أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-















المزيد.....

خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 05:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خدعة مرتد الهوية:
خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-


إبراهيم اليوسف
ثمة لحظات تنقلب فيها الهوية من انتماء إلى عبء، ومن جذور إلى تهمة. ليس غريبًا أن يختار الإنسان أن يهرب، لكن الغريب أن يكون مفرّه من ذاته. وفي تاريخنا، ما أكثر الذين خلعوا أسماءهم، ثم نسبوا أنفسهم إلى قوميات لا تنظر إليهم إلا بعين الشك، ولا تستقبلهم إلا بوصفهم تابعين.
حين يعلن الكردي نفسه عربيًا، أو تركيًا، أو فارسيًا، لا يفعل ذلك دائمًا عن اقتناع فكري أو تجربة وجدانية، بل كثيرًا ما يأتي ذلك بفعل الضغط، أو نتيجة الخوف، أو بحافز المنفعة. إذ في المجتمعات التي تتخذ من القومية أداة سلطة، يتحوّل الانتساب إلى هذه القومية إلى درعٍ نفسي ومؤسسة حماية. وحين تكون السلطة عنصرية عروبوية متنكرة للآخر، يصبح التماهي مع هذه السلطة مدخلاً للنجاة، أو هكذا يتصور المتماهي.
لم يكن هذا النوع من التحوّل جديدًا، بل ظهر عبر التاريخ مرارًا. في زمن الدولة العباسية، كم من غير العرب نسبوا أنفسهم إلى قبيلة عربية! وفي السلطنة العثمانية، لم يكن نادرًا أن يغيّر بعض الكرد أسماءهم، أو يتحدثوا بلهجة الترك، حتى وهم في قلب الجبال. إذ حين تُرفع قومية على بقية الهويات، يتحول تقليدها إلى سُلّمٍ رمزي للهروب من قاع التصنيف.
لكن ما يحدث اليوم ليس محض تبعية اجتماعية، بل مشروع نفسي خطير. إذ هناك من لا يكتفي بالتماهي، بل يُقنع نفسه، ثم يروّج لأصل مفترض، ويُنشئ له شجرة نسب مفبركة. بل هناك من يُهاجم قومه بحدة تفوق من يعاديهم أصلًا. إذ ما أخطر المرتد حين يكون متحمسًا!
في المقابل، حين يتراجع بعضهم عن زيف الانتماء ويصمت، أو يكتفي بتهميش هويته الأصلية دون إساءة إليها، يظلّ في منطقة رمادية. غير أن الأخطر هو من يرفع راية قومية السلطة، لا بقصد التعايش، بل مزايدةً، وتحقيقًا لمكسبٍ لا يتحقق.
السلطة تعرف هذا النوع من البشر، وتوظفهم دون أن تأمنهم. تستخدمهم كواجهة، وتبقيهم في الصفوف الخلفية. إذ إن من يتنكر لأصله، لا يُؤتمن على شيء، ولو تعمّد طلاءه بألوان السلطة ذاتها.
فلاش باك
أول البلاء
بعد سقوط المملكة العربية السورية في تموز 1920، وحسم الحدود تحت الانتداب الفرنسي، وُضعت خريطة جديدة لسوريا، ليست تلك التي عرفها الناس سابقًا، بل خريطة اقتطعت منها أجزاء وضمّت إليها أخرى، وصار الاسم الرسمي ابتداء من 1930: "الجمهورية السورية". لم يُضف إليها وصف قومي، بل جاءت التسمية حيادية من حيث الظاهر، لأنها تأسست في ظل واقع تعددي لم يكن خفيًا على أحد، واقع كانت فيه حلب ودمشق وجبل الكرد وسائر المدن الكبرى مليئة بالأصوات المتنوعة، من العرب، والكرد، والأرمن، والشركس، والسريان، وآخرين.
وحين اندلعت الثورة السورية الكبرى بين عامي 1925 و1927، لم تكن محصورة في جبل العرب أو غوطة دمشق. إذ شارك فيها كرد عفرين والجزيرة والعاصمة، وحلب وحماه والساحل والسويداء إلخ، إلى جانب أخوتهم السوريين، وكان لهم فيها دور فعلي، لا عرضي ولا تجميلي. حيث التحموا في المشهد الثوري لا بصفة قومية، بل بصفة وطنية. فلا تجد اسمًا يتقدّم الرايات، بل ترى فعلًا مشتركًا- قبل كل شيء- ممتدًا من جبل الزاوية إلى أطراف عفرين.
ذلك الجيل لم يكن يرى في قوميته حاجزًا، ولا في تعدده ضعفًا. لم يكن الكردي بحاجة لأن يسمي نفسه عربيًا، ليُسمع صوته، ولا كان العربي في حاجة لإنكار الكردي كي يكون ممثلًا للوطن. المفارقة أن الزمن الذي سمح بذلك، كان في ظل احتلال مباشر، بينما اختنقت التعددية لاحقًا في زمن الاستقلال، لا بفعل الغزاة، بل تحت أقدام الشركاء.
ثم جاء حافظ الأسد عام 1970، لا كفرد، بل كقائد لمنظومة طمست التعددية بهدوءٍ، ثم دسترتها. ففي عام 1973، أقرّ دستورًا نص فيه صراحة على أن "سوريا جزء من الأمة العربية"، جاعلًا من الدولة مرآة لخطاب حزب لا لواقع مجتمع. لم تكن تلك العبارة ولاءً للهوية، بل مزايدة قومية هدفت إلى محو الفروقات تحت ذريعة الوحدة. فما طُبع في النصوص الدستورية لم يكن ترجمة للمشترك السوري، بل مجرد إملاء سياسي أراد أن يُلبس البلاد وشاحًا واحدًا، ولو خنق الأجساد الأخرى تحته.
ومنذ ذلك الوقت، لم تعد القومية الواحدة خيارًا، بل إلزامًا، ولم تعد العربية لسانًا، بل مقياسًا للولاء. وكل من نطق بغيرها، أو تذكّر أصله، بات موضع اشتباه. هكذا تفتتت الشراكة، لا بقنبلة، بل بسطر دستوري واحد.
مقابل هذا التاريخ، يُطل علينا اليوم من يتنكر لاسمه، ويتبرأ من أصله، لا عن قناعة، بل تحت وطأة الرغبة في التماهي مع السلطة. يُنكر قوميته، ويؤسس نسبًا مصنوعًا، ويشيد بسلطة يعتقد أنها تمنحه أمانًا. غير أن هذه السلطة لا تمنح الثقة، بل تستهلكه وتُبقيه على هامش الصورة.

