أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات الدولة المهدورة














المزيد.....

ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات الدولة المهدورة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 20:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا السوري: عندما تتخلى الدولة عن وظيفتها، وتتحول إلى جهاز أمني تسلطي ميليشياوي، وعندما تَخرُج من معادلة التمثيل الوطني لتستقوي بطائفة واحدة، فكل طائفة أخرى تصبح مهددة، بل مهيأة للإجهاز عليها.
إن نقد الطائفية ليس ترفاً سياسياً، بل هو مدخل أساسي لفهم التشوه البنيوي الذي أصاب سوريا، دولةً ومجتمعاً. فما من دولة يمكن أن تحتفظ بمشروعيتها حين تتحول إلى سلطة تُحكم باسم طائفة واحدة، من دون أن تضم تنوعاً فعلياً في الوزارات والإدارات و مفاصل السلطة. حيث أن الدولة حين تستند إلى الطائفة، فإنها تصبح عصابة، ويُصبح خطاب الوطنية الرسمي محض قناع لتمويه السيطرة الفئوية على البلاد، وهذا ما يفتح الباب- شرعاً وواقعاً- أمام نشوء طائفة مقابلة، كحالة دفاع وجودي.
وحين يلوّح الشيخ الهجري بمسألة الاستعانة بالخارج، في إطار الحماية، فحسب، فإنه لا يفعل ما لم تفعله جهات مناهضة للنظام من قبل، بل إن الثورة السورية"2011-2014" التي تزعم فصائل المعارضة نفسها أنها انطلقت منها وتمثلها، قد طالبت منذ عام 2011 بالتدخل الدولي. فليعد القارئ إلى الجمعات التي تلت انطلاق الثورة: جمعة الحماية الدولية (9 أيلول 2011)، جمعة التدخل العسكري (16 آذار 2012)، ثم الدعوات المتكررة لفرض حظر جوي وإقامة منطقة عازلة على الحدود الشمالية والجنوبية. كذلك، فإن المعارضة أُنشئت برعاية دولية، منذ تأسيس المجلس الوطني السوري، إلى ولادة الائتلاف، إلى غرف "موك" و"موم"، وصولاً إلى الدعم العسكري من دول كثيرة. فهل تُجرّم طائفة لطلبها الحماية في لحظة تهديد، في مواجهة مخطط المجازر المفتوحة والإبادة، بينما تُبارك خطوات معارضة استندت إلى الخارج منذ البدايات؟
واقع الحال- بحسب ظني- أن ما دفع الشيخ الهجري إلى التلميح بذلك، هو انكشاف المشهد الأمني في جنوب سوريا، خاصة بعد الأحداث الأخيرة، التي أظهرت إفلات الميليشيات الطائفية من كل قيد، وانحياز بعض القوى الفاعلة إلى سيناريو المذبحة المحتملة، دون أن يكون ثمة دولة تتدخل لوقف النزيف، أو تحفظ كرامة المواطنين. وفي ظل هذا الغياب الكارثي للعدالة، فإن استنجاد أي جماعة مستهدفة بالخارج ليس خروجاً على الوطنية، بل احتجاجاً عليها.
فالمواطن الذي يُظلمه "أبوه"، أي دولته، لا يملك إلا أن يصرخ، وأن يطرق باب الجيران، كما يفعل الطفل المقهور. الطفل لا يختار أباه، لكنه يصرخ حين يُضرب، وحين يُهدد وجوده، فيستنجد، لا بغرض الخيانة، بل للحماية. والدولة التي تفقد معناها، وتفشل في تمثيل" الكلّ"، وتُخضع الأمن والاقتصاد والعدالة لهويةٍ طائفية ضيقة، لا تترك لبقية المكونات سوى خيار الدفاع عن النفس، والاستعانة بمن يستجيب.
لقد رأينا، مراراً، ما جرى في الساحل السوري، وما فعله بعض الناشطين العلويين أنفسهم في المنافي، حين تحدثوا عن ضرورة الحماية من الاستبداد، أو من الفوضى الأمنية، أو من الخطف، أو من التجنيد القسري. ولم يُعَدّ ذلك خروجاً على السلم الأهلي. فلماذا يُلام الشيخ الهجري وحده؟ أليس ما فعله هو بالضبط ما فعله ناشطو كل المناطق السورية، حين هُدّدت مجتمعاتهم بالإبادة أو القهر؟
إن ما نحتاج إليه، الآن، ليس مزيداً من التحريض الطائفي، بل مراجعة عميقة لمفهوم الدولة، ومعنى المواطنة، ووظيفة الحماية، وأخلاقية التمثيل. الدولة لا تعني الأرض فقط، بل العقد الاجتماعي الذي يُنظم العلاقة بين المكونات، ويوفر لها الحد الأدنى من الأمان السياسي والحقوقي. وعندما تفشل الدولة في حماية طائفة، فإن استنجادها بالخارج ليس خيانة، بل هو محاولة للبقاء، وردّ فعل على إهمال المركز، وتمادي القوة المنفلتة، وصمت الشركاء.
لهذا، فإن الهجوم على الشيخ حكمت الهجري يجب ألا يُفهم إلا كإعادة إنتاج للمنطق القمعي ذاته: منطق إسكات كل صوت يحتج على الظلم. في حين أن دفاعنا الحقيقي عن سوريا، كوطن، يمرّ عبر الاعتراف بحقّ كل مكوّن فيها أن يحيا بكرامة، وأمان، وعدالة. لا أن يُطالب بالتضحية ثمناً للبقاء، ولا أن يُعامل كضيف على أرضه، يُمنُّ عليه بالبقاء ما دام صامتاً.
الشيخ الهجري، في لحظة مفصلية، لم يخرج عن السياق الوطني، بل ذكّر به، حين انكشفت الدولة وتعرّت. وما طلبه، أو ألمح إليه، لا يُدين السويداء، بل يُدين من أوصلها –وسواها– إلى هذه الحاجة القاسية للحماية.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .


المزيد.....




- فرنسا تبدي استعدادها للمساهمة في توزيع المساعدات الإنسانية ب ...
- إسرائيل تعلن اغتيال مسؤول عسكري في حزب الله
- صور مفبركة تثير الجدل حول عودة عادل إمام
- صحف عالمية: إسرائيل تستخدم المساعدات لتهجير سكان غزة ولا يجب ...
- خبير عسكري: المقاومة في غزة تتفوق وتربك جيش الاحتلال
- مفتي القاعدة السابق: بي بي سي والدولارات ساهمتا بإسقاط طالبا ...
- فيديو يُظهر لحظة القبض على -فيتو- أخطر المطلوبين في الإكوادو ...
- ظهور قائد إيراني كبير بعد شائعات عن مقتله في غارات إسرائيلية ...
- بسبب اعتدائهم على جنود في الضفة الغربية.. الشرطة توقف ستة إس ...
- تفاعل واسع مع مقال لتركي الفيصل -يدعو ترامب إلى تدمير المفاع ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات الدولة المهدورة