أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ثنائية الشجاعة والتهور على حافة الوعي واللاوعي














المزيد.....

ثنائية الشجاعة والتهور على حافة الوعي واللاوعي


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 07:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثنائية الشجاعة والتهور
على حافة الوعي واللاوعي

إبراهيم اليوسف
مقدمة أولى وأسئلة
في محاولة إعادة صياغة تعريفات معروفة:


في محاولة إعادة صياغة تعريفات معروفة:
إذا كانت الشجاعة مفهوماً نبيلاً، فإنها ليست كما تُقدّم في الحكايات البطولية. طالما أنها ليست درعاً لامعاً، ولا سيفاً مسلولاً، بل وجهاً متعباً للصدق، يمشي فوق حافة الخطر. إذ كثيراً ما نخلط بينها وبين التهور، بين وعيٍ عميق بفعلٍ أخلاقي، ورغبةٍ جامحة في كسر القيد لأي سبب. هذا الخلط ليس بريئاً. إنه أحياناً آلية دفاع نفسي، تُخفي وراءها خوفاً من مواجهة الذات، أو حاجة لتسويغ قراراتٍ اتُخذت في لحظة انفعال.
حين كان الامتحان حقيقياً فإن الشجاعة لم تكن شعاراً البتة. لقد كانت موقفاً. كما أن "لا" لم تكن تنبثق في لحظة عارية من كل حماية، مواجهة مباشرة للخطر، لا تسندها إلا شجاعة صاحبها. هناك، في الوطن، ظهرت الشجاعة بأبسط صورها وأكثرها فتكاً: نظرة في عين الجلاد، وقولٌ لا يُسند إلا باليقين. لكن تلك اللحظة انقضت. انتقلنا إلى المنافي. وصار السؤال: أين تُختبر الشجاعة الآن؟
ولطالما ظهر السؤال التالي: كيف نزن نبرة الكلام حين تنتزع من محيطها المهدِّد، وتوضع في فضاءٍ لا يترصّدها فيه أحد؟ حيث إنه في غياب شرط الخطر المباشر، تنشأ الحاجة إلى إعادة تعريف الموقف الشجاع. وهو ما يدفعنا لمواصلة الأسئلة: هل تُختبر الشجاعة في بث فيسبوكي استعراضي؟ أم في نصٍ مدون غاضب؟ أم في منشور يُصنّف الآخرين؟ أهي تكمن في الشتائم الموجهة إلى المختلف معهم؟ وهل من شجاعةٍ في مهاجمة من يشبهك في الجرح؟ من تقاسم معك المغترب أو الزنزانة، أو تفاصيل النزوح، أو الخوف؟. إذ يمكن لأخس جبان أن يستتفه أعظم بطل في العالم، وهنا أتذكر حكاية لوالدي- رحمه الله- طالما رواها لنا، على سبيل التندر، مفادها أن شخصاً" جباناً" وكلمة" جبان" مضافة من قبلي، قال في مجلس كان يضمه وآخرين في ستينيات القرن الماضي: آه، لو التقيت الرئيس" " فلان، في صحراء، ومعي عشرة رجال يرمونه أرضاً، بعد أن يربطوه لي، وأن تكون في يدي بندقية كي ألقنه درساً....!
مؤكد أنه في زمنٍ فقدَ امتحانه الحقيقي، باتت تتسلل علانية – بل بوقاحة – أشكال مزيفة من البطولة. إذ تتبدل الشجاعة أحياناً إلى ضجيج متوتر داخل جدرانٍ مطمئنة، حيث لا يمسّك خطر حقيقي. ويتجسد خيال أو تخيل "العدو" في القريب، لأن البعيد محصّن، بعيد، وقد لا يستمع أو لا يكترث. وهكذا، تُجرّ المعركة إلى الداخل. وتُختزل البطولة في معارك جانبية: شتائم، تصنيفات، محاكمات شعبية، لا في مواجهة الاستبداد، بل في تقطيع ما تبقى من جسد المنفى. وما أكثر الذين حين يفقدون عدوّهم الحقيقي، ليبحثوا عن عدو وهمي افتراضي بديل يسوغ استمرار حالة التأهّب في دواخلهم.
الشجاعة، كما أراها، ليست إنكاراً للخوف، بل عبوراً من قلبه، كما لو كان جسرًا لا سبيل لتجاوزه إلا باجتيازه. ليست إعلاء الصوت في المساحات الآمنة، بل صدى القلب في مواجهة المجهول. أما التهور، فهو اندفاعة عمياء، كمن يركض بلا بوصلة في عاصفة. وغالباً ما يكون نتيجة جروح غير مفهومة، رغبات دفينة بالانتقام، أو حاجة لإثبات الذات أمام مرآةٍ داخلية متصدّعة، وهو ما يستدر الشفقة والحاجة إلى العلاج.
ومن هنا، يمكننا السؤال:
كم من تصرفاتنا الثائرة اليوم، تنتمي إلى اللاوعي أكثر مما تنتمي إلى القيم؟
كم مرة صرخنا، لا لأننا نؤمن، بل لأننا نخجل من صمتنا السابق؟
كم منّا يتحرّك بدافع: "لم أفعل ما يكفي"، لا بدافع: "هذا هو الصواب"؟
وكم نصنّف الآخر، لا لنُعرّفه، بل لنستكين أمام وضوح هويتنا الهشة؟
ولهذا كله فإن الشجاعة، كما كل فضيلة، لا تختبر في الفراغ. بل إنها فعل يتطلب سياقاً، خطراً، اختياراً صعباً. واليوم، في أوروبا، في فضاءٍ آمن، منظم، القانون فيه يحمي جميعنا، أين هو هذا الخطر؟ أين هو الامتحان؟
ربما الشجاعة اليوم لم تعد في المواجهة التيكتوكية أو الفيسية أو اليتيوبية أو التويترية، بل في الاعتراف. الاعتراف بأن الزمن تغيّر، وأن البطولة لم تعد ممكنة بالطريقة ذاتها. الاعتراف بأن من نجا ليس هو بالضرورة بطلاً، ولا جباناً. فقط هو مجرد ناجٍ. يحمل ذاكرةً ثقيلة، وجسداً مرهقاً، وأسئلة معلّقة.
ربما الشجاعة الآن تكمن في أن تصمت حين يسهل الكلام، أن تبني حين يسهل الهدم، أن تداوي بدل أن تدين. أن تمد اليد مقابل من يرفع يداً افتراضية!
أن تميّز بين الحاجة إلى التفريغ، والحاجة إلى الإصلاح.
أن تسأل نفسك: لماذا أصرخ؟ من أهاجم؟ ما الذي أبحث عنه؟
ما الذي يعيدني إلى جبهةٍ صُنعت على الورق، في حين ساحة المواجهة الكبرى قد غادرتني؟
ربما الشجاعة هي أن تعيد تعريف الشجاعة ذاتها، كلما تغيّر الزمن.
الشجاعة امتحانها هناك، في الوطن. لكن شجاعةً أخرى تُطلب هنا: شجاعة مواجهة الذات في غياب المعركة.
شجاعة الاعتراف بالضعف، وبالرغبة في الهدوء، بعد كل هذا الصراخ.
شجاعة أن تبدأ من جديد، لا لأنك انتصرت، بل لأنك لا تزال حيّاً.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنية المزدوجة في نص زكريا شيخ أحمد من النَفَس الملحمي إلى ...
- بطاقات الصباح جسور ضد العزلة والشتات
- الكرد والظاهرة الصوتية تحت تأثير ثقافة الشركاء
- الإعتاميون: حين يتحول الإعلام إلى منبر للكراهية
- مزكين حسكو إبداع وروح لا تهدآن كلما ضاقت المساحات
- قارعو طبول الإبادة وأبواق الفتن والقتل والدمار مشروع تفكيك ا ...
- قارعو طبول الإبادة وأبواق القتل والدمار مشروع تفكيك المكونات ...
- لماذا استهداف آل الخزنوي؟ من محمد طلب هلال إلى البغدادي إلى ...
- نورالدين صوفي ومحاولة لسداد جزء من دين متأخر
- بين مؤتمري دمشق والحسكة وامتحان الوطنية السورية
- كرسي النهاية سرّ التهافت عليه!
- وثيقة الجنرال كركيزة فحسب: الموفد الكردي هو من يقرر حقوق شعب ...
- زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي ...
- سوريا بعد أربع عشرة سنة: ضرورة إعادة تدقيق تعريفي الثورة وال ...
- السيد أحمد الشرع من الجائزة الكبرى إلى مأزق الدم خياران خطير ...
- اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل تدق آخر مسمار في مصدا ...
- على هامش سقوط تصريح باراك وسقوط حلم المتبركين به
- الانتخاء باسم العشائر خدعة تأسيسية لحرب أهلية مؤجّلة مجاهدون ...
- نزع صاعق القنبلة المحرمة: العشيرة مظلة تعايش وقيم عالية ومسم ...
- السويداء مدينة منكوبة! و-حبل الدمار على الجرار- إن لم نتعظ!؟


المزيد.....




- محلل عسكري لـCNN: رئيس الصين -يتلاعب- ببوتين.. وهذه نصيحتي ل ...
- ميكروفون مفتوح يكشف محادثة سرية بين بوتين والرئيس الصيني
- أدلة متزايدة.. تداعيات -الكيماوي- الكارثية في السودان
- خلال أيام.. ترامب يعتزم إجراء محادثات بشأن أوكرانيا
- المغرب - تونس: أزمة دبلوماسية صامتة بعد سلسلة من الحوادث وال ...
- القضاء الأميركي يحكم بعدم قانونية إلغاء ترامب منح جامعة هارف ...
- ماذا تعرف عن القاتل الأعمى الإسرائيلي الموجه لإبادة غزة؟
- نتنياهو: وصلنا إلى مرحلة الحسم في غزة
- ترمب يتعهد وضع حد للجريمة في شيكاغو ويصفها بـ-أخطر مدينة-
- لجنة نيابية أميركية تنشر دفعة أولى من -وثائق إبستين-


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ثنائية الشجاعة والتهور على حافة الوعي واللاوعي