المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6979 - 2021 / 8 / 5 - 09:12
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
إن الحديث عن الإسلامي عبد الإله بنكيران ، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سابقا ، ورئيس الحكومة المغربية في مرحلة فوران ثورات الخريف العربي ، ليس شخصنة منا أو تحاملا على شخصه ، وإنما المبعث الموضوعي يكمن في مناقشة جوانب نموذج فريد يمتح من الإسلام و الشعبوية و المعارضة و التأييد حسب ما تمليه البرغماتية المادية والشعبوية الفارغة .
فالنموذج موضوع الحديث ، تمكن بفضل دهائه السياسي و معجمه الغني بمفرادات تنفذ للقلب الشعبي البسيط ، من نقل مستوى الغضب المغربي المحتدم الذي عبر عنه الشارع ؛إلى مستوى من قبول الواقع الجديد الذي يتميز بسيادة حزب إسلامي لأول مرة في تاريخ المغرب للحكومة ، في ظل دستور جديد و نظام ملكية برلمانية . أجمع المحللون أن بنكيران و خلفه العثماني لم يفعلا كل الصلاحيات التي خولها لهما دستور 2011 . النموذج الإسلامي الناجح في ركوب أمواج الصراعات واللاعب الناجح على حبل التوازنات ، منحه الملك معاشا إستثنائيا اعتبره البعض ريعا سياسيا من جانب الممنوح ، دون توصيف للمانح ، إذا ما كان هبة ملكية أو مشاركة في الوصف الأول للممنوح له . هنا لا يمكنني الجزم في الأمر ، فالبنية الخاصة للدولة معقدة جدا ولا يمكن فهمها على مستويات بسيطة من التحليل. المعطى الإقتصادي في البلد يدخل في دائرة الميتافيزقيا أو ماورائيات ،حيث يغدو كل رقم محسوس مجردا ، وكل مجرد محسوسا حسب ما تقدمه السلطة العليا وما تسمح به . فالثروة في المغرب معلومة و مجهولة ، حاضرة وغائبة ، وهذا هو الإيمان بالغيب الذي يجب على الفرد أن لا يخالفه أو يعارضه ، لأن السلطة المتوارية لها القدرة على المنح و العطاء من خلال تفعيل شفرة الكاف و النون .
عبد الإله بنكيران كما وصفه المحلل السياسي المنار السليمي ب قذافي العدالة و التنمية ، هو مثال لشخصية مزدوجة تعارض وتؤيد حسب المصلحة الضيقة المادية ، ما يجعل لها مقابلا في سوق الأسهم و المبيعات . تاريخ الرجل حافل بالمرجعيات المتنافرة و الخطابات المتناقضة ، ما جعله دائما محل شبهة من طرف الاَخرين . سبق أن وصف الأستاذ عبد الرحيم السليمي نموذج بنكيران كونه يضحك و يبكي في الوقت نفسه ، دون أن يُحدث قطيعة مع ماضيه ، حيث لا يتوانى في العودة إلى طفولته ليتحدث عن أشياء قديمة جدا دون دلالة ، و يتحدث عن إنجازات يعلم الجميع أنه لم يحقق منها شيئا البتة .
التناقض يظهر أولا على مستوى الإنتماء ، حيث استهل نشاطه النضالي من خلال التعاطف مع التيارات اليسارية الراديكالية ، مثل حركة 23 مارس ، وهي حركة ماركسية لينينية ، ثم غير وجهته تلقاء حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سابقا ، قبل أن يتحول صوب ضفة مناوئة مبدئيا وفكريا ومنهجيا ، وهي شط الإسلاميين ، حيث انخرط في العمل الإسلامي سنة 1976 ، مع تنظيم سري اَنذاك وهي الشبيبة الإسلامية ، ليعلن انسحابه منها بعد 5 سنوات ، بسبب رفضه لخط العنف الذي يسير عليه التنظيم و مرشده عبد الكريم مطيع ، خاصة فيما يتعلق بالملكية و الصحراء . نورد هنا قراءة شخصية لمسار الرجل داخل هذا التنظيم الإسلامي ، لنتساءل عن مسوغات ثبات الرجل داخل الشبيبة ردحا طويلا من الزمن ، مع علمه بتوجهاتها ومواقفها التي يرفضها كلية ، فهذه المدة كانت كافية ليتشرب مبادئ التنظيم لا أن يثور عليه في لحظة واحدة ، كما أنها مدة طويلة تضعه في خانة المطلوبين لدى السلطة ، إذا لم تكن هناك جهة أخرى تحميه . لكن النموذج الفريد استطاع الإنسحاب من الشبيبة ليعلن تنظيمه الجديد الذي أسسه والذي حمل إسم الجماعة الإسلامية . الرجل يحمل نفَسا ومساحة كبيرة للمناورة والعمل ، ويبدو أن لاشيئ يمكن أن يكبح نشاطه تحت أي ظرف كان.
الأمر الذي دفع بأعضاء قيادية من حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية خلال الإنتخابات السابقة ، إلى التصريح إعلاميا أن بنكيران كان مخبرا إبان إنتمائه للشبيبة الإتحادية قبل أن يغادرها نحو منظمة الشبيبة الإسلامية المتناقضتين مبدئيا وفكريا وعمليا . الإتهام نفسه سيلقيه عليه زعيم الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع الذي اعتبر أن حزب العدالة والتنمية صناعة مخزنية و أن النموذج كان مندسا داخل التنظيم فقط .
التعارض الثاني يتجلى على مستوى الخطاب ، ففي المرحلة السابقة التي تزعم فيها الجماعة الإسلامية ، وادعى أنه تعرض للسجن والإعتقال في درب مولاي الشريف ، كما زعم معارضته في تلك الفترة للنظام الملكي و الدولة ، إلا أن وثيقة سرية كشفت عنها جريدة العلم التابعة لحزب الإستقلال ، التي نشرت ورقة أبرقها بنكيران لوزير الداخلية و الإعلام إدريس البصري ، يعلن فيها قابليته للتعاون مع مؤسسات الدولة .وفي رأيي أن المضمون يحمل كل العموميات الممكنة بما فيها التعاون مع الداخلية . وبغض عن النظر عن حيثيات الرسالة فالرجل كان متعاونا مع الدولة منذ البداية أي قبل تأسيسه للجماعة الإسلامية .
خطاب قذافي العدالة و التنمية حمل خيمة ضخمة من الوعود الإنتخابية ، التي سرعان ما انقلب الحزب عنها جملة وتفصيلا ، حيث كان يرفض الإقتطاع من أجور الموظفين ويندد بذلك داخل البرلمان و في مواقعه وصحفه الإعلامية ، وعند الإختبار الحكومي رسب في الإمتحان ، حيث سن قانونا مجحفا عنونه بالأجر مقابل العمل ، ليلحقه بقانون توظيف قروسطي في التعليم العمومي ، مجهزا على كل المكتسبات القانونية و الحقوقية التي مهد لها فطاحلة التشريع داخل القُطر الوطني وخارجه ، بشكل يوحي إلى أن الإسلاميين مكانهم في المسجد و الأضرحة و الزوايا وليس الحكومة ، وهذا حكم لا يسري على باقي الأحزاب الإسلامية داخل المغرب أو في تركيا أو مصر مثلا ، لأن الإستثناء يخص حزب العدالة و التنمية المغربي فقط .
عديدة هي المرات التي خرج فيها السي عبد الإله بنكيران ليصرح بلغة شعبوية أنه مازال يصلح جدران منزله ويؤثت بهوه ، وعند حصوله على المعاش الخاص بعد نهاية رئاسته للحكومة ، قال أنه كان يمر بأزمة مالية علم بها الملك وخصص له هذا التقاعد السمين . وهو أسلوب لغوي يحيلنا إلى خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، الذي أذاع بدوره خبر ماضيا مفاده أن ثلاجته كانت فارغة لمدة عقد من الزمن ، والتي لم يملأها غير ماء الصنبور . القاسم المشترك بين بنكيران و السيسي هو لغة الجسد المقبولة عند العامة ، حيث سرعان ما ينفذ خطابهما إلى الأعماق ، ليكون دور الرجلين مثل حبات التخدير أو تأثير الكحول . وهنا كان من الأفضل أن يسمي المنار السليمي بنكيران بسيسي العدالة و التنمية بدل الأخرى التي تبناها .
في اَخر ظهور إعلامي له ، خرج بنكيران ليبرئ المغرب من التهم التي إدعتها صحف عالمية حول تورطه في التجسس على شخصيات وطنية و دولية بواسطة برنامج بيغاسوس ، الذي صنعته شركة NSO الإسرائلية ، وموقفي من القضية أن هذه التهم لا تستند على أسس صحيحة لأن يصعب إثبات ذلك تقنيا بالأدلة ، والأجل الذي منحته المحكمة للصحف المدعية لتقديم حججها إنقضى ، كما أن المسألة ترتبط بالأمن القومي للبلد يصعب الحسم فيها ، لكن المثير هو مضمون ما صرح به بنكيران في شريطه المصور ، حيث تاه الرجل ليسرد معطيات تاريخية لا صلة لها بموضوع بيغاسوس إلا في اليسير و الهامشي منها فقط .
الرجل أثنى على مديري الأجهزة الأمنية في المغرب ، وذكر دماثة أخلاقهم و تدينهم ، وأن المغاربة شعب واحد لا تفرق الأزمات ، وأن ثوابت الوطن هي الإسلام و اللغة العربية و الملكية ، واستشهد بالتمدد التركي الذي لم يتسنى له النفاذ للمغرب ، والأمر نفسه بالنسبة لفرنسا التي دخلت للحماية فقط ، واعتبر أن المغرب بلد ديمقراطي ، رغم بعض المعطيات ، التي لم يجد الرجل في جعبته أو مخيلته غير الحديث عن القاسم الإنتخابي الذي اعتبره غير ديمقراطيا ، و كأن مشاكل المغاربة محصورة في القاسم الإنتخابي ، الذي يهم الأحزاب السياسية و حزب العدالة و التنمية و عبد الإله بنكيران ، حيث يبدو أن الرجل لا يهمه سوى مصالحه الخاصة و الضيقة ، وكل ما يصدر عنه من تأييد فمجرد تجسير أو تقية .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