أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين قتل تحت التعذيب من قبل المكتب الثاني ولم ينصف حتى الآن؟














المزيد.....

يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين قتل تحت التعذيب من قبل المكتب الثاني ولم ينصف حتى الآن؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


تمر اليوم الذكرى الثالثة والخمسون على استشهاد الفنان الكردي الكبير يوسف جلبي، ذلك الصوت الذي ما زال يتردد في ذاكرة القرى، ويتهامس به الناس عند احتدام الوجع. لم يكن يوسف جلبي مجرد مغنٍ، بل كان وجهاً من وجوه الثورة الصامتة، رجلًا أشرقت أغانيه في زمن العتمة، واصطف مع المقهورين، ليصبح صوت الفلاحين، ونداء القرى المعزولة، وصوتًا جمع في حنجرته الشجن، والفخر، والتمرد، والوطن.
ولد في العام 1927، وعاش في قرية" جبلكراوي" القرية التي تنام في أحضان منطقة أومريان، وتستيقظ على أصوات بلابلها وكناريها، قبل هجرته مع أسرته إلى كردستان سوريا. إذ إنه لم يرضَ لنفسه أن يكون مجرّد عابر في هذا الوجود. نسج كلماته من لحم الحقيقة، ولحنها بنبض الأرض، وغنّاها كما يغني طائر مهاجر، لا يبحث عن تصفيق، بل عن نجاة. تألق في الحفلات، وارتجل، وكتب، وغنّى ما لا يُغنّى، فكانت أغنيته صرخة... وكانت صرخته جرمًا لا يُغتفر.

وفي عيد النوروز الأخير، في قرية "علي فرو" في العام 1962، كان يغني لأرضه كما لو أنه يعرف أن هذا الصوت سيكون الأخير. فاجأ المحتفلين الذين أحيوا العيد سراً، بعيداً عن أعين أجهزة الأمن، بحضوره المميز، ألهب الأحاسيس بأغنياته، وأيقظ في العيون دموعًا كانت نائمة. لم تحتمل السلطة هذا الحضور الطاغي، فأعدّت له الفخ، واستنفر رجالها، وبدأت النهاية تتسلل إليه من خلف الستار. أوقف، اعتُقل، عُذب، ثم اغتيل على يد رجال المكتب الثاني بقيادة المجرم ذائع الصيت حكمت مينو، ليغدو ضحية الكلمة والموقف، ودمه الذي سُفك كان ثمنًا لحريته الشخصية ولحرية شعب بأكمله.

لكن ما يؤلم أكثر من موته، هو أن تظل قضيته في طيّ النسيان، كأن الرجل الذي غنّى للحياة، مات مرتين؛ مرة على يد الجلاد، ومرة على يد الصمت. أيدي من حوله. أيدي من غنى لهم. إذ إنه حتى أولئك الذين رددوا أغانيه، وارتقوا بها إلى مسارح الشهرة، لم يحفظوا له جميل الصوت الأول. ظل ملفه طيّ الإهمال، لم تفتحه الحركة السياسية، كما يخيل إلي، من خلال متابعتي وحفري، ولا المؤسسات الثقافية التي نشأت فيما بعد، نتيجة ديمومة ما مورس من تعتيم منظم على الجريمة، حتى بدا وكأن الفن الذي حمله فوق أكتافه، قد أنكر حمله.
نجله، جلبي يوسف جلبي، أول من سمع ارتطام الجسد المكسور عند فجر يوم7 أيار1962 بعد ساعات من خطفه، عندما رمته سيارة رجال الأمن أمام المنزل الذي كان يقيم فيه في العنترية وهو طفل صغير، حين عاد الأب ملفوفًا بأكاذيب الدولة، وقيل: "مات بجلطة قلبية". لكن الابن، الأهل. الشهود والشارع، وكل من عرف يوسف، كانوا يعرفون الحقيقة، ويرددونها بينهم على استحياء، كمن يخاف أن تقتل الكلمة للمرة الثالثة، بيد أنه لم تتم متابعة ملف الجريمة النكراء، وهوما قلت في العام الماضي، في مثل هذا اليوم، عبر وسائل الإعلام، رغم معرفتي بالإجابة على نحو شبه كامل: صغر أطفاله. واقع الاستبداد. محاولة التضليل والتشويه بحق الفنان!؟
لقد كان يوسف يدخل بيوت المسيحيين واليهود والكرد والعرب كواحدٍ منهم جميعًا، محبوبًا كأنه من كل بيت، وصديقًا كأنه فردٌ من كل قبيلة. ومع ذلك، حين سقط، لم تُقم له الدنيا قائمة. ظل ملفه مغطىً بالغبار، لا مهرجان باسمه، لا جائزة تخلّد أغنياته، لا تمثال يشير إلى الرجل الذي كان أول شهيد فني لقامشلي.
ومع ذلك، لم تخن ذاكرته كلها. محمد رشاد بك المللي، صديقه، بقي وفيًّا حتى اللحظة الأخيرة. الشيخ إبراهيم عبد المحسن، المختار اليهودي، بيوت أصدقائه المسيحيين، وآخرون كثيرون من وجها وأعيان المنطقة وعوامها، ممن رافقوه، وظلوا يروون الحكاية رغم صمت السنين. وها هو ابنه جلبي، زميلي في التعليم، يفتح النافذة مجددًا، ويسرد، بشجاعة المؤرّخ، تفاصيل النهاية، وذكريات الطفل الذي شهد على انهيار أبيه فجراً، مؤكدا أن الجرائم الكبرى لاتموت بالتقادم!
أما الدافع للكتابة عن جلبي، فلم يكن فقط الندم، بل ذاك النبض الحيّ في ولدي كرم، الذي أحب الفن منذ نعومة أظافره، وراح يبحث عن أشرطة يوسف جلبي، ليغنيها ويهيم بها، حتى صار حفيد الشهيد صديقه الأقرب. طلب مني ذات يوم أن أكتب رواية عن يوسف، عن الجرح والفنّ والحلم المسروق. تأخرت الرواية، لكنني اليوم أكتب كأنني أخطّ اعتذارًا باسم جيل كامل لم يعرف كيف يردّ الجميل لصوت أنقذ الروح من الغياب.

لقد آن لنا أن نجمع أغاني يوسف جلبي، أن نوثقها، أن نطلق جائزة باسمه، أن نكرمه كما يليق بمن غنّى للحرية، ولم يساوم، ودفع حياته ثمنًا لصوته. يوسف جلبي لم يكن مطربًا فحسب، بل كان ظاهرة، والظواهر لا تموت... إنها تعود، حين نستحقه



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سري كانيي... المدينة المنفية من الخرائط والضمائر
- الفنان الكردي الكبير يوسف جلبي في الذكرى الثالثة والخمسين لا ...
- مأثرة التدوين وسقوط التخوين
- ليس دفاعاً عن الشيخ الهجري: حين تُستنجد الطائفة بأخلاقيات ال ...
- الطائفة كأداة تفكيك: حين تُغتال الدولة في مهدها
- الدروز واستهداف الكيان: فتنة المذهبة ومسؤولية الدولة المتخيل ...
- -الفتنةُ على سرير الموتى: فيمن يحترفون زرع الألغام وتأليب ال ...
- ما بعد مؤتمر قامشلي بين سمّ العقدة وشرعية الدفاع عن الوجود.
- الموالاة والمعارضة في سوريا: التقاءٌ وافتراقٌ في مرايا الدم
- خمسون عاماً في محرقة الصحافة: في سيرة الإعلامي الذي يحارب نف ...
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للوجود
- رمضان نجم أومري حين يصبح الفن جبهة والعود سلاحًا للكرامة
- الزئبقيون: سيكولوجيا الحرباء في ظل السلطة
- جلد الذات والعبودية تجاه الآخر وسائل التواصل ومفاقمة العقدة!
- لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من ا ...
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة


المزيد.....




- بعد 80 عامًا من وفاة موسوليني ماذا نتعلم من صعود الفاشية؟
- مطربة سورية روسية تحتفل بأغنية في عيد النصر
- مركز السينما العربية يكشف برنامجه خلال مهرجان كان والنجمان ي ...
- فيلم وثائقي يكشف من قتل شيرين ابو عاقلة
- بعد 21 يوما من وفاته.. تحديد موعد دفن الإعلامي عطري صبحي
- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - يوسف جلبي الفنان الكردي الكبير غنى لشعبه ولنوروز والمظلومين قتل تحت التعذيب من قبل المكتب الثاني ولم ينصف حتى الآن؟