأسك هناك، وارقد قرب ...
- من أجل ولادة حزب كردستاني جديد في تركيا نحو أفقٍ ديمقراطي بل ...
- الشاعر الذي يشبه قصيدته حسان عزت الهادىء العاصف بين منافيه!


المزيد.....




- توم كروز يدخل -غينيس- بمشهد مرعب في فيلم -المهمة المستحيلة - ...
- أوبرا دمشق تنتظر تغيير اسمها الرسمي وعودة نشاطاتها الدورية
- أفلام عيد الأضحى في السينما.. منافسة فنية بين كريم عبد العزي ...
- استقبال تردد قناة روتانا سينما على النايل سات وعرب سات وتابع ...
- “الخيال بقى حقيقة”.. Honor 400 Pro بيصور كأنك في فيلم وسعره ...
- هل يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة قواعد صناعة الموسيقى؟
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- مصر.. منشور منسوب للفنان المصري أحمد آدم يثير ضجة بالبلاد
- سلوتسكي: السلطات في لاتفيا مستعدة لحظر حتى التفكير باللغة ال ...
- نجوم فيلم -Back to the Future- يجتمعون لاستعادة قطعة أثرية م ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردستان الممنوعة