أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها














المزيد.....

الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 07:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبراهيم اليوسف
ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة "الوطن" بـ"الحيّ"، و"الهوية الوطنية" بـ"الطائفة"، و"الشعب" بـ"المكوّن".
لقد تحولت الطائفة من بناء روحي مفترض وجامع إلى سلاح، من مرجعية ثقافية أو دينية إلى أداة قمع وتفتيت. وهنا تكمن المأساة الكبرى، لا في وجود الطوائف، بل في هذا الاستخدام الممنهج لها لبناء سلطات هجينة، ترفع شعارات الثورة، بينما تنسخ آليات الاستبداد الأسدي بحذافيرها، فقط بتغيّر اللبوس: علم مختلف، خطاب مغاير، ولكن القبضة ذاتها.
ومعروف أن ما جرى في سوريا ليس صراعاً أهلياً محضاً، بل محاولة إعادة خلق الصراع على نحو أسوأ، للإجهاز على ما لم يُجهز عليه بعد، كوصفة تفكيك ممنهج استُورد من الخارج، وطُبّق بخبرات من مراكز قوى إقليمية ودولية، لطالما أدركت أن المفتاح الأخطر لتدمير مجتمع ما، هو اللعب على وتر الطائفة، لا سيما حين تُختزل الدولة في مكوّن واحد، تحت غطاء إيديولوجي قومي أو ديني، كما فعلت السلطة الأسدية، ثم كما فعلت من بعدها "السلطات البديلة" التي استنسخت أدواتها، في إطار هجين.
لقد فرضت، في لحظة ما، "العلوية السياسية" كنتاج خلطة فسيفساء طوائف وأطياف بدرجات تماسية متفاوتة، بوصفها النموذج الذي استمر بالقوة لعقود، وراح يتهاوى. لكن ما حلّ محلّه لم يكن بديلاً وطنياً، بل أشكالاً من "السنيّة المسلّحة"، أو "القومية المُؤسلمة"، التي تحمل سمات الدولة الأموية المزعومة، ولكن دون ما كان في تلك الدولة من قيم وبذور وأسس انفتاح وعدالة ولو رمزية. الدولة الأموية، رغم كل ما يمكن أن يُقال عنها، لم تُبنَ على إقصاء شامل، بل كان فيها مكانٌ ـ ولو محدود ـ للآخر المختلف دينياً ولغوياً. أما النسخة "الثورية" الممسوخة اليوم ـ كما ظهرت في مواجهة العلويين والدروز ـ فهي خالية حتى من تلك القشرة الرمزية.
أن يكون اسمك مخالفاً، أن تكون لهجتك مختلفة، أن تُتّهم فقط لأن ملامحك لا تناسب جغرافيا الفصيل الحاكم، أو المبرمج وفق رؤية ظلامية، فذلك هو الموت اليومي الذي يعيشه السوري في مناطق "التحرير"، كما كان يعيشه تحت وطأة النظام. وكأن الجغرافيا كلها باتت سجوناً مفتوحة، لكل من لم يُقسم يمين الطاعة، سواء كان درزياً، كردياً، علوياً، إسماعيلياً، أو حتى سنياً لا يرفع الشعار المناسب.
وقد شكّلت الطريق بين دمشق والسويداء، خلال الأيام الأخيرة، أحد أبرز مسارح هذا الاستهداف الطائفي، حيث جرى اصطياد طلابٍ وعمالٍ ومواطنين دروز، ناهيك عن الكثير من الآمنين وهم في عقر بيوتهم، لا لذنب اقترفوه، ولا لانخراطهم في أي مواجهة، بل فقط لانتمائهم الطائفي، في عمليات خطفٍ وقتلٍ بدمٍ بارد بعد أن تم توقيفهم في نقاط تفتيش تديرها فصائل راديكالية، من دون محاكمة، ومن دون اتهام، ومن دون أي اعتراف بالمسؤولية. إن تلقي طائفة بكاملها "درساً" على أيدي متطرفين، فقط لأنها لم تشارك في آلة القتل، هو فعل إبادة رمزية، لا يقل فظاعة عن الجريمة نفسها، ويعكس مدى التحلل الأخلاقي.
وللحقيقة، فإن الفضيحة ليست فقط في كل ماتم بحق الدروز، ومن بينها ممارسات الفصائل التي اقتحمت قرى ومناطق درزية وحلقت كرامة الشباب مع شواربهم، بل في الصمت المدوي لمن يدّعي تمثيل الشعب، إذ:
