أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ















المزيد.....

وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 12:05
المحور: قضايا ثقافية
    


‏وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ

‏في يومٍ مفصليٍّ في تاريخ العلم، ودّعنا اليوم واحداً من أعمدة الفيزياء النظرية وأكثر الشخصيات تأثيراً في القرن العشرين، تشن نينغ يانغ، الذي وافته المنية في 18 أكتوبر 2025 عن عمر يناهز 103 سنوات.
‏هذا الوداع ليس مجرّد نعي لشخصٍ، بل تأبين لمسيرة علمية امتدت لعقود، مسيرةٌ لا يُمكن اختزالها في سطر أو سطرين، لذا أود في هذا المقال أن نستعرض حياة يانغ، إنجازاته، إرثه العلمي، وأثره الإنساني والثقافي.


‏---

‏النشأة والخلفية

‏وُلد تشن نينغ يانغ في الأول من أكتوبر 1922 في مدينة هفي (Hefei)، بمقاطعة أنهوي شرقيّ الصين.
‏نشأ في بيئة أكاديمية، حيث كان والده، يانغ كوه‑تشوين (Yang Ko-chuen) أستاذاً في الرياضيات بجامعة تشينغهوا (جامعة تشينغهوا) قرب بكين.
‏خلال الحرب اليابانية-الصينية (1937–1945) انتقلت عائلته إلى جنوب غرب الصين، ونشأ هناك يانغ في ظروف تعليمية استثنائية، حيث تلقى تعليماً في جامعة “الوحدة الوطنية” (National Southwest Associated University) في كونمينغ (Kunming).
‏حصل على بكالوريوس العلوم عام 1942، ثم ماجستير عام 1944 من جامعة تشينغهوا (التي كانت مؤقتاً في كونمينغ).
‏وبعد انتهاء الحرب، حصل على منحة لدراسة الدكتوراة في الولايات المتحدة، حيث انتقل إلى جامعة شيكاغو في يناير 1946.


‏---

‏المسار الأكاديمي المبكر

‏في شيكاغو، تأثر يانغ بشكل كبير بأستاذه الشهير إنريكو فيرمي (Enrico Fermi) – أحد عمالقة الفيزياء في القرن العشرين.
‏حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء عام 1948 تحت إشراف إدوارد تلر (Edward Teller)، بعنوان «On the Angular Distribution in Nuclear Reactions and Coincidence Measurements».
‏بعد ذلك، عمل في جامعة شيكاغو لمدة سنة كمُدرّس مساعد، ثم في عام 1949 انتقل إلى معهد الدراسات المتقدمة (Institute for Advanced Study) في برينستون (Princeton) بالولايات المتحدة، حيث أصبح أستاذاً في عام 1955.
‏هذا الانتقال إلى قلب البحث النظري العالمي كان بداية لانطلاقةٍ علمية غير اعتيادية.


‏---

‏الإنجازات العلمية الكبرى

‏كسر مبدأ التماثل (Parity)

‏من أشهر إنجازاته: العمل مع زميله تسونغ‑داو لي (Tsung-Dao Lee) عام 1956–1957، والذي أثبت أن “مبدأ التماثل” أو “التوازي” بين اليمين واليسار (أي أن عمليات فيزيائية يمكن أن تُعاد صورتها المرآة ويجب أن تسير بنفس الطريقة) لا ينطبق في التفاعلات الضعيفة (weak interactions).
‏هذا الاكتشاف هزّ مفاهيماً راسخة في الفيزياء منذ عقود، وأدى إلى منحهم جائزة نوبل في الفيزياء عام 1957.
‏الطريف أن قبل هذا الاكتشاف، كان يُعتقد بأن التماثل (parity) قانونٌ لا يسلب، لكن يانغ ولي أظهرا أن الواقع مختلف.

‏نظرية يانغ–ميلز (Yang–Mills Theory)

‏في عام 1954، شارك يانغ العالم الأمريكي روبرت ميلز (Robert Mills) بصياغة نظرية معيارية غير أبيلية (non-Abelian gauge theory) أصبحت تُعرف باسم “نظرية يانغ–ميلز”.
‏هذه النظرية شكلت حجر أساس في النموذج القياسي (Standard Model) لفيزياء الجسيمات، إذ ساعدت في فهم كيف تتفاعل القوى الثلاث (الكهرومغناطيسية، الضعيفة، والقوية) ضمن إطار موحّد تقريباً.

‏مساهمات أخرى في الميكانيكا الإحصائية والفيزياء الرياضية

‏لم تقتصر مسيرة يانغ على فيزياء الجسيمات، بل امتدت إلى ميكانيكا الإحصائيات (statistical mechanics)، فيزياء المادة المكثفة (condensed matter physics)، ومعادلات رياضية مثل معادلة عادلة يانغ–باكستر (Yang-Baxter equation).
‏من خلال هذه المجالات، أثبت أنه باحث متعدد المواهب، يربط بين الفيزياء النظرية العميقة والرياضيات البحتة، ما جعله واحداً من أبرز عقول الفيزياء في تاريخ البشرية.


‏---

‏الجوائز والاعتراف الدولي

‏حصل على جائزة نوبل في الفيزياء 1957 مع تسونغ-داو لي.

‏مُنح ميدالية العلوم الوطنية الأمريكية (National Medal of Science) عام 1986.

‏انتُخب عضواً في العديد من الأكاديميات العالمية، ومنح أكثر من 20 درجة فخرية.

‏حصل على جائزة الملك فيصل العالمية للعلوم (King Faisal Prize) وجوائز علمية كبرى أخرى.


‏هذه الأوسمة التكريمية ما هي إلا انعكاسٌ لتأثيره العميق في الفيزياء وعلم الرياضيات على مستوى العالم.


‏---

‏التأثير والإرث الأكاديمي

‏من الجوانب التي تميز يانغ هو دوره كمُعلم وجسر بين الثقافات العلمية. فعلى سبيل المثال، تعتبر زيارته للصين عام 1971 نقطة تحول في فتح قنوات تبادل علمي بين الصين والعالم الخارجي، حيث ساعدت في بناء جسر من التواصل الأكاديمي.
‏وبعد سنوات من العيش والعمل في الولايات المتحدة، عاد ليُعلّم ويُنشئ بنية بحثية في وطنه، حيث تولى في عام 1999 منصب أستاذ بجامعة تشينغهوا، وقدّم خلالها الدعم لتطوير البحث العلمي في الصين.
‏كما أن طلابه وكلّ ما أنشأه من بنى بحثية – مثل معهد الفيزياء النظرية في جامعة ولاية نيويورك (Stony Brook) – سيظلّ شاهدًا على إرثه العلمي.


‏---

‏الجانب الإنساني والفلسفي

‏ما يلفت في شخصية يانغ ليس فقط الإنجازات، بل توازنُه بين انتمائه الصيني وجذوره الغربية، حيث قال في خطاب النوبل:

‏> «أنا فخور بتراثي الصيني بقدر ما أنا مكرّس للعلم الحديث، جزء من حضارة غربية الأصل».
‏كما وصفه زملاؤه بأنه «هادئ، متواضع، محبّ للعلم وليس للظهور».
‏ومن بين حكمه المعروفة: «من الأفضل أن تكون حقيقياً من أن تكون ذكياً؛ ومن الأفضل أن تكون بسيطاً من أن تكون مزخرفاً».
‏هذه النظرة تجعله ليس فقط عالماً، بل إنساناً ذا رؤية، إنساناً رأى أن العلم لا يُجرَّد من الانسانية والثقافة.




‏---

‏الرمزية والخلود

‏رحيل تشن نينغ يانغ ليس مجرد وفاة لفيزيائي عظيم، بل نهايةٍ لعصر من عباقرة القرن العشرين.
‏إنه يمثل الجسر بين الشرق والغرب، بين تراث تعليمٍ صينيٍ عريق، وبين المنحى العالمي للعلم.
‏إن مساهماته (من كسر التماثل إلى نظريات الغِقل الحقلية) ليست فقط صفحات في تاريخ الفيزياء، بل حجرُ أساسٍ لما يُدرّس اليوم في قاعات الفيزياء حول العالم.


‏---

‏خاتمة

‏اليوم نقول وداعاً… ولكن ليس وداعاً نهائياً، فالعلم لا يموت، والعقول العظيمة تترك بصماتها للأبد.
‏تشن نينغ يانغ علّمنا أن الطبيعة تملك مفاجآت، وأن قوانيننا المنظّمة ربما ليست كما نظن، وأن التواضع هو عنوان الرجل العظيم.
‏وإن كان هناك عنوانٌ يُلخّص حياته فهو: «عالمٌ عالميّ بحجم فكري، وإنسان منتمي لجذوره بقدر ما ينتمي للكون».
‏فلتحيى ذكراه، ولتستمر مسيرته في أجيالٍ من الباحثين الذين ينظرون إلى السماء – ويبحثون، كما فعل هو، عن الحقيقة.





#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفشير في العلاقات الإنسانية: هل هو مقبول أم غير مقبول؟ ‏
- ‏صورة اليهودي في تاجر البندقية لشكسبير واليهودي المالطي لمار ...
- ‏فرنسا التي لا تغفر مرة ثانية
- اتصال الرابعة صباحًا
- ‏الدكتور فاوستوس لمارلو وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- ‏هل ستقبل إسرائيل بالواقع الراهن في
- ‏التجذير السياسي في العلاقات بين الدول: مقاربة تحليلية للعوا ...
- ‏العوامل التي ستقود إلى فشل اتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس ...
- ‏الاستنساخ إلى أين؟ الجرأة على الحدود الممنوعة
- مزامير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- الأسباب الخفية للحروب: من حرب أسبرطة وأثينا إلى داحس والغبرا ...
- حدود وآفاق الهندسة الجينية في عصر الانفجار المعرفي
- ‏المقاومة بالموسيقا: دروس من التاريخ – من الصرخة إلى اللحن، ...
- ‏فاوست في السياسة الدولية الحديثة: مفاهيم الصراع، القوة، وال ...
- ‏الفزعة عند العرب: دراسة تحليلية تاريخية-اجتماعية-سياسية
- ‏الفيزياء الكمية في السياسة الدولية: تأثير العلوم الحديثة عل ...
- تأثير فورر (Barnum / Forer Effect) ودوره في الحرب النفسية ال ...
- ‏المقاومة بالموسيقا: دروس من التاريخ
- ‏الناس الجوف: قراءة نقدية موثقة في الفراغ الوجودي من ت. س. إ ...
- ‏هل ستحل الدولة الدينية محل الدولة القومية في القرن الحادي و ...


المزيد.....




- أمريكا تحشد قواتها قرب فنزويلا.. مصادر تكشف لـCNN: ترامب يدر ...
- شرطة أورلاندو تضبط تمساحًا بطول 6 أقدام كان يتجوّل في ممر سك ...
- نظامنا الغذائي يقتل الأرض: اللحوم الحمراء في قلب أزمة المناخ ...
- الاحتلال يمنع إمدادات حيوية لغزة والمعاناة مستمرة بالقطاع ال ...
- تحذيرات أممية من مخاطر الذخائر غير المنفجرة في غزة
- ممر داوود وأطماع إسرائيل في سوريا
- في مصر.. كارول سماحة تتألق بفستان أبيض في حفل جوائز -الغرامي ...
- وزير دفاع أمريكا الأسبق يحذر عبر CNN مما قد يشعل حرب فنزويلا ...
- -قطعة من أمريكا في قلب آسيا-.. جولة داخل حانةٍ بطابعٍ غربي و ...
- وسط تصاعد التوتر مع فنزويلا.. واشنطن ترسل أكبر حاملة طائرات ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - وداعاً أسطورة علم الفيزياء الصينية: تشن نينغ يانغ