أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة















المزيد.....

صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 10:17
المحور: قضايا ثقافية
    


‏صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة

‏الملخّص

‏لم يعد الجوع ظاهرة طبيعية أو قَدَرًا مرتبطًا بندرة الموارد، بل أصبح في العقود الأخيرة نتاجًا بشريًا – مؤسساتيًا يُعرف اصطلاحًا بـ «صناعة الجوع» (The Hunger Industry)، حيث تُنتج المنظومات الاقتصادية والسياسية الجوع عبر سياسات الاستغلال الزراعي، واحتكار الغذاء، والتبعية الاقتصادية للدول النامية.
‏يهدف هذا المقال إلى تحليل مفهوم "صناعة الجوع" من منظور الاقتصاد السياسي للغذاء، موضحًا كيف تحوّل الجوع من أزمة بيئية إلى أداة هيمنة، ومن معاناة فردية إلى نظام إنتاج منظم للحرمان.


‏---

‏المقدّمة

‏يُعرَّف الجوع في الوعي العام بأنه نقص في الغذاء، غير أن هذا التعريف السطحي يخفي بنيةً معقدة من العلاقات السياسية والاقتصادية التي تُعيد إنتاج الجوع كظاهرة دائمة.
‏تذهب الباحثة سوزان جورج (1976) إلى أن الجوع لا يُصنع في الطبيعة بل في الأسواق، وأن وفرة الإنتاج الغذائي العالمي لا تقابله عدالة في التوزيع، بل آليات منظمة للتجويع.
‏في هذا الإطار، لم يعد الجوع ناتجًا عن شحّ الموارد، بل عن الخلل البنيوي في النظام الاقتصادي العالمي الذي يجعل بعض الشعوب "مصدرًا للغذاء" دون أن تكون قادرة على إطعام نفسها.


‏---

‏أولًا: من الفقر إلى «صناعة الجوع»

‏ظهر مصطلح "صناعة الجوع" للدلالة على منظومة من الشركات والسياسات الدولية التي:

‏تسيطر على سلاسل إنتاج الغذاء وتوزيعه؛

‏تفرض أنماط زراعة تخدم الأسواق العالمية لا الأمن الغذائي المحلي؛

‏تربط المزارعين في الجنوب بعقود احتكارية لشركات البذور والأسمدة؛

‏وتحوّل الجوع إلى آلية ربح عبر المساعدات المشروطة وبرامج الإغاثة.


‏تقول سوزان جورج (George, 1985):

‏> "الجوع ليس عيبًا في الطبيعة، بل في النظام الاقتصادي الذي يجعل إنتاج الغذاء وسيلة للربح لا للبقاء."




‏---

‏ثانيًا: الجوع كأداة سياسية

‏في تحليله الشهير، يرى عمارتيا سن (Sen, 1981) أن المجاعات ليست نتيجة نقص الغذاء بقدر ما هي نتيجة غياب الحق في الوصول إليه (Entitlement Failure).
‏ففي أغلب حالات الجوع الجماعي، كان الطعام متوفرًا في الأسواق، لكن الفقراء لم يملكوا القدرة الشرائية للوصول إليه.
‏ومن هنا، يصبح الجوع وسيلة ضبط سياسي:

‏يُستخدم لتطويع الشعوب عبر التحكم بالمساعدات الغذائية؛

‏ولإبقاء الدول النامية في حالة تبعية غذائية دائمة لصالح الشركات الزراعية الكبرى.



‏---

‏ثالثًا: الآليات الخفية لصناعة الجوع

‏1. الاحتكار الزراعي العالمي:
‏خمس شركات فقط تسيطر على أكثر من 70٪ من تجارة الحبوب والبذور عالميًا (Oxfam, 2020).


‏2. سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:
‏فرضت برامج "التكيّف الهيكلي" على الدول النامية تحويل الزراعة من إنتاج غذاء محلي إلى إنتاج للتصدير، مما أدى إلى انهيار الأمن الغذائي.


‏3. الاستحواذ على الأراضي (Land Grabbing):
‏تقوم شركات ودول غنية بشراء مساحات واسعة من أراضي إفريقيا وآسيا لإنتاج الغذاء للتصدير، فيُنتج الجوع في قلب الوفرة.


‏4. الإعلام الغذائي:
‏تُسوَّق أطعمة صناعية رخيصة تُضعف الزراعة المحلية وتخلق تبعية ثقافية وغذائية طويلة الأمد.




‏---

‏رابعًا: البعد الأخلاقي والأنثروبولوجي

‏صناعة الجوع ليست اقتصادية فحسب، بل أزمة أخلاقية وإنسانية.
‏ففي عالم ينتج ما يكفي لإطعام ضعف سكانه، يموت الملايين جوعًا كل عام.
‏يعبّر جان زيغلر (Jean Ziegler, 2013)، المقرّر الأممي السابق لحق الغذاء، عن هذا التناقض بقوله:

‏> “كل طفل يموت جوعًا هو ضحية اغتيال سياسي.”



‏الجوع هنا ليس حادثًا بل جريمة ممنهجة بالصمت الدولي، حيث يُستغلّ كأداة ضغط وإخضاع، ويُعاد إنتاجه تحت لافتات "التنمية" و"الإصلاح الزراعي".


‏---

‏خامسًا: نحو سيادة غذائية بديلة

‏لمواجهة صناعة الجوع، برزت في العقود الأخيرة حركات مثل:

‏حركة فيا كامبسينا (La Via Campesina) التي تدعو إلى السيادة الغذائية؛

‏الزراعة المستدامة المحلية كبديل للزراعة التصديرية؛

‏مبدأ الحق في الغذاء كحق إنساني غير قابل للتفاوض.


‏التحرر من الجوع لا يكون بزيادة الإنتاج، بل بإعادة توزيع السلطة على الغذاء، وإعادة الإنسان إلى مركز النظام الزراعي لا السوق.


‏---

‏الخاتمة

‏صناعة الجوع ليست مصطلحًا مجازيًا، بل توصيف دقيق لاقتصاد عالمي ينتج الوفرة والجوع في آنٍ واحد.
‏إن تفكيك هذه الصناعة يتطلب وعيًا سياسيًا وغذائيًا جديدًا يعيد الاعتبار إلى العدالة الغذائية، ويحوّل الغذاء من سلعة إلى حق، ومن وسيلة ربح إلى أداة كرامة.
‏فالجوع لا يُحلّ بالخبز فقط، بل بالحرية والسيادة على الخبز.


‏---

‏المراجع

‏1. George, S. (1976). How the Other Half Dies: The Real Reasons for World Hunger. Penguin Books.


‏2. George, S. (1985). Ill Fares the Land: Essays on Food, Hunger and Power. Institute for Policy Studies.


‏3. Sen, A. (1981). Poverty and Famines: An Essay on Entitlement and Deprivation. Oxford University Press.


‏4. Ziegler, J. (2013). Destruction massive: Géopolitique de la faim. Éditions du Seuil.


‏5. Oxfam International. (2020). Broken Markets: How Concentration in Food Supply Chains Drives Hunger. Oxfam Report.


‏6. Patel, R. (2007). Stuffed and Starved: Markets, Power and the Hidden Battle for the World Food System. Portobello Books.


‏7. Holt-Giménez, E., & Shattuck, A. (2011). Food crises, food regimes and food movements: rumblings of reform´-or-tides of transformation? Journal of Peasant Studies, 38(1), 109–144.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏عندما تحل النوطة محل الكتاب الجامعي: انعكاسات على التعليم و ...
- ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق ا ...
- ‏قراءة في رواية -عشيق السيدة تشاترلي- للروائي البريطاني د. ه ...
- ‏الوظيفة العامة: تنقذ من الفقر أم تقود إليه؟
- ‏قراءة في قصيدة -إذا- للشاعر روديارد كبلنغ
- ‏اللامرئي في مهنة التعليم: التعب الإدراكي لدى المدرس
- ‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-
- العلم لا يموت والعالم لا يُحال إلى التقاعد، والعقول العظيمة ...
- ‏مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الأهداف الاستراتيجية لإسرائ ...
- ‏مفهوم التنويم المغناطيسي واستحضار الأرواح في مسرحية الدكتور ...
- ‏عبق من ذكراه....فواز أذكي منارة علم للأجيال
- الدكتور فاوستوس وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني
- نيكولو باغانيني: عازف الكمان الإيطالي الذي باع روحه للشيطان ...
- الربيع العربي من البلطجية إلى الشبيحة إلى الدبيحة: تاريخ موج ...
- ‏حان الوقت لتوحيد شمال شرقي سوريا مع بقية سوريا
- دلالات استحضار روح هيلين طروادة في مسرحية الدكتور فاوستوس
- القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على ا ...
- وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ
- التفشير في العلاقات الإنسانية: هل هو مقبول أم غير مقبول؟ ‏


المزيد.....




- اتفاق على بدء تفعيل حزمة الاستثمارات القطرية في مصر
- كيف ينفذ سموتريتش خطته لاحتلال الضفة الغربية؟
- السودان: تصعيد جديد في غرب كردفان واستمرار نزوح سكان الفاشر ...
- ارتفاع حصيلة قتلى الانهيار الأرضي في كينيا إلى 26.. والسيول ...
- فيديو- هيغسث يزور المنطقة الحدودية بين كوريا الجنوبية وكوريا ...
- صحافة عالمية: شعب غزة لا يستطيع تحمّل الانتظار للحصول على ال ...
- أردوغان: لا يمكننا الصمت حيال المجازر في الفاشر السودانية
- الصين تنفي إجراء تجارب نووية بعد اتهامات ترامب
- متاحف قطر تحتفي بالمعماري -آي. إم. باي- عبر معرضين مخصصين لح ...
- أبرز الجماعات المسلحة والتحديات الأمنية التي تواجه نيجيريا


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة