محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 11:56
المحور:
قضايا ثقافية
مزامير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط: قراءة في الأهداف، الأدوات، والمآلات
---
الملخّص
تحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية استراتيجية عالية لدى الولايات المتحدة الأميركية، إذ إنّ سياساتها تجاه هذه المنطقة تراوحت بين الأفضل والمأسوي، بين التدخّل العسكري والتفاوض الدبلوماسي، وبين الحافز القيمي والمصلحة الجيوسياسية. تهدف هذه المقالة إلى تحليل ما يمكن تسميته بـ«مزامير» السياسة الأميركية في الشرق الأوسط — بمعنى الألحان المتكرّرة، النغمات المتغيّرة، والتردّدات بين الأهداف والرؤى — من خلال استكشاف أهداف واشنطن، أدواتها، واستعراض مآلاتها. تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، مستعينة بمراجع أكاديمية وتقارير تحليلية. وتؤكد أن السياسة الأميركية رغم تغيّر الرؤساء والإدارات، فإنّ بعض العناصر الجوهرية تكرّرت، وأن التحدّيات المتراكمة في المنطقة تستدعي مقاربة نقدية أكثر تمهّلاً واستدامة.
---
المقدّمة
منذ منتصف القرن العشرين، كانت منطقة الشرق الأوسط محورًا مركزيًّا للسياسة الخارجية الأميركية، وذلك لأسباب متنوّعة: البعد الجيوسياسي، الموارد النفطية، علاقة واشنطن بإسرائيل، والصراعات الإقليمية التي تهدّد الأمن أو الاقتصاد الأميركيين. ومع ذلك، فإنّ التجربة الأميركية في المنطقة لم تخلو من الانتقادات، حيث يُقال إنّ الولايات المتحدة غالبًا ما قادت بـ«ألحان مؤقتة» أو تحولات مفاجئة بدل استراتيجيات ثابتة وطويلة الأجل.
في هذا الإطار، تعبير «مزامير السياسة الأميركية» يشير إلى: الأوّل، تكرار نفس الأهداف (مثل ضمان أمن إسرائيل، حماية تدفّق الطاقة، مكافحة الإرهاب)؛ الثاني، تغيّر النغمات والأدوات (مثل الانتقال من التدخّل العسكري إلى الدبلوماسية أو الضغط الاقتصادي)؛ الثالث، ازدواجية الرسائل أو التناقضات بين القيم المعلنة (الديمقراطية، حقوق الإنسان) والمصالح المعلَنة (الاستقرار، تأمين النفوذ). هذه المقالة تحاول أن تُسلّط الضوء على هذه «المزامير»، وتقيّمها، وتبيّن إلى أيّ مدى نجحت أو أخفقت، وما الدروس التي يمكن استخلاصها.
---
إشكالية البحث
– ما هي الأهداف الكبرى التي أرستها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهل تغيّرت أم بقيت ثابتة عبر الزمن؟
– ما هي الأدوات التي اعتمدتها واشنطن لتحقيق هذه الأهداف، وكيف تطورت؟
– ما هي مآلات السياسة الأميركية في المنطقة: ما الذي نجح، وما الذي أخفق، وما العوامل التي حدّدت نتائجها؟
بمعنى آخر: هل يمكن القول إنّ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط اتّسمت بـ«تجانس موسيقي مستمر» أم كانت أكثر تشويشًا وتغيّرًا عشوائيًّا؟
---
فرضيات البحث
1. الفرضية الأولى: الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط (تأمين النفوذ، حماية إسرائيل، ضمان الطاقة، مكافحة التوسّع الإيراني) ظلت إلى حد كبير ثابتة على الرغم من تغيّر الإدارات الأميركية.
2. الفرضية الثانية: الأدوات الأميركية (عسكرية، اقتصادية، دبلوماسية، تحالفات) تطوّرت استجابة للتغيرات الإقليمية والدولية، لكن تغيّرها لم يكن دائمًا متوافقاً مع التزام طويل الأمد بالاستراتيجية.
3. الفرضية الثالثة: مآلات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط سجّلت نجاحات محدودة وإن كانت هناك إخفاقات بارزة، وأنّ من أهم عوامل الإخفاق هو ضعف الربط بين الهدف والأداة، وكذلك تغيُّر التحالفات الإقليمية وعدم وضوح الخطة الأميركية طويلة الأمد.
---
منهج البحث
اعتمد البحث المنهج الوصفي-التحليلي، عبر:
مراجعة أدبيات السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، واستعراض أبرز الكتب والتقارير الأكاديمية.
تحليل تاريخي لمحطات رئيسية (ما بعد الحرب العالمية الثانية، حقبة الحرب الباردة، ما بعد 11 سبتمبر، فترة الانكفاء الأميركي، وما بعد الربيع العربي).
تحليل مقارن لأدوات السياسة الأميركية: التدخّل العسكري، الدبلوماسيات، العقوبات، الشراكات والتحالفات.
تحليل مآلات: ما الذي حقّقته واشنطن، وما الذي أخفق، مع التركيز على دراسات حالة مختارة (مثلاً: العراق، إيران، الخليج العربي، التحالفات مع إسرائيل).
استخلاص توصيات بناءً على النتائج.
---
التحليل
1. أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
تأمين الحضور والنفوذ الأميركي: وقد رأى بعض الباحثين أن الموقع الجيوسياسي للمنطقة وغياب قوى محلية قادرة على الهيمنة جعل الولايات المتحدة تتحرّك لمنع تراجع نفوذها.
حماية إسرائيل وضمان أمنها: تعتبر هذه من الثوابت في السياسات الأميركية تجاه الشرق الأوسط، فعلاقة التحالف وثيقة.
ضمان تدفّق الطاقة والتأثير على أسواق النفط والسياسات الاقتصادية العالمية: لا يمكن تجاوز هذا البُعد في فهم الموقف الأميركي.
مكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية: بعد 11 سبتمبر صارت هذه الأهداف مركزية في السياسات الأميركية.
الترويج لبعض القيم (الديمقراطية، حقوق الإنسان) كجزء من مشروع أميركي-عالمي، وإن تغيّر وزنها حسب الإدارة.
2. أدوات السياسة الأميركية
التدخّل العسكري: تدخلات مباشرة أو غير مباشرة (مثل العراق، أفغانستان، عمليات خاصة)؛ دراسة لـ Chatham House تشير إلى أن التحوّل الكبير في هذه الأداة لم يتأتى حتى الآن.
التحالفات والشراكات: مع دول الخليج، إسرائيل، تركيا، وغيرهم؛ تشكيل قواعد عسكرية، مبيعات أسلحة، اتفاقيات أمنية.
الدبلوماسية والاقتصاد: عقوبات على إيران، اتفاقات تطبيع («اتفاقيات إبراهيم») بين إسرائيل ودول عربية، الضغط الاقتصادي. مثال حديث: تحليل لـ Middle East Institute لسياسة ترامب في الشرق الأوسط.
الضغط القيمي والإعلامي: الترويج للديمقراطية، حقوق الإنسان، وتوظيفها في رسائل السياسة الأميركية، وإن– كما أظهرت الأدبيات – غالباً ما تأتي خلف أولويات الأمن والمصلحة.
3. مآلات السياسة الأميركية
نجاحات محدودة: نجحت الولايات المتحدة في ترسيخ بعض القواعد العسكرية، وتحالفات مع دول خليجية، والحفاظ على تفوّق إسرائيل، وفرض عقوبات على إيران.
إخفاقات بارزة: تدخلات (مثل العراق 2003) التي أدّت إلى عدم استقرار إقليمي وإطالة أمد التورّط. أيضاً تغيّر التحالفات الإقليمية (مثل التقارب بين دول عربية وإيران، أو بين تركيا وروسيا) يُشكّل تحديًا لواشنطن كما أشارت مراجع حديثة.
دروس مستخلصة:
استمرار أدوات قديمة (كالقوة العسكرية) رغم تغيّر البيئة الإقليمية.
غياب استراتيجية طويلة الأمد واضحة ومرنة بما فيه الكفاية لاستيعاب التحوّلات الإقليمية (مثل التغييرات في الخليج، النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، إيران).
تناقضات بين القيم المعلنة والمصالح التطبيقية، ما قد يشكّل مصدراً للانتقاد وقلة الثقة بالولايات المتحدة في المنطقة.
ضرورة إعادة النظر في أوزان الأدوات وتركيز أكبر على الشراكات الإقليمية والاقتصادية بدلاً من التدخّل المباشر المستمر.
---
الخاتمة
لقد عرضت هذه المقالة «مزامير» السياسة الأميركية في الشرق الأوسط: أهدافًا ثابتة-إلى-حدّ كبير، أدوات متنوّعة، ومآلات مختلطة بين نجاح وإخفاق. تتبيّن أن الولايات المتحدة ما زالت تلعب دورًا محوريًا في الشؤون الشرق أوسطية، لكنّ فعالية سياساتها تتعرّض لتحدّيات متزايدة. ومع دخول المنطقة مرحلة إعادة ترتيب التحالفات والنفوذ (كما أشار البعض بعد حرب غزة على سبيل المثال) ، يصبح من الضروري لواشنطن أن تعيد صياغة استراتيجيتها، وتركّز على:
بناء شراكات أكثر توازنًا مع دول المنطقة،
تقليل اعتمادها على التدخّل العسكري كأداة أولية،
تعزيز أدوات الاقتصاد والدبلوماسية،
وضوح الربط بين القيم والمصالح لزيادة الشرعية والمصداقية.
في الختام، سيبقى مفتاح سياسات الشرق الأوسط الأميركية ليس فقط في ما تُعلنه من نوايا، بل في مدى توافق الأهداف مع الأدوات والنتائج، وفي قدرتها على التكيّف مع بيئة إقليمية متغيّرة بسرعة.
---
قائمة المراجع المختارة
Prifti, Bledar. US Foreign Policy in the Middle East: The Case for Continuity. Cham : Palgrave Macmillan, 2017.
Gresh, Geoffrey F. & Keskin, Tugrul (eds.). US Foreign Policy in the Middle East: From American Missionaries to the Islamic State. Routledge, 2018.
Zenko, Micah. US Military Policy in the Middle East: An Appraisal. Research Paper, Chatham House, 2018 (updated 2020).
Katulis, Brian. “US Policy in the Middle East: A Report Card”. Middle East Institute, May 8, 2025.
Gilboa, Eytan. “United States Policy in the Middle East: A History of Challenges, Responses, and Failures.” Strategic Assessment – INSS, April 2021.
Grimmer, Olivia K. “The Policy of the U.S. in the Middle East After the War on Gaza.” Fares Center, 2 May 2025.
Markakis, John. “US Democracy Promotion in the Middle East”. PhD Thesis, LSE, 2012.
“The Middle East: Question for US Policy”. Student Text, November 2017.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