|
قارعو طبول الإبادة وأبواق القتل والدمار مشروع تفكيك المكونات على المقاس السلطوي
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 18:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قارعو طبول الإبادة وأبواق القتل والدمار مشروع تفكيك المكونات على المقاس السلطوي ينفتح المشهد السوري مجدداً على مقومات وأعواد ثقاب أزمة قديمة تُرتدى ثوباً من قش ونفط جديدين، أو حتى أسطوانة ديناميت وصاعق وفتيل، حيث تتجمع أطراف منها من طالما انحنت لعصا النظام البائد من قبل، لتعيد الاصطفاف حول نظام بديل أو حتى حول ظل السابق، إن استدعت الضرورة طالما المستهدفون هم: الكرد، وقد ضمّت هذه الأطراف إلى صفوفها وجوهاً من نخبٍ أكثرها عاش على موائد الولاء من قبل. هذه المرة، لا يُرفع الخطاب من أجل إصلاح أو حماية بلد، بل من أجل شيطنة صورة "الكردي" عبر ضرب مرتكزاته السياسية والثقافية والعسكرية، وتشويه أحزابه ومثقفيه ومقاتليه، وكل من يصرّ على خصوصيته. تتكرر الاتهامات المعلّبة بحق قوات سوريا الديمقراطية، من الزجّ بها في خانة الإجرام، إلى وصمها بالكفر، فيما يمعن هؤلاء في تجاهل الحقيقة التي رآها العالم بأسره، وهي أن هذه القوات واجهت "داعش" في أشد معارك القرن دموية، وقدّمت من دمها ما يكفي ليعرف الخصم والصديق أنها لم تكن يوماً عابرة في حرب المصير. فما أن تُقلب الحقائق، حتى يصبح بعض جموع البطانة من ضحايا الإرهاب الداعشي سلعةً في بازار التحريض، فيُعاد تدويرهم باعتبارهم ضحايا "قسد"، متجاهلين أن موازين الفظائع لا تستقيم حين يُقارن سجلّ الفصائل التي استباحت عفرين وسري كانيي وتل أبيض، وغيرها، بما ارتكبته هذه القوات. أجل، كل نقطة دم تهدر مأساة، غير أن المقارنة تفضح أن انتهاكات "قسد" أقل بكثير مما فعلت فصائل حملت وتحمل – زوراً- رايات التحرير وهي تمارس القتل والسلب على نطاق واسع. وسائل التفاصل: منابر تحريض وغرف عمليات تأسيساً على ذلك، فإن من يتابع منابر بثاثي السموم أو من يطالع الصفحات الفيسبوكية التابعة لخط التحريض- وقد صارت بعشرات الآلاف- يدرك أن أكثرها تحول إلى غرف عمليات إلى جانب أنها منصات لإدارة حرب نفسية ومعنوية، تبث الخطط العسكرية، وتلمّع صورة الفزعات المتنوعة، في إطار تكريس التقسيم، ناهيك وهي تستمد شحنها الكهربائي من نشرات أخبار الخارجية التركية، وتمنح- وفق ما هو مطلوب منها- نظام أنقرة أوراق الضغط في توقيت محسوب. كي يندمج المحتوى اليومي لهذه الصفحات مع التحريض على الأرض، حيث يتم نشر ما يوحي بأنه من جملة أهداف الطائرات المسيّرة، إلى جانب زرع ألغام الأخبار الكاذبة، والتسويق لسيناريوهات الحرب كما لو كانت عرضاً احتفالياً، على إيقاع هوسات جاهلية. ومن عجب أن يتحول محرضو النظام على كل مختلف، لاسيما الكردي إلى كتبة في الفضاء الأزرق ومحللين سياسيين طالما أنهم يمتلكون رصيداً من الدجل والكذب والتزوير والوقاحة، بل إلى خبر عسكريين، يمارسون الحرب المعنوية التي لا تنم إلا عن فزعهم وجبنهم الداخلي، إلى جانب عشرات المصطلحات كما قرأتها قبل يومين في مقيل أحدهم ومنها: التعبئة المعنوية- الهجوم البري والقصف التمهيدي المدفعي أو الجوي- مسرح العمليات- الإمداد اللوجستي- الكمائن المحكمة-حرب الإطباق- الهجوم الموجي...!
إنما الحرب التي يسوّق إليها هؤلاء الأنفار المستفرين في نفيرهم ونفورهم من الكردي ليست نزهة، ولا مغامرة يمكن إنهاؤها بمجرد إعلان النصر على الشاشة. هذه حرب تهدف إلى ما هو أبعد من كسر "قسد" أو تفكيك مناطق الإدارة، إذ إنها تسعى إلى استنزاف الكرد ككيان ووجود، من أجل تمهيد الطريق لمرحلة اجتثاث أوسع، تطال حتى المكوّن السني الذي لا يتوافق مع قالب النظام الجاثم على صدور السوريين، وبتواطؤ من بعض نهازيه من العوام البسطاء أو أصحاب الطموح بغرض النفوذ وحتى بعض النخب المنخولة. ومن هنا فإن السوريين الأكثر وعياً، وخاصة من أهلنا السنّة الذين خبروا دور السلطة المستبدة- أية كانت هويتها- لاسيما على ضوء ما يجري، في تصفية خصومها، فهم يدركون أن هذه الجولة، مهما جرى تغليفها بالشعارات، ليست سوى امتداد لحروب وضع النظام البائد لبناتها، ضد المكونات الماضي، حتى بطانة بطانته، فيما لو خرجت عما هو مرسوم لها، كي يبقى ويسود هو، ومن بين هؤلاء من ينتمون إلى السنة والعلويين والدروز وسواهم، حين جرى الزجّ بهم في معارك لحماية عرش السلطة لا مصير المواطن ووطنه. إذ يظهر البعد الأخطر في انخراط أطراف عشائرية ضمن هذا السيناريو، وهو ما يمنح الحرب واجهة اجتماعية يمكن ترويجها كصراع داخلي، وهو المخطط الأكثر قذارة، في تاريخ البلد، في حين أن بعض هؤلاء الوافدين إلى خطوط المواجهة هم مرتزقة ومن بقايا البطانات الداعشية، أو ممن حافظوا على صلات مع فصائل تحمل جينات الإرهاب في ممارساتها وخطابها. هكذا، يُدفع جزء من البنية العشائرية ليكون رأس الحربة في حرب إبادة، تحت لافتةٍ توحي بأنها دفاع عن "المنطقة" أو "الهوية"، بينما تُدار الخيوط من غرف القرار التي لا ترى في الدم المسفوح سوى وسيلة لتغيير الخرائط. من هنا نرى أن مقاربة هذه الحرب من زاوية عسكرية فقط اختزال خطير، فهي ليست مجرّد اشتباك بين قوات على جبهات محددة، بل مشروع متكامل لتدمير بيئة سياسية وثقافية بأكملها، وفتح المجال أمام إعادة توزيع الولاءات بما يتوافق مع مصالح القوى الراعية. وإذا كان نافخو الأبواق، ممن يجيدون صناعة العدو، يعتقدون أن الأمر سينتهي بإذعان سريع من الطرف الكردي، فإنهم يغفلون أن التاريخ لم يسجّل انقراض شعب بفعل حرب واحدة، وأن نتائج مثل هذه المواجهة مفتوحة على احتمالات تتجاوز تصورات من حشدوا لها، وليست في صالح السوريين عامة، بعد أن أنهكت الحرب جميعهم. أجل، إن التلويح بقرع الطبول قد يُثير حماسة من يبحث عن ثأر شخصي أو مكسب آني، لكنه لا يلغي أن الحرب، بمآلاتها الكارثية، ستعيد إنتاج أزمات أعمق وأشد استعصاءً. وإن كان التحريض الجاري يربط المعركة بمفردات "التطهير" و"التحرير"، فإنه في جوهره ينسجم مع خطط النظام الجديد في إضعاف المكوّنات المتبقية، وتحويلها إلى جزر معزولة يسهل التحكم بها. وهكذا، يتكشف أن لا فارق البتة بين الحرب التي تُحضَّر للكرد، وحروب النظام السابقة على السوريين، لطالما أن هذه الحرب توظف أدوات النظام نفسها مضافاً إليها خدمات فزعات محلية وحتى إقليمية، على نحو أوسع، وأشد تداخلاً، على نحو يومي حياتي. انطلاقاً من هذا نجد أن من يدفعون نحو هذه المواجهة، وهم يدركون حجم الدمار الذي ستخلّفه، لا يعوّلون على نصر حاسم بقدر ما يراهنون على إنهاك الطرف الكردي وإفقاده القدرة على فرض أي صيغة لحضوره المستقل. غير أن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، إذ يمكن أن يقود إلى إعادة رسم تحالفات محلية وإقليمية لم تكن في حسبانهم، ويطلق ديناميات مقاومة أكثر تعقيداً من تلك التي واجهوها في الحروب السابقة. وهكذا، فإن المشهد الراهن ليس سوى بروفة موسعة على حرب طويلة النفس، تدار فيها المعارك على الأرض وفي الفضاء الإعلامي في آن واحد، حيث تلعب الشائعات والبيانات والأخبار المفبركة والمقاطع الممنتجة دور القذائف الموجهة، ويصبح تضخيم أو اختلاق الحوادث جزءاً من الاستراتيجية الكلية. وإذ يتوهم قارعو الطبول أنهم يحاصرون الكرد في زاوية ضيقة، فإنهم، من حيث لا يدرون، يفتحون أبواباً لمواجهات قد تتجاوز في شراستها حدود ما خططوا له، تاركين خلفهم بلداً آخر من الحطام والمرارات المؤجلة.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا استهداف آل الخزنوي؟ من محمد طلب هلال إلى البغدادي إلى
...
-
نورالدين صوفي ومحاولة لسداد جزء من دين متأخر
-
بين مؤتمري دمشق والحسكة وامتحان الوطنية السورية
-
كرسي النهاية سرّ التهافت عليه!
-
وثيقة الجنرال كركيزة فحسب: الموفد الكردي هو من يقرر حقوق شعب
...
-
زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي
...
-
سوريا بعد أربع عشرة سنة: ضرورة إعادة تدقيق تعريفي الثورة وال
...
-
السيد أحمد الشرع من الجائزة الكبرى إلى مأزق الدم خياران خطير
...
-
اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل تدق آخر مسمار في مصدا
...
-
على هامش سقوط تصريح باراك وسقوط حلم المتبركين به
-
الانتخاء باسم العشائر خدعة تأسيسية لحرب أهلية مؤجّلة مجاهدون
...
-
نزع صاعق القنبلة المحرمة: العشيرة مظلة تعايش وقيم عالية ومسم
...
-
السويداء مدينة منكوبة! و-حبل الدمار على الجرار- إن لم نتعظ!؟
-
الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد
-
الشيخ الدرزي الذي قتل مرتين حلاقة الشاربين تمهيداً لإبادة طا
...
-
لا حياد لأصيل أمام الظلم ضد المتجبر حتى لو كنت أنا
-
حرب الإبادة على الدروز: السويداء كنطع وعنوان لتكرار فصول الم
...
-
محرقة البنادق وروح جبال الكرد: لا ضير أن نتابع الميثاق- طائع
...
-
محرقة البنادق وروح جبال الكرد: لاضير أن نتابع الميثاق- طائعي
...
-
شاعر جميل على سرير الشفاء حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
المزيد.....
-
السعودية.. إحباط تهريب حوالي 29 كيلوغراما من الكوكايين -مخبأ
...
-
فيديو لوزير إسرائيلي -استهزأ- فيه بمروان البرغوثي يثير غضبًا
...
-
-انسحابنا سيغضب الله-.. سناتور أمريكي: دعم إسرائيل واجب ديني
...
-
ناشط مؤيد لإسرائيل في فرنسا: تل أبيب تخسر حرب السرديات على و
...
-
كيمياء العلاقات ـ هكذا يتحكم -هرمون الحب- في عواطفنا تجاه ال
...
-
حزب الله يتهم الحكومة بتسليم لبنان إلى إسرائيل
-
بعد رفض الحزب تسليم السلاح.. ما تداعيات القرار على الداخل ال
...
-
من هارلم إلى الخليل.. تاريخ طويل من تضامن السود مع الفلسطيني
...
-
القصة الكاملة عن اختفاء صحفي أميركي في سوريا منذ 13 عاما وحت
...
-
استمرار مكافحة حرائق الغابات في سوريا
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|