الارتداد الناعم
خيانة الذات في عباءة التماهي
في لحظة ما، لا يُخلع الاسم عن الجسد كما تُخلع المعاطف، بل يُنتزع من الروح كما تُنتزع الجذور من التربة. وهذا ما يحدث حين يختار الكردي أن يتخفف من اسمه، لا هربًا من العدو، بل هربًا من ذاته. إنه ليس ارتدادًا صاخبًا، بل ارتداد ناعم، يتسلل تحت الجلد باسم الواقعية، أو النجاة، أو "التعايش"، لكنه في جوهره خيانة ناعمة للذات، تبدأ بطمس الاسم وتنتهي بتبجيل السوط.
في هذا المسار، لا يعود التماهي مع الأقوى خيارًا تكتيكيًا، بل يتحول إلى عقيدة بديلة، وشجرة نسب مصنوعة، وهوية مستعارة لا تمنح الأمان، بل تطيل عمر القلق. فحين يتحوّل الإنسان إلى المرتد القومي، لا يكتفي بإنكار الأصل، بل يسعى لإقناع نفسه والآخرين أن الأصل خطأ، وأن التبعية فضيلة.
لكن التبعية لا تصنع كرامة، والانتماء المصطنع لا يمنح مكانة. وحده الاسم المحتفظ بجذوره، حتى وهو تحت السوط، من يمكنه أن ينهض حين تتغير الرياح. أما من اختار أن يكون منفيًا من اسمه، فلن يعود إليه أحد، لا حين يُنادى ولا حين يُفتَقد.
فالهوية ليست زيًا رسميًا، بل نَفَسٌ داخلي. ومن خانه نَفَسه، لن تُجدي معه شعارات السلطة، ولا مزايدات الانتماء.
إنه ليس من قومٍ آخر، بل من لا قوم له.
ما يدعو للأسى، أن هذا التماهي لا يصنع احترامًا، ولا يرفع قدرًا، بل يُنظر إلى صاحبه على أنه بلا وفاء، ولو ردّد نشيد السلطة ليلًا ونهارًا. وربما لذلك لم يتبوأ أي من هؤلاء موقعًا مركزيًا في هرم الدولة، بل ظلوا في رتبة الخدم لا الشركاء.
وفي المقابل، حين يُقرر أحد أبناء قومية السلطة أن يتخلى عن موقعه، لا من باب الهروب، بل عن إحساس بالعدل أو تأثر بالعيش المشترك، فهذا ما يمكن فهمه، لا لأنه أعدل، بل لأنه يعبر عن قناعة وجدانية لا مصلحة نفعية. أما من يفرّ من قوميته صوب قومية الأقوى، ثم يصعد على كتفيها لجلد أهله، فهذا ما لا يُغتفر.
الهوية لا تُستعار، ولا تُباع، ولا تُنسى. ومن خلعها مرّة، لن يعرف كيف يرتديها مجددًا. أما من حافظ عليها، حتى وهو تحت السوط، فهو من سيكتب الصفحة التالية حين تتغيّر الموازين.
والتاريخ لا يعيد نفسه، لكنه لا ينسى أحدًا.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-
- من الاستعمار الخارجي إلى استعمار الذات: اللغة الكردية بين من ...
- بين الإبراهيميّة والإخوانيّة: الكرد في مرمى المشاريع العابرة ...
- رحيل أحمد حسين الشيخ سعيد: عد إلى مسقط رأسك هناك، وارقد قرب ...
- من أجل ولادة حزب كردستاني جديد في تركيا نحو أفقٍ ديمقراطي بل ...
- الشاعر الذي يشبه قصيدته حسان عزت الهادىء العاصف بين منافيه!
- الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المص ...
- رفع العقوبات عن سوريا: لا رخصة للذبح الحلال... !
- في متوالية الاستقواءات حين يفقد العالم شرعيته
- بعد ثلاث وستين سنة من قتله تحت التعذيب.. نجل الفنان الشهيد ي ...
- وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟
- وداعًا أيها السلاح: رواية الموت المؤجل والمعنى المنكسر-2
- وداعًا أيها السلاح...وداعاً أيها الظلم أم وداعًا أيها الحلم؟
- يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين ...
- سري كانيي... المدينة المنفية من الخرائط والضمائر
- الفنان الكردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لا ...
- مأثرة التدوين وسقوط التخوين
- ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات ال ...
- الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...


المزيد.....




- تحديث مباشر.. مقتل موظفين بسفارة إسرائيل بأمريكا والمهاجم هت ...
- -أحمد الشرع حشد دعما بأول شهرين ثم صُدم الناس بالواقع-.. محل ...
- مقتل موظفيْن في السفارة الإسرائيلية في واشنطن
- كوريا الشمالية تشهد حادثا خطيرا خلال تدشين سفينة جديدة
- خبير عسكري: الجامعات الأوكرانية تسقط الطلاب الخاضعين للتجنيد ...
- السلطات اليونانية تحذر من تسونامي بعد زلزال بقوة 6 درجات
- خبير يحذر من تصريح مدفيديف حول الفرصة الأخيرة للمفاوضات مع أ ...
- جملة قالها رئيس جنوب افريقيا لترامب تشعل تفاعلا
- السعودية.. الجيش الأمريكي يعلق على صورة الأمير خالد بن سلمان ...
- السعودية.. صدور حكم على -خاطفة الدمام- يشعل تفاعلا بعد نحو 5 ...


المزيد.....

- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-