لا اعتذار، لا محاسبة، لا مراجعة. وبدلاً من مواجهة الجريمة، يُتّهم الضحية بالمبالغة، في إعادة إنتاج لخطاب النظام: "المشكلة فيكم، أنتم من بالغتم، أنتم من لم تفهموا طبيعة الثورة"، "أنتم من انتهكتم المقدس"" أنتم عولتم على العدو"
ما حدث للدروز اليوم، سيحدث غداً لغيرهم، كما حدث للعلويين، أمس، وما تم التساهل فيه هنا أو هناك سيطرق أبواب دير الزور، وما ارتُكب في عفرين، بات نموذجاً لنسخ الإهانة وتعميمها. لا فرق بين من يرفع راية دينية ليمارس الاستبداد، ومن يرفع شعار "العلوية إلى الأبد" أو "الأموية إلى الأبد"، طبعاً العلوية السياسية ابنة الخلطة الطائفية المتعددة، طالما أن جوهر الممارسة واحد: السلطة لأهل الطائفة، والإذلال للمختلف.
وليس من نافل القول أنه من المعيب أن يُساء إلى قومية كاملة ـ كما يحدث للكرد مثلاً ـ بشبهة الانفصال، احترازياً، كما تُجيّش لذلك وسائل التواصل، أو أن تُحاصر طائفة بأكملها لأن لها تراثاً مذهبياً مستقلاً. سوريا اليوم تدفع ثمن عسكرة الطائفة، لا الطوائف ذاتها، بل الفكرة التي تمت هندستها لتصبح فيها الطائفة مرادفاً للخيانة، أو معياراً للولاء، أو حقلاً للتصفية العشوائية، رغم زئبقية المعيار، وتحولاته، وفق رافعات ثنائية القوة والاستبداد.
الأسوأ من كل ذلك أن جزءاً غير قليل من المشروع المعارض بات يدور في الفلك ذاته الذي رسمه النظام. إذ يتم تبنّي خطاب الدولة الدينية، الدولة الأحادية، تحت عنوان "تحرير". لكن عن أي تحرير نتحدث حين يُنتهك الجسد باسم العقيدة؟ وحين يُستبعد المكوّن المختلف لأنه لم ينخرط في آلة الحرب؟
تركيا التي تدير الفصائل وكأنها مكاتب تعهّد، ليست بعيدة عن المشهد. ولكن اللعنة ليست في النظام التركي فقط، بل فيمن قبل بأن يكون أداة له، فيمن اعتبر الطائفة سلّماً نحو الغلبة، لا شريكاً في بناء وطن.
من هنا، علينا أن نعلم أن أي مشروع لا يتأسس ولا يبدأ أو لا ينطلق من مبدأ العدالة، فإنه لا يمكن أن يكون مشروع دولة. وأية سلطة لا تُحاسب، ليست سوى عصابة. أما من يعتبر الكرامة "ترفاً سياسياً"، فهو شريك في صنع الهاوية.
وبدهي، أن الدولة لا تُبنى على الطائفة، فحسب. وأن الدين لا ينبغي أن يكون أداة فصل. كما أن الطائفة ليست جريمة حتى تُحاسَب. بل إن الجريمة تكمن في أن تستمر الكارثة، وأن يصمت من يملك القرار، وأن تُكافأ الفصائل على إذلال الناس، فقط لأنها رفعت الشعار المناسب.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟


المزيد.....




- لأول مرة.. لبنان يحذر -حماس- من استخدام أراضيه لشن هجمات على ...
- انتشار قوات الأمن السورية في جرمانا بعد اتفاق مع وجهاء الدرو ...
- الجيش الأمريكي يتجه لتحديث أسلحته لأول مرة منذ الحرب الباردة ...
- العراق.. هروب نزلاء من سجن الحلة الإصلاحي في محافظة بابل وال ...
- مشروبات طبيعية تقلل التوتر والقلق
- هل تقبل إيران بإدمان استيراد اليورانيوم؟
- وقوع زلزال بقوة 7,5 درجة قبالة سواحل تشيلي وتحذير من تسونامي ...
- المجلس الأعلى للدفاع في لبنان يحذر حماس من تنفيذ -أعمال تمس ...
- غارة إسرائيلية على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي بدمشق.. ما الذ ...
- من السجن إلى المنفى : قصة صحفية مصرية ناضلت من أجل الحرية


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها