أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - وداعًا أيها السلاح...وداعاً أيها الظلم أم وداعًا أيها الحلم؟















المزيد.....

وداعًا أيها السلاح...وداعاً أيها الظلم أم وداعًا أيها الحلم؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 20:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وداعًا أيها السلاح


إبراهيم اليوسف

وداعاً أيها الظلم

... أم وداعًا أيها الحلم؟
عندما كتب أرنست همنغواي روايته الشهيرة "وداعًا أيها السلاح"، لم يكن يودع البنادق وحدها، بل كان يودع فكرة الحرب نفسها: جنونها، عبثيتها، انهيار المعنى الإنساني فيها. كانت الرواية صرخة مريرة ضد تمجيد الموت، وضد أولئك الذين يحوّلون الألم إلى شعارات صلبة، لا تعرف الرحمة. إذ لم تكن الحرب، يوماً، سوى تجسيد لانهيار الفكرة، وعجز الإنسانية عن اجتراح العدالة. كل رصاصة أُطلقت، وكل جسد سقط، كان نتيجة خيانة كبرى للعقل، للقيم، للمستقبل.
ها هو حزب العمال الكردستاني، وبعد مسيرة دموية امتدت لعقود، يعلن، في مؤتمره الأخير المنعقد بين الخامس والسابع من أيار، وقفًا مشروطًا ودقيقًا لما يشبه الوداع الرمزي للسلاح. لم يكن الإعلان مجرد إجراء سياسي، بل يمكن النظر إليه كعلامة مفصلية تنبع من إحساس عميق بتغيّر الزمن، واستحقاق التاريخ.
لكن، هل الحرب التي تُركت خلفه كانت خيارًا أصلاً؟
هل اختار الكردي البنادق، أم اختارتهُ الجغرافيا الممزقة والمصالح الدولية التي جعلت من الكرد مادة خامًا لخرائط مرسومة بالحبر السري على موائد استعمارية منذ اتفاقية سايكس-بيكو وحتى اليوم؟
حين تمّ تقسيم كردستان، لم يُسأل شعبها، لم يُستفتَ، لم يُمنح حق تقرير مصيره، بل تمّ اقتطاعه وتوزيعه كغنيمة حرب بين دول الناشئة حديثًا على جثث الإمبراطوريات.
إذا كانت دعوة السيد عبد الله أوجلان المتكررة-فك الله أسره- رغم العزلة القاسية، تتجه صوب السلام، فإنها تكتسب قوتها من صدى الظلم المستمر لا من ضعف، ومن إدراك عميق بأن الحرب لا تصنع حلاً دائمًا، بل تُطيل المأساة. غير أن هذه الدعوة لا يمكن أن تكون طريقاً باتجاه واحد. إذ لا يُمكن للسلام أن يولد في بيئة لا يزال فيها الإنكار هو الدستور غير المعلن.
فهل تمتلك أنقرة الشجاعة السياسية للاعتراف بالشعب الكردي كشريك لا كتهديد؟
هل ستتوقف عن التعامل مع الكرد من منظور أمني، وتنتقل إلى مقاربة تقوم على العدالة، التمثيل، الاعتراف، والتصالح التاريخي؟
وفي الأجزاء الأخرى من كردستان، يبدو أن الحرب لم تنتهِ، حتى وإن تغيّرت أشكالها.
في روج آفا كردستان، تُواجه التجربة الناشئة خطر الاجتثاث، ليس فقط عبر التهديدات التركية المتكررة، بل أيضًا من خلال الحصار والعزلة ومحاولات العزل الجغرافي والديمغرافي.
في روجهلات، تواصل الدولة الإيرانية حملاتها القديمة الجديدة لتذويب الهوية وملاحقة كل نبض كردي خارج منظومتها الأيديولوجية.
أما في باشور كردستان، فالاستقرار لا يزال هشًا، رهن التحالفات الإقليمية والعداوات المزمنة التي تطل برأسها من العواصم المجاورة.
فهل تكون هذه المبادرة نهاية لمسار الدم، أم مجرد استراحة قبل عودة أخرى للسلاح؟
هل سيتحرّر الوعي السياسي الكردي من التبعية الأيديولوجية ليؤسس لخطاب قومي جامع، يُخرج القضية من العباءة الممزقة إلى رحاب التمثيل الحقيقي؟
وهل تنتهي حالة التنازع بين "المركز" و"الهامش" الكرديين، بين مشروع يعتبر نفسه احتكارًا للرؤية، ومشاريع أخرى تبحث عن نفسٍ مستقل لا يتحقق إلا عبر التعدد والاحترام المتبادل؟
ماذا عن فروع حزب العمال في الأجزاء الأخرى؟
هل ستبقى مرتبطة بأجندة مركزية تتجاوز واقع كل جزء وتُفقده مرونته السياسية؟
أم سيكون هناك تحول جذري يعيد رسم العلاقات على أساس الاندماج في أسئلة هذه الأجزاء خارج ما تم فرضه عليها من قبل هذا الحزب العابر للحدود، على ضوء الشراكة، لا التبعية، وعلى ضوء المصلحة الكردية العامة، لا الوصاية الأيديولوجية، وبعد اعتبار أيديولوجيا حزب العمال جزءاً من الماضي، فحسب، وما كان له أن يمتد خارج مكانه، ومن ثم قطع العلاقة النهائية معه، من دون نسيان بسالة بطلاته وأبطاله؟
إذ، ونحن نلوّح للدمار بالوداع، لا يمكن أن نطوي صفحة البطولة ببرود. لا يمكن أن نغفل عن أولئك الذين صعدوا الجبال، لا لهواية الحرب، بل لأن أبواب الأرض سُدّت في وجوههم، فاختاروا العلو. بطلات الغريللا وأبطالها، نساء ورجالاً، رسموا في الثلج والرماد خارطة الشجاعة، واقتبسوا من أرواحهم شعلة لا تنطفئ. إنهم من صنعوا بصبرهم وشهادتهم الكثير من وعي وكرامة ومطالبة بالحقوق. دمهم ليس نداءً للحرب، بل هو وصية ضد النسيان. وصية بأن لا تُختزل القضية في تسويات هشة، ولا تُطوى التضحيات في طيّ النسيان السياسي. كل حوار لا يبدأ باعتراف بدمائهم، يظل ناقصًا، وكل مشروع سلام لا يعترف بعظمة فدائهم، هو مشروع صامت كالقبر.
إن أم الشهيد الكردي، سواء من مهاباد أو كوباني أو زاخو، لا تطلب أكثر من كرامة لذكرى ابنها، ومستقبل لأحفادها. لقد قدّمت فلذة كبدها من أجل كردستان حرّة، لا من أجل مشاريع مغلقة أو انتصارات وهمية على الورق. لا يمكن أن يكون دم الشهيد معبرًا نحو المزيد من الانقسام، بل يجب أن يكون جسراً نحو مشروع قومي إنساني يُعيد للوجود الكردي معناه ومكانته.
أجل. ومن بين الركام، لا تُنسى وجوه الأمهات، أولئك اللواتي غسلن دماء أولادهن بدموع الكبرياء، لا بالندب. أمهات الشهداء في روجهلات، روج آفا، باكور، وباشور، حملن صور أبنائهن في الصقيع، ووقفن في وجه الظلم والخذلان العالمي، بصمت أبلغ من الخطب. تلك الأم التي أرسلت ابنها إلى الجبل دفاعاً عن كرامة شعبها، لم تكن عاشقة للفقد، بل كانت تحلم بعدالة لا يحققها صمت القبور، بل صراخ التضحيات. كل أم كردية فقدت- مخيَّرة- ابنها أو ابنتها على ذرى كردستان، لا تنتظر تعويضاً، بل اعترافًا صريحًا بأن دماءهم لم تذهب هدراً. ومن دون هذا الاعتراف، لا معنى لأي مصالحة، ولا جدوى من كل البيانات والمواثيق.
لا أحد يهوى الحرب، ولا أحد يربح منها سوى صناع السلاح وتجار الدم. السلام ليس ضعفاً، بل قوة تجاوز. ولكن، لا يجوز للسلام أن يكون عملية استسلام ناعمة أو نسياناً مقنّعاً، بل يجب أن يكون استحقاقاً متبادلاً، قائماً على الاعتراف، وضمان الحقوق، ورفع كل أشكال الإنكار.
ولأجل شرق أوسط بلا حروب، بلا فصام دائم، لا بدّ من حلّ جذري للمسألة الكردية.
لا استقرار في هذه المنطقة ما لم تُصحح الجريمة الجغرافية التي جعلت من الكرد شعبًا بلا دولة، وصوتًا دائمًا خارج الخريطة.
إن مشروعية الدولة الكردية ليست نقيضًا للسلام، بل هي شرطه، وهي الخطوة الأولى نحو شرق أوسط جديد، لا تصنعه الطائرات، بل العدالة.
وداعًا للسلاح؟



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين ...
- سري كانيي... المدينة المنفية من الخرائط والضمائر
- الفنان الكردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لا ...
- مأثرة التدوين وسقوط التخوين
- ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات ال ...
- الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!


المزيد.....




- طرابلس على صفيح ساخن: تحشيدات تواجه -الدعم والاستقرار- وتحذي ...
- لافروف يبحث مع نظيره التركي جهود السلام لحل النزاع الأوكراني ...
- مصادر عسكرية لــ RT: مقتل آمر جهاز الدعم والاستقرار في طرابل ...
- نعيم قاسم: الغارات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان -لعبٌ بالنا ...
- اتصال هاتفي بين الجيشين الهندي والباكستاني
- فرنسا: تكلفة مشروع -سيجيو- لطمر النفايات النووية ترتفع إلى 3 ...
- بي بي سي تنشر اعترافات حول -فظائع- ارتكبتها القوات الخاصة ال ...
- بداية جديدة في انتظار سوريا.. ترامب يدرس مسألة رفع العقوبات ...
- هل يجبر ترامب نتنياهو على وقف حربه بغزة؟
- الخارجية السورية تصدر بيانا بعد تصريحات ترامب عن التفكير بشك ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - وداعًا أيها السلاح...وداعاً أيها الظلم أم وداعًا أيها الحلم؟