المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 04:47
المحور:
كتابات ساخرة
وانا أدخن سيجارتي رقم العشرين في اليوم منهيا العلبة كاملة ، حيث ملأ الدخان الغرفة كأنني على جبل الأبلاش ، السكون مخيم على المكان ، الكتب في الخزانة مبعثرة لأني كنت أبحث عن جواربي دون أن أرتبها مرة أخرى ، أوراق ملقاة في كل زاوية من الغرفة دونت فيها معلومات عن الشيعة والحرس الثوري وخامنئي والتضخم وتاريخ العيطة في المغرب ، لأني فهمت أن الشيخة خربوشة لم تكن مجرد شيخة بل كانت مؤرخة وسياسية ، فكلماتها أعمق من مؤلف "الأمير".
في هذا الجو من الهدوء المريب ، الذي يكسره صوت أغاني العيطة والطرب الكلاسيكي وأفلام السينما الإيرانية التي تشبه فيلم الخبز الحافي" لبطله محمد شكري، حيث أن السينما الإيرانية تخلق جوا من البرود والجمود والحزن ، لأنها تجسد الواقع أكثر من الواقع نفسه ، أي أنه تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع ببراعة كبيرة ، لكني لا أنهي الفيلم حتى يصيبني ألم في الرأس بسبب كاَبة المشاهد وبرودتها.
في ظل هذه المشاهد السينمائية والواقعية بحثت عن ماَخذ أخرى للخروج من هذه الرتابة والبرودة والتكرار ، فقررت أن أعيش الحب مرة أخرى فأتلذذ بالشفاه العذبة وأسيح في العيون البنية وأخلل بأصابعي شعرها المليح وخصرها المتموج وأقبل كل ملمتر من جسدها .
لكن أين سأجد حبا كالذي عشته مع ملاكي و.خ قبل أن تأخذها الأقدار وراء الأطلنطي ؟ أنا لا أريد حبا عابرا أو مصلحيا ، لست زانيا ولا تاجرا ، أنا أقدس الحب ، وأحفظ شعائره وطقوسه المقدسة ، فكل لحظة هي عبادة ، فمن تحمل نفس إيماني وديني ؟
لا وقت عندي حاليا لنسج علاقات مع فتيات أخريات . في الماضي ، خلال فترة الدراسة الثانوية والجامعية كان الأمر سهلا ، أجلس بوقار وخشوع مثل إمام المسجد لكن عيني الزائغتين تمرقان كل الحاضرات دون أن أثير الإنتباه أو أرى الذكور ، فعيني مدربتين على رؤية الإناث فقط كأنها فلترة تكنولوجية فائقة الدقة.
وبعد أن أجد الفتاة المناسبة أجلس أمامها مباشرة وأضع محفظتي ورائي لأخرج منها أشياء غير مهمة لأن الهدف هو الإلتفات والنظر مباشرة إلى عينيها . يستمر الوضع هكذا حتى تسقط السمكة في الشبكة . لقد كنت صيادا ماهرا ، في الواقع كان قاربي بسيطا جدا ، لكني كنت أصطاد أسماكا نادرة وجميلة ، لقد كنت دائما جريئا ومقداما ، كما يقول المثل الشعبي "الفقر والشجاعة" .
أنا اليوم لست كما الأمس ، فلم تعد سحنات وجهي تساعدني على إيقاع الفتاة في الحب ، إني أبدو عابسا كجندي في الخندق أو محققا في المعتقلات ، السجائر أفقدت اسناني بريقها ، كلماتي الساحرة والشعرية عن الحب ضاعت في بحور السياسة وحروب سوريا والعراق وغزة ولبنان والسودان ومالي وليبيا . فمن رأى ما حدث في صيدنايا وفرع فلسطين وخور جهنم ومخيم الهول وغيرها لا يمكن أن يحب سوى بندقيته !
لذلك تصفحت تيكتوك الإفتراضي لأجد فتاة أحلامي من أجل الزواج ، فبدأت في البحث حول موضوع الزواج ، فظهر لي الشيخ سار الذي يعارض فكرة الزواج بموظفة ، وكما أن مساره محير من رابور إلى شيخ في الدعوة ، فإن جوابه عن سؤال أين ستذهب بزوجتك عند طبيب أم طبيبة إذا كنت ترفض زواج الموظفة كان غير مقنع ، وهنا أدركت أن موضوع الزواج أصعب من السياسة وزواج المال بالسلطة .
حسب ماروى الشيخ سار في فتواه فإن زواج الرجل بالموظفة ينقص من رجولته، ونيته في ذلك هي تقاسم المصاريف ، وهذا قول تؤيده النساء أيضا .
وأضاف شيخنا أن المرأة الموظفة تتجمل كل صباح وتتعطر وتذهب لمقر العمل وتلتقي بزملائها الرجال الذين ينظرون إليها ، فتعود متعبة ومنهكة ولا تستطيع أن تعد الطعام لزوجها وتعتني بعائلتها . كما أنها تكون مستقلة مادية ، وعند حدوث أي مشكل زوجي ستخرج من بيت الزوجية لأنها تحس بالإستقلالية والقوة الشخصية.
بعد سماعي لهذا الكلام قررت أن لا أتزوج موظفة ،وأن أبحث عن ربة بيت .
تابعت إحدى لايفات الزواج ، فراسلت فتاة من أجل التعارف ، وبعد المقدمات المملة والمتكررة ، كان الحوار التالي :
-هي : أين ستسكنني ؟
-أنا : في قلبي .
-هي : (بنبرة حادة ) أنا لا أمزح معك ، أين سنسكن ، وحدنا أم مع عائلتك ؟
- أنا : (فهمت أن الملف خطير يتعلق بتصفية الاستعمار ) نعم ، سنعيش وحدنا.
- هي : ستعطني مبلغا ماليا شهريا لشراء مواد التجميل والملابس والأمور الشخصية . وكل أسبوع سنتناول الغذاء والعشاء في مطعم أو مقهى . وفي العطلة الصيفية سنسافر لمدينة ساحلية ، هذا ما تعودت عليه مع عائلتي ، وأنا الاَن في ذمتك . وأنت ؟
- أنا : أنا ، أنا في ذمة الله .
- هي : كيف ؟ لقد قلت لي أنك أستاذ ، فهل لا تستطيع تحقيق شروطي؟
-أنا : أنا مثل أو أسوء من وزير خارجية روسيا لافروف المعروف ب "السيد لا"، أنا لست مثل الدول العربية التي تقول دائما (نعم ) ، لست من "بني وي وي" كما في القاموس السياسي المغربي ، أنا تمرست على يد الإيرانيين والرجال الحقيقيين ، أنا بلا قلب ولا مشاعر ولا عواطف ، فهل تظنين نفسك أجمل من فتيات أبوظبي أو باريس ؟
-هي : لم أفهمك ، لماذا انقلبت علي فجأة ؟
- أنا : لأني مختص في الإنقلابات ، لو كنت حاضرا مع الحسن الثاني لما حدث انقلاب الصخيرات والبوينغ .
هنا بدأت أبحث عن فتاة أخرى تفهم معنى الحب والحياة والسياسة . كنت دائما أفضل الفتاة ذات التوجه اليساري ، فتاة ثورية مثل جميلة بوعزة التي قاتلت الفرنسيين ، أو جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا ، إنهن جميلات الجزائر . لن أحكي عن حبيبتي و.خ ، لقد كانت مثلهن ، كانت تحب الألوان الداكنة مثل الأسود والكاكي ، مقاتلة ، ثورية ، تحب الشاي كثيرا ، وطهي الطعام في الطبيعة ، مثقفة ، كاريزما ساحرة ، ملامح أصيلة كأنها رسمت بيد الاَلهة ، تحب الجلوس على الأرض مثل الجنود في التدريبات ، مخلصة ، عاشقة لي . أمام هذه الصورة الثورية وخلال سفرنا إلى مكناس ، أخذ كل واحد منا غرفة ثم نجتمع معا ، حيث فاجأتني بإتقانها للرقص الشرقي ، ملابس مثيرة ، جسم رشيق ، وماكياج ليلي وصوت شتوي ، كانت ليلة حمراء لن أصفها حتى لا أحيي بداخلي ذكريات خامدة كالبركان.
أكملت تصفح التيكتوك فشاهدت فديو لفقيه مغربي يحكي قصة صديقه الذي يعمل فقيها في مسجد مع وزارة الأوقاف ، حيث أن صديقه الذي يتقاضى أقل من ألفي درهم حكمت المحكمة في دعوى الطلاق بنفقة تقدر بألف درهم شهريا .
هذه القصة أو النازلة أو الماحقة ، جعلتني أفكر في عدم الزواج حاليا أو نهائيا ! ولأني غارق في السياسة طرحت مجموعة من الأسئلة :
-لماذا أغنى وزارة في المغرب يتقاضى الفقهاء فيها أجرا لا يصل للسميك ؟ هل "المشارطة " يحصل فيها الفقيه على الذهب مثلا ؟
-لماذا حكومة الإسلاميين والأحزاب الإسلامية لم تتحدث عن الرفع من أجور الفقهاء؟
-لماذا الفقهاء لا يتحدثوا عن حقهم ، إذا سكتوا هم عن حقهم فكيف يتحدثون عن حقوق الغير ؟
- هل الشيخ سار يتقاضى أجرته من وزارة الأوقاف لهذا هو حاقد على الموظفات لأنهن يتقاضين أكثر منه ؟ أم أنه يحب الفقر مثل الفقهاء ؟ أم أنه يحصل على أموال طائلة من تيكتوك ؟ ويرفض أن يصير الموظفون المتوسطون أغنياء ، وبدل عملية تقاسم المصاريف (50 – 50 ) هناك عملية أخرى هي (سلم 11 + سلم 11 يساوي سلم 22 ) ، فهل يحسدنا الشيخ سار على السلم 22 التي يعتبر خارج السلم بمسافات ضوئية ؟
أمام هذه الأسئلة المحيرة ، فموضوع الزواج ليس سهلا ، فهناك اليوم عشرات المدارس في المغرب لتخريج النساء . منها المدرسة الجلونية (برغماتية مادية) التي أسستها سكينة بنجلون طليقة القباج ، وهناك المدرسة الواقعية التي أقعدت لها الراقصة مايا (مولات القعدة) ، وعندنا مدرسة مها العيناتي التي تؤمن أن السعادة في الحياة أهم من كل شيء وهي امتداد للرواقية والهيدونية والأبيقورية ، ثم مدرسة هند سداسي (مدرسة نخبوية) التي تؤمن بتقاطع المستويات الفكرية والمادية والإجتماعية وغيرها ، وأن أي خلل ولو بسيطا يجب أن يكون مبررا لإنهاء العلاقة.
أمام هذه الإشكالات العميقة قررت الغوص أكثر في السياسة لأنها أكثر نفعا ومصلحة ووضوحا ! أما حبيبتي فلن تكون إلا من مدرسة الحب كما كانت ملاكي و.خ .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