أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته














المزيد.....

طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 22:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طمأنات زائفة
بين نقد الواقع ومكيجته


إبراهيم اليوسف
ما إن يُبدي أحدهم قلقًا مشروعًا، أو يسلّط الضوء على جرح غائر في جسد الوطن، حتى تتعالى الأصوات المندهشة: "لماذا كل هذا التشاؤم؟ لماذا لا تنظرون إلى النصف الممتلئ من الكأس؟. العبارة التقليدية التي رددت نصف قرن ونيف تحت نير: البعث والأسد.ويستمر هؤلاء قائلين: ألا تروننا قد بدأنا نستعيد عافيتنا؟"، من دون أن يدركوا أن العافية لا تُقاس بإسكات الآخر. إسكات الناقد بل بعلاج الخلل؟ إذ صارت المواساة الزائفة بديلاً عن مساءلة الخراب، في زمن ديمومة اختلال المعايير؟، ثم ومنذ متى صار النقد الحريص تدميراً، والرغبة في كشف الخلل ضربًا من السوادوية؟
علينا جميعاً أن ندرك أن ذلك الذي يقرع ناقوس الخطر، لا يفعل ذلك ليخيف، بل ليوقظ، لا يمارس السلبية بل يحتفي بالحياة؛ لأنه يرى أن الصمت خيانة، وأن التجميل المخادع جريمة تُضاف إلى سجل الجرائم المؤجلة في حقّ البلاد وأبنائها وبناتها. فمن المعروف أن النقد، حين يُمارَس من موقع الحبّ، لا يكون هدماً، بل إنقاذاً، لأنه يسلط الضوء على مواطن الخلل، ويدعو إلى التصحيح لا إلى التحطيم. هو التعبير الأرقى عن الانتماء، لأنه يرفض استبدال الحقيقة بالوهم، ويرى أن مواجهة الوجع أكرم من التبسم فوق الجراح.
ولا يخفى على أحد أن البلاد التي تنجو فعلاً، ليست تلك التي تحبس أنفاسها في" زجاجة مزخرفة مسدودة بغطاء التفاؤل الكاذب، بل التي تلك التي تجرؤ على النظر إلى ذاتها بلا زينة. أما نحن، فنعيش في واقع مغشوش، بعيون قد تزيّن القبح وتستعيض عن الحقيقة بشعارات مسبقة الصنع، أشبه بمسكنات ملوثة لا تشفي، بل تؤجل الموت. كما أننا قد نقبح ماهو جميل، في ظل غياب المعايير ذاتها.
وبدهي أن الحديث عن عودة الروح ، حين يكون بمعزل عن مؤشرات حقيقية، يتحول إلى نوع من التزييف الناعم، يُخدّر العقول، ويُغري بالصمت المطبق. الصمت المحروس بآلة الرعب ووكلائها الذين من شأنهم الانتشار في كل زاوية وشارع وحي ومؤسسة، لدواع نعرفها جميعاً، كلما تابعنا مسيرة فقاقيع المطرالفصلية التي سرعان ماتختفي مع خفوت الهطل. لكن الحياة لا تُقاس بالحركة فقط، لأن الحركة اعتباطية، لاسيما عندما تكون وقفاً على مشيئة الريح. الحياة تقاس بصوابية الاتجاه. بصوابية البوصلة، وها نحن نتحرك، ولكن هل إلى الأمام؟ هل نحن في المسار الصحيح؟
هكذا يجب أن نسألنا!
هكذا يجب أن نسأل من حولنا ممن نثق بعدم زئبقية رؤاهم!
إذ إن الأخطر من الخراب، في كل محطة. في كل مرحلة، هو التواطؤ معه باسم التعافي. والخوف الحقيقي ليس في صراخ الغاضبين، بل في ارتياح اللامبالين. الذين يرون في كل نقد عداءً، وفي كل صرخة خيانة، أولاء هم من يدفعون بالبلاد نحو هاوية الصمت المطبق أولاء أو أمثالهم كانوا في الصف الأول من جبهة النظام المخيم على صدورنا بضعة عقود خلت. لقد جُرّب هذا الصمت من قبل، حين كان يُطلب منّا أن نغضّ الطرف، وأن نبارك كل انحراف، ونصفّق لكل انحدار، فقط لأنّ البديل كان يُقدَّم على أنه الجحيم. فماذا كانت النتيجة؟
جحيم معلن، شمل البيوت والقلوب والأرواح.
من يُطالِبنا اليوم بالصمت، بحجّة أن "البلد يسير على الطريق الصحيح"، ناسياً أن التطبع مع الفساد والتردّي ليس عودة إلى الحياة، بل هو إعلان قبول بالموت البطيء. فأن نُصبح "بلدًا معافى لا يعني أن نشبه الأسوأ، بل أن نُحسِّن واقعنا ليليق بأبناء هذا البلد الذين دفعوا أثماناً لا توصف، من دمهم وكرامتهم، لعلّهم يرون وطنًا يستحق الحياة.
نحن لسنا خصومًا للتفاؤل. بل نحن حرّاسه الحقيقيون. لا نطلب المستحيل، بل الممكن المشروط بالصدق. نريد خبزًا لا كلمات، أجل، لكننا نريد عدلاً لا بيانات، أملًا لا تخديرًا. وكل من ينتقد لا يسعى إلى الهدم، بل إلى منع الانهيار الأخير.
ولأننا نحب، فإننا نصرخ. ولأننا نؤمن، فإننا نحذّر. إذ ليس من الوطنية أن نربت على الأكتاف بينما الأرض تنزف، وليس من الحكمة أن نغني للغد المشرق بينما الحاضر يطفح ظلامًا. باعتبار أن البلاد التي تخاف النقد، لا تتعافى. والسلطة التي تُعادي الصراحة، لا تبني وطنًا. ولا خلاص من دون مواجهة، ولا إصلاح من غير اعتراف، ولا وطن بلا أصحاب قلوب شجاعة لا تخشى الكلام.
أكثر الذين يطلبون منّا أن "نهدأ"، أن "ننتظر"، أن "نحمد الله على الموجود"، لا يعرفون أن الشعب لم يعد يريد خبزاً فقط، بل يريد كرامته أيضًا. يريد ضمان مستقبله. مستقبل أبنائه. مستقبل أحفاده. لم يعد الشعب عينه يطمح إلى شُرفة في جدار متهالك، بل إلى بيتٍ يبنيه من الحقيقة.
هذا الطريق، الذي لا يُسمح فيه إلا للابتسامات، ولا يُرفع فيه إلا علم التفاؤل القسري، لا يؤدي إلى الوطن، بل إلى مقبرة مفتوحة على حافة الهلاك. ونحن، حين نرفضه، فإننا لا نخون، بل نحاول أن ننقذ ما يمكن إنقاذه. إذاً، فلنقلها كما هي: الوطن لا يُصنع من طوبات الصمت، بل من أصوات تحب بصدق، وتعري الخلل بشجاعة، وتصبر لا لأنها استكانت، بل لأنها مصرة على رؤية الضوء، مهما طال الظلام.
من منا، إذاً، على الطريق الصحيح؟!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور
- إضاءة في الذكرى العشرين لاغتيال الشيخ الشهيد د. محمد معشوق ا ...
- بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتي ...
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون بقلم الناقد ا ...
- تلويحة النار و دمعة الجبل: سفير عفرين جوان حسن في أغنيته الأ ...
- في حضرة المفارقة من -نبوءة التخوين- إلى السقوط في شراكه
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-
- من الاستعمار الخارجي إلى استعمار الذات: اللغة الكردية بين من ...
- بين الإبراهيميّة والإخوانيّة: الكرد في مرمى المشاريع العابرة ...
- رحيل أحمد حسين الشيخ سعيد: عد إلى مسقط رأسك هناك، وارقد قرب ...
- من أجل ولادة حزب كردستاني جديد في تركيا نحو أفقٍ ديمقراطي بل ...
- الشاعر الذي يشبه قصيدته حسان عزت الهادىء العاصف بين منافيه!
- الرؤية بين الغياب والامتلاك من غواية اللحظة إلى عقلانية المص ...
- رفع العقوبات عن سوريا: لا رخصة للذبح الحلال... !


المزيد.....




- لغز يحيّر زوار اليابان.. ما سبب غياب حاويات القمامة؟
- الحجاج يبدؤون رمي الجمرات في أول أيام عيد الأضحى
- مسيّرات وصواريخ روسية تضرب مناطق عدة في أوكرانيا وتتسبب بإصا ...
- روسيا.. تطوير طلاء للطائرات يقلص كثرة الإصلاحات بنسبة 40%
- المركبة اليابانية Hakuto-R تفشل في الهبوط على سطح القمر
- مصر.. حادث مروع يودي بحياة 3 أشخاص من أسرة واحدة ليلة عيد ال ...
- 130 وسيلة إعلام ومنظمة تطالب إسرائيل بإتاحة دخول المراسلين ا ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي للرئيس اللبناني: بيروت لن تنعم بالهدو ...
- للمرة السابعة هذا العام.. إسرائيل ترفض تسليم الحرم الإبراهيم ...
- هدايا لا تقدر بثمن متبادلة بين -الردع- و-اللواء 444- في ليبي ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته