أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي مطموسة؟














المزيد.....

بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي مطموسة؟


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 03:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله:
لماذا لا تزال ملفات اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي مطموسة؟
توطئة صادمة:
اختطف الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي، في العاشر من أيار عام 2005، من مكتبه في دمشق. ليعلن في الأوّل من حزيران، وبعد ثلاثة أسابيع من الصمت والتكتم والتضليل، بل والقلق، أعلنت السلطات عن "وفاته"، في رواية مهزوزة حاولت تسويقها كحادثة "جنائية"، بينما كانت آثار التعذيب على جسده أكبر من أن تُخفى، وكانت صور الإباء على وجهه أبهى من أن تُطمس.
الذين عرفوا الشيخ، ورافقوه، واحتكوا بعقله النير، وصوته الجريء، يعلمون أنه لم يكن هدفًا عاديًا، بل كان مشروعًا وطنيًا وكرديًا، إسلاميًا وحداثيًا، لا يشبه سواه. ولهذا تحديدًا اغتالوه.
المشروع الذي أرعب السلطة
لم يكن معشوق شيخًا تقليديًا. لم يكن أسير محراب، ولا تابعًا لأي وصاية فكرية أو أمنية. كان خطيبًا مفككًا للخطاب الطائفي، مدافعًا عن التعدد، حاملاً للهمّ القومي الكردي دون تعصب، ومبشرًا بإسلام متنور. وكان يرى في وطنه سوريا مساحة جامعة، يجب أن تتسع للجميع، لا قفصًا قوميًّا أو طائفيًّا.
كانت خطبه في جامعه في قامشلي وفي المجالس التي يحضرها والمنابر التي يعليها تضيء جمر المسكوت عنه. تحدّث عن الكرد وحقوقهم، عن المعتقلين، عن مأساة حلبجة، عن المفقودين، وعن تواطؤ الصمت. ولم يكن غريبًا أن تبدأ الجهات الأمنية بملاحقته وتهديده، بل والتحقيق معه علنًا. ولعل العبارة التي قالها لضابط الأمن، ثم نُقلت في بيانه الأخير: "أنا لا أعمل في الظلام. اكتبوا ما شئتم، لا أخاف من الضوء!" كانت كافية لتصدر حكم الإعدام عليه دون محاكمة.
الجريمة: ثلاثون يومًا من التواطؤ
منذ اختطافه في 10 أيار، وحتى إعلان استشهاده في 1 حزيران، جرى كل شيء كما لو كان مخططًا له مسبقًا:
سيارته عُثر عليها أمام المكتب.
هاتفه المحمول كان مغلقًا فورًا.
لم تعلن أي جهة أمنية اعتقاله.
وعندما وُجد جسده، كان بحالة تدل على أن الوفاة حدثت قبل يومين فقط، لا أكثر، رغم أن الرواية الرسمية التي زعمت أنه توفي قبل ذلك، فور اختطافه.
هذه الرواية الكاذبة التي قدّمها الإعلام السوري في ذلك الوقت، كانت صفاقة سياسية وأخلاقية. فقد قدّمت شابين على أنهما "القتلة"، لتغلق الملف بطريقة هزلية. فيما خرج أبناؤه – مرشد ومراد – على العلن ليؤكدوا أن والدهما قُتل على يد السلطة، وأن ما قُدّم من "مسرحية الاعترافات" لم يكن سوى واجهة لطمس حقيقة الاغتيال، وقد كنت أول من قال: إنها مسرحية كاذبة، كما أنني قلت: لم يختطف من قبل مجهولين، بل من قبل النظام، وكان هذا مكلفاً، ووقفت بعض الأحزاب الكردية وقفة شجاعة منذ لحظة اختطافه وحتى ساعة إعلان وفاتة، وقادت مظاهرة احتجاجية في الخامس من حزيران 2005، تمت مواجهتها بإطلاق النار على المحتجين في الشارع والاعتداء على بعض النساء المتظاهرات، بطريقة شائنة، من قبل أجهزة النظام في قامشلي,
من أدار الجريمة؟ ومن سكت عنها؟
بعد عشرين عامًا، يحق لنا أن نسأل:
من هو الآمر الأول بتنفيذ العملية؟
من هي الجهة الأمنية التي أشرفت على الخطف والتعذيب؟
من قتل "شهودًا" أو أشخاصًا كانوا قريبين من الملف لاحقًا؟
من فبرك "الاعترافات"؟
لماذا لم تفتح أي جهة معارضة، رغم زوال سلطة الأسد عن مناطق واسعة، تحقيقًا جادًا في الجريمة؟
لماذا لم نرَ لجنة قانونية سورية مشتركة مختصة تنبش هذا الملف؟
هناك حديث عن أشخاص تعرضوا لحوادث سير، أو "انتحروا"، أو اختفوا فجأة بعد أن وُصفوا بأنهم مطلعون على "تفاصيل الاختطاف"، أو من المتورطين فيه كأدوات. وهذا يعزز الفرضية بأن هناك إرادة عليا، بَنَت وأشرفت ومحت.
بين الثورة والخذلان: الصمت المُريب
منذ انطلاق الثورة السورية في 2011، سقطت أقنعة كثيرة، وانكشفت وجوه كثيرة. بُنيت محاكم شعبية، وسقطت تماثيل، وتراجعت أذرعة الأمن. ومع ذلك، ظل ملف الشيخ الشهيد محمد معشوق صامتًا. لا جبهة سياسية كردية فتحت تحقيقًا، ولا لجنة من قضاة المعارضة، ولا حتى عريضة معتبرة وصلت إلى الأمم المتحدة أو المنظمات الحقوقية.
لماذا؟
هل كان في الجريمة شركاء رفيعي المسؤولية لم يرد الإعلان عنهم؟
هل لأن صوته كان عاليًا جدًا لدرجة أنه أخاف جميعهم؟
لقد تعرّض الشيخ لحملة مزدوجة: من السلطة، ومن بعض أبناء قومه الذين راحوا يشككون بدوافعه، ويصغّرون من مشروعه، ويشيعون عنه الاتهامات. حتى في عز اختطافه، كان هناك من يقول: ربما يُخرجونه وزيرًا لاحقًا، أو يشكل حزبًا ممولًا!... ولم يفهم هؤلاء إلا حين أعيد الجثمان إلى أهله، ملفوفًا بدمه.
لا بدّ من مساءلة الذاكرة
أمام هول ما جرى، لا تكفي المواقف الرمزية، ولا يكفي أن نحمل صور الشهيد في مسيراتنا أو نردّد اسمه في خطابنا. إن قضية اغتيال معشوق الخزنوي يجب أن تكون على رأس أولويات أي عدالة انتقالية في سوريا المستقبل. يجب فتح الملف كاملاً، وإعادة استجواب من شاركوا، أو سكتوا، أو فبركوا، أو أصدروا التعليمات.
إن اغتيال الشهيد د. محمد معشوق ليس اغتيال رجل دين فحسب. إنه اغتيال رمز كان يمكن أن يكون نقطة مفصلية في مصير البلاد. رجل تلاقت فيه روح كردية حرة، وعقل ديني متنور، وصوت وطني كان يبحث عن لغة جديدة لوطن غارق في الظلم.
ولابد من التذكير أننا كتبنا، صرخنا، واحتججنا، ولكن الدم الذي جفّ لم يُمحَ. ولا تزال رائحة الحجرة التي أسسنا منها غرفة العمليات تملأ الذاكرة. لا يزال وجهه الضوئي يطلّ علينا في كل منعطف. لا تزال وصيته لأبنائه أن يستشيروني، جرحًا في قلبي لا يندمل.
نعم، بعد عشرين سنة، نصدقك أكثر. نصدق أنك كنت الضوء، وأنهم قتلوك لأنهم أبناء العتمة.
نعرف قتلتك، ونعرف أنهم يخافون ذكراك أكثر مما خافوا صوتك حيًا.
العدالة لم تأتِ بعد. لكن الذاكرة لا تموت.
والخيانة لن تسقط بالتقادم.

*
يراجع كتابنا:
اغتيال كوكب:
إضاءات من سيرة شيخ الشهداء د. محمد معشوق الخزنوي



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون بقلم الناقد ا ...
- تلويحة النار و دمعة الجبل: سفير عفرين جوان حسن في أغنيته الأ ...
- في حضرة المفارقة من -نبوءة التخوين- إلى السقوط في شراكه
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-
- من الاستعمار الخارجي إلى استعمار الذات: اللغة الكردية بين من ...
- بين الإبراهيميّة والإخوانيّة: الكرد في مرمى المشاريع العابرة ...
- رحيل أحمد حسين الشيخ سعيد: عد إلى مسقط رأسك هناك، وارقد قرب ...
- من أجل ولادة حزب كردستاني جديد في تركيا نحو أفقٍ ديمقراطي بل ...
- الشاعر الذي يشبه قصيدته حسان عزت الهادىء العاصف بين منافيه!
- الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المص ...
- رفع العقوبات عن سوريا: لا رخصة للذبح الحلال... !
- في متوالية الاستقواءات حين يفقد العالم شرعيته
- بعد ثلاث وستين سنة من قتله تحت التعذيب.. نجل الفنان الشهيد ي ...
- وداعًا أيها السلاح لوعاد همنغواي حياً ماذا كان سيكتب؟


المزيد.....




- أهرامات ومعابد.. اكتشاف مجمع أثري عمره 3 آلاف عام لحضارة الم ...
- في عيد ميلادها.. هالة صدقي تمازح متابعيها: -الأمورة دي أكيد ...
- كاميرا تُظهر لحظة مرعبة لسيارة تفقد السيطرة بعد مطاردة من ال ...
- مصر: نجيب ساويرس يثير تفاعلا بتدوينة عن التصدي لمن -يخوضون ف ...
- زاخاروفا تصف ما حدث في مقاطعتي كورسك وبريانسك بالمأساة
- حماس تنفي رفضها مقترح ويتكوف، وتربط الإفراج عن الرهائن -باتف ...
- لجنة التحقيق الروسية تصدر بيانا بشأن انهيار الجسرين في بريان ...
- من قصر الرئاسة ببغداد.. رشيد لـ جوزيف عون: العراق يبذل أقصى ...
- الجيش الروسي يسيطر على بلدة جديدة في سومي
- الجيش الروسي يقصف بصواريخ -إسكندر- موقع إطلاق مسيرات جوية بم ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي مطموسة؟