أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - أما آن للعالم أن يطوي حقبة الحروب؟ الطغاة يدفعون الأبرياء إلى المحارق!















المزيد.....

أما آن للعالم أن يطوي حقبة الحروب؟ الطغاة يدفعون الأبرياء إلى المحارق!


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 22:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أما آن للعالم أن يطوي حقبة الحروب؟
الطغاة يدفعون الأبرياء إلى المحارق!

إبراهيم اليوسف

يُساق الأبرياء إلى المحرقة، وتُلقى أرواحهم في أتون لا يهدأ، بينما العالم لا يزال يردد شعارات قديمة عن العدالة والحرية. إذ لا يخرج البشر من حكايات الدم، حتى وهم يحلمون بالخبز والموسيقى. لأن الحروب، رغم كل ما ادعته وتدعيه من مسوّغات تاريخية أو دينية أو قومية، ما كانت إلا طاحونة تطحن الرؤوس الصغيرة قبل الكبيرة، وتجعل من لحم الأبرياء خشبًا لنارٍ لا تهدأ. فما من جيش عبر أرضًا إلا وترك خلفه أمهات منكسرات وآبارًا ملوثة بالدم. وما من نصر ميداني إلا وكان في حقيقته انكسارًا مدوّيًا للقلب البشري، حيث تسقط القيم. تسقط الإنسانية، ويعلو صراخ الطبول..
يُولد الطفل في قريةٍ بعيدة، ويكبر على ما يلقنه إياه المنهاج المدرسي وصوت الخطيب في المسجد أو الكنيسة أو الكنيست أو الصومعة أو الساحة. فإن كانت الأرض محتلة، فإن القهر ينزل مع الحليب، ويصبح كره المحتل جزءًا من الأكل اليومي. وإن كان من أبناء المحتلين، فإن ثقافة الطغيان، بما فيها من تسويغ وإعادة تشكيل للذاكرة، تجعل منه مكرهًا على تمجيد ما لم يختره، والدفاع عما لا يشبهه. من هنا نرى كيف تكون للضحية صورتان: إحداهما وهي تهتف للحاكم المغتصب باكية داخليًا، وثانيتهما حين تُعمّم حقدها على كل من انتمى لقومية الظالم، دون فرز ولا تمييز، حتى وإن كان هناك استثناء، وهو كائن دائماً، حتى وإن نعت بالخروج عن الرف، أو الصف، ونعت بالخيانة، من قبل بني جلده بينما هو يترجم الإنسانية في أعلى مستوياتها، ولنا في الباحث التركي إسماعيل بيشكجي خير مثال، وأمثاله جد كثر بين كل القوميات التي يصون ويسوغ قادتها الاحتلالات والاضطهادات، مجسدين قمم الوعي والقيم العليا. إذ إن أولى الصورتين، أو الضحيتين، مُجبرة على امتصاص ثقافة الكراهية من ثدي الدولة، والثانية تُطعن كل صباح بخبر اغتيال أو تهجير أو حكم بالإعدام، فترد بفعلها العفوي في تعميم البغضاء. أجل، لا تلام حينها، لكنها لا تُنصف كذلك.
وهكذا، يغدو الحديث عن "السلام" حديثًا غريبًا في زمن تُقطع فيه الأشلاء وتُحرق فيه المدارس وتُحمل فيه الأطفال جثث أمهاتهم. فمنذ أن قتل قابيل شقيقه هابيل، والبشر يراوحون في دائرة الجريمة. لم ينفع العقل في صدها، ولا القوانين في ردعها، ولا الديانات في تطهيرها. فكلما نهضنا من رماد معركة، صرنا نشم رائحة معركة قادمة، وكل محطة سلام إنما هي هدنة مؤقتة.
تأسيسًا على ذلك، يصير سؤال الإنسان اليوم: من يردع الشر؟ وهل يمكن لقوة أن تنصف الضعيف دون أن تنحاز؟ التاريخ لم يقدّم جوابًا مقنعًا. إذ ما من تحالف دولي إلا وكان للمنتصر فيه نصيب من الخراب، وما من قرار أممي إلا واحتمل تأويلاً مزدوجًا. حتى تلك الجيوش التي ادعت الدفاع عن القيم، لم تتردد في أن تترك على الأرض منارات مدمرة وذاكرات مغتصبة.
