أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمريكي... ولا يغيّر واقع جريمة غربية مستمرة؟















المزيد.....

إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمريكي... ولا يغيّر واقع جريمة غربية مستمرة؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 08:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مدخل أول:
جاء حديث السيد توماس باراك الأخيرة، السفير الأمريكي في تركيا و المبعوث الأميركي إلى سوريا، إلى الرئيس السوري المؤقت السيد احمد الشرع، لتفتح نافذة جديدة على خطاب أميركي يحاول مراجعة التاريخ دون التورط في تغييره. الرجل تحدث ضد سايكس-بيكو1916، ضد التدخل، ضد التشويه الذي مارسته الدول الكبرى في الشرق الأوسط. لكنه، رغم نبرته الناقدة، بدا وكأنه يرقّع ثوباً مهترئاً لا يريد تغييره، بل يحاول فقط إقناع الآخرين بأنه لم يكن السبب في تمزقه.
أن تقول لأحدهم: "لقد طعنتك بالأمس"، ثم تبتسم وتغادر دون أن تعالجه أو تعتذر... فهذه ليست يقظة ضمير، بل استعراضاً أخلاقياً متأخراً! إنه إعلان بارد في قاعة دافئة بالتصفيق، بلا ضماد، بلا محكمة، بلا قرار. وكأن العدالة يمكن أن تتحقق عبر الميكروفونات لا المحاكم.
سايكس-بيكو كما يراه المبعوث الأمريكي: نصف الحقيقة لا يكفي
مائة عام مرت على تقسيم كردستان، بين أربع دول: تركيا، إيران، العراق، وسوريا. ومنذ اتفاقية سايكس-بيكو 1916، والخرائط تُمزّق وتُخاط على مقاس مصالح الغرب، فيما شعوبٌ بأكملها تمزّق معها. ومن أبر الأمثلة-هنا- حالة الكرد، الذين حُرموا من حقهم في تقرير المصير، فهم لم يكونوا ضحايا خطأ جغرافي عابر، البتة، بل لصفقة إمبريالية مكتملة الأركان.
على العكس مما هو مطلوب هاهو توماس باراك، بتصريحاته المتأخرة، لا يعيد رسم العدالة، بل يضع مسكّناً لغربٍ يشعر بذنبه، دون أن يقدّم علاجاً. خطابه أقرب إلى حفل وداع للضمير الأميركي، لا إلى بداية صحوة أخلاقية حقيقية.
اللا إصلاح أشد فتكاً من التدخل
أجل. أن تطالب أمريكا اليوم بعدم التدخل، بينما تترك الشعوب التي ساهمت في قهرها تتخبط في الخراب، ليس حياداً، بل تخلياً عن المسؤولية. وأشدّ من التدخل العنيف، هو الصمت الأخلاقي الذي يمنح القاتل عفواً مفتوحاً، ويترك الضحية دون حتى شهادة وفاة سياسية. إنه لا مبالاة باردة، تُغلف بخطب دبلوماسية ناعمة، تشرعن استمرار الظلم باسم التعقل.
بين الإقرار والخذلان
يلاحظ المتابع الفطن، هنا، أن السيد باراك يعترف بواقع الجريمة المتواصلة، لكنه لا يغير ولا يعتذر. إنه يعاين، لكنه لا يعالج. يسلّط الضوء، لكنه لا يملك مفتاح الخروج، مما حشر به رؤيته المخادعة. حتى حديثه عن الخريطة، بدا وكأنه يشير إلى "خرائط ترامب" أكثر مما يشير إلى حقوق الأمم. كأنما أراد رسم حدود جديدة بالكلمات، دون أن يغير خرائط الظلم المتجذرة.
نحو خريطة أخلاقية جديدة؟
إن مراجعة سايكس- بيكو ليست فقط إدانة لما فعله الاستعمار الأوروبي، بل هي امتحان أخلاقي لأي دولة كبرى تدّعي دعم حقوق الإنسان. فهل يكفي أن تقول أمريكا: أخطأنا، ثم تدير ظهرها؟ أليس المطلوب، بعد الاعتراف، هو جبر الضرر؟ إصلاح الخراب؟ إنهاء الظلم؟ منح الحقوق؟ أم أن الأخلاق الدولية تُختزل في جُمل علاقات عامة؟
الكرد: الغائبون الدائمون
أو إنهاء التدخل لا يعني إبقاء الكرد بلا وطن!
تظهر صورة الكرد في كل خطاب أميركي عن الشرق الأوسط، كمجرد ظل منسي، أو كهوامش للخرائط، كضحايا للمراحل، كأوراق للتفاوض. فلا دولة اعترفت بظلمهم، ولا إدارةٍ منحتهم حقًا، ولا أي تحالفٍ أنصفهم. فهل يكفي أن تقول أمريكا اليوم: سايكس- بيكو خطأ؟ أم أن المطلوب أن تقول: كردستان، في المقابل، حق، بل حق ما بعده حق؟
استبشر بعضهم بهذا الخطاب، من زاوية التشفي بالكرد
نعم، بعض القوى التي تقف ضد أي حلّ عادل للقضية الكردية، قرأت كلام باراك كتبرئة لسايكس-بيكو بطريقة ناعمة. فقد رأت فيه محاولة جديدة لتجميل وجه الخريطة القديمة، لا لإصلاحها. وفي الوقت الذي يحرص فيه الخطاب الأميركي على ألا يغضب تركيا، أو إيران، أو أي شريك في قمع الكرد، يتجاهل هذه الأمة التي قاومت الاستبداد، ودافعت عن قيم الحرية، وكانت شريكاً للغرب نفسه في مواجهة الإرهاب.
فأين الاعتذار عن المجازر بحق الكرد؟ عن استخدام السلاح الكيماوي في ظل تقسيم الخريطة الكردستانية؟ عن تغيير الديموغرافيا؟ عن القمع الممنهج؟ أليس من المفترض أن تبدأ العدالة من الكرد؟ أليس الأولى أن تمنح الدول المقتسمة لخريطة الكرد حقوقهم؟ أن تكف عن تذويبهم؟ أن تعتذر عن كل ما اقترفته بحقهم؟
صفعة في وجه الخطاب الأمريكي المتأخر
هل السيد بارك هو فعلاً ضد سايكس-بيكو؟ أم أن تصريحه ليس أكثر من مجرّد إعادة تدويره بنعومة لسلسلة وقائع ملحة مطلوبة الحل الكامل لا الجزئي المخدر؟ ما يجب الاعتراف به هو أن المبعوث الأمريكي، توماس باراك، بدا- في تصريحه المراوغ وكأنه يتبرأ من الاتفاق المشؤوم، لكنه لا يتوانى عن حراسته من الخلف! يقول كلامًا طيّبًا عن العدالة، وعن ضرورة إنهاء التدخل، بينما لا يحمل في حقيبته أي مفتاحٍ حقيقي، أي خارطة إصلاح، بل أي اعتذار حقيقي للكرد. خطابه بلا مفاتيح، كأنه اعتذار مصقول... فقط لإعادة ترتيب الخراب!
ويمكننا هنا إطلاق السؤال:
سيد باراك، هل تجرؤ- بصفتك الرسمية- على إصلاح ما أفسده الغرب؟ أم أنك، ببساطة، تسلّم الشعوب المغدورة إلى الذاكرة الباردة؟ حين تصبح معارضة التدخل مجرّد خطابٍ نظري... لخدمة التدخل نفسه، فإن الكلام الطوباوي يفقد طهرانيته، ويصير سكينًا جديدًا في ظهر الضحية. وما أكثر الطوباويين الذين لا يحررون شعوبًا مقموعة، بل يرممون أقفاصهم بأناقةٍ مزيّفة!
إن ترامب والخرائط القديمة لا يزالان هنا. لم يغيّرا شيئًا. فهل يكون هذا الاعتذار المتأخر خدعة جديدة؟ لماذا يعتذر الأمريكي... ولا يغيّر شيئًا؟ لماذا لا يقول للكرد بكل شجاعة السياسي الذي يتنطع ليكون في موقع قيادة العالم: نعم. لقد أخطأنا، وسنصحّح خطأنا؟ حين يعترف الغرب بأخطائه من دون أن يعتذر للكرد، فإنه يكررها. وتوماس باراك ليس سوى ساعي بريد متأخر، يحمل خطابًا بلا دواء، في يدٍ مشغولة بالمجاملات، والأخرى مغلولة بالتواطؤ.
من هنا، تماماً، ترى: أين الكرد من خطاب ما بعد سايكس- بيكو؟ لماذا يبقى الكرد خارج المعادلة، بلا وطن، بلا خريطة، بلا حق؟ هل إنهاء التدخل، يعني إبقاء الكرد بلا وطن؟ بين سايكس- بيكو وكردستان، تقف أمريكا على الحافة، تلوّح بالأخلاق البراقة اللماعة، لكنها لا تفتح الباب.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون بقلم الناقد ا ...
- تلويحة النار و دمعة الجبل: سفير عفرين جوان حسن في أغنيته الأ ...
- في حضرة المفارقة من -نبوءة التخوين- إلى السقوط في شراكه
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-
- من الاستعمار الخارجي إلى استعمار الذات: اللغة الكردية بين من ...
- بين الإبراهيميّة والإخوانيّة: الكرد في مرمى المشاريع العابرة ...
- رحيل أحمد حسين الشيخ سعيد: عد إلى مسقط رأسك هناك، وارقد قرب ...
- من أجل ولادة حزب كردستاني جديد في تركيا نحو أفقٍ ديمقراطي بل ...
- الشاعر الذي يشبه قصيدته حسان عزت الهادىء العاصف بين منافيه!
- الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المص ...
- رفع العقوبات عن سوريا: لا رخصة للذبح الحلال... !
- في متوالية الاستقواءات حين يفقد العالم شرعيته
- بعد ثلاث وستين سنة من قتله تحت التعذيب.. نجل الفنان الشهيد ي ...
- وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟
- وداعًا أيها السلاح: رواية الموت المؤجل والمعنى المنكسر-2


المزيد.....




- سلاح حزب الله يشعل السجال مع حكومة لبنان
- -مؤسسة غزة الإنسانية- تحت المجهر الإسرائيلي.. من يُموّلها؟ ...
- نيبينزيا: قادرون على القتال إلى ما لا نهاية.. وأهدافنا سنحقق ...
- في واقعة مثيرة.. أهالي قرية مصرية يهدمون -وكر مخدرات- ويضرمو ...
- العراق.. ضبط كميات كبيرة من الحقن المخدرة
- ماكرون: على أوروبا وآسيا العمل معا لتحقيق الاستقلال الاسترات ...
- مقتل داعية فلسطيني شهير وأفراد من عائلته بقصف إسرائيلي طال خ ...
- وزير الخارجية الألماني يرجح انتهاء الصراع في أوكرانيا عبر ال ...
- الجيش النيجيري يعلن القضاء على 60 مسلحا على الأقل
- برشلونة الإسبانية تعلن رسميا قطع علاقاتها المؤسسية مع إسرائي ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمريكي... ولا يغيّر واقع جريمة غربية مستمرة؟