أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على الناس والشعوب















المزيد.....

القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على الناس والشعوب


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 14:26
المحور: قضايا ثقافية
    


‏القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على الناس والشعوب

‏المقدمة

‏منذ فجر التاريخ، ارتبطت القداسة بالسلطة ارتباطًا وثيقًا، فحيثما وُجدت القداسة وُجد نوع من الهيمنة الرمزية أو المادية. لقد أدرك الحكام ورجال الدين أنَّ الإنسان يهاب المقدس، ويخضع له طواعيةً دون سلاح. وهكذا، تحوّل المقدس إلى أداةٍ فعّالة للسيطرة، تُخفي خلفها مصالح دنيوية باسم الإرادة الإلهية أو الحق المطلق.
‏فهل القداسة قيمة روحية خالصة، أم آلية لإنتاج الطاعة والخضوع الجماعي؟


‏---

‏أولاً: الجذر التاريخي للعلاقة بين القداسة والهيمنة

‏في المجتمعات القديمة، كانت القداسة مرادفة للسلطة. فالفراعنة في مصر القديمة مثلاً كانوا يُلقَّبون بـ«أبناء الإله رع»، والملوك في بلاد الرافدين يُقدَّسون باعتبارهم وسطاء بين السماء والأرض.
‏أما في أوروبا الوسيطة، فقد برز مفهوم "الحق الإلهي للملوك" الذي يمنح الحاكم شرعية مطلقة لا تُناقش، بينما كانت الكنيسة تُضفي المشروعية الدينية على الهيمنة السياسية.

‏هذا النمط من تقديس الحاكم أو الكاهن ساهم في تكريس هرمٍ سلطويٍّ يقوم على الإيمان الأعمى، لا على العقل أو العدالة.

‏> لمزيد من المعلومات راجع:

‏إلياس، نوربرت. عملية الحضارة، ترجمة فايز الصيّاغ، المنظمة العربية للترجمة، 2010.

‏فرايزر، جيمس جورج. الغصن الذهبي: دراسة في السحر والدين، ترجمة فاضل جتكر، دار التنوير، 2015.





‏---

‏ثانيًا: القداسة كرمزٍ للهيمنة الرمزية

‏يشرح عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو مفهوم الهيمنة الرمزية، أي القدرة على فرض المعاني والقيم على الناس بحيث يقبلونها وكأنها طبيعية أو مقدسة. فالقداسة هنا لا تُستخدم بالقوة، بل بالإقناع، حيث تُزرع في الوعي الجمعي حتى تصبح جزءًا من “المسلّمات”.

‏فحين يُقال: هذا النظام من عند الله أو هذه الفتوى مقدسة لا تُناقش، تُغلق أبواب النقد، ويُخضع العقل البشري لمنطق الطاعة المطلقة.

‏> لمزيد من المعلومات راجع:

‏Bourdieu, Pierre. La domination symbolique. Paris: Seuil, 1998.

‏Weber, Max. Economy and Society. University of California Press, 1978.





‏---

‏ثالثًا: القداسة في خدمة السلطة السياسية والدينية

‏تتحالف القداسة مع السلطة عبر التاريخ بأشكال متعددة:

‏1. القداسة الدينية: حين تُستعمل النصوص أو الرموز المقدسة لتبرير الحروب، أو إسكات المعارضين باسم “الإيمان” و”الفتنة”.


‏2. القداسة الوطنية: حين يُقدَّس الزعيم أو الوطن ليُصبح أي نقدٍ له خيانة.


‏3. القداسة الأيديولوجية: كما في الأنظمة الشمولية التي تُحوّل أفكارها إلى “عقيدة مقدسة” لا تُناقش، من الفاشية إلى الستالينية.



‏وهكذا، تتحول القداسة إلى درعٍ أيديولوجيٍّ يحمي السلطة من المساءلة، وتُستعمل “لغة الطهر” لتبرير “أفعال القهر”.

‏> لمزيد من المعلومات راجع:

‏إدوارد سعيد. الثقافة والإمبريالية، ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، 1997.

‏فوكو، ميشيل. نظام الخطاب، ترجمة محمود حيدر، دار النهضة العربية، 2005.





‏---

‏رابعًا: الهيمنة باسم الإله أو الأمة

‏يلاحظ الفيلسوف ميشيل فوكو أن السلطة الحديثة لم تعد تعتمد فقط على القمع، بل على “إنتاج الحقيقة” — أي فرض سردية تعتبر نفسها وحدها الصحيحة والمقدسة.
‏الهيمنة إذن لا تقوم على العنف المباشر فحسب، بل على تصنيع الإيمان الجماعي بأنّ ما يُقال هو “الحق الإلهي”.
‏من هنا تتشابه آليات الهيمنة الدينية والسياسية والإعلامية في صناعة “القداسة” لتطويع الجماهير.

‏> لمزيد من المعلومات راجع:

‏Foucault, Michel. Power/Knowledge: Selected Interviews and Other Writings. Pantheon Books, 1980.

‏Chomsky, Noam. Manufacturing Consent. Pantheon Books, 1988.





‏---

‏خامسًا: تفكيك القداسة الزائفة

‏إنّ نقد القداسة لا يعني إهانة المقدسات، بل تحريرها من الاستخدام السلطوي. فالقيم الروحية الكبرى — كالعدالة والمحبة والرحمة — لا تتعارض مع التفكير النقدي، بل تتطلبه.
‏التمييز بين القداسة الأصيلة (التي تنبع من التجربة الروحية الحرة) والقداسة المصنوعة (التي تفرضها السلطة) هو شرط الوعي والتحرر.

‏> لمزيد من المعلومات راجع:

‏محمد عابد الجابري. العقل السياسي العربي. مركز دراسات الوحدة العربية، 1990.

‏علي حرب. نقد النص. المركز الثقافي العربي، 1993.





‏---

‏الخاتمة

‏تُستخدم القداسة، في كثير من الأحيان، كواجهة ناعمة للهيمنة على الناس والشعوب. فحين تُخلط الروحانية بالسياسة، يتحول الإيمان إلى أداة إخضاع، ويُستبدل العقل بالمهابة.
‏وما لم يُعاد تعريف القداسة باعتبارها تجربة داخلية حرة لا وسطاء فيها، ستظل الشعوب تعيش تحت سطوة “القداسة المصطنعة” التي تُنتج الخضوع باسم الطهر.


‏---

‏📚 قائمة المراجع الكاملة:

‏1. إلياس، نوربرت. عملية الحضارة. ترجمة فايز الصيّاغ، المنظمة العربية للترجمة، 2010.


‏2. فرايزر، جيمس جورج. الغصن الذهبي. ترجمة فاضل جتكر، دار التنوير، 2015.


‏3. بورديو، بيير. La domination symbolique. Paris: Seuil, 1998.


‏4. Weber, Max. Economy and Society. University of California Press, 1978.


‏5. فوكو، ميشيل. نظام الخطاب. ترجمة محمود حيدر، دار النهضة العربية، 2005.


‏6. سعيد، إدوارد. الثقافة والإمبريالية. ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، 1997.


‏7. Chomsky, Noam. Manufacturing Consent. Pantheon Books, 1988.


‏8. الجابري، محمد عابد. العقل السياسي العربي. مركز دراسات الوحدة العربية، 1990.


‏9. حرب، علي. نقد النص. المركز الثقافي العربي، 1993.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ
- التفشير في العلاقات الإنسانية: هل هو مقبول أم غير مقبول؟ ‏
- ‏صورة اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير واليهودي المالطي لمار ...
- ‏فرنسا التي لا تغفر مرة ثانية
- اتصال الرابعة صباحًا
- ‏الدكتور فاوستوس لمارلو وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- ‏هل ستقبل إسرائيل بالواقع الراهن في
- ‏التجذير السياسي في العلاقات بين الدول: مقاربة تحليلية للعوا ...
- ‏العوامل التي ستقود إلى فشل اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس ...
- ‏الاستنساخ إلى أين؟ الجرأة على الحدود الممنوعة
- مزامير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- الأسباب الخفية للحروب: من حرب أسبرطة وأثينا إلى داحس والغبرا ...
- حدود وآفاق الهندسة الجينية في عصر الانفجار المعرفي
- ‏المقاومة بالموسيقا: دروس من التاريخ – من الصرخة إلى اللحن، ...
- ‏فاوست في السياسة الدولية الحديثة: مفاهيم الصراع، القوة، وال ...
- ‏الفزعة عند العرب: دراسة تحليلية تاريخية-اجتماعية-سياسية
- ‏الفيزياء الكمية في السياسة الدولية: تأثير العلوم الحديثة عل ...
- تأثير فورر (Barnum / Forer Effect) ودوره في الحرب النفسية ال ...
- ‏المقاومة بالموسيقا: دروس من التاريخ
- ‏الناس الجوف: قراءة نقدية موثقة في الفراغ الوجودي من ت. س. إ ...


المزيد.....




- لماذا -بيكاسو الهند- يحطم الأرقام القياسية في المزادات ويُثي ...
- الكويت.. فيديو ضبط مزرعة ماريغوانا بأحد المنازل والداخلية تك ...
- فيديو منسوب لـ-موكب رئيس المخابرات المصرية في إسرائيل-.. ما ...
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة والصين على بعد خطوة واحدة من ...
- خسائر كبيرة في القطاع الزراعي بسبب الحرب الإسرائيلية على لبن ...
- المشي مرتين أسبوعيا يحمي قلبك
- الكشف عن جينات مسؤولة عن حدوث عيوب القلب لدى مرضى متلازمة دا ...
- مدينة قابس التونسية.. حيث تختنق الواحة تحت رماد المصانع
- المستوطنون يواصلون اعتداءاتهم على قاطفي الزيتون والاحتلال يع ...
- صديق -مجهول- لترامب يتبرع لتغطية رواتب الجيش في ظل الإغلاق


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - القداسة والهيمنة: لماذا تُستخدم القداسة كواجهة للهيمنة على الناس والشعوب