أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق المواطن بها رغم انتقاده لها















المزيد.....

‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق المواطن بها رغم انتقاده لها


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 02:42
المحور: قضايا ثقافية
    




‏---

‏🔹 الملخص:

‏تُعدّ الوظيفة العامة ظاهرة اجتماعية واقتصادية ذات أبعاد معقدة، فهي من جهة تُنتقد بسبب ضعف الأجور والبيروقراطية وانعدام العدالة، ومن جهة أخرى تبقى الخيار المفضل لمعظم المواطنين في الدول النامية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أسباب تمسك الأفراد بالوظيفة العامة رغم انتقاداتهم المستمرة لها، من خلال مقاربة تجمع بين علم الاجتماع الاقتصادي، ونظرية العقد الاجتماعي، ومفاهيم الأمان الوظيفي والثقافة الاقتصادية. وتخلص الدراسة إلى أن ارتباط المواطن بالوظيفة العامة ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو أيضًا نتاج ثقافة تاريخية ونفسية تشكّلها الدولة عبر عقود من مركزية السلطة.


‏---

‏🔹 المقدمة:

‏يشكّل التناقض بين نقد المواطن للوظيفة العامة وتمسكه بها ظاهرة لافتة في المجتمعات العربية، حيث يعبّر المواطن عن استيائه من الرواتب المتدنية والبيروقراطية، لكنه في الوقت ذاته يسعى بكل الوسائل للحصول على وظيفة حكومية. هذا التناقض لا يمكن تفسيره فقط بعوامل اقتصادية، بل هو انعكاس لتركيبة ثقافية ونفسية واجتماعية عميقة.
‏إذ تنظر قطاعات واسعة من الناس إلى الوظيفة العامة على أنها رمز للاستقرار والأمان، مقابل المخاطر التي ترافق العمل في القطاع الخاص أو في ريادة الأعمال.


‏---

‏🔹 أولًا: الأمان الوظيفي كعامل نفسي واقتصادي

‏1. غياب المخاطرة:
‏الوظيفة العامة توفّر دخلاً ثابتًا بغضّ النظر عن الأداء أو الأزمات الاقتصادية، ما يجعلها الخيار الأكثر أمانًا.
‏يشير تقرير البنك الدولي (World Bank, 2021) إلى أن أكثر من 70% من العاملين في القطاع الحكومي في الشرق الأوسط يختارون الوظيفة العامة بسبب "ضمان الاستقرار المالي" وليس بسبب الرضا الوظيفي.


‏2. الضمانات الاجتماعية:
‏توفر الوظيفة العامة تقاعدًا وتأمينًا صحيًا، وهي عوامل تُقلّل من القلق المستقبلي، خاصة في مجتمعات تفتقر إلى نظام ضمان اجتماعي متين في القطاع الخاص.




‏---

‏🔹 ثانيًا: الثقافة المجتمعية ونظرة الناس للوظيفة العامة

‏1. المكانة الاجتماعية:
‏في الوعي الجمعي العربي، ما زالت الوظيفة العامة مرتبطة بـ"الهيبة" و"الوجاهة"، خصوصًا في المهن الإدارية والتعليمية والأمنية.
‏يرى بورديو (Bourdieu, 1986) أن الرأسمال الرمزي – أي المكانة الاجتماعية – قد يوازي الرأسمال المادي في قوته على تحديد الخيارات الفردية.


‏2. الضغط الأسري والمجتمعي:
‏الأسرة تشجّع أبناءها على الالتحاق بوظائف الدولة باعتبارها "المستقبل الآمن"، حتى وإن كانت منخفضة الدخل. هذا النمط من التنشئة يرسّخ ثقافة الولاء للقطاع العام.




‏---

‏🔹 ثالثًا: ضعف الثقة في القطاع الخاص

‏1. غياب الاستقرار القانوني:
‏يعاني القطاع الخاص في كثير من الدول النامية من ضعف الالتزام بعقود العمل، وتأخر الرواتب، وغياب الضمانات، ما يجعل الموظف يرى في الدولة “الضامن الأخير”.


‏2. الاستغلال المهني:
‏يرى العاملون في القطاع الخاص أنهم يواجهون ضغطًا مرتفعًا وساعات عمل طويلة مقابل رواتب غير عادلة، بينما توفر الوظيفة العامة توازنًا نسبيًا بين الجهد والدخل.
‏ووفق دراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO, 2020)، فإن 62% من الشباب في الشرق الأوسط يفضّلون الوظيفة الحكومية رغم إدراكهم لضعف أجورها.




‏---

‏🔹 رابعًا: البنية السياسية والإدارية للدولة

‏1. مركزية الدولة كمانح رئيس للفرص:
‏في كثير من الدول العربية، تُعدّ الدولة ربّ العمل الأكبر، ما يجعل الحصول على وظيفة عامة مرتبطًا أيضًا بالانتماء السياسي أو الاجتماعي.
‏وهذا ما يسميه ماكس فيبر بـ"نظام الزبائنية الإدارية" حيث تتحول الوظيفة العامة إلى وسيلة لضبط الولاء الاجتماعي والسياسي.


‏2. غياب البدائل التنموية:
‏ضعف مشاريع ريادة الأعمال، وغياب دعم القطاع الإنتاجي، يجعل المواطن يرى في الوظيفة العامة "الملجأ الأخير"، لا "الاختيار الأفضل".




‏---

‏🔹 خامسًا: العامل النفسي–الاجتماعي

‏1. الخوف من المجهول:
‏الوظيفة العامة تمثل “المنطقة الآمنة” التي تجنّب الفرد مغامرة السوق.
‏وتؤكد دراسات علم النفس الاجتماعي (Maslow, 1943) أن الأمان هو أحد الحاجات الأساسية التي يفضّلها الإنسان على حاجات التطور والابتكار إذا تعارضت.


‏2. التعوّد والجمود التنظيمي:
‏بعد فترة من العمل في القطاع العام، يعتاد الموظف على نمط الحياة الثابت، مما يقلل من رغبته في التغيير حتى لو كان ذلك لمصلحته.




‏---

‏🔹 الخاتمة:

‏يلتصق المواطن بالوظيفة العامة لأنه يرى فيها ملاذًا من القلق لا وسيلة للثراء.
‏فهو يدرك سلبياتها وقيودها، لكنه يفضّلها على المجهول الذي يمثله القطاع الخاص أو العمل الحر.
‏إن نقد المواطن للوظيفة العامة لا يعني رفضها، بل يعكس إدراكه بأنها خيار اضطراري لا اختياري، ناتج عن خلل في بنية الاقتصاد الوطني وضعف سياسات التشغيل.
‏لذلك، فإن الحل لا يكون في لوم المواطن، بل في إصلاح بيئة العمل العامة والخاصة معًا، وبناء اقتصاد يتيح للفرد أن يختار عمله بحرية دون أن يخشى الفقر أو المستقبل.


‏---

‏🔹 المراجع:

‏1. World Bank (2021). Public Sector Employment and Job Preferences in the MENA Region. Washington, D.C.


‏2. International Labour Organization (ILO) (2020). Youth Employment in the Middle East and North Africa: Trends and Challenges. Geneva.


‏3. Bourdieu, P. (1986). The Forms of Capital. In J. Richardson (Ed.), Handbook of Theory and Research for the Sociology of Education. Greenwood Press.


‏4. Maslow, A. (1943). A Theory of Human Motivation. Psychological Review, 50(4), 370–396.


‏5. Weber, M. (1947). The Theory of Social and Economic Organization. Free Press.


‏6. عبد الرحمن، خالد (2021). ثقافة الوظيفة العامة في المجتمعات العربية: مقاربة اجتماعية–اقتصادية. مجلة العلوم الاجتماعية العربية، العدد (17).


‏7. الكيلاني، يوسف (2020). القطاع العام والخاص في الوطن العربي: جدلية الأمان والكفاءة. مجلة دراسات اقتصادية عربية، جامعة بيروت العربية.


‏8. الحسن، ندى (2022). الوعي الجمعي الوظيفي وتحولاته في المجتمعات النامية. مجلة علم النفس الاجتماعي، المجلد (12).



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏قراءة في رواية -عشيق السيدة تشاترلي- للروائي البريطاني د. ه ...
- ‏الوظيفة العامة: تنقذ من الفقر أم تقود إليه؟
- ‏قراءة في قصيدة -إذا- للشاعر روديارد كبلنغ
- ‏اللامرئي في مهنة التعليم: التعب الإدراكي لدى المدرس
- ‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-
- العلم لا يموت والعالم لا يُحال إلى التقاعد، والعقول العظيمة ...
- ‏مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الأهداف الاستراتيجية لإسرائ ...
- ‏مفهوم التنويم المغناطيسي واستحضار الأرواح في مسرحية الدكتور ...
- ‏عبق من ذكراه....فواز أذكي منارة علم للأجيال
- الدكتور فاوستوس وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني
- نيكولو باغانيني: عازف الكمان الإيطالي الذي باع روحه للشيطان ...
- الربيع العربي من البلطجية إلى الشبيحة إلى الدبيحة: تاريخ موج ...
- ‏حان الوقت لتوحيد شمال شرقي سوريا مع بقية سوريا
- دلالات استحضار روح هيلين طروادة في مسرحية الدكتور فاوستوس
- القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على ا ...
- وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ
- التفشير في العلاقات الإنسانية: هل هو مقبول أم غير مقبول؟ ‏
- ‏صورة اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير واليهودي المالطي لمار ...
- ‏فرنسا التي لا تغفر مرة ثانية


المزيد.....




- قائد الجيش الأوكراني يقر -بظروف صعبة- في الدفاع عن مدينة بوك ...
- بعد أن كان مناسبة للوحدة، ذكرى اغتيال رابين تتحول إلى انقسام ...
- ظهور أول وشق أبيض إيبيري في جنوب إسبانيا
- أوكرانيا تصادر جملا يستخدمه الجيش الروسي
- النرويج: روسيا تُعيد بناء واحدة من أكثر قواعدها استراتيجية م ...
- حكومة غزة: الاتهامات الأميركية لحماس بنهب مساعدات تضليل ممنه ...
- هيغسيث: نبحث مع الصين إقامة -قنوات اتصال- عسكرية
- هجوم أوكراني يستهدف منشآت نفطية في ميناء روسي استراتيجي
- مقتل 4 بغارة إسرائيلية وكاتس يؤكد: لن نوقف الهجمات بلبنان
- صورة متداولة لـ-انتشار جثث القتلى في شوارع الفاشر-.. ما صحته ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق المواطن بها رغم انتقاده لها