من هنا، يصير الارتكاز على القوى العظمى وهمًا. فهي من تعلن الحرب، وهي من تدير الإعلام، وهي من تسوّغ القتل، ثم تعود لتبيع الضمادات وتوزع المعونات الخيرية، وتختلق مبادرات السلام. لكنه- في الحقيقة- لا يمكن لمن يمتلك مفاتيح النار أن يدّعي السعي لإطفائها. أجل. لا يمكن لمجلس تسيّره مصالح خمس دول أن يكون مرجعًا للعدالة. ولا يمكن لقانون دولي يُعلّق حسب المزاج أن يُعوّل عليه في لجم الكارثة.
الجشع الآدمي في جوهره هو المُشعل الأول لكل المحارق. إذ إن شهوة السيطرة على الموارد، والرغبة في التوسع تحت حمى الاقتصاد أو استحواذ الأرض أو الطمع المجرد، تقود الأمم إلى خوض حروب لا تستثني أحدًا. من يستدرج جيوشه عبر البحار لا يفعل ذلك بحثًا عن الحق، بل عن الخيرات. من يحشد الطائرات لا يفعل ذلك دفاعًا عن الإنسان، بل عن الحقول والأنابيب والمعابر.
وهنا، تنشأ سايكولوجيا ثقافة الاستعلاء: تلك البنية التي تجعل أمة تعتقد أنها الأجدر بالسيادة، والأحق بالحكم، والأذكى، والأطهر. هي الفكرة ذاتها التي غرستها الإمبراطوريات في أعصاب مواطنيها، فصار المواطن يرى الآخر، المختلف، غبارًا على المجد، أو عائقًا في الطريق إلى الخلود.
أجل، ليس الدين في ذاته شرارة حرب، بل إساءة استخدامه هي الفتنة الكبرى. حين يُسلخ النص عن روحه، ويُجرّ من سِلميته إلى حقده التأويلي، يتحول الدين إلى سلاح فتّاك. لا لأن الآيات والأسفار والمتون تأمر بذلك، بل لأن الطغاة وجدوا فيها مادة خطرة لإعادة تشكيل الجماهير، ودفعهم للموت وهم يتوهمون أنهم يصعدون إلى الجنة.
تُروَّج ثقافة الاعتزاز بانتصارات الطغاة بوصفها علامات عز ومجد، بينما لا تُذكر تلك الدماء التي سالت على جنبات الطريق. لا يسأل أحد عن العشرات الذين حُصدوا في سبيل رفع صورة قائد أو بقاء راية. وهكذا، تصير الدماء مهرجانات، والقبور مناسبات وطنية، والمذابح مشاهد مجد تُعاد كل عام.
الطغاة يسوّغون مواجهاتهم الدموية دائمًا بردّ الفعل. يضعون شعوبهم أمام معادلة "إما نحن أو الأعداء"، ويسوغون كل قصف، كل اختطاف، كل إبادة، بأنه مجرد "ردّ". يتلاعبون بالغريزة، ويستنهضون الماضي، ويُلبسون خطاياهم لبوس الخلاص.
في الوقت الراهن، من يراقب ما يدور بين إيران وإسرائيل، يجد نفسه مدفوعًا نحو الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، دون أن يرى وجه الضحية الحقيقي هنا وهناك: أولئك الذين لا ناقة لهم ولا جمل، أولئك الذين يعيشون في الجغرافيا المنتهكة، ويموتون فقط لأنهم في هذا المكان أو سواه. فكل طرف يرفع شعارات تسويغية، بينما المقذوفات تسقط فوق رؤوس المدنيين.
ملالي إيران، الذين ادّعوا أنهم يدافعون عن 22 ألف كيلومتر مربع من أرض فلسطين، لم يخفوا مشروعهم في الهيمنة على الشرق بأكمله. غير أن ما يغفل عنه الإعلام غالبًا، أن هذه الجمهورية تحتل من أراضي العرب والكرد والبلوش والتركمان والأذريين ما يزيد على نصف مليون كيلومتر مربع- كما حال تركيا- تماماً. إذ تستولي إيران على الأحواز العربية، وكردستان الشرقية، وبلوشستان، وآذربيجان الجنوبية، وصحراء تركمان. فما الفرق بين احتلال خارجي واحتلال داخلي إن لم يكن في النتيجة ذاتها: سحق البشر وسرقة الأرض ومحو الهوية؟
بين إعادة توزيع خرائط المنطقة على أبنائها ووقف جموح الشر، لا بد من قوة تقف في المنتصف لا باردة ولا منحازة. إنصاف الأمم والشعوب يحتاج إلى روح لا ترى الخرائط بعيون المصالح، بل ترى الإنسان وحده، وتكتب التاريخ بالعدل لا بالانتصار.
الزمن الحالي، رغم سوداويته، يتيح أكثر ما أتاحه التاريخ لإنصاف المظلومين. لكنّ الإنصاف مشروط بانتزاع الحياد من فك المراوغة، وإخراج الإنسان من مقام الفرجة إلى مقام الفعل. إذ لن يُجدي شيء إذا بقي المكيال مزدوجًا. لن يكون للسلام وجود إذا استمر الميزان مائلًا. وإن لم ترتفع قوة نزيهة، لا تنتمي إلا إلى الحق، فإن الإنسانية ستبقى رهينة لتقارير المراسلين، وشهوة الطغاة، وخرائط الجيوش. لأن الوجع الذي يعانيه الأبرياء ليس قدراً لايُزال. هو جسد حيّ يتفسخ أمام عدسات لا ترفّ لها ولمشاهدين عين. والبكاء الصامت داخل الخيام لا يعني الاستسلام، بل هو شهادة، أن الحرب، أيًّا كانت شعاراتها، خيانة كبرى للميثاق البشري الذي لم يترجمه العالم كله كما هو بعد؟!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمهورية مهاباد في ذكراها التاسعة والسبعين: تساقط أضلاع مربع ...
- إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق- حضارة ...
- إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق القمع- ...
- الثورة السورية: تطهير الاسم قبل إعادة البناء
- نداء من أجل حسين هرموش
- التمثيل والكتابة والضجيج: عن موت القراءة وغياب المرجعيات!
- الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم
- الاتحاد الديمقراطي: فرصة تاريخية لتصحيح المسار ب. ي. د، ما ل ...
- تجنيس الإرهاب ووطنية المثقف الكردي
- وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ النقد اليومي: هَلْ نَحْنُ هُوَاةُ أَذَى ...
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- خطر الأدوات التركية في سوريا الإيغور نموذجًا بين الخطة الأرد ...
- طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور
- إضاءة في الذكرى العشرين لاغتيال الشيخ الشهيد د. محمد معشوق ا ...
- بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتي ...
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة


المزيد.....




- ثوران بركان في إندونيسيا يتسبب بإلغاء عشرات الرحلات إلى بالي ...
- -كل اللي فات إشاعات-.. محمد رمضان يعلن عن الصلح بين نجله وزم ...
- وفاة الطاهية والشخصية التلفزيونية الشهيرة آن بوريل عن عمر 55 ...
- السعودية.. حرب بين قرود أبها والطائف!
- ناطق باسم الجيش الإسرائيلي يرد على أنباء مقتله بفيديو: -لست ...
- بسبب ترامب.. -الغارديان-: زيلينسكي قد يغيب عن قمة -الناتو- ا ...
- دول الترويكا الأوروبية تعرب عن استعدادها لمواصلة المفاوضات م ...
- غروسي: تلوث إشعاعي في منشأة -نطنز- النووية
- كنايسل: التصعيد بين واشنطن وطهران لم يصل إلى مواجهة شاملة وا ...
- ما هي مخاطر الإشعاع النووي على إيران ومنطقة الخليج؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - أما آن للعالم أن يطوي حقبة الحروب؟ الطغاة يدفعون الأبرياء إلى المحارق!