أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيلة














المزيد.....

الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيلة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 22:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ اللحظة الأولى لتشكل ما سُمِّي بـ"السلطة البديلة" في دمشق، لم يكن الأمر سوى إعادة إنتاج لسلطة استبدادية بشكل جديد، تلبس ثياب الثورة، وتتحدث باسم المقهورين، بينما تعمل على تكريس منظومة قهر جديدة، لا تختلف عن سابقتها إلا في الرموز والخطاب، أما الجوهر فكان هو نفسه: السيطرة، تهميش الإنسان، وتكريس العصبية.
لقد بدأت تلك السلطة المزيفة ـ منذ لحظة تسميتها نفسها بـ"إدارة العمليات"، ثم إنشاء حكومات مؤقتة متعاقبة، ثم مؤتمرات سد الذرائع الشكلية ـ في بناء كيانها على ركام آلام السوريين، مستغلة فرح الناس بالخلاص من دكتاتورية الأسدين الأب والابن، كما استغلت تعبهم من الجوع والدمار والشتات. كان كل شيء يوحي بأن تمثيلية جديدة تنسج، هذه المرة بسيناريو أكثر درامية وسخرية، إذ يكفي أن يبدو الواقع مستتباً، حتى يغض الناس النظر عن هوية الجلاد الجديد، ما دام الخبز مؤمناً والأمان متاحاً.
لكن هذه التطمينات لم تصمد طويلاً، إذ ما لبث أن تبيّن للجميع أن السلطة الجديدة إنما تتحرك على جبهتين: واحدة نحو الخارج لاسترضاء العالم، على حساب آلام السوريين، والأخرى نحو الداخل، لتكريس منظومة طائفية، تجعل من "السُّنة" المظلوم الأول، ومن بقية الطوائف: رهائن أو أدوات تسويغ. تحت غطاء المظلومية، بدأت حملة ممنهجة تستهدف جميع السوريين، تماماً كما فعل نظام الأسد، ولكن بصيغة المعارضة التي استولت على ميراث ثورة السوريين، مدعية أنها هي من أسقطت الأسد. إذ أصبح الحاكم الفعلي هو نظام تركيا، الذي استعار وظيفة "المندوب السامي"، بينما كان قادة الفصائل يقتتلون من أجل ألقاب زائفة: وزير، مدير، مسؤول، فيما البلد تتآكل، والناس يُدفنون في مقابر الظل.
في مثل هذه الظروف، لم يكن غريباً أن يُعاد إنتاج الجريمة الطائفية، لا كفعل انفعالي، بل كممارسة مؤسساتية. فبعد "مقتلة العلويين" التي تمت بعيداً عن مستوجبات وآليات المحكمة الانتقالية، وجرى تسويقها على أنها رد على كمين، تبيّن لاحقاً أنها كانت استغلالاً لاعتداءات متفرقة طالت الأبرياء، وقبورهم، ومقدساتهم. وكانت هذه الشرارة كافية لتشريع الحرب الرمزية، قبل أن تصبح دموية، على كل من لا ينتمي إلى طائفة "الحاكم الجديد".
الدروز لم يكونوا بمنأى عن هذه المقتلة النفسية. لقد بدأت لغة الاستعداء ضدهم بالتكثف على وسائل التواصل الاجتماعي، مروراً بحملات تشويه منظمة، وصولاً إلى التهديد المباشر. وكانت الاعتداءات المتكررة، في جرمانا وغيرها، دليلاً ساطعاً على أن الأمر لم يعد مجرد احتقان، بل هو مخطط استئصالي، تديره جهات عسكرية بغطاء سياسي، وتحت أعين العالم وإشراف تركي مباشر.
لا يمكن عزل الاعتداء على الدروز عن سياق ما جرى سابقاً للعلويين أو ما يُهدد به الكرد حالياً. فكل من يخرج عن السياق الطائفي المرسوم، هو في حكم المستهدف. الفيديوهات المهينة التي نُشرت ـ ثم جرى التخفيف منها بعد موجة السخط ـ ليست سوى رأس حبل الجريمة. أما الامتدادات فتقوم وتتأسس على غياب القانون، وانفلات السلاح، وغياب أي مرجعية قضائية حقيقية.
والمسؤول الأول عما يجري هو أحمد طعمة الشرع، الذي يتحمل بحكم مسؤوليته السياسية، ما تفعله الفصائل التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، إذ لا يمكن لغض الطرف عن هذه الجرائم أن يكون بريئاً. لقد تحول هذا الكيان إلى صورة مشوهة من نظام الأسد، إذ بات يسوغ القتل بذريعة الدين، ويشرعن الإخفاء القسري، ويستبدل التحقيق بالرمي المباشر، وكأن شيئاً لم يتغير سوى أسماء القتلة.
أجل، لقد بدا التسجيل الصوتي المفبرك الذي أطلق الفتنة ضد الدروز، مجرد ذريعة، وكان يمكن ـ لو توفر الحد الأدنى من الحكمة والعدل ـ التحقق من الأمر بهدوء، احتراماً لمقدسات الناس ومشاعرهم، ولحقن دماء الأبرياء، ولكنّ السلطة الجديدة فضلت الرصاص على القانون، والتجييش على التحقيق، والنكاية على العقل. وهكذا تسقط الدولة، حتى قبل أن تُبنى.
علينا، نحن السوريين جميعاً، أن نقف في وجه هذه الجرائم، لا بكوننا طوائف، بل لكوننا بشراً. لأن ما جرى في جرمانا وأشرفية صحنايا وصحنايا من اعتداء على المدنيين الدروز، وقبلها ما جرى في أحياء الساحل، وقبلهما ما جرى للكرد، هو مسلسل واحد، عنوانه العريض: الطغيان المتمذهب، وهدفه: الإمعان في تهميش و" تهشيش" وتجزيء سوريا، وإعادة تقسيمها، لا جغرافياً، بل إنسانياً.
ما يجري لا علاقة له بالثورة، ولا بالتحرير، ولا بحق تقرير المصير. ما يجري هو اقتتال على السلطة، يشبه ما فعله البعث منذ عقود، حين مزج القومية بالدين بالزعامة، ليصنع دولة الرعب. وهذه السلطة الجديدة، لا تخرج عن ذلك النموذج إلا من حيث نوع الخطاب، أما النتائج فهي ذاتها: قتل، تهجير، تغييب، وتدمير للنسيج الاجتماعي السوري.
لا أحد بريء في هذا المشهد، ما لم يُدن ما يحصل. لا يكفي أن نستنكر قتل العلوي، أو إهانة وقتل الدرزي، أو تهديد الكردي، بل يجب أن نرفض أن تكون سوريا دولة مبنية على الطائفة، لا على المواطنة ذات الدرجة الواحدة التي لا تمنح مكوناً ما لا تمنحه للآخر من بعد خارج الوطنية.
إن الاعتراف بأن كل الطوائف كان فيها مجرمون، كما أن في كل الطوائف ضحايا، يجب أن يكون نقطة الانطلاق لأي مشروع وطني حقيقي. أما الاستمرار في التعامل مع الوطن كغنيمة طائفية، فلن يقود إلا إلى مزيد من الفناء.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟
- حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد


المزيد.....




- تقرير: أمريكا اعترضت اتصالات لمسؤولين إيرانيين كشفت تقييمهم ...
- ماكرون يؤكد في مكالمة مع الرئيس الإيراني على ضرورة العودة إل ...
- إيران تنفي تهديد الوكالة الذرية وتشكك في مصداقية ترامب بشأن ...
- تصاعد هجمات المستوطنين بالضفة وجيش الاحتلال يعتقل العشرات
- -إثبات الوفاة- معاناة قانونية وإنسانية تؤرّق ذوي الشهداء وال ...
- الزرشك نكهة لاذعة وفوائد مذهلة.. كنز أحمر في مطبخك
- شيرين في مهرجان -موازين-.. تفاعل وانتقادات ودعم
- حكم بالسجن النافذ في حق صحافي فرنسي في الجزائر بتهمة تمجيد ا ...
- الجزائر: الحكم على صحافي رياضي فرنسي بسبع سنوات سجن بتهمة تم ...
- غروسي: إيران قد تستأنف تخصيب اليورانيوم -في غضون أشهر-


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيلة